عرض مشاركة واحدة
قديم 01-17-2011, 12:54 AM
المشاركة 18
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


حوارٌ لم يتمْ




مع فرجينيا وولف




هذه نخبة من الأسئلة التي وجهها القراءُ المعاصرون من مختلف الأعمار والثقافات للروائية فرجينيا وولف بعد موتها بعقود. أجابَ عنها نخبةٌ من خبراء الصف الأول اتكاءً على كتابات وولف ورواياتها ورؤاها في الحياة والثقافة والأدب. أسئلة حول منهجها الكتابي وآرائها حول الحياة ووضع المرأة وحياتها الخاصة وانتحارها، وإجابات متخيَّلة لم تقلْها وولف غير إنها متكئة بقوة على أسلوب تعاطيها للأمور.


كيف كانت الحياة في بريطانيا أثناء الحرب العالمية؟


أفترضُ أنك تقصد الحرب الكونية الثانية (1939-1945). نعم، بالفعل أتذكّرُ الكثير من الأمور عن تلك الفترة. لقد مِتُّ عام 1941 غير أني أذكر جيداً السنوات الأولى من الحرب والشهور السابقة التي أرهصتْ لها.



في مذكرّاتي ليوم 22 يناير 1939 أشرتُ إلى أن حرباً وشيكة تلوح في الأفق. في اليوم التالي أصدرَ رئيس وزارتنا مستر "شامبرلين" بياناً في الإذاعة يدعو فيه كل مواطنٍ إلى الخدمة: "من واجبِ كلِّ رجل أن يؤمِّن سلام البلاد" كان هذا يعني تنظيم المؤن، و"التعتيم الأسود" (الذي يعني تغطية النوافذ بالأقمشة السوداء حتى تغرقَ لندن في الظلمة وتنطمس معالمُها فتظنُّها الطائراتُ المعادية مناطقَ ريفيةً فلا تعبأ بإلقاء القنابل عليها)، وكل فرد أظهر تعاونا مع الأمر.


كم كرهت هذا التعتيم الأسود! في يومياتي ليوم 2 فبراير 1940 كتبتُ: "إن التعتيم الأسود أشد إجراماً من الحرب ذاتها... لم تغب عن خاطري لندن في حال السلم، مصابيحُ الليل، حافلاتٌ تزأر فيما تمرُّ عبر ميدان تافي ستوك..."

كنت كثيراً ما أتشوّق لجولاتي المسائية، حيث كان من الخطورة أن يسير أحدٌ في الظلام الدامس. اكتشفتُ وقتها كم أحببتُ مدينتي، وتخيلت ما لو سقطتْ قنبلةٌ فوق أحد شوارعها، خاصة تلك الأزقة الصغيرة ذات الشرفات النحاسية والستائر التي تعبق برائحة النهر، والعجائز وهم يقرأون! بالتأكيد كان إحساسي الوطني يشتعل، بالرغم من كوني أميل للنهج المسالم، وأرفض الحرب بكل مستوياتها.

كان زوجي متورطا في العمل السياسيّ، وكنت على درايةٍ بالكثير من الظروف السياسية التي يمرّ بها العالم آنذاك، غير إني بدأت أشعر أن التفكير في أسباب الحرب لونٌ من إهدار الوقت.

حينما كنا في منزلنا الريفي كنت أتوق إلى السفر إلى المدينة، لكنني عدلتُ عن فكرتي قائلة: "ما المغزى من الذهاب إلى هناك؟ أن نُقتَل بقذيفة؟!"
في مايو 1940 كسرَ الألمانُ خطَّ الدفاع الفرنسيّ وبدءوا في التوجه صوب القناة. كنتُ مرتعبةً من فكرة الغزو، خاصة وزوجي يهوديُّ الأصل مما يعني أن خطراً عظيماً يحدق بنا.

الصحفُ كانت "صانعة أبطال"، أي كانت تعرض صور المقاتلين الأبطال بنظراتِهم المنتشية بالنصر فيما كنتُ أفكر "إلى أي مدى نحن جديرون بمثل هؤلاء الرجال؟" كنت أحاول أن أكتبَ روايتي الأخيرة، "بين فصول العرض"، وكان من الصعب جداً الشروعُ في الكتابة بينما كل تلك الأحداث تجري.

بالمناسبة، هل شاهدتم برنامجاً تليفزيونيّاً معاصراً لكم يسمى "منزلٌ في الأربعينيات"؟ فهمت أنه يرصدُ يوماً من حياة أسرة عاشت ثمانية أسابيع في منزلٍ تم بناؤه على ذات الطراز السائد في الأربعينيات، بكل مفردات الحياة آنذاك، المؤن، التعتيم الأسود، الغارات الجوية الخ ، إذا ما استطعتم أن تشاهدوا هذا البرنامج، أعتقد أنه سيعطيكم فكرةً جيدة عن حال بريطانيا وكيف كانت في تلك الآونة.



هل مقالتا "غرفة تخص المرء"، و"ثلاثة جنيهات" تعكسان رؤاكِ السياسية الخاصة؟


نعم، الاثنتان تعكسان أفكاري، وقد كُتبتا من أجل أسباب مختلفة، وانطلاقا من مقاربات فكرية مختلفة.

كتبتُ "غرفة تخصُّ المرء" أساساً كمحاضرةٍ دُعيتُ لألقيها في جامعة نيونام في كامبريدج، حول المرأة والإبداع. (وعن طريق معجزةٍ ما، بعد ثلاث سنوات من نشر "غرفة تخص المرء"، وجدت كل صفحات مقالتي الأصلية عن المرأة والإبداع، لكنني لا أذكر ما إذا كنت بالفعل كتبت المحاضرة التي ألقيتها أم فقط كتبتُ مقالةً ترتكز على هذا الموضوع).

بمجرد أن بدأت أفكر في عنوان المحور، تملكني السخط من جراء غياب صوت النساء المميزات هناك. كان القليل من النوافذ متاحًا للمرأة آنذاك. بالتأكيد كانت نبرة المقالات مرحة بعض الشيء لكنني كنت جادة فيما يخصُّ المحتوى.

إبان كتابتي "ثلاثة جنيهات" كنت حانقة. كنت عنيفة في كل ما جاء بها. كتبتها في حالٍ من الاعتقاد الغاضب. وكانت ردود الفعل فجّة حول هذه المقالة: كيو دي ليفيز، الناقدة بجامعة كمبريدج قالت إنني بدوت وكأنني واقعة تحت وهم أن النساء ظلت لقرون يقلّبن القدور بيدٍ ويؤرجحن المهد بالأخرى...(أمر مضحك. كانت ترمي أنني مشوشة العقل، وغير ملمّة بالواقع).

غير أني حصدتُ خطاباتٍ كثيرةً من نساءَ متباينات، غير أكاديميّات، يعبّرن عن امتنانهن حين صادفوا مشاعرهن التي أرّقتهن طويلا مطبوعة على الورق. وهذا يعني أن تلك الكتابات قد مسَّتهن عميقاً وعَنَتْ شيئاً لهن... أجل كتاباتي عكست أفكاري ورؤاي السياسية والاجتماعية.



هل كنت تعتقدين حقاً باحتياجك إلى غرفةٍ خاصة من أجل أن تبدعي؟


أجل، كتبتُ تلك المقالة عن اقتناع تام، بعد شهور قليلة من محاضراتي لطلاب كامبريدج حول المرأة والإبداع.

بالرغم من أنني أتمنى أن تتناول هذا العمل بوصفه إبداعاً، لكنه لم يكن كذلك، فقط هي كتابة تعكس أفكاري الخاصة. فكما تعلم، جعلت جوهر القضية في بداية الكتاب الأولى، أن المرأة يجب أن تحصل على مالها الخاص وغرفتها الخاصة إذا ما نيط بها كتابة الإبداع. وصلتُ إلى ذاك اليقين قبل أن أتطرّق إلى طبيعة المرأة المبدعة، وطبيعة الإبداع التي ستكتب، وبقية الكتاب دار حول لماذا أنا على كل هذا اليقين من كون هذين الأمرين من الضرورات ما-قبل-الأولى.

ربما ظروف إلقاء المحاضرات في كمبريدج أدت إلى إيماني الذاتي بوجوب حصول المرأة المبدعة على تلك المصادر كي تبدع، أعني المال، المكان، الخصوصية.

كلما فكرت في كل تلك الأموال التي أهرقت في المؤسسات الذكورية، وفي الظروف التي يتلقى خلالها الرجالُ الدرسَ في كمبريدج، لا أتمالك نفسي من التفكير في النساء اللواتي ظللن يعملن لقرون طويلة، ومرّ شقاؤهن سدى، من دون أن يُلتفت إليه.

كتاباتي أعلنت عن إيماني بوجوب أن يُنظر للمرأة الكاتبة باعتبارها محترفة كتابةً لا موضوعاً للكتابة، وأيضا أشارت كتاباتي إلى ضرورة أن يكون الكاتبُ عمومًا مثقفا، وعلى علاقة وثيقة بالمكتبات والمراجع.

لو تأملنا هذه الكتابات الآن، ربما نجد أن "غرفة تخص المرء" هي إعلانٌ عن كتابتي: فهي مزيجٌ من الخيال المحلّق في الوهم، ومن إمكانية أن نرى الحياة كرواية، موشاة بقوة بالمعطيات الفكرية والسياسية في ذات الوقت.



هل تمتعتِ بطفولةٍ سعيدة؟


تمتعتُ بطفولة نشطة، كما يمكنك أن تستخلص من خلال سيرتي الذاتية التي سيكتبها "هيرميوني ليي" فيما بعد.

كان لي سبعة أخوة وأخوات: شقيقان، شقيقة، أخان غير شقيقين، وأختان غير شقيقتين. ولا غرابة إذاً أن بدت أمي مشغولة طوال الوقت.

عشنا في لندن، ولذا اعتدنا أن نؤخذ إلى حدائق كنزنتون لمشاهدة تمثال "بيتر بان"، وقرأنا الكثير من الأعمال مثل "الكنز الذهبيّ"، بل وأنشأنا صحيفتنا الخاصة. كان اسمها "جريدة بوابة هايدبارك (مازلت أحتفظ بها، كان أنا من كتبَ معظمها).

أتذكّر حين كنت صغيرةً جداً، ألعب أسفل طاولة غرفة الطعام مع شقيقتي فانيسا. كانت تسأل عن أشياء مثل "هل للقطط السوداء ذيول؟ وتتساءل عما إذا كانت السماء متشابهة في كل مكان.


في الصيف ذهبنا جميعا إلى سانت أيفز وعشنا في منزل كبير جوار البحر. (كتبتُ عن فصول الصيف تلك في رواية "صوبَ المنارة") . كنا نخرج للعب باصطياد اليعاسيب والفراشات.


قبل موتي بدأت أكتب عن ذكرياتي الأولى، واكتشفت أنني أتذكّر بوضوح مراحلي الأولى حين كنتُ طفلةً في روضة أطفال سانت أيفز، أصحو مبكرا في الصباح، أستمع إلى صوت البحر فيما أفكر أن هذا الصوت هو "المتعة الصافية" التي يمكنني أن أستقبلها.. وهكذا يمكن أن أقول، نعم كانت طفولتي سعيدة! (إلى أن ماتت أمي، ولكن هذه قصة أخرى).



يتبع


.


.


.


هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)