عرض مشاركة واحدة
قديم 10-30-2020, 10:26 PM
المشاركة 7
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: بـُردةُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم
ومن بعد البوصيري اشتهرت قصيدة "نهج البردة" لأمير الشعراء أحمد شوقي التي افتتح أبياتها قائلا:

ريم على القاع بين البانِ والعلمِ .. أحلّ سفك دمي في الأشهر الحرمِ
رمى القضاء بعيني جؤذر أسدا .. يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجمِ


وقال فيها أيضا في مدح النبي عليه السلام:

لزمتُ باب أمير الأنبياء ومن .. يمسك بمفتاح باب الله يغتنمِ
فكلّ فضل وإحسان وعارفة .. ما بين مستلم منه وملتزمِ
علّقت من مدحه حبلا أعزّ به .. في يوم لا عزّ بالأنساب واللحمِ
محمّدٌ صفوة الباري ورحمته .. وبغية الله من خلق ومن نسَمِ
وصاحب الحوض يوم الرسل سائلة .. متى الورود؟ وجبريل الأمين ظمي
سناؤه وسناه الشمس طالعة .. فالجرم في فلك والضوء في علَمِ


رائعة من روائع أمير الشعراء أحمد شوقي ، قصيدته نهج البردة في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي معارضة لقصيدة البردة المشهورة للبوصيري ..معارضة عنوانها السير على نهج الأولين وتتبع خطاهم ، وهذا ما أكده أحمد شوقي ، وذاك هو الأدب .

وإذا كان البوصيري أول من ابتكر فنّ المدائح النبوية فبسّط فيه وأطال ، إلا أنه سبقه شعراء عدة في مدح سيد الخلق ، ومنهم كعب بن زهير صاحب قصيدة بانت سعاد في مدح الرسول الكريم

أما ظروف ومناسبة قصيدة نهج البردة
وضع الشاعر أحمد شوقي قصيدته نهج البردة كتذكار لحج حاكم مصر الخديوي ، وقدمها إليه ، فكانت أجمل تذكار وهدية ، أفاضت مشاعر شوقي الفياضة تجاه الدين ورسول الإسلام .
تعد قصيدة نهج البردة من أطول قصائد أحمد شوقي ، إذ تبلغ مائة وتسعين بيتا ، نسجها أمير الشعراء على أمواج البحر البسيط ، وسنعرض لكم بعض أبياتها على سبيل الإيجاز :
الله يشهد أني لا أعارضه * من ذا يعارض صوب العارض العرم
وإنما أنا بعض الغابطين ومن * يغبط وليك لا يذمم ولا يلم
أخوك عيسى دعا ميتا فقام له * وأنت أحييت أجيالا من الرمم
قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا * لقتل نفس ولاجاؤوا لسفك دم
جهل وتضليل أحلام وسفسطة * فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم
يارب هبّت شعوب من منيتها * واستيقظت أمم من رقدة العدم
سعد ونحس وملك أنت مالكه * تديل من نعم فيه ومن نقم

بدأ قصيدته بمقدمة غزلية .. ثم وعظ النفس .. ثم مديح لنبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم
محمد صفوة الباري ورحمته * وبغية الله من خلق ومن نسم

وصاحب الحوض يوم الرسل سائلة * متى الورود ؟ وجبريل الأمين ظمي
ثم يقص علينا الشاعر بعد ذلك بعض علامات ومعجزات نبي الرحمة المهداة ، منها قصة الراهب بحيرى المشهورة ، وتفجر الماء بين أصابعه ، وتظليل الغمامة له .
لما رآه بحيرا قال نعرفه * بما حفظنا من الأسماء والسيم
سائل حراء وروح القدس هل علما * مصون سرّ عن الإدراك منكتم
لمّا دعا الصحب يستسقون من ظمإ * فاضت يداه من التسنيم بالسنم


ويصف بعد ذلك مشهد نزول الوحي بأول آية وهي : اقرأ ، ثم ينتقل إلى الحديث عن معجزة القرآن الكريم ، بصفته الكتاب الخالد الباقي المتمم لجميع الرسالات السابقة .
ينتقل الشاعر إلى الحديث عن بشائر مولده صلى الله عليه وسلم ، في الوقت الذي ساد فيه الظلم والجهل والطغيان ، ومن بشائر هذا المولد تصدع إيوان كسرى .
وفي أبيات تشع جمالا وبراعة ، تطرق أمير الشعراء إلى معجزة الإسراء والمعراج ، وما لحقها من آيات عظيمة .
يواصل شوقي في ذكر معجزات سيد الخلق ، ويصف مشهد صاحبي الغار ، وحفظ الله لرسوله وصاحبه من كيد المشركين وتتبعهما ، لينتقل بعد ذلك إلى التأدب مع صاحب البردة البوصيري ، إذ يقر بأنه لا يعارضه بقدر ما أنه مجرد تابع وسائر على نهجه .

المادحون وأرباب الهوى تبع * لصاحب البردة الفيحاء ذي القدم
مديحه فيك حب خالص وهوى * وصادق الحب يملي صادق الكلم
الله يشهد أني لا أعارضه * من ذا يعارض صوب العارض العرم
وإنما أنا بعض الغابطين ومن * يغبط وليك لا يذمم ولا يلم

ويعقد مقارنة طريفة بينه وبين نبي الله عيسى عليه السلام ؛
يتصدى الشاعر بعد ذلك إلى المعادين للإسلام والذين يكيلون له أبشع التهم ، منها أنه دين حرب انتشر بحد السيف ، موضحا أن اللجوء إلى الحرب كان آخر وسيلة بعد استنفاذ كل السبل في الدعوة والنصيحة .

ويشير إلى ما لقيه المسيحيون الأوائل من جور واضطهاد ، والذي لم يحسم إلا بالقوة ، وفي نفس الوقت يدافع عن المبدأ الإسلامي في الجهاد الذي يلتزم بقواعد الأخلاق تراعي الذمم والمواثيق .
قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا * لقتل نفس ولاجاؤوا لسفك دم
جهل وتضليل أحلام وسفسطة * فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم
والشر إن تلقه بالخير ضقت به ذرعا * وإن تلقه بالشر ينحسم

وفي حديث طويل يعقد أمير الشعراء مقارنة بديعة بين حضارة الإسلام وباقي الحضارات والأمم ، مشيرا إلى تفوق شريعة الإسلام وما بنته من عدل وقيم وأخلاق ، جعلتها في صدارة الأمم علما وسيادة ومعاملات .
ويفتخر الشاعر بخلفاء الإسلام ويشيد بأمجادهم ، ثم يثني على الخلفاء الراشدين مبينا فضلهم على أمة الإسلام .
ويصف الشاعر بعد ذلك افتتان الناس بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، وذهول عمر – رضي الله عنه – ، في حين يصور رباطة جأش أبي بكر – رضي الله عنه – وثباته ضد المرتدين .

وينهي الشاعر قصيدته بالصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحابته .

يا رب صل وسلم ما أردت على * نزيل عرشك خير الرسل كلهم
وصل ربي على آل له نخب * جعلت فيهم لواء البيت والحرم
وأهد خير صلاة منك أربعة * في الصحب صحبتهم مرعية الحرم


وفي خشوع وتضرع ، يرفع الشاعر ابتهالا إلى الله ، يدعو بالخير لأمة الإسلام ، في ظل التخلف والتمزق الذي تعيشه ، في حين تسير أمم أخرى نحو التقدم ، مؤمنا بقدر الله وحكمه ، طالبا اللطف في قضائه .
يارب هبت شعوب من منيتها * واستيقظت أمم من رقدة العدم
سعد ونحس وملك أنت مالكه * تديل من نعم فيه ومن نقم
رأى قضاؤك فينا رأي حكمته * أكرم بوجهك من قاض ومنتقم