الموضوع: الطليق
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
2

المشاهدات
2725
 
صالح اهضير
من آل منابر ثقافية

صالح اهضير is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
35

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Apr 2014

الاقامة

رقم العضوية
12834
03-13-2016, 04:01 PM
المشاركة 1
03-13-2016, 04:01 PM
المشاركة 1
افتراضي الطليق
[justify]

في اليوم الموعود،لفظته غياهب معتقَله الكئيب.. ألفى نفسه خارج الأبواب الموصدة.. تداعب محياه نسائم الدنيا من جديد .. نفض عن كيانه أذران الزنازن الخانقة وثقل القيود المدمية بعد أشهر وأيام توالت عليه حسوما..ارتمى بشوق ولهفة بين أحضان الفضاء الفسيح مغمورا بنشوة الوصال.
احتوته القاعة الكبرى، في ركن من أركان بيته العتيق..طاولات خشبية تمتد قي صفوف بطول وعرض الحيطان،تعلوها بقايا من أقفاص،واخرى شدت إلى السقف بأسلاك حديدية..كل الأقفاص خلت من طيورها بعد أن بيعت كلها دفعة واحدة بناء على وصية منه لذوي قرباه قبل أن تتقاذفه أهوال الزمن الصارم في محبس الشؤم،عدا قفصِِ واحد في إحدى الزوايا..يربض في غوره طائره الوحيد والمفضل وقد ملأ الجو بتغاريد البِشْر وحفاوة الترحيب،كما لو أنه أدرك بغريزته الحيوانية أن صاحبه قد عاد إليه بعد طول غياب..
خطا نحوه بخطى وئيدة ..جلس على مقربة منه وأخذ يتأمله للحظات كما لو أنه يراه لأول مرة..ريش مزركش بأصناف من ألوان بديعة،ذيل قصير، منقار دقيق، عينان مستديرتان.. زقزقات غير معهوده أدرك فحواها على الفور ..كان ينط من أرجوحة إلى اخرى.. يتمايل في كل الاتجاهات محاولا ضبط إيقاع توازنه برفرفات متوالية..
على حين غرة وبلا شعور،امتدت يده إلى بوابة القفص..فتحها ..أمسك برفق بالطائر..أخرجه بتؤدة من مربضه..حملته أفراس الذكرى إلى أغوار محبسه بالأمس القريب..استعاد غربة وضيق المكان ووحشته المريرة وتحركاته المحدودة والحصار المضروب على نماذج بشرية على شاكلته ..حينذاك تناهى إلى بؤرة مداركه أن الماثل أمامه الساعة هو أشد استشعارا لهول ورعب هذا الحيز المكاني المقيت، وربما أكثر مما كان مسطورا في سجل توقعاته..
تتنازعه نوازع النفس اللوامة في ذخيلته الهائجة هيجان اليَمّ في ثورانه..يعجب لمَ الأشياء والذوات تسبح ضد التيار لتعود على حين غرة إلى سابق عهدها..فطرة حيوان مجبول علىى شساعة الآفاق الرحيبة والفضاءات اللامتناهية وحركات وتنقلات لامحدودة ونظرات تمتد بلا انحسار هناك إلى الآماد النائية..هو ذا اللحظة قابع،جبرا لا اختيارا، في مكمنه وحيدا..!!..لا شك أن تضيق به شرنقة المكان وتخنق كيانه ربقة الزمان لتتقاذفه الجهات الأربع في نهاية المطاف..فلا يجد مناصا من الرضوخ لمصيره المحتوم..!!!
أخذ يقلّبه بين أصابعه في كل الأوضاع..مسد ظهره بلطف ولين..رمقه بنظرات متتالية فيها وجع وانكسار..أحنى رأسه مقبلا إياه ..خاطبه بوداعة :" أيها الطائر الأبهى..أنت مخلوق لتطير..فلتجللك العناية الربانية بجلالها..!..اذهب..فأنت الحر الطليق...!!"
تسلل الطائر من بين القبضة الآدمية على عجل محمولا على هودج ابتهاج لا يوصف،مرددا سمفونية انبعاث مشرق،مترنما بأناشيد يوم جديد..اندفع صوب الفراغ ..هناك بعيدا عبر الأجبُل والأودية والسهول الممتدة نحو الآفاق البعيدة
.
..[/justify]

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة