عرض مشاركة واحدة
قديم 02-18-2016, 11:08 AM
المشاركة 7
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أوهام التدخل الخارجي تتجدد في سورياباسل أبو حمدة
February 17, 2016


في زمن العولمة، من الطبيعي أن تتداخل الملفات والأجندات وتتقاطع المصالح هنا وتتشظى هناك، ومن المنطقي أيضا ظهور حالة من تكامل الأدوار وتبادلها، لاسيما في الملفات الساخنة على الساحة الدولية، إلى درجة يصبح معها التعويل على العامل الخارجي في أي قضية وطنية أمرا لا غنى عنه أحيانا.بعيدا عن الميل إلى وضع البيض كله في سلة واحدة طبعا.
لكن أن تعلق كل الرهانات الوطنية على الخارج حصرا، كما في حالة الثورة السورية المعاصرة المناهضة لنظام الاستبداد في دمشق، فذلك أمر آخر يرتد بالضرورة إلى عنق متبنيه، لا لشيء إلا لأن قراءة من هذا النوع تقع في مطبات قاتلة عديدة، أهمها عدم الاعتماد على قراءة موضوعية لطبيعة القوى الخارجية المعول عليها وحقيــقة اصطفافاتها الإقليمية والدولية، فضلا عن البنية الفكرية والسياسية والاقتصـــادية لتلك القوى من حيث المبدأ.
هذا من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية، فإن تجربة هذه الثورة «اليتيمة» الممتدة منذ خمس سنوات والمعمدة بدماء وآلام ملايين المواطنين السوريين، تشي بعقم منهج التعويل على العامل الخارجي نظريا وعمليا، لا بل إن سوء طالع أصحاب هذه التجربة الثورية أغلقت الأبواب جميعها في وجوههم عندما لاحت في الأفق إمكانية الاستفادة من البيئة الإيجابية التي ولدت من رحم الربيع العربي، عندما راح الطغاة العرب يتهاوون الواحد تلو الآخر بين محيط العالم العربي وخليجه، إثر تمكن أنظمة الاستبداد في المنطقة من التقاط أنفاسها وإعادة ترتيب أوراقها استعدادا للانقضاض على مخرجات الثورات العربية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، والإجهاز عليها في جولة من صراع يبدو أن أمده سوف يمتد طويلا في واقع المواطن العربي المغلوب على أمره، وسوف يعيق بناء مستقبله وحلمه في بناء دولة المواطنة والقانون. ورغم أطنان الخذلان والخيبة التي صفعت وجوه سائر التشكيلات السياســــية والعســكرية السورية وشخصياتها المناهضة لطاغية دمشق، والتي جاءت من الصديق والشقيق قبل العدو، إلا أن نخبا سورية معارضة لا تزال تحلم وتعول على تدخل خارجي من شأنه، كما تعتقد، وقف معاناة السوريين وتخليصهم من نظام يحكمهم بقبضة من حديد ونار، منذ نحو نصف قرن من الزمن، متناسية أن سائر التدخلات الخارجية في الشأن السوري خلال السنوات الخمس من عمر ثورتهم كانت بطلب من النظام ولصالحه، بينما ظلت ساحة القوى الاقليمية والدولية المناصرة ظاهريا للثورة السورية قابعة في مربع القلق والتنديد والاستنكار وتضارب المواقف وترددها بشكل عبثي، ما أعطى القوى الساعية إلى استئصالها الفرصة تلو الأخرى للمضي في مشروعها المدمر.
منذ البداية راحت تتكون شرنقة القوى الاقليمية والدولية التي تدعي وقوفها إلى جانب الشعب السوري وسعيه إلى التغيير السياسي في نظام الحكم في سوريا، مثلما راحت، في الوقت عينه، تلتف حول عنق التشكيلات السورية المعارضة العسكرية والسياسية على حد سواء، وتصبغها بألوانها وتضعها على سكة استراتيجياتها وتكتيكاتها حتى وجدت هذه التشكيلات نفسها بلا حول ولا قوة وفاقدة للارادة الوطنية المستقلة، بعد أن وقعت فريسة الفخ الديماغوجي الذي نصبته لها تلك القوى، التي تشي قراءة بسيطة لطبيعتها وبناها بأنها لا تختلف كثيرا عن نظام الطاغية في دمشق، سواء من ناحية بناها الهيكلية الداخلية أو لجهة تحالفتها وموقعها في المنظومتين الاقليمية والدولية المكملتين لبعضهما بعضا بطبيعة الحال.
بالانتقال من الحيز العام لما آلت إليه أوضاع الثورة السورية المعاصرة إلى الحيز الخاص بالمشهد الذي تلا التدخل العسكري الروسي المباشر، الذي قلب موازين القوى رأسا على عقب في الصراع في سوريا وعليها، لا يزال يلحظ ذلك الجموح إلى التعويل على تدخل خارجي لصالح قوى المعارضة لم يأت يوما ولن يأتي في مقبل الأيام، فلقد ثبت بالملموس تماسك موقف المجتمع الدولي المناهض للتغيير في سوريا، لاعتبارات باتت مفضوحة أهمها مكانة النظام السوري في الاستراتيجية الغربية الشرق أوسطية باضلاعها الثلاثة: أمن إسرائيل، والثروة النفطية والموقع الجغرافي، التي لم يطرأ عليها أي تعديل منذ نحو قرن من الزمن، والدور الحاسم الذي يلعبه هذا النظام في هذا الاتجاه، والذي يتقاطع بالضرورة مع من يبدون استعدادهم للتدخل في سوريا حتى لو كان خطر تمدد النفوذ الايراني ماثلا أمام أعينهم، فالمسألة هنا تتعلق بسلم أولويات النظم الاقليمية الحاكمة في المنطقة.
بكلمة أخرى، وهذا الكلام موجه أولا لتشكيلات المعارضة السورية كافة، يمكن القول إن من أطفأ شعلة الربيع العربي في القاهرة وصنعاء وطرابلس، لن يعيد لها جذوتها في دمشق حتى لو امتلك الرغبة في ذلك، آخذين بعين الاعتبار عاملين محوريين: أولا، تركيبة الدولة العربية التي تعتقد أنها تقود هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العالم العربي، والمقصود هنا السعودية، التي لا تختلف في جوهرها غير الديمقراطي عن بقية الأنظمة العربية الشمولية، وثانيا، البعد الجيوسياسي في علاقة الرياض بالمنظومة الغربية بقيادة الولايات المتحدة بطابعها العضوي، فالجميع يعلم أن هذه العلاقة تقوم على معاهدة كوينسي التاريخية، التي تقوم على معادلة النفط مقابل الأمن،هذا عدا عن أن هذا البلد العربي يواجه معضلة تاريخية على المستوى المرحلي، فهو يمر بأوقات عصيبة عمليا تتمثل في تصاعد التوتر مع إيران، والصراع في اليمــــن، والارتدادات الســــياسية الناجمة عن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط، والتأثير العالمي لظاهرة «الإرهاب الجهادي»، وتزايد وتيرة أزمة الثقة بين الغرب والمملكة، جراء اتهام الأخيرة بدعم التيارات الأصولية الاسلامية.
يلحظ أيضا أن حمى الوهم لا تقتصر على التشكيلات السورية المعارضة في تعويلها على العامل الخارجي وانتصاره لقضيتها العادلة فحسب، بل إنها تطال المعول عليهم أيضا، فبالإضافة إلى العقبات المذكورة أعلاه أمام إمكانية أن ترى»عاصفة الشمال»، على سبيل المثال، النور أولا قبل أن تشق طريقها إلى حيز التطبيق أو النجاح ثانيا، ثمة مزيد من العقبات أمامها والمقبلة، هذه المرة، على جناح انزياح دفة موقف المجتمع الدولي والولايات المتحدة باتجاه محاربة تنظيم» داعش» على حساب القضية السورية، والتفاهمات الضمنية والصريحة بين موسكو وواشنطن حول أولوية محاربة الارهاب على التغيير السياسي في سوريا، وتواري النقاش حول مصير الطاغية عن الأسماع والأنظار، وتراجع الحل السياسي لصالح خطاب النظام السوري القائم على الحسم العسكري، ذلك النظام الذي لا يفهم سوى لغة القوة والعنف، التي كلما سمع صداها في الميدان وبين جنبات أوجاع الشعب السوري وأشلاء شهدائه وجرحاه وأنات معتقليه وآهات مهجريه ونازحيه، ازداد صلفا ووحشية.
يلاحظ، أخيرا، أنه ما من قوة استعمارية مكثت إلى الأبد في مناطق انتشارها خارج حدودها الوطنية، وما من طاغية حكم شعبا لا يريده إلى ما لا نهاية، وأن مصير المحتل وربيبه إلى زوال دوما، لكن وبما أنه من العبث توجيه دعوة إلى الطاغية لوقف العبث بالوطن بأيدي خارجية، فإن الضرورة تقتضي دعوة تشكيلات المعارضة السورية إلى نبذ وهم التعويل على الخارج إلى درجة الذوبان فيه.

٭ كاتب فلسطيني

باسل أبو حمدة