عرض مشاركة واحدة
قديم 12-18-2011, 11:52 AM
المشاركة 142
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تجربة نبيل سليمان الروائية في مهرجان صدد

ثناء السبعة

تضمن اليوم الثالث من مهرجان بلدة صدد أمسية موسيقية لنادي دوحة الميماس الحمصي وأمسية للفنان شربل روحانا وأمسية للكاتب الروائي نبيل سليمان الذي قدمه الروائي عماد طراد متحدثا بلمحة عن حياته وأعماله الكثيرة التي جمعها في مسيرته الروائية المهمة وتحدث بدوره مطولا عن تجربته ونقدم الورقة التي قدمها الروائي نبيل سليمان:
أشكركم على هذا التعاون لإنجاح المهرجان ، وبالحب لهذا المكان الذي يعبر عن روح المهرجان وبدون هذا الحب والتعاون تظل الحركة الثقافية في بلادنا مفتقرة إلى أمور كثيرة قد نعرج على بعضها في الوقت الذي سأتكلم فيه .

- أظن أن الرواية هي التي شكلت مصيري منذ سنة اليفاعة أو بالأحرى منذ سن الطفولة المبكر كان والدي حكواتي لكن ليس كمهنة فأظن أن الفخ الذي وقعت فيه ابتدأ هناك ولكن هناك رواية أهم هي هواية القراءة كانت دافع أكبر لي نحو الرواية فيما بعد ،ابتداءً من قراءة أرسين روبين و طرزان التي اشتريتها من المكتبات الموجودة في طرطوس أو في دريكيش وكان ذلك منتصف الخمسينيات إلى قراءة إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي ومحمد عبد الحليم عبد الله وتوفيق الحكيم وذلك في المرحلة الإعدادية إلى محاولة الكتابة منذ ذلك العهد دون أن أعبر بالشعر كما هو مألوف عادة وأحمد الله على ذلك ، ولهذا لن أمر في قناة الشعر ولا في قناة القصة القصيرة .
- في صيف 1959 كنت قد أنهيت الدراسة في المرحلة الإعدادية وذهبت مع صديقي إلى قريته في ريف طرطوس وهناك اشتريت دفتراً صغيراً وبدأت أكتب حكاية أو رواية حتى انتهت صفحات الدفتر وأسميتها (حكاية مها) وعلى شكل روايات الأدباء المصريين كانت قصة حب والبطل له اسمي وكانت مليئة بأحداث كالانتحار وغيرها ... وكانت الحوار فيها بالعامية المصرية والدفتر مخبأ إلى يومنا هذا .
- درست بعد ذلك في الثانوية الصناعية و بعد ها أعدت الدراسة في الثانوية العلمية وكان كل توجهي وحلمي أن أدرس الهندسة ولم أفكر يوماً في أن أدرس الأدب لكن قراءاتي في الأدب ابتداءً من السير الشعبية ( ألف ليلة وليلة – سيرة عياض – سيف بن ذي يزن - ..الخ ) ورغم نظرة الاستعلاء التي ينظر بها بعض المثقفين إلى هذه القصص فهي كنوز ، ومرواً بشتى أنواع القراءة لكن العجز المادي اضطرني إلى أن أعمل في التعليم إلى أن أدرس الأدب العربي في الجامعة بانتظار أن يتحسن الوضع المادي لأتابع الدراسة في الهندسة ، وهذا لم يتحقق إلى الآن ، وفجأة وجدت نفسي قد تخرجت من الجامعة وكأن ذلك حصل بالأمس ، خلال ذلك في السنة الثالثة في الجامعة حاولت أن أكتب رواية وكتبت حوالي 80 صفحة منها ولم أعرف كيف أكمل فخبأت الأوراق حتى هذا اليوم ، بعد الجامعة عينت مدرساً للغة العربية في الرقة و هناك بدأت الغوايات ، من غواية الحكاية إلى غواية القراءة ثم غواية الفضاء أو الطبيعة أو المكان وقد ابتدأت بحبكم لصدد بدأت هذه الغوايات تأسرني في ما اسمه كتابة الرواية ، هكذا كتبت بعد تخرجي من الجامعة رواية عنوانها ( نحو الصيف الآخر ) وكنت مسكوناً كسائر أبناء جيلي بالهزيمة وليس بالنكسة بدون لف ولا دوران في ذلك المفصل الذي لا يعادله سوى مفصل سايكس بيكو أو مفصل الـ 48 ، لكني لم أنشر هذا العمل أيضاً إلى هذا اليوم ، ثم بدأت بالرواية الأولى التي نشرت عام 1970 مشغولاً بأمرين أولهما قليل جداً من السيرة الذاتية مما ستعبر عنه الرواية والأمر الآخر هو النظر فيما كان عليه ريفنا الساحلي خلال الخمسينيات ومطلع الستينيات وصولاً إلى المفصل الذي يمثله عام 1963 في تاريخ سورية الحديث ، بفضل صديق من قرية دير عطية اسمه نبيل خوري كان سجيناً أيام الوحدة السورية المصرية وعشنا جيران لعدة أعوام في الرقة ،بفضله ومن حياته استلهمت الرواية الثانية رواية السجن التي تفضل علي الرقيب السوري آن إذن عام 1972 فمنعها فدفعت دفعاً إلى أن أنشرها في بيروت ، وكما القول ( رب ضارة نافعة ) فقد وفر لي ذلك أنا في السابعة والعشرين من العمر أن أنطلق إلى الفضاء العربي ، عدا إلى هزيمة 1967 ، فاكن الشعر والرواية والقصة والمقالات وغيرها في صخب الهزيمة و كان أن كتبت رواية عنوانها ( ثلج الصيف ) استلهمت فيها الهزيمة ،ولكن دون أن أذكرها مباشرة بحرف واحد ، فقط في الإهداء الذي جاء فيه إلى خمس حزيران 1967 اعترافاً بالفضل ، كما تعرفون أن التدريس الجامعي لم يكن على عهدي وأظن حتى اليوم نادراً ما يدفع أو يؤهل من يتجه إلى الرواية أو الشعر أو حتى أن يصقل مواهبه , وهكذا بالرغم من انحنائي مازلت حياً بأساتذتي الأجلاء الذين تعلمت على أيديهم في جامعة دمشق ، كالمرحوم سعيد الأفغاني ، وشبلي فيصل ،و أمجد الطرابلسي ، وصبحي الصالح .... هذا الجيل من العلماء الأجلاء الذين أظل أنحني لهم ، على الرغم من ذلك تربيت في الرواية والنقد خارج الجامعة ، وكان عليّ بعد ثلاث روايات عام 1973 أن أتوقف وأتفحص موقع قدمي بعد ثلاث روايات ماذا فعلت وما الذي يفعله الآخرون ، وربما كانت هذه الأسئلة هي ما جعلني أتوقف من عام 73 19إلى 77 19وأن ألتفت مع رفيق عمري المرحوم المفكر علي ياسين إلى قراءة المشهد الأدبي السوري بين حربي 1967 و1973 ، وهذه القراءات أسفرت عن كتابتي لرواية الأدب والإديولوجيا في سوريا الذي نالنا بسببه ما نالنا من الهجوم والشتائم وغيرها من أقرب المقربين إلى أبعد المبعدين ، في سوريا وفي سائر أنحاء الوطن العربي ، ذلك لأن هذا الكتاب حاول أن يتفحص الإيديولوجية التي يبثها الأدب أو الأديب من خلال ديوان شعر أو رواية أو من خلال مسرحية ،وكان الحراك الاجتماعي والحراك الثقافي والحراك السياسي في سوريا كما في سائر بلاد العرب كان صاخباً ولذلك دارت حول أفكار هذا الكتاب حقيقة المعارف الثقافية في سوريا وهو ما جمعته مع أبو على ياسين ومع محمد كامل الخطيب عام 1980 في كتاب حول ما كتب عن هذا الكتاب وعن معارك ثقافية أخرى في سوريا في السبعينيات ، فكان كتاب ( معارك الثقافية في سوريا ) كوثيقة تؤكد خصب الحياة الثقافية والسياسية والعنف والصدق وعدم الممالأة أو المواراة والأهم من ذلك أنه لا يخدع بدعوة براءة الأدب أو الفن من الضخ الإيديولوجي وهو ما توهمه كثيرون خلال الثمانينيات وحتى التسعينيات كأنه صار سبة أن يلتفت الروائي أو الشاعر أو المثقف إلى القضايا الكبرى الاجتماعية والوطنية والكونية وكأن الأم فقط هو أن يجرب بتسويق كتابته أياً كانت لكن ها هي الدنيا بعد 30 سنة ، وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي وبعد الضجيج الهائل بالنسبة لانتهاء عصر الإيديولوجية وبموتها ها نحن نرى اليوم وفي كل يوم الصراع الإيديولوجي الساخن جداً جداً الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والكثير من المراكز الأخرى في العالم ضد كل من يختلف معها ، وبأرقى أدوات البث والاتصالات وما وصلت إليه ثورة المعلوماتية ، تعلمون أنه وقعت عام 1973 حرب بين سوريا ومصر من جهة وإسرائيل من جهة ، وفي تلك الفترة أديت الخدمة الإلزامية و بفضل تلك الحرب وبفضل تلك الخدمة ، كانت رواية الجرماتي 1977 في مصر ثم رواية المسلة عام 1980 ولأن عين الرقيب عادة شكاكة و أفقه عامة ضيق منعت رواية الجرماتي في سورية من 77 19حتى 1995 وبعد ذلك طبعت طبعة جديدة ، وبفضل ( أولاد الحلال ) فصلت من اتحاد الكتاب الذي انتسبت إليه سنة تأسيسه وكنت حينها أدرس في الرقة ، أظن أن روايتي جرماتي والمسلة تشكلان مرحلة أو مفصل كما الروايات الثلاثة الأولى ،
في رواية المسلة عرفت بدرجة أكبر ماذا تعني السيرة الذاتي في الرواية ، بعض الكتاب كما تعلمون يستدرئون الكتابة عما عاشوه وحسب وقد يكون في ما عاشه بعض الكتاب ما هو أهل لأن يروى ، لكنني كنت دائماً حذراً من هذه المسالة لأنني مقعد من نرجسية الكتاب والمثقفين، وطالما راقبت نفسي في أن يكون وقوعي في هذا الفخ بأهون الشر ، لكن رواية المسلة اشتغلت على هذا الأمر ، ولم أكن أعلم أن كاتباً كبيراً مثل غالب الألسة كان أصدر في تلك الفترة روايته الخماسين وسمى بطل الرواية باسمه ، كما تكرر في عدد من رواياته التالية هكذا الأمر في رواية المسلة إذ حملت شخصيتها المركزية اسمي الأول وكانت هذه الرواية سانحة لي بالتفكر في المشهد السياسي السوري في السبعينيات ، بعد ذلك بقليل من صدور تلك الرواية سأتعرف على المستشرقة الألمانية أورليكا شتيلي وكانت تعد لأطروحة الدكتوراه عن الأدب والحرب في سوريا خلال السبعينيات رويداً رويداً تحول مشروعها فقط إلى دراسة روايتي الجرماتي والمسلة وبعد نيلها لأطروحتها بفترة أيضاً ترجمت لي بعض ما كتبته وكان منه أنها اعتبرت رواية المسلة ترسيماً للقوى السياسية في سوريا في فترة السبعينيات وكنت قد صحوت على شغلي قليلاً فقلت لها أن هذا خطأ كبير ، للأسف من كتب الرواية وهو أنا كنت أنظر إلى المجتمع بعين واحدة لم يرى إلا القوى المعارضة السياسية التي رسمها في الرواية لكن في فترة كتابة الرواية كان قد بدأ أمر آخر في سوريا سيشعل الحريق بعد سنة أو سنتين في عام 1979 و 1980 وكانت عين الكاتب عمياء عن هذا الشطر من المجتمع ، لكن هذا العمى علمني أمراً ،بأن لا نؤخذ مع رغباتنا ومع أفكارنا واندفاعاتنا فقط عندما نكتب الرواية أو غير الرواية ، بل يجب على كل العيون أن تكون مفتوحة نقدياً ، كل ذلك كان المهاد الذي أوصلني إلى مشروع مدارات الشرق ، وقد جعلتني أصدق أن بعض الكاتب يكون لهم مشروع واحد في حياتهم ويسميه بفخامة مشروع العمر ، عندما بدأت بكتابة رواية مدارات الشرق لم يكن في خاطري لا أن أكتب رواية بجزء واحد ولا أن أكتب رواية من عدة أجزاء ، لكن كانت الأسئلة التي رافقتنا منذ سن اليفاعة منذ 1967 و 1973 وحتى 1982 من هزيمة إلى غيرها و غيرها، بالإضافة إلى ما جرى في العالم كله وكأن العالم كله على منعطف في أواسط الثمانينيات ، وكانت عبارته الكبرى سقوط الاتحاد السوفييتي وكوكبه ولكن الأمر أكبر من ذلك حتى على المستوى الأدبي والفكري الفلسفي ما الذي كان يجري ، كيف كان ينعطف العالم حينها ، أظن أن هذه الأسئلة دفعتني إلى أن أسأل ( لماذا يحدث هذا الأمر معنا ؟؟ ) السؤال قد يبدو بسيطاً جداً ( كيف وصلنا إلى ما وصلنا إليه ولماذا ؟؟ ) اجتماعياً وفكرياً وسياسياً وفنياً وحضارياً ، كان القرن العشرون في منتصف الثمانينيات يوشك أن ينتهي من سيء إلى أسوء ( لماذا ؟ ) هذا السؤال يذكرني برواية المرحوم هاني الراغد الوباء 1980 ، هذه الأسئلة كانت محور رواية الوباء ، في نفس الفترة كان الكاتب عبد الرحمن منيف قد بدأ بإصدار أجزاء خماسيته مدن الملح هذه الأسئلة وإن كان عن منطقة أخرى ، ولكن هذه الأسئلة هي جوهر رواية عبد الرحمن منيف ، وبدون أي تنسيق في هذه الفترة بدأت فيها العمل على مدارات الشرق كان الروائي السوري خيري الذهبي قد بدأ العمل على ثلاثيته التحولات ، للوهلة الأولى بدا كأن الروائيين يهربون من الكتابة عن الراهن عن الحاضر يهربون إلى الماضي وهناك الكثيرون من الروائيين الشباب وبعض النقاد قالوا هذا القول الصريح ، أننا نهرب من مواجهة جروح الحاضر من مواجهة الرقيب الاجتماعي أو السياسي إلى الماضي ولكن هل الأمر كذلك حقاً ؟ أم أنها الأسئلة الجوهرية التي لا بد لنا أن نواجهها؟ ، في مرحلة السبعينيات ظهر مشروع أدونيس الثابت والمتحول ومشروع محمد عبد الجابري ومشروع هادي العلوي , إذاً على مستوى مشروع حسين مروة وعلى المستوى الفكري وقبل الروائيين ولو بسنوات معدودات ، هناك بعض المفكرين الذين واجهوا الأسئلة فبدؤوا الحفر في التراث والفكري العربي الإسلامي أو تراث المنطقة ما قبل الإسلامي في السينما بدأ هذا أيضاً المهم في أن ما بلغته أحوالنا من سوء عقداً فعقداً , فحاول كلٌّ بقدراته وإمكاناته أن يحفر في ما مضى ليقرأ جذور الهزيمة أو جذور المستقبل ، فمدارات الشرق شأن المشروعات الأخرى كتبت والعين على المستقبل ولم تكتب والعين مفصولة على الماضي ، المدة الزمني الذي اشتغلت عليه مدارات الشرق هو النصف الأول من القرن العشرين ، من الأسئلة التي لا تزال قائمة إلى يومنا هذا وإلى مدى أرجو أن يكون قصيراً (هل فكرة الجمهورية فكرة مكينة فينا ؟ ) ، بكل هذا الفضاء العربي الإسلامي من شرق آسيا إلى الأندلس العظيمة ، على ضوء ما حصلت عليه مدارات الشرق تبدى لها أن فكرة الجمهورية ليست مكينة ،
- شكري القوتلي عندما ترأس سورية من عام 1943 إلى عام 1947 كما تضمنت الرواية ، في عام 1946 بدأ يهيئ وحزبه ( الحزب الوطني ) للتجديد ولولا أن مسلسل الانقلابات العسكرية الذي بدأه حسني الزعيم عام 1949 قد قطع مسلسل التجديد لكان للقوتلي تجديد آخر .
تعلمون انه في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي ولدت المشروعات الثقافية السياسية الكبرى في الفضاء العربي كله، إن كان المشروع الذي عبر عنه أنطوان سعادة أو مشروع حسن البنا ( المشروع الإسلامي ) أو مشروع عصبة العمل القومي ( المشروع القومي العربي ) الذي سيكبر في الأربعينيات و مشروع الإحياء العربي والبعث العربي ، أو المشروع الماركسي الشيوعي ، هذه المشروعات التي جاء بها مثقفون شباب منهم من درس في فرنسا ومنهم من درس في ألمانيا ومنهم من درس في موسكو هذه المشروعات الأربع التي عبر عنها بكتب فكرية أو بروايات أو بأحزاب ، ستشغل الفضاء العربي تحت مسميات شتى طوال القرن العشرين والآن ترون إلى أي مآب آلت جميعاً الأمر الذي فرض على جيلي وعلى من سلفوا بأن يتأملوا ويحفروا بدون أوهام وبدون عماء وبدون تعصب ، وبأقصى ما أمكن من العقل النقدي حتى نتلمس جميعاً مخرجاً ما من هذا المأزق الذي نحن فيه .
- فاتني أن أقول لكم أنه في الفترة الفاصلة بين المرحلة الأولى ( الروايات الثلاث الأولى ) والمرحلة الثانية ( الجرماتي والمسلة ) في تلك الفترة ألح عليّ كثيراً أن أتقرى ماذا يعمل الآخرون في الكتابة الروائية أو ماذا يكتب سواي وخصوصاً من جيلي ، هذا السؤال جعلني أتطفل على النقد ، وإلى هذا اليوم لولا كتابة الرواية لا أظنني كنت حرفاً واحداً في النقد ، وحتى اليوم أنا أكتب لأتعلم حتى من روائيين وروائيات شبّان وشابات في أعمالهم الأولى ، ولعل البعض يعرف أنه في ست أو سبع سنوات الأخيرة كتبت عن حوالي 200 رواية عربية لهؤلاء الشبان والشابات وإلى اليوم 99% منهم لا أعرفهم . لكن هذا ما كان يوفر لي النظر في المشهد الروائي العربي كله تقريباً ، وبصورة خاصة في النص الجديد من المشهد الروائي العربي .
- بعد سبع سنوات من النزيف في الروح والجسد ومن البحث في ما أربى على 230 مرجع و مصدر وعلى أكوام من المجلات والجرائد التي تحدثت كلها عما حدث في النصف الأول من القرن العشرين ، بالإضافة إلى لقاءات مع عشرات المسنين والمسنات ، وبعمل يومي من 10 إلى 15 ساعة ، فكانت بلوى للكاتب كما كانت بلوى للقارئ والنتيجة ( 2400 صفحة ) ، أُسأل : لما كل هذا ؟ فأقول : حتى أضمن أن أحد لن يقرأ 2400 صفة وبالتالي أهرب من النقد و الشتائم .
ولكن هذا العمل علمني كيف يكون استثمار الوثيقة فيما تكتب ، كيف تكون العلاقة بين الرواية وبين التاريخ ، من الدروس الكبرى التي تعلمتها : أن الروائي عندما يحاول أن يكون مؤرخاً فسيكون مؤرخاً فاشلاً كما أن المؤرخ عندما يحاول أن يكون روائياً فسيكون ذلك على حساب التاريخ ، كيف يمكن لرواية أن ترسم الفسيفساء السورية هذا المجتمع الفريد والخصب عبر مئات الشخصيات سوف ترى الفضاء البدوي والريفي والمدني وفي زمن أنت لم تعشه ، سوف ترى الفسيفساء القومية والدينية ، هذا الخصب الذي يمكن أيضاً أن يكون عنصر تدمير كما تبدى ذلك في الحرب اللبنانية الأهلية سابقاً وكما يتبدى الآن في العراق بدوافع من عوامل خارجية ، فبدلاً أن يكون هذا العنصر عنصر خصوبة وغنى انقلب إلى عنصر تدمير .
- ومن الدروس التي تعلمتها هنا أيضاً لذة الكتابة رغم العمل الشاق لمدة 10 أو 15 ساعة ولكن أية لذة أن تنسى العالم كله ولمدة سبع سنوات ، ومن عقابيل ذلك كانت الرواية التالية بعنوان ( أطياف العرش ) والحقيقة أنه بعد انتهائي من كتابة ( مدارات الشرق ) قضيت فترة فظيعة من الخوف من أني قد أفلست مما عندي وأصبحت عاجزاً وسألت نفسي : كيف ستكتب بعد هذا ؟ ، لقد أنقذتني أطياف العرش لأنها كانت جسراً بين خروجي من بلوى السبع سنوات إلى نقلة أخرى أو مقلب آخر ، ورواية أطياف العرش حولت إلى مسلسل تلفزيوني عنوانه (الطويبي ) وكانت بالنسبة إلي تجربة مرة ، كما أنتج عن هذا المسلسل فيلماً سينمائي بعنوان الرسالة الأخيرة ولم أشاهده حتى الآن ، وتجربتي مع التلفزيون والسينما عبرت عنها بمقالة كتبتها في مطلع العام في مجلة خليجية تعنى بشؤون الفضائيات ، فكتبت في تلك المقالة بعنوان : أنا مضرب مثل ... ولكن بالفشل وتحدثت فيها عن فشلي في التعامل مع التلفزيون ومع السينما .
- هناك رواية مخطوطة كتبتها بين عامي 1971 و 1972 كنت حينها في حلب ،وكطلب مني المخرج المرحوم مروان المؤذن أن أكتب عن فكرة من روايتي الأولى ليجعل منه فيلماً سينمائياً واشترته المؤسسة العامة للسينما التي استقدمت المخرج والسينارست المصري رأفت الميجي ليكتب السيناريو لتلك الرواية ، وفعلاً كتب السيناريو لتلك الرواية ولم ينتج الفيلم حتى هذا اليوم .
- في عام 1990 ظهرت أطياف العرش وهنا بدا لي وكأني أقول لنفسي ( أنهيت مرحلة وانتهيت من تجربتك ولنعد الآن إلى ما نعيشه ، ولتعد كتابتك الروائية إلى ما نعيشه اليوم ) ، وهذا ما بدأ برواية مجاز العشق ، إلى هذا اليوم ، حتى أن صديقاً روائياً مصرياً كتب ذات مرة ( كأن المدعو نبيل سليمان قد انتهى من رباعية تاريخية وبدأ برباعية عن الراهن أو خماسية عن الراهن ) .
في رواية مجاز العشق على الأقل توازى الزمن الروائي مع زمن الكتابة والسؤال المركزي فيها إضافة إلى سؤال الجسد وعلاقة الرجل بالمرأة ، كان سؤال المياه أو حرب المياه الآتية لا محالة فآخر حروب النفط انتهت في العراق الآن لكن حرب المياه فلم تبدأ بعد .
في رواية سمر الليالي بدأ سؤال آخر كيف يمكن لعجوز تجاوز الخمسين عندما كتب تلك الرواية أن يبني شخصيات شبابية ، شابات وشبان في العشرين من عمرهم وطلبة في الجامعة في مواجهة القمع .
هناك من كتب أو كتبت عن تجارب السجن السياسي في الرواية العربية حتى أن صنف جديداً من الأدب بات يعرف بأدب السجون وأصبح هناك مدونة كبيرة من هذا الأدب ، ولكن ماذا عن المرأة السجينة ولا أقصد السجينة جنائياً وهذا ما اشتغلت عليه رواية سمر الليالي .
- قيض لي خلال حياتي أن أسافر كثيراً والسفر عامل أساسي في تكويني وخصوصاً أن نشأتي كانت موزعة بين عدة قرى وعدة مناطق في بلدي ، وهذا ما أزعم أنه قد أغنى علاقتي بالفضاء أو بالمكان داخل سورية لكنني لم أكن لأجرؤ على أن أكتب عن ما وفره لي تجوالي فغي أنحاء العالم حتى جاءت رواية ( في غيابها ) عام 2003 وهي أول رواية أصف فيها واحدة من رحلاتي التي كانت إلى أسبانيا ، وحيث اشتغل السؤال الأندلسي وسؤال الاستعمار الاستيطاني وسؤال الحضارة و سؤال التعايش والتسامح والتلقي بين الديانات والثقافات ، فهذه كانت المرة الأولى التي استثمرت إحدى أسفاري ، وعسى أن أكمل ذلك .
وهنا سألخص وأبلور العناوين الأساسي لما شغلني عبر 17 رواية وأكثر من 20 كتاباً في النقد والشأن العام وعبر ما يشغلني الآن :
أول ذلك أن الرواية علمتني أنها فن التعدد وليس فن الواحد ، يكتبها واحد ولكن إذا كتبها بلا روح التعددية أو روح ديمقراطية يتحول الكاتب إلى ساطور على رقاب شخصياته الروائية وإلى استبدادي حتى لو كان يتحدث في روايته عن الحرية الديمقراطية إذا فالرواية فن العددية والديمقراطية والاختلاف ، كما أنها فن المكر أيضاً .
- شواغلي الأساسية يمكن أن تبدأ أن تنتهي بحرية الاعتقاد سواء كان ديني أو سياسي أو .....أو ما تشاء
- رواية درج الليل درج النهار التي صدرت عام 2005 تطرقت إلى مواقع محرم الخوض فيها وهم الإيزيديون الموجودون في العراق والشمال الشرق من سورية والرواية حاولت أن تشتغل في هذه المنطقة الملتبسة لتعالج سؤال حرية الاعتقاد كما أن هذا السؤال كان مكيناً في رواية مدارات الشرق وهو حرية الاعتقاد ثم حرية التعبير ثم جاء سؤال العدالة سؤال بسيط جداً سؤال البشرية والمستقبل وعلى أي مستوى شئت من سرير الزوجية إلى ما هو عليه العالم الآن من العربدة الأمريكية الإسرائيلية.