عرض مشاركة واحدة
قديم 12-18-2011, 11:55 AM
المشاركة 145
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
حوار مع الروائي نبيل سليمان

أجراه: د.ثائر زين الدين


نبيل سليمان : روائي وناقد ، صدرت له ست عشرة رواية وثلاثة وعشرون كتاباً في النقد الأدبي والشأن الثقافي . تُرجمت بعض أعماله إلى الإنكليزية والروسية والإسبانية والفارسية .
مُنح جائزة غالب هلسا للإبداع الثقافي عام ( 1993) عبد الله باشرحبيل للرواية عام 2004 ، وُضعت عن رواياته مؤلفات وأطروحات جامعية عديدة ، شارك في مؤتمرات وندوات عديدة ، عربياً وعالمياً .
من رواياته :
• ينداح الطوفان – 1970
• المسلّة – 1980
• مدارات الشرق ( أربعة أجزاء ) – 1990/ 1993
• سمر الليالي – 2000
• درج الليل درج النهار – 2005
ومن مؤلفاته :
• مساهمة في نقد النقد الأدبي – 1980
• فتنة السرد والنقد – 1994
• الثقافة بين الظلام والسلام – 1996
• المتن المثلث – 1999
• كتاب الاحتفاء – 2002

ويسعدنا أن نقدم للقارئ الكريم هذا اللقاء الذي أجريناهُُُ معه :

ماذا يعني لك أن تكتب رواية؟
ج- أفكر الآن أنني عندما أكتب رواية , فإنما من أجل أن أقبض على هذا السراب الذي لا يفتأ يملص مني , أعني ذلك الفتى و هو يتطوح ما بين سنوات دراسته الإعدادية و الثانوية , يمشي في كرم التين- صار الآن مقبرة- وقت الغروب بخاصة , و يحلم . يمشي على الكورنيش القديم في اللاذقية –صار الآن جزءاً من المرفأ- وقت الغروب أيضاً , و يحلم, يسافر إلى بيروت أو الشام , يسافر إلى الجبهة , يعشق و يقرأ و يكتب.
لماذا تقرأ و تعشق و تكتب؟ بالأحرى : لماذا تعيش ؟ أليس هذا ما يعنيه أن تكتب رواية أو قصيدة أو أن تبدع رقصة أو لوحة تشكيلية أو....
شخوصك جميعها تقريباً لا تثبت في مكان واحد, إنها تخترق الأمكنة الروائية , تسافر, تنتقل . قد تعود-و هذا الأغلب – و قد لا تعود . أنت كتلة من الحيوية لا تحب الركود ؟!ج- أصدقك القول أنني لم انتبه إلى ذلك من قبل , و لم ينبهني أحد إليه , على كثرة ما كان لي من مثل هذا الحوار شكراً لك . من المؤكد أن بعض شخصيات رواياتي تشبهني . على الأقل شخصية نبيل في رواية (المسلّة ) و التي حملت اسمي الأول . شخصية خليل في رواية(هزائم مبكرة ) أيضاً . باختصار, حيث تلامحت السيرة في رواية لي , فثمة بضعة من روحي و من حياتي . و حين تخمد روحي و حياتي فلا بد أنه الموت , حتى لو بقي الجسد يؤدي وظائفه . ربما لذلك أسافر , و أتوحّد بمكان بعد مكان. ربما لذلك ترى وشم مكان بعد مكان على قلب هذه الشخصية أو تلك من شخصيات رواياتي , سواء تلك التي هي بضعة مني أو التي ابتدعتها المخيلة ممن(عشتهم) و (عشتهن) من البشر .
في معظم رواياتك تاريخ .. تاريخ معاصر , تاريخ قديم لمنطقتنا و بلادنا , و لكن هذا التاريخ- على ما أحسست- لم يمارس سطوة كبيرة على عملية الكتابة لديك , بينما فعل ذلك على معظم الروائيين السوريين , كيف ترى العلاقة بين التاريخ و الرواية , و كيف استطعت أنت أن تحل هذه المعادلة ؟ج- لم أواجه العلاقة بين التاريخ و الرواية مواجهة جديّة قبل رباعية (مدارات الشرق). هذه الرواية هي التي علمتني كيف أنقّب في التاريخ كأني مؤرخ, و كيف أسلم ما أظفر به من التنقيب إلى المخيلة, إلى الكتابة, لتلعب على هواها : قد تعجنه و تعيد تشكيله , و قد تأخذ به حرفياً , قد ترميه بعيداً و تمضي و هي تصدح: أنا تاريخ جديد , أنا وثيقة جديدة و حفريات جديدة , أنا رواية .
دخلت عالم الكتابة الروائية ليس فقط من موقع المُحّب الولوع بهذا الفن, و لكن أيضاً من موقع العارف الخبير بصعوبة ما يقدم عليه , وقد تجلى ذلك من خلال عمقك المعرفي النقدي الذي تجلى في كتاباتك النقدية المختلفة .إلى أي مدى استطعت الاستفادة من تلك المعرفة النظرية حين دخلت ميدان الفعل الإبداعي ؟ و هل شعرت أن تلك المعرفة لعبت دوراً سلبياً في بعض الأحيان؟ج- للحق أني دخلت عالم الرواية من موقع المحب الولوع بهذا الفن. صحيح أنني كنت أحمل شهادة جامعية في الآداب, و بالضبط في اللغة العربية , لكن الدراسة الجامعية في الستينات من القرن الماضي لم تكن معنية بنقد الرواية. و لم يكن في مطالعاتي آنئذٍ من نقد الرواية إلا أقل القليل .
بعد ثلاث روايات فيما بين1970-1973, و بعد تجربة كتاب (الآدب و الإيديولوجيا في سـوريا) مع بوعلي ياسين , بدأت أقرأ في نقد الرواية , لكنني لم أمارسه إلا بعد ما كتبت روايتين أخريين هما (جرماتي)و (المسلّة), و بعدهما كتابين في النقد الأدبي .
الآن, و بعد عشرات السنين , و بعد سبع عشرة رواية و عشرين كتاباً في النقد , أندم أحياناً كثيرة على ما ضيعت من وقت و من جهد في النقد , و أتعزى أحياناً كثيرة بما لعله أفادني ذلك في كتابة الرواية , و بما لعله ينهض به من دور في الحياة الأدبية و الثقافية , و بخاصة عندما يتعلق الأمر بالأصوات الشابة و الجديدة في الرواية, و بخاصة أيضاً أن الشكوى من قصور النقد , لا تفتأ تعلو تعلو.
في روايتك " مجاز العشق" مثلاً , تلغي علامات الترقيم كلها و تستخدم النقطتين الشاقوليتين أي(, و تستطيع فعلاً أن تجعل كل جملة تلد ما بعدها , أو تأتي مقول القول لما سبقها , أو تشرح ما سبقها, و ما إلى ذلك. وهذا إنجاز جميل, لكن أحد روائيي أميركا اللاتينية كان قد سبقك إلى ذلك.هل كنت مدفوعاً بمعرفتك النظرية و ثقافتك , أم أن الأمر جاء كضرورة فنية لها مبرراتها أو مسوغاتها الجمالية النابعة من العمل نفسه ؟ج- في حدود علمي أن من سبقني إلى ذلك هو الروائي الإسباني(خوان غويتسولو ) , و ليس أحد روائيي أمريكا اللاتينية. غويتسولو هو الذي دفعني إلى أن أغامر في الرواية العربية مثل مغامرته في الرواية الإسبانية ,و قد ذكر ذلك الروائي فؤاد صالح في رواية(مجاز العشق), كما ذكرت ذلك في أكثر من حوار مثل هذا الحوار معك. أظن أنها كانت تجربة استثنائية في اكتناه اللغة و التعلم يندر أن تعدله لذة.
في رواياتك الأخيرة " في غيابها" ,درج الليل...درج النهار" , "مجاز العشق " هناك حب سريع بين الرجل و المرأة..حب سهل أحياناً..ليس هناك معاناة من الحب كما كنا نقرأ مثلاً في " غادة الكاميليا"أو "مدام بوفاريه" أو البعث" أو غيرها من الأعمال الخالدة.كيف تفسر ذلك ؟ج- أرجو ألا يكون الحب في رواياتي كما هو في الروايات التي ذكرتها . لكن القول إنه حب سريع أمر , و القول إنه حب سهل أمرٌ آخر .
لعلك تذكر من رواية(مجاز العشق) اللعب على ألـ التعريف. بالأحرى: تعرية الحب من ألـ التعريف. هل تعرف البشرية حتى الآن ناموساً واحداً أحداً للحب؟ هل تذكر ما اقترحته رواية(مجاز العشق) من تعريف الحب ؟ ألم تقل هو ليس بالطابولا بالتابو, أي ليس ملكية و لا محرمات ؟ و ماذا عمّا عاناه في علاقتهما العاشقان فؤاد صالح و صبا العارف في رواية(مجاز العشق) أو سعد أيوب و صبا عمار في رواية(في غيابها) أو ونسة و إياس في رواية(درج الليل..درج النهار)؟ هل المعاناة فقط ذرف الدموع ؟ ألم تتبدل العلاقات الإنسانية , و منها الحب, ما بين امرئ القيس و فاطمة و بين قيس و ليلى و بين عبد المعين الملوحي و بهيرة و بينك و بين نساء من شعرك أو حياتك ؟
و أنت تخلق الشخصية, كم منها يكون جاهزاً مسبقا ًفي ذاكرتك ؟ و هل تحتاج إلى إضافات كثيرة بقصد جعلها أكثر قرباً من المعيش ؟ج- أحياناً يكون للشخصية ظل ما أو أكثر ممن عرفت من البشر , و بدرجة أقل مما سمعت عنهم أو جمعت عنهم ما جمعت , و بالطبع, هذا لا يكفي , لكن المخيلة تتكفل بالباقي . و أحياناً تتولى المخيلة الأمر كله في الروايات التي تعود إلى زمن لم أعشه . هكذا جاءت نجوم الصوان مثلاً في( مدارات الشرق) و جاء الطويبي في ( أطياف العرش). و بالمناسبة,لم أعرف يوماً شخصية إيزيدية (يزيدية ) , فشخصية ونسة في رواية(درج الليل..درج النهار) هي خلق المخيلة وحسب , بلا أي ظل في العيش أو في القراءة.
إلى أي مدى يرى نبيل سليمان أن اللغة الفصحى عاجزة عن التعبير عن الشخصية بعفوية و براعة, تجعلان من اللجوء إلى العامية ضرورة عند بعض الروائيين ؟ج- لأن واحدنا هو عجينة لغوية من الفصحى و العامية , فالفيصل الرقيق و الحاسم في الكتابة الروائية هو اللاشعور اللغوي , و الذي يفترض أن تكون له حساسيته الرهيفة التي قد تنادي العامية في مفردة أو صيغة أو في الحوار بصورة خاصة وأي اصطناع هنا ليس حلاً لا اصطناع العامية و لا التفاصح .
يحذر معظم الروائيين من تناول الزمن الراهن , و يفرّون إلى الماضي , فإذا بشخصياتهم تعيش في زمن العباسيين , و الاحتلال التركي و الفرنسي, بينما نراك تتصدى لزمن قريب . في رواياتك الأخيرة هناك: اتفاقية أوسلو , و حرب المياه المضمرة , و الفساد الداخلي, و القمع و الحرب في الخليج...هل تعتقد أن الرقيب الداخلي(في دماغك) سمح لك أن تقول ما تريد ؟ هذا إذا نجوت من الرقابة الخارجية؟!ج- ليس للرقيب الداخلي وجود في دماغي .في داخلي أنا أكبر حرية من نسمة الهواء, أكبر حرية من العصفور. و كما تعلم لم أنج شخصياً و لم تنجَ رواياتي من شر الرقيب الخارجي . لحظة الكتابة بالنسبة لي هي لحظة الحرية القصوى كما هي لحظة اللذة القصوى. هذا لا يعني البتّة ادعاء البطولة, كما لا أظنه غباءً , فأنا أدرك خطر الرقيب الخارجي , و أتعامل معه أحياناً إذا كان ما يريد حذفه كلمة هنا أو جملة هناك . لقد علمتني الكثير تجربة الأدباء الديمقراطيين الروس في العهد القيصري , في تعاملهم مع الرقابة. لماذا لا يرفع الكتاب شعار(هم يمكرون و نحن نمكر)؟.
ربما كان كل ذلك ما دفع رواياتي للاشتغال على قضايا الراهن . لكنني عدت مثل آخرين إلى النصف الأول من القرن العشرين في(مدرات الشرق) و في (أطياف العرش) , و قد أعود إلى ذلك و إلى سواه من الماضي . ليست كل عودة إلى الماضي فراراً أو تقية . لقد كان الأمر بالنسبة لي كما هو بالنسبة لعبد الرحمن منيف في خماسيته أو لجمال الغيطاني في( الزيني بركات ) أو لسالم بن حميش في رواياته عن الحاكم بأمر الله و ابن خلدون ..لقد كان الأمر حفراً في التاريخ من أجل أن نتبيّن حاضرنا و مستقبلنا , من أجل أن نتلمس جذور ما نحياه من هزائم و تخلّف. و الكتابة عن قضايا الراهن هي أيضاً فخّ لمن لا يتلمّس نبض التاريخ , فتأخذه الشعارية و يأخذه العابر.