عرض مشاركة واحدة
قديم 10-23-2010, 06:41 PM
المشاركة 18
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
أولاً: في نظريّة الأدب:
يتعرّض الفلاسفة وعلماء الجمال والمنظرون الأدبيون منذ القديم حتى اليوم لنظريّة الأدب، ويحاول كلٌّ منهم أن يضع فهمًا معيّنًا للأدب انطلاقًا من الأيدولوجيّة والأفكار التي يدين بها.

وقد ظلّ البحث في نظريّة الأدب يرتكز دائمًا على سؤالين أساسيين، هما:
- ما طبيعة الأدب؟
- وما وظيفته؟
وهما سؤلان قديمان ضاربا الجذور في التاريخ، وما زالا حتّى الآن يستقطبان لالخلاف الدائر بين التيّارات الأدبيّة المعاصرة، والتركيز على المسألة الأولى (طبيعة الأدب) يقود إلى النظريّة الشكلية، فيما التركيز على الثانية (وظيفة الأدب) يقود إلى النظريّة الأخلاقيّة.

ولا يعني التركيز على أحدهما إمكانيّة الفصل بين وظيفة الأدب وطبيعته، وإن كان هذا النوع من الفصل غير الطبيعي موجودًا في الحالات المتطرّفة؛ وعمومًا فإنّ هذه المناقشات المنصبّة حول العلاقة بين الأدب ووظيفته لا تصل إلى أيّ نتيجة، ومن هنا يقوم البحث الحالي على تجاوز هذه المناقشات، وتناول الموضوع من خلال نظرة تاريخيّة واقعيّة.


فمثلاً يلاحظ المرء أن تركيز اليونان على وظيفة الأدب أقوى من تركيزهم على طبيعته، ممّا يشير إلى اتجاههم الأخلاقي في فهمه، وفي العصور الوسطى سيطرت المسيحيّة على كلّ مجالات الفكر فكان الأدب في خدمة الأخلاقيّة المسيحيّة.


بينما نجد الموقف الإسلامي موقف إدانة واضحة للشعراء، لكن هذه الإدانة تضمّنت استثناء شعراء المؤمنين، ومع ذلك فقد مال أكثر نقّاد العرب إلى إعفاء الأدب من الالتزامات الأخلاقيّة، ومال تركيزهم على الناحية الشكلية –البلاغية خصوصًا-.


ç أسس النظريّة الأخلاقيّة:
كانت النظريّة الأخلاقيّة سابقةً للنظريّة الشكليّة، وما زالت تتمتع بقوّة وسلطان:
· فأفلاطون أراد الأدب وسيلة تثقيفيّة ونشرًا للحكمة.

· وأرسطو أراد به التطهير واكتساب المناعة الأخلاقيّة.

· ثمّ التعاليم الدينيّة التي جعلت الأدب دعوة للعمل الصالح.

· ثمّ (شلي) –شاعر رومانسي- الذي حمّل الأدب عبئًا ضخمًا في إعادة خلق الإنسانيّة.

· والواقعيّة الاشتراكيّة التي اعتبرت الأدب سلاحًا يسهم في تطوير الحياة وتحقيق المجتمع الاشتراكي.

· والوجوديّة التي تطرح الأدب على أنّه موقفٌ ومسؤوليّة.

وهكذا فإنّ الموقف الأخلاقي التي تقوم عليه النظريّة الأخلاقيّة قد يكون فرديًّا، وقد يكون اجتماعيًّا، وقد يكون دينيًّا، وقد يكون فلسفيًّا.

والمفهوم الأساسي التي تقوم عليه هذه النظريّة أنّ قانون الكمال في الأدب خاضع للمبادئ نفسها التي تحكم سائر الخبرات الإنسانيّة، فنحكم عليه بقدر ما يسهم في كمال النشاط الإنساني، ولكن كيف يسهم؟، هنا تختلف الأجوبة باختلاف المذاهب الأخلاقيّة، فنجد لكلّ مذهب طريقته الخاصة في التصوير.


ç أسس النظريّة الشكليّة:
تأخّرت النظريّة الشكليّة في الظهور، فلم تكن متبلورة في الآداب القديمة، وترجع بداياتها إلى القرن الثامن عشر، وهي غير مقبولة بين عامة الناس، والنظريّة الأخلاقيّة أعرق منها وأكثر رواجًا.

إنّ الأدب عند الشكليين نوع من التأمّل المحايد الخالص، وقيمته الجماليّة متميّزة تمامًا عن القانون الأخلاقي والاجتماعي لأنّها نابعة من ذاته؛ ويعتبر الفيلسوف الألماني كنت الرائد الأوّل لهذه النظريّة، فهو أوّل من وضع قواعد محدّدة لفلسفة جماليّة، وألحّ على أنّ شكل العمل الفنّي بقوانينه الداخليّة الخالصة هو العامل الوحيد في الحكم عليه بالجمال أو القبح.

والنظريّة الشكليّة-بخلاف ما هو شائع عنها- ليست بطبيعتها ضدّ الأخلاق، وإن كانت تفصل بين الجمال والأخلاق، ولكنّ الشكليين الأوائل –لاسيّما فرلين ورامبو- قدّموا لمجتمعاتهم أسوأ مثالٍ للخروج على العرف الأخلاقي، وبذلك تمّ نوع من الاقتران غير الدقيق بين الشكليّة واللاأخلاقيّة، وزاد من حدّته الهجوم الذي يشنّه النقد الاجتماعي والأيدولوجي على الشكليين باعتبار الشكليّة هربًا من مواجهة الواقع، وانسحابًا من المسؤوليّة الطبقيّة أو الإنسانيّة.

وما سبق هو الفكرة والمبدأ للنظريّة الشكليّة، فإذا طلبنا القانون العام الذي يسير به الشكليون فإنّ الآراء تتضارب تضاربًا عجيبًا، على أنّه يمكن إرجاعها إلى ثلاث خصائص مشتركة، هي:

· الوحدة: هناك اتّفاق ضارب الجذور في تاريخ النقد الأدبي على أنّ العمل الأدبي يجب أن يكون كلاًّ متكاملاً، ويتراوح هذا المفهوم بين:

‌أ. مفهوم أرسطو المنطقي للتكامل: بداية ووسط وخاتمة.

‌ب. مفهوم كولردج للوحدة العضويّة التي يرى بها القصيدة كالنبتة الحيّة.

‌ج. مفهوم الوحدة الشعوريّة المتمثّلة في الأعمال الرومانسيّة.

‌د. وهناك نوع من الوحدة يصعب تفسيره، إذ يميل العمل الأدبي إلى الخوض في التفصيلات
والإطالة في الجزئيّات، ومع ذلك يشعر القارئ بأنّها مرتبطة لا متفكّكة، مثل أعمال شكسبير
الذي تقدّم أعماله نوعًا من الانسجام يوحي بالتكامل أو الوحدة.

‌ه. وهناك شكل متزمّت من أشكال الوحدة، يمثّله إدغار ألان بو الذي أصرّ على أنّ القصيدة الطويلة
لا وجود لها، وأنّها تتألف من قصائد قصار، وحدّد العمل الأدبي بلحظة انطباع واحدة... إلى غير ذلك من الوحدات.


· التماسك: يعني التماسك ترابط أجزاء العمل وتناسبها وفق متطلبات الموضوع، ومنطقه الذاتي، كما يقول كولردج: "أن يتضمّن في ذاته السبب الذي جعله على هذا النحو، دون أيّ نحو آخر".

والتماسك ضروريّ لأنّ العمل قد يكون كلاًّ واحدًا إلا أنّه يفتقر إلى التماسك والتوازن، مثل مسرحيّة (تاجر البندقيّة) التي تطغى فيها عواطف شيلوك وانفعالاته بحيث تطمس وجود الآخرين.

· التألّق: ويعني ذلك الإشعاع الجمالي الذي ينبع من الاستعمال الأدبي الخاص للغة، والذي يفرق العمل عن الاستعمالات العمليّة لها، وهو نابع من اختيار اللفظ، لذلك قد يفتقد عند الترجمة.

وممّا يجدر بالذكر أنّ هذه الخصائص الثلاثة وضعت للتسهيل، ولا تستطيع أن تستوعب جميع الاتجاهات الشكليّة المتباينة، لذلك على القارئ أن يتناولها بحذرٍ شديد، وأن يعتبرها مجرّد مؤشراتٍ، ومهما يكن فإن ممّا ينبغي أن يحتاط له الناقد هو عدم تطبيق هذه العناصر على الأدب الحديث، لأنّ الأدب الحديث له قوانينه الخاصّة التي تختلف عمّا عرفته الآداب الإنسانيّة في العصور السالفة، فتسيطر عليه عناصر أخرى مثل التوتّر والتعرض والصراع والنشاز، وهي عناصر مقصودة لذاتها.