الموضوع: مغارة سماوية
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
22

المشاهدات
10523
 
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي


ريم بدر الدين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
4,267

+التقييم
0.68

تاريخ التسجيل
Jan 2007

الاقامة

رقم العضوية
2765
09-30-2010, 12:28 PM
المشاركة 1
09-30-2010, 12:28 PM
المشاركة 1
افتراضي مغارة سماوية
تمتلكني رغبة حادة بالصراخ ..
ربما ..لكي تستيقظ جذور النبات في رحم التربة و تقدم لي بعض العزاء فما عاد لي في ظاهر الأرض من يقدمه.
ربما..أصرخ كي أهب ذاكرتي قبلة الحياة فأنا أحتاج أن تجلدني بسياطها المرعبة لئلا أحيد ثانية عن دربها المرسوم.
من أنا؟ لست أدري .
ماذا سأكون ؟ لا أعي على وجه التحديد.
أين تستقر قدماي الآن؟
ربما تسبحان في هواء ..خواء مدته لي بكل براعة يدان أتقنتا رسم اللامدى و اللامنظور و جعلت منه عالما متكاملا دون أن ألمس منه ذرة في الواقع.
كانت الكلمات فعلا لا تشابه الكلمات، و مازالت هكذا!!
لكن جرعة أفيونها المخدر بدأت بالتلاشي بعد انقضاء نصف عمرها المؤثر و بدأ العقل بتنظيف سمومها و آثارها الجانبية.
كلمات كشجرة لبلاب أسطورية أصلها في التراب و فرعها بين الغيوم تسلقتها حتى وصلت عيون السحاب ..سحاب اعتلت متنه مغارات و تجاويف تسمع من عمقها همهماتٍ و قهقهاتٍ مخيفة لكائنات غير بشرية تسكنها.
رغم هذا خطوت إليها ...ولجتها بكامل إرادتي و ليس في يدي غير قنديل صغير بضوء شحيح بدأ نوره يذوي قليلا قليلا لأنه ما بقي فيه نقطة زيت و ربما لانعدام الأوكسجين لا فرق!
الغريب هنا أنّي ما زلت أتنفس!
طالعتني وجوهٌ طائرة لم أدر كيف رأيتها...من أين استمدت الضوء اللازم لأراها؟ ...وجوه مرعبة حينا و مألوفة حينا !
مظلمة تلك المغارة . كان بودي انتزاع قلبي المتقد فوق رأسي أضيء به الدرب لكنني أيقنت الهلاك و لم تكن ورائي جموع أقودها تحتاج الضوء كما كان دانكو* من قبل، فقررت أن أترك القلب يحترق في تجويف الصدر في حينٍ مقدورٍ لا أملك عنه حيادا.
تساءلت: لكل نفق لا بد من نهاية أخرى، هكذا يقول علم الهندسة. و لكل مغارة لا بد من منفذ آخر، هكذا تقول الجيولوجيا،لكن هذه مغارة فوق الغيوم، فهل تخضع للمقاييس الأرضية؟
سمعت خرير مياهٍ آتٍ من مكانٍ ما فاستيقنت أن ينبوعاً ما ينبجس من قلب صخرة .
إذاً هذه مغارة تشبه المغارة الأرضية،لم لا يكون لها من منفذ؟
قررت أن أموت و أنا أتقدم المسير فهو خير لي من أن أبقى قابعةً في مكاني أنتظره، فلربما أقابله في منتصف الطريق ،أوفر الزمن من أجلي و أوفر الجهد من أجله!
ارتقيت قدمي و امتشقت شجاعتي و عاودت المسير بخطى وجلة أتحسس موضع كل خطوةٍ كي لا أجد نفسي في هاويةٍ سحيقةٍ ...
درجات الأسود في الهواء بدأت تخف قليلا ..فهل أنني تعودت الظلام فتآلفت عيناي معه؟ أم أنّي اقتربت فعلا من نهاية المغارة؟
لست أدري..!
دندنت بأغنيةٍ ما علّي أزيح بعضا من وحشةٍ تغلف قلبي .
رددت جدران المغارة و حجارتها معي كلمات الأغنية ،كألف إنسان جاءوا ليشكلوا جوقة غير متناسقة.
مرعب صدى صوتي عندما يكون بهذا التعدد!
لكنني أعجبت بالتجربة، فكررتها، و رفعت صوتي بالغناء..ضحكت بهستيرية...كلمت نفسي ..تحدثت بكل لغة أعرفها :
To be or not to be that is the question
هاملت.. معلق بين السماء و الأرض، تعال هنا و شاركني وحشة المكان يا صديق !
صرت أسعد برد الصدى!
في مرحلة ما لم يعد يعنيني أن أبلغ بوابة الخروج .
عضني الجوع بأنيابه ،استيقظت فيّ غريزة الحياة فتركت اللعبة التي اخترعتها و سررت بها و غذذت السير.
شعاع رقيق جدا بدأ يتسلل ...فركت عيني أهو حقا بصيص ضوء أم أنني واهمة؟
اقتربت ..أكثر ...أقرب ..أقرب... بدأ اللون الرمادي الغامق ..فالأفتح..الأفتح...الأبيض.
خرجت إلى النور و الهواء، لأكتشف أنني أمضيت أعواما في جوف مغارة.
وجدت اللبلابة تنتظرني فامتطيتها و عدت إلى الأرض .
جدول مياهه رقراقة كان هناك..طالعت وجهي في صفحته لأجد أن هذه الرحلة لم تنل من روحي هماً و انطفاء أمنيات فقط ،و إنما نالت من جسدي هزالا و نحولا.
غسلت وجهي و يديّ مما نالهما و عاودت المسير من جديد..لكن في الوجهة الأخرى !!
-------------------------------------------------------
*دانكو شخصية محورية لقصة "قلب دانكو المحترق "
لمكسيم جوركي في مجموعته "مولد إنسان"