عرض مشاركة واحدة
قديم 09-16-2010, 11:51 PM
المشاركة 16
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
حنظلة.. ناجي العلي
(( الأشجار تموت واقفة ))




....فيما تمتد حدود الزمن العربي الحديث من الألم الى الألم ..
وفيما تستنجد المدائن - كلما فاجأها المخاض - بعبق التاريخ الشاهق القديم .. وفيما تنطبق الأحصنة في لحظات الوغى باحثة عن فوارسها .. فتعود خائبة ومنكفئة ..حين تفتح عينيها على كثير من النجدة ولا تجد أحدا !!
في أزمنة كتلك كان دور الوعي الذي يتقدم ليصنع الشعراء والفنانين .. وكان القلم رصاصة في قلب الذين استكانوا والذين هم في طريقهم الى دعة الرخاوة وخدر الأحلام (الواهمة)
في لحظة كتلك كانت الهاجاناة تقتطف من حدود المجد العربي القديم حدا
( لا يشبعها ) لصنع دولة اسرائيل الكبرى .
ولأنه في أوقات الألم العظيم .. يولد المبدعون .. فان الفتى جاء عصفورا نزقا .. قذفته الأزمنة الرديئة يوما على أرصفة مخيم ( عين الحلوة )
فعرف الحزن والتمرد ومرارة انتظار الوعود التي بشرت يوما بزحف الجحافل لاسترجاع الحمى !!

هكذا جاء حنظلة مندهشا وساخرا .. يعري في بشاشته زيف الخديعة .. فتسقط أسمال التأني الجميل وحكمة الانتظار .. والصبر على المكاره
ويدخل بريشته الحادة حد السيف الصقيل الى عمق الأوقات الباهتة .. لاذعا وكاشفا بأوضح ما يكون من صور عن مسببات الأحزان .. وطريقة الخروج الى شموخ أرحب !!
هكذا كان الفن .. أرقى الاكتشافات البشرية للتخاطب والتواصل وبث الوعي .. هكذا يكون تحذيرا .. حين يصبح عقل الأمة في خطر !! ونبوءة لزمن قادم .. وطريقا للمخلصين الساعين الى أوقات أجمل .
وفي وقت ما ....... من الأزمنة العربية كان ناجي العلي يبتدع طريقته الفذة للتواصل .. فجاء برسوماته الكاريكاتيرية السياسية الحادة .. جاءت رسوماته قصيدة مرهفة الحس لبث الوعي النضالي.. وأغنية ترفض الوقوف على الحد الفاصل بين الفرح الأجوف والبكاء ..
كانت رسوماته تيرمومترا سياسيا باهرا يرصد ما مرّ.. ويحذر من المقبل .. يستصرخ .. ويثير الحمية .. ويستنهض كل الحواس لدى البشر الرافضة للزيف والدمامة..
رسوماته كانت بمثابة الناقوس الذي يدق على الجراح من أجل الصحوة .
ناجي العلي واحد من أبرز الذين كانوا يؤمنون أن الفن رسالة خالدة ذات أبعاد انسانية سامية .. وتلك هي صفة الفنان الشمولي الذي يتحرك في دوائر واسعة .. ويعبر عن مكنونات نفسه بصدق واحساس .. فجاءت رسوماته في ذلك الوقت خلاصة نقية لروحه الظامئة للتحرر من القيود .. قدمها طازجة .. عفوية.. بسيطة.. لذيذة.. وموجعة !!!..
استطاع ناجي العلي ( يرحمه الله ) تعرية الزيف باصرار .. لم يتلون ولم يهادن .. انحاز الى جانب الفقراء والطيبين والشرفاء في العالم
لذلك كله ......
أعلن الجلادون نهايته على أرصفة المنفى
عندما كان يسير في شوارع لندن غريبا يحمل معه قضيته يطوف بها العالم من منفى الى منفى .. ينقشها فوق النسمات .. يحلم بوطن رائع يتساوى فيه الناس.. وينعمون بربيع الحرية والكرامة ..
في هذه اللحظة .. صوب الغادر مسدسه الكاتم للصوت على صدر حنظلة في صدر ناجي العلي ..
فقتل ناجي .. لكنه !!!!! لم يقتل حنظلة
واستيقظ الجميع على حلم مزعج .. فلقد انكسرت الريشة واستكانت اليد التي زرعت بساتين فرح وأمل بوطن أجمل
لم يكن القاتل غبيا عندما صوب مسدسه على قلب ناجي العلي .. فلقد كان يعلم أنه يوجه طعنة نجلاء الى أمة بأكملها من المحيط الى الخليج .. بل الى كل حر مؤمن بالحرية في العالم
كان القاتل يعرف أن هذا الحصان الجامح صعب .. لا يقبل المساومة .. فمارس بحقه الاغتيال السياسي لتعطيل طاقة الابداع لدى فنان يستحث برسوماته ينابيع الثورة في نفوس الفلسطينيين .. فنان أصيل سخر ريشته لخدمة الانسانية
رحل ناجي .. وبقي حنظلة المدهش والمندهش .. القانط .. الناطق من غير كلام .. جرس انذار من غير صوت ..
رحل فتى عين الحلوة وظلت قصائده يرتلها حنظلة ..
رحل ناجي .. لكن حنظلة ظل شاهدا على عصره .. دائرا ظهره الى كل عربي لا يتقن سوى مهنة الاستنكار والشجب .. ويلف يديه خلف ظهره مطمئنا لجيل سيقول لالالالالا! في وجه الغاصب ..
رحل ناجي ولكنه لم يرحل !! فقد يفنى الجسد وتبقى الذكرى حية تعمر القلوب .. لذلك فاننا لا نرثي بقدر ما نكبر تلك القمة الشاهقة التي لم تعرف الانحناء يوما
أيها الفنان الراحل .. لقد كنت كالنحلة .. تلسع وتصيب الهدف ومت واقفا كما الاشجار
( فالاشجار تموت واقفة )
.. فرحمة الله عليك يا ناجي ..





..... الى هنا


مع تحياتي ...ناريمان