عرض مشاركة واحدة
قديم 01-17-2011, 01:00 AM
المشاركة 19
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي



هل كانت تأتيكِ الأفكار الأجمل للروايات في الريف أم في لندن؟

كلاهما ألهمني. وجدت لندن مفعمة بالبهجة كما يمكن أن تلمس من "مسز دالواي".

في مقالتي "الشوارع الساحرة"، تكلمت عن شوارع لندن التي أحببت السير فيها شتاءً. تكلمت فيها عن هواء لندن المنعش والنزعة الاجتماعية التي تسود شوارعها. المشي في لندن يشبه المشي على بساط سحريّ. أنتجت الكثير من رؤاي هكذا، إيقاع السير يضبطني على إيقاع الكتابة.

هناك كتابٌ للكاتبة "جين موركرافت ويلسن" عنوانه: "فرجينيا وولف: حياتها في لندن: سيرة المكان"، وفيه رسمت الكاتبة خريطة لجولاتي ! ليس فقط جولاتي بل بعض جولات شخوص رواياتي أيضاً.

زوجي ليونارد كان يعتقد أني أغدو أضعف وأقل مقاومة للمرض حين أكون في لندن، ولهذا كنا نعود أدراجنا إلى بيتنا الريفيّ في سُسيكس، بيت الرهبان، الذي دائماً ما كان هادئاً ومريحاً. كثيراً ما كتبت هناك في الحديقة حين كنت أرغب في الهروب من ضوضاء لندن وطابعها المثير، كنت أترك نفسي تغرق تماماً داخل عقلي حتى تأخذ أفكاري في التكوّن. أفترض أن مفتاح الكتابة يكمن في أن تكون وحيداً، ولهذا حتى حين أكون في لندن وأفكر في عملي أخرج وحدي في نزهاتٍ خلوية.

ساعدت كتبُكِ الكثير من مرضى الاكتئاب والقلق العقلي؛ حتى غدوتِ "صوتًا" للبشر ذوي الآلام العظمى. عندما رحلتِ، هل كنتِ تشعرين قبلها أن لا أحدَ هناك يمكنك الحديث معه، أو أن أحدًا لا يفهمك؟

أنا مندهشة ومسرورة أن كتبي ساعدت البشر المكتئبين، لم أفكر مطلقاً أن تكون لكتبي تلك الوظيفة. كان ينتابني القلق بشدة حين أضطر للكتابة عن الاضطرابات العقلية، وأجفل من خوض تلك المسالك.

لم ينتابني القلق في الواقع من عدم وجود أحدٍ أتكلم معه حين فكرت في الموت، لأن انهياراتي النفسية لم تكن وليدة حزنٍ أو قلق، لكنه الخوف المروّع من مرضٍ لا شفاء منه. شرحتُ الأمرَ لزوجي بوصفه "مرضاً فظيعاً". حين مرضتُ في الماضي كان هناك الكثير من الناس يحاولون المساعدة، لكنني كنت أشعر أن أصواتاً كثيرة غير موجودة تغمرني.

الشيء الذي أحبطني حقاً هو حين بدا لي أنه لم يعد هناك قراءٌ لأعمالي. كثيرٌ من أصدقائي بدءوا يموتون، وشعرت فجأةً أني أحيا في عالمٍ بلا قراء. كأنه عالمٌ بغير "صدى". ما جدوى الكتابة في عالم بلا قرّاء؟ (في واقعكم الآن يمكن أن أرى كم كان القياس خاطئاً بمجرد إلقاء نظرة على حياتي منذ موتي)
لكن لا، لم أشعر حقيقةً أن ليس هناك من أكلمه.

على العكس: أحسستُ أنني سأدمر حياة هؤلاء القريبين مني إذا ما تركت هذا المرض المروّع يصرعني ثانيةً. في الورقة التي تركتُها لزوجي ليونارد قلت له: "أعرف أنني أخرّب حياتَك... كلُّ شيء ضاع مني ماعدا اليقين بطيبتك" لهذا كان لدي بالفعل كل شيء يمكن الحياة من أجله.



ما هي الدلالة وراء "اللغة السريّة" التي تشاركتِ فيها مع ليونارد؟ ولماذا اتخذت شخصيات الحيوانات؟ هل كانت محاولة لخلق حالة عزلة وخصوصية؟


أظن أن كل الزوجات والأزواج لديهم "لغةٌ سريّة" خاصة بهم، حتى وإن لم يدركوا دائماً أنهم يتكلمون بها. تتزايد الشفرات والرموز بين الناس، وهم يطورون طرائقهم الفطرية في التواصل فيما بينهم.


حاولت أن أظهر هذا في رواياتي، وأظن أنني بذلت اهتماماً بذلك في روايتي الأولى "الخروج في رحلة بحرية" حين صوّرت مدام ومستر آمبرووز فيما يتكلمان سوياً بمعزل عن الناس، وكذلك راشيل وتيرينس وهما يجتهدان أن يؤسسا شفراتهم الخاصة بينما يتعارفان.


هل تعرف في أي قصة قصيرة حاولت اختبار هذا الأمر بدقة؟


إنها بعنوان " لابين و لابينووفا". كانت كُتبت قبل عام 1919، سوى أنها لم تُنشر حتى عام 1938، وهي تحكي الحياة الخيالية السريّة التي تعيشها زوجة تزعم أن زوجها أرنبٌ وأنها أرنبة. الزوج أصابه الملل من وطأة الوهم، ثم أوقفه، وكان في هذا نهاية الزواج. ما أعنيه أن تلك الشفرات والرموز والأسرار المشتركة تحفظ العلاقات وتساعدها على البقاء. حتى وإن بدت للآخرين شيئاً شاذاً غريباً.


ليونارد وأنا احتوانا زواج حميم للغاية، بالرغم من كل الكلمات الخبيثة التي قيلت دائما حول برود علاقتنا وفتور مشاعري. ربما قرأت شيئاً عن الإشارات الكثيرة في رسائلي القديمة ومذكراتي حول أسماء حيواناتنا الأليفة والألعاب التي مارسناها مع حيواناتنا. مازلنا نحتفظ بكل هذا في السنوات الأخيرة. ومازلت أتذكر الضجة التي كان يثيرها القرد الأمريكي الصغير الخاص بليونارد، وهناك إشارة غامضة حول "المرح الخاص" بشأن هذا الحيوان كتبتها نحو عام 1936، أي قبل موتي بثلاث سنوات.


لهذا أظن أن المرح مع تلك الحيوانات الأليفة يصنع نوعاً من مساندة المشاعر وتعميق الحميمية. نعم كانت لنا "لغة خاصة"، بالرغم من أن الجميع يعلمها لأنني كتبت عنها في مذكراتي.



هل لديك أقرباء مازالوا على قيد الحياة هذه الآونة، وهل يشتركون معك في موهبة الكتابة؟


نعم لدي الكثيرُ جداً! شقيقتي فنيسّا بيل لديها ابنان وابنة: جوليان (الذي قُتل في الحرب الأهلية الإسبانية)، كوينتين وأنجيليكا.


ابن أختي كوينتين بيل (الذي كتب سيرتي الذاتية) لم يعد حيا الآن، لكن زوجته آن أوليفر بيل هي محررة مذكراتي جميعها( يالها من مهمة شاقة!!).

كوينتين وآن أوليفر بيل كان لديهم ابنتان وابنٌ: فرجينيا نيكلسون، كريسيدا بيل، وجوليان بيل.

جوليان بيل كان رساماً وشاعراً وكان ضالعاً بقوة في النقد الفني. وأنجز كتاباً عن الرسام "بونار" عنوانه "بيير بونار" إصدار دار فيدون. ونشرت قصائده في دار نشر ديل.

كريسيدا بيل ليست كاتبة، لكنها مصممة مشهورة في فن النسيج، أما فرجينيا بيل فكانت كاتبة. ألفّت كتابا حول "شارل ستون"، الكتاب الذي بدأ كوينتين في جمعه قبل موته، وأعلم أنها الآن تعكف على تأليف كتابٍ جديد.

ابنة أختي آنجيليكا تعيش في فرنسا. هي كاتبة أيضاً، ولديها كتابان هما "مخدوعون بالطيبة" عن دار شاتّو ووينداز، وكتاب "اللحظة الخالدة" عن دار نشر باكربراش في أمريكا. ولديها بنات كثيرات. إحداهن تدعى هنريتّا جارنيت: وهي مصورة ممتازة، وكاتبة أيضاً. وهي الآن تكتب السيرة الذاتية لـ "آني تاكيري".

وهكذا ترى أن الكتابة تجري في العائلة!( آمل ألا أكون قد أغفلت أيّ واحد).



هل تعاملتِ مع قصصك القصيرة بنفس الجديّة التي كتبتِ بها رواياتك، أم كانت مجرّد محاولات تجريبية؟


كانت محاولات تجريبية، لكنني تعلمت الكثير من كتابة القصص. تعلمت كيف أعيد تشكيل الرواية. لم أتوقع أن تطبع قصصي القصيرة كلها، لكنهم طبعوا، حتى مجموعتي "الأزرق" و"الأخضر"، التي تندرج تحت أقصر القصص القصيرة التي كُتبت على الإطلاق (هل قرأتهما؟ إنهما تجريبيتان للغاية!)


لقد اكتشفت من خلالهما كثيراً من مفاهيم الإدراك الحسي والإدراك التجريدي، خاصةً في "كيو جاردنز"، حين تتأمل الناس المارة فيما يتحدثون حولك وكأنك في سرير من الزهور بين الحدائق.


عبر هذا المنظور، يبدو حديث الناس غريباً ومفككاً وغير مترابط( نيل، بيرت، لوت، كيس، فيليب، با، هو يقول، هي تقول، أن يقول، أنا أقول، أنا أقول ....)، وهذا هو سرير الزهور الوحيد الذي يحظى بالتماسك والترابط. تبدو لي الحياة على هذا النحو، بصدق، إنها الطبيعة وحدها التي تملك الترابط، بينما نحن عشوائيون، بالرغم من التحكم الذي نحاول أن نمارسه على حياتنا عن طريق كل الحكايات التي نحكيها.

في كلّ من قصتيّ "العلامة التي على الجدار" و "رواية لم تُكتب بعد"، تجد أن سلطة الراوية واهنة ومقوّضة. القصة تبدو منطقية، لكن حين نصل إلى النهاية، تبدو القصة شيئاً مختلفاً تماماً. وهكذا تجد الكثير من الخدع واللعب في قصصي، بشكل أو بآخر، غير إنني أيضاً أطمح فيها في تصوير العالم بالألوان الطبيعية.



يتبع
.
.
.

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)