عرض مشاركة واحدة
قديم 05-30-2013, 09:12 PM
المشاركة 178
أسرار أحمد
( سارة )
  • غير موجود
افتراضي

رحْلَةُ الطُّيُورِ معَ صُحْبَةِ الرَّسُول .
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
بَدَأَ فصْلُ الشّتَاءِ يحزمُ أَمْتِعَتَهُ مُسْتَعِدَّاً للرَّحِيلِ، ورَاحَتِ الغيومُ تنظرُ إلى أصدقائِها في الأرضِ وهم يودّعُونهَا بحزنٍ وأسًى لِمَـا يحمِلُونَ في قلوبِهِمْ من الحُبّ والمودَّةِ لها، فلطالما كانَتْ تُغدِقُهُمْ بعطاءِ اللهِ الَّذِي تحمِلُهُ في جيوبِهِا من الأمطار و الثُّلوج، كانَ المشْهَدُ يُثيرُ الألمَ في قلبِها على دموعِ الغَابَاتِ والجبالِ، فما كانَ منها إلَّا أَنِ انصرَفَتْ بصَمْتٍ
على أَمَلِ اللّقَاءِ برِفْقَةِ النَّسَمَاتِ البَاردةِ المنْبَعِثَةِ من جَوَانِبِ أَشِقّائِها البَرْدِ والرِّيَاح .
أَخَذَ فَصْلُ الرَّبيعِ يُقبِلُ شيئاً فشيئاً، اسْتَعَدَّتِ الأَشْجَارُ لتستقبلَ الطُّيُورَ المهَاجِرَةَ الّتي لطالما انتظَرَتْ ربيعَها لتَعُوْدَ إلى أَعْشَاشِها الدافئة..
عُمَرُ وعَليٌّ توأمَانِ من طير البُلْبَلِ يَستَعِدَّانِ ليَنَامَا في سريرهِما الثُّنائِيِّ داخِلَ عشِّهِما في شَجَرةِ البلّوطِ, عليٌّ يعلو عُمَرَ، ينتظرانِ الغدَ على أحر من الجمرِ ومعَ بزوغِ خيوطِ الفجرِ، استيقَظَا على تغريدِ والدهما,
وبقيّةِ الطيورِ في الأشجارِ المجاورةِ.
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة]
تِكْ تِكْ تِكْ مَنْ بالبابْ ***** أهلاً أهلاً بربابْ
والجمعُ عصافيرٌ تزهو ***** معَ أحمدَ تحليقاً ترجو
لسماعِ حكاياتٍ تُتْلَى**** لرموزٍ في العشِّ الأعلى
حطَّتِ الطيورُ المحلِّقةُ في السَّماءِ رحالهَا عندَ شجرةِ التّفّاحِ
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
وراحَ الجمعُ يتراقصُ على تغريدِ عمرَ قبلَ أنْ يفْتَحَ العَم منصورٌ البابَ وهو على أغصانِ الأشجارِ ويدعُوْهُم للدخول إلى عشّهِ والتوقّفِ عن الغِنَاء .
داخِلَ شجرةِ التُّفاحِ يقْبَعُ عُش العَمِّ منصورٍ، وعلى أغصانِهَا الوارفةِ
تنتَشِرُ الأعشاشُ الصّغِيرةُ الّتي خصَّصُها لزُوَّارِهِ من الطُّيورِ
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
وما إنِ اسْتَقرَّتِ العَصَافيرُ في أعشاشِها حتَّى راحَتْ تُنْصِتُ إلى تغريدِ العَمِّ منصورٍ قائلاً :
أولادي إنِّي منصورُ ***** من عشِّي ينطلقُ النُّورُ
فالحبُّ كبيرٌ يا طيري***** والعِلْمُ طَرِيقٌ للخيرِ
فَلْنروِ مَا كانَ الآنْ***** سِيَرَ الأصحابِ الخلَّانْ
أبطالاً سادُوا أزمانْ***** أبطالاً سادُوا أزمانْ
صاحَ عليٌّ قائلاً:
حُبَّاً وسروراً أصغيْنا **** فَرَحَاً وحبوراً لبَّيْنا
غَمَرَتِ الفرحَةُ قلْبَ منصورٍ لِمَا رأى من أَدَبِ عليٍّ ولَبَاقَتِهِ في الكلامِ فقالَ مُخاطِبَاً الطُّيُوْرَ :
أولادي في الزَّمانِ، في سالفِ الأوانِ في شبه جزيرة العرب بلدٌ مباركٌ
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة]
يُدْعَى مكَّةَ المكرَّمَةَ، أَتدرُونَ ما يحوي في جُعْبَتِهِ؟
أَجَابَ الجَمْعُ قائِلاً:
تحوي الكعبة المشرَّفة
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة]
سرَّ العَمِّ منصورٍ عندما سمِعَ جوابَ الطيورِ وبدَتْ على وجهِهِ علاماتُ الرّضا والاطمئنان, تجلَّى ذلك في تغريدِهِ
العذْبِ الرقيقِ :
ما أجملَكُمْ يا شطَّارْ **** أهواكم ليلاً و نهارْ
وبعدَ لحظاتٍ يسيرةٍ استندَ إلى غصنِ الشجرةِ, ونظرَ إلى الطيورِ نظرةً ملؤها الحب والاحترام، ثم بدأ يروي لهم قصَّةً من روائعِ الجيلِ السَّعيدِ صادحَاً بصوتِهِ الجميلِ :
أحبابي الصِّغارَ في مكَّةَ المكَّرمة في قبيلةِ تيْم إحدى قبائلِ قريش.
وُلِدَ عبدُ اللهِ بنُ عثمانَ القرشيُّ التيميُّ المكنَّى أبو بكرٍ الملقَّبُ بالصِّديقِ بعدَ عامِ الفيلِ بسنتَينِ وستّةِ أشهُرٍ
صَمَتَ قليلاً ثم َّابتسمَ للعصفورةِ رباب سائلاً إيَّاها :
بنيّتي ربابَ .. لماذا سمِّيَ أبو بكرٍ بالصِّديق؟
بالوجهِ الأنضرِ قد بانَتْ ***** تتمايلُ ما بين غصونِ
إنِّي لا أعرفُ أستاذي ***** صاحَتْ بالصّوتِ المحزونِ
فأجابَ الفاضلُ منصورٌ***** بالقولِ العذْبِ الموزونِ
بنيّتي رباب لقِّبَ أبو بكرٍ بالصِّديق لأنَّه أوَّلُ من صدَّق النبيَّ وآمنَ به من الرجالِ ولأنَّه صدَّقَ النَّبيَّ في كلّ الأمورِ وخصوصاً في حادثة الإسراء•
عُمُرُ بالصَّوتِ الصدَّاح ***** بالَّلحنِ يغرِّدُ مسرور
أبهجني والصَّحبُ الآن ***** أستاذي الفاضلُ منصور
فردَّ منصورٌ :
في مكَّةَ يخشى مولاهُ***** كم فاضَتْ خيراً يمناهُ
والقلبُ رقيقٌ عيناهُ***** تبكي بدموعٍ تغشاهُ
في دربِ الهجرةِ إلَّاهُ**** فاضَتْ مَعَ أحمدَ نجواهُ
ثمَّ رفرفَ بجناحَيهِ متنقّلاً بينَ أغصانِ الشجرةِ إلى أنْ جلسَ على غصنٍ مثقلٍ بحبَّاتِ التُّفَّاحِ وتابعَ الحديث :
وقد صحبَ نبيَّنا عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في الهجرةِ وكانَ خيرَ رفيقٍ في أثناءِ الطّريقِ, دخلَ أحمدُ والصِّديقُ إلى غارِ ثورٍ وإذْا بالصدِّيقِ يُغلِقُ ثقوبَ الغارِ، حتى إنّهُ مزّقَ ملابسَهُ لإغلاقِها، فلمَّا نامَ المصطفى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في حِجْرِ أبي بكرٍ، رأى ثقباً خرجَتْ منه حيَّةٌ فوضعَ قدمَهُ على الثُّقبِ خشيةَ أنْ تلدغَ النَّبيَّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ و إذْ بالحيَّةِ تلدغُ قدمَهُ فبكى, و استيقظَ النَّبيُّ على إثرِ الدَّمعةِ التي سقطَتْ عليه. فنفثَ فيها ومسحَ مكانَ اللدغةِ فبرأَتْ
وفيما هوَ يتأمّلُ الطيورَ وهي تنصِتُ إلى كلامِهِ راحَ يترنَّم مُنْشِدَاً :
للنّومِ أرادَ المختارْ ** فبكى الصِّدّيقُ كأنهارْ
لدغَتْهُ الحيَّةُ كالنَّارِ ***فاستيقظَ أحمدُ في الغارِ
و بيثربَ خاضَ الأهوالْ ****بتبوك دفعَ الأموالْ
فتربَّعَ عرشاً في العزِّ ******أكرمْ بتبوكَ الأفعالْ
و عليٌّ ينشدْ ويقولُ بتبوكَ وبيثربَ ،ننصتُ أستاذي أتلو الأخبارَ، أستاذي نهوى الأخيارَ، فأجابَ منصورٌ:
في يثربَ خاضَ مَعَ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ غزواتٍ عدّةً وفي غزوةِ تبوكَ جاءَ النبيُّ إلى الصحابة وقال: أيها الناسُ تصدّقُوا وأنفقوا فإنّ الأمرَ يحتاجُ إلى الصدقةِ فقدِمَ أبو بكرٍ ومعَهُ مالٌ فوضعَهُ
بين يدَي النبيِّ وسأله النبيُّ: ما أبقيتَ لأهلكَ يا أبا بكر؟ فقالَ: أبقيْتُ لهمُ اللهَ ورسولَهُ.
أحمدُ صاحَ بعدَ غيابْ،، أستاذي أهوى الأصحابْ
هل حكمَ النّاسَ الأوّابْ، منصورٌ بالَّقولِ أجــــــــــــــابْ :
أحبابي الصِّغارَ بعدَ وفاةِ النبيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أصبحَ خليفةَ المسلمينَ، حكمَ بالعدلِ لمدةِ سنتين ونصفٍ، أشهرُ أعماله في خلافته حروبُ المرتدين، والجيوشُ التي أرسلَها إلى حربِ الفرسِ والرّومِ
ناداهُ بالحنانْ، بصوتِهِ الرَّنانْ، عن وصفِهِ زمانْ.
وصاحبُ البيانْ، حيَّــــــــــــاه بالبنــــــــــانْ
عصفوريَ النجيبْ، ها أنا أُجيبْ :
كانَ نحيلاً،كانَ جميلاً، ليسَ طويلاً، ليسَ قصيراً، أبيضَ، والعينين تغور، والأنف رفيع يا ولدي، يتألَّق وجهٌ باللحيَّة، قد برزَتْ في الوجهِ الجبهة.
وبعدُ بالنَّحيبْ، الطالبُ النجيبْ، ناداهُ من قريبْ:
هل له بِشَـــــــارَهْ ؟ قائدُ الإمـــــــــــارهْ
كمْ عاشَ من سنينْ صاحبُ الأمينْ .
والعالـــــــــــــــمُ اللبيـــــــــــــبْ بقولِهِ يجيــــــــــبْ :
بشَّرَ نبيُّنا عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أبا بكرٍ عليه رضوانُ اللهِ معَ
تسعةٍ من أصحابِهِ بالجنَّة، ثمَّ اغرورَقَتْ عيناهُ بالدُّموعِ وقالَ بصوتٍ ملؤه الحزن : تُوفِّيَ عن ثلاثةٍ وستين عاماً .
صاحَتِ العصافيرُ: ما أجملَ الصديق! وما أحلى سيرتَهُ ! اللهمَّ،
اجمعْنا به في الجنَّة.
وما إن قرع الجرس حتَّى حلَّقت العصافير بإتِّجاه
بيوتها لتتناول طعامها اللَّذيذ .