عرض مشاركة واحدة
قديم 01-29-2013, 02:21 PM
المشاركة 9
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع،،

اقتباس "امتلأت أطباق العشاء بالأحاديث البالية ،،، يرن الهاتف ذو الأسلاكالمرتخية ،، رنات كسولة ،،، ركضت إليه ،،، كنت أقاوم السقوط ،،، توقف قبل أنألمس السماعة !!!".

واضح أن القاص استخدم أسلوب الحذف هنا، وكأنه أراد القول في المادة المحذوفة بأن المظاهرات التي شارك فيها بائع الليمون قد قادت إلى انقلاب وتغيير في النظام، وانتهت الدولة المدنية، وتأسس نظام جديد، وكان الأمل أن تمتلئ أطباق العشاء بالطعام كنتيجة لهذا التغيير لكن التغيير الذي حصل لم يأت بجديد ولم يحسن الوضع الاقتصادي ولم يملأ الأطباق، ودليل ذلك أن الناس أصبحوا يتجمعون حول المائدة لتبادل الأحاديث البالية، وذلك كناية عن حالة التراخي والانفلات وفقدان النظام، فقد ظلت أطباق العشاء فارغة إلا من الأحاديث البالية. فلم يعد أمام الناس إلا التجمع حول الموائد الممتلئة بالإطباق الفارغة ليتبادلوا الأحاديث البالية.

ولتعزيز صورة الوضع المأساوي وحالة الارتخاء التي آلت إليه الأمور، يقدم لنا القاص وصفا لحالة الهاتف فهو من ناحية ذو أسلاك مرتخية، وفي ذلك ما يوحي بفقدان الانضباط وسيادة حالة انعدام الوزن والفوضى التي أثرت على كل مناحي الحياة، حتى أن الهاتف أصبح على تلك الحالة من الارتخاء.

ولمزيد من التعزيز لتلك الصورة المأساوية يجعل القاص الهاتف يرن رنات كسولة أيضا...لكن رنات الهاتف تبعث الراوي الأمل فيركض إليه لعله يأتيه بجديد، وفي وصف البطل بأنه كاد أن يسقط مؤشر إلى الحالة النفسية المتردية التي كان يمر بها، وربما حالة الجوع التي وصل إليها البطل، فهو غير قادر على السير باعتدال، لكن الهاتف توقف قبل أن يلمس البطل السماعة، فحتى بارقة الأمل الوحيدة والتي جاءت من هاتف مرتخي الأسلاك ويرن بكسل هذه تنتهي بسرعة، وقبل أن يصل الراوي إلى السماعة ليرد على المكالمة.

طبعا هناك مجموعة من عناصر التأثير في الفقرة فالقاص من ناحية يستثير غريزة الجوع بحديثه عن أطباق العشاء الفارغة، وفي نفس الكلمات استخدام للنقائض فهي أطباق امتلأت لكن بالأحاديث البالية.

وفي استخدام كلمة ( يرن+ رنات) ما يوقظ حاسة السمع وينبه المتلقي إلى الوضع الجلل والمأساوي التي آلت إليه الأمور.

وفي الركض حركة وهو ما يضفي حيوية وحياة على النص.

ومرة أخرى يلجأ القاص إلى استخدام النقائض كعناصر تأثير من خلال الحديث عن (الركض+ التوقف + والكسل).

وفي كلمة ( المس ) استثارة لحاسة اللمس ايضا.

كما يلاحظ بأن القاص حشد في هذه الفقرة سبعة كلمات فيها أحرف الهمس ذات الجرس وهي أحرف ( السين والشين ) والتي لها وقع خاص على أذن المتلقي، وذلك من بين ما مجموعه 23 كلمة استخدمها الكاتب في هذه الفقرة.

طبعا يمكن فهم الفقرة على مستوى آخر. أي أنها تمثل استمرار للحالة النفسية البائسة للبطل، والذي جعلته حالة الكآبة التي يمر بها يرى الأمور بمنظار آخر.

فهو هنا يبدي امتعاضه من الأحاديث البالية التي يتبادلها الناس حول المائدة ضمن مسلسل الزيف والرتابة، أو هكذا هي تبدو له، وهو حينما يسمع رنة الهاتف يركض باتجاهه، وفي ذلك ما يشير إلى مدى حاجته للتواصل مع الآخرين، لكن الهاتف ما يلبث أن يصمت، مما يكرس حالة العزلة والانقطاع عن الآخرين التي يمر فيها البطل، وفي ذكره لمقاومة السقوط فان الراوي يشير إلى مظهر آخر من مظاهر الحالة الكئيبة التي يمر بها.

ويلاحظ هنا بأن القاص حرك كاميرته ليسلط الأضواء الكاشفة هذه المرة على ما يدور في نفس الراوي بطل القصة ، على الرغم انه ظاهريا يبدو وكأنه يستكمل وصف المشهد الذي تدور فيه أحداث القصة.


يتبع،،