عرض مشاركة واحدة
قديم 03-29-2015, 02:06 PM
المشاركة 1330
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ...

والان مع العناصر التي صنعت الروعة في رواية 91- السائرون نياما سعد مكاوي مصر

- السائرون نياما ( عزة ) بدأ سعد مكاوي (1985-1916) نشر رواية السائرون نياما في يناير 1963 في جريدة الجمهورية لسان حال الثورة في ذلك الوقت ، في عز المجد الاشتراكي بعد صدور قوانين يوليو الاشتراكية وكتاب الميثاق ،

- ثم ظهرت الرواية في كتاب لأول مرة في مايو عام 1965 والعجيب ألا يتعرض أحد للرواية بالنقد أو المدح أو الذم كما هو الحال عندما يظهر عمل جديد ,

- ويبدو أن الكاتب أصيب بإحباط شديد من جراء ذلك , فلم يعد إلي كتابة الرواية إلا بعد ما يقرب من خمسة عشر عاما , إذ بدأ نشر رواية تاريخية أيضا بعنوان الكرباج في الأهرام عام 1979 ,

- ثم ظهرت في كتاب عن دار شهدي عام 1984 , ثم رواية \" لا تسقني وحدي\" وهي تعتمد علي التاريخ أيضا , لكن الروايتين لم تكونا في مستوي رواية السائرون نياما .

- ظهرت بعد السائرون نياما روايات تاريخية أخري للغيطاني ونجيب محفوظ ومجيد طوبيا وفتحي إمبابي وغيرهم وكلها روايات متميزة إلا أنه تبقي رواية السائرون نياما علامة بارزة في تاريخ الرواية المصرية عامة وتاريخ إبداع سعد مكاوي خاصة ,

- وقد بدأ التنبه إلى أهمية الرواية في السنوات الأخيرة فأعيد طبعها عدة مرات ، كان آخرها العام الماضي عن المجلس الأعلى للثقافة .

- وقد حدد لنا الكاتب الفترة التاريخية التي اعتمد عليها في بناء روايته فكتب في صدر الرواية يقول : \"الفترة التاريخية التي تدور فيها أحداث هذه القصة لاتكاد تتجاوز ثلاثين سنة (1468 – 1499) من عصر سلطنة المماليك التي حكمت تاريخ مصروالشرق 267 سنة \"(44) ويبرز السؤال : لماذا التاريخ المملوكي بالذات ؟

- ولماذا الاعتماد على الفترات المضطربة منه؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال ذي الشقين أشير فقط إلى عبارة \"جون بويون\" المشهورة ؛ إذ تمثل وحدها نصف الإجابة ، يقول \" الشعوب السعيدة لا تاريخ لها\"(45) ،

- رجع سعد مكاوي إلى التاريخ المملوكي– حيث القهر والظلم والاستبداد الواقع على الشعب من جانب الحكام ومن ثم أعوانهم ، وحيث الانفصال الحاد بين السلطان والرعية فالحكام أجانب لا يتكلمون لغة الشعب فلم \"يتعلموا قط اللغة العربية واستمروا طبقة متميزة تماماً عن السكان المحليين \"(46) . ومفروضون عليهم ، لم يأتوا باختيارهم

- ولعل الرجوع إلى المصادر التاريخية وبالذات التي تناولت هذه الفترة يغنينا عن عرض مساوئ الحكم المملوكي، والمعاناة والظلم والقهر الذي تكبده الشعب المصري تحت ظلال هذا الحكم

- ونعود إلى السؤال الذي طرحناه مرة أخرى بشكل أساسي لنجد ذلك التشابه بين الفترة التاريخية التي تدور فيها أحداث الرواية وبين الواقع المعيشي الذي يكتب فيه الكاتب روايته .

- إن الرسالة واضحة في \"السائرون نياما\" فهذا الشعب السائر كالنائم محكوم بالقهر والظلم والاستبداد من قبل سلطة العسكر المستبدة ولذلك لابد من مقاومة هذا الظلم والقهر ولابد أيضا من خلع هذه السلطة المستبدة التي لا تمت للشعب بصلة ، فهي في حكم الأجنبي الذي لا يتحدث لغة الشعب صاحب الأرض والتاريخ ،

- إن مثل هذه الرسالة الجادة لا يمكن أن تقال بشكل مباشر ، من هنا كان اللجوء إلى التاريخ والرمز ، ومع ذلك فُهمت الرسالة جيدا،

- ومن هنا يمكن تفسير التعتيم الذي ران على الرواية ، فكاد يدفعها إلى قاع الظلمات .

- والواقع أن قيمة رواية \" السائرون نياما \" لا تنبع من رسالتها المشار إليها فحسب، ولكن قيمتها الحقيقية في إحكام بنائها السردي وتشكيلها الجمالي ،

- فقد حشد المؤلف في هذه الرواية جُل طاقته الفنية لتخرج لنا رواية كاملة الأوصاف على حد قول أستاذنا المرحوم على الراعي

- اعتمد الكاتب في بناء الرواية على ما يسمى بالبناء المتوازي ، وهو نمط من البناء ، تقسم أحداث الرواية على عدة محاور ، تتوازى في زمن وقوعها ،ولكن أماكن وقوعها تكون متباعدة نسبياً ، ولكل محور شخصياته الخاصة بها ، تنمو وتتطور إلى أن تلتقي في خاتمة الرواية، وربما تظل معلقة دون لقاء،

- وهذا البناء بالإضافة إلى إسقاط فترة طويلة من الأحداث على المستوى التاريخي ( يسقط سعد مكاوي تسعا وعشرين عاما من الأحداث التاريخية الحقيقة للفترة التي حددها في صدر الرواية ) مكنا الكاتب من إحكام بناء الرواية مما ساعد بالضرورة على توصيل رؤية الكاتب .

- ففي الرواية تتوازى الأحداث في ثلاثة محاور أساسية تؤلف بإجمالها حدث الرواية الرئيسي : المحور الأول يرتبط بالمماليك والسلاطين وما يدور في فلكهم من شخصيات داخل القلعة وخارجها .

- والمحور الثاني يرتبط بالشخصيات الشعبية وهو يختلف عن المحور السابق المرتبط مكانيا بالقاهرة فقط ، وبخاصة القلعة ، في أنة يجمع بين مكانيين متباعدين هما : القاهرة وميت جهينة ،

- بمعنى آخر المدينة و القرية ، مما يشي بدلالة وحدة الشعب وتماسك الشخصيات المؤلفة لهذا المحور ، يؤكد ذلك وقوف شخصيات أخرى من الصعيد بجوار أهل \"ميت جهينة\" والقاهرة في صراعهم مع آل حمزة .

- أما المحور الثالث فيرتبط بشخصية \"حمزة\" الكبير وابنه\"إدريس\" وحفيده من بعدهما الذين يمثلون الطبقة البرجوازية ( أعوان السلطة ) بكل قيمها ومثلها الاجتماعية والمادية , فى مواجهةالشعب في القرية .

- ويتجلى تماسك البناء في الرواية من خلال المحور الثاني الذي يمثل حلقة الوصل بين المحورين الأول والثالث ، ثم من خلال تفاعل شخصيات كل محور على حدة ، لتكون بنيتها الخاصة المتماسكة في حد ذاتها،

- إذا تتصارع شخصيات كل محور مع بعضها البعض، كما سنرى من خلال الأحداث .

- يقسم \"سعد مكاوي\" روايته إلى ثلاثة أجزاء ، ويعطى لكل جزء اسما خاصا به هي على الترتيب ( الطاووس – الطاعون – الطاحون ) ,

- وهى معادلة منطقية جداً فإذا انتشر الظلم و السلب والنهب ، وتمتعت فئة صغيرة وعاشت متخمة برفاهيتها فهي كا (الطاووس) . وإذا استشرى الفقر وعم وعاشت فيه الغالبية العظمى البائسة وتلظت على نيرانه فهي كا (الطاعون) ، وحتى إذا استمرت هذه الأوضاع لمدة ثلاثين عاما ، فلا بد أن تتقلب وتتغير الأحوال ، وحين يفيض الكيل بالمطحونين ينطلقوا من (الطاحون) إلى الثورة\" (47) .

- ويتشكل البناء في الرواية من خلال صراع المحور الثاني الذي يمثله الشعب مع محوري الرواية الآخرين اللذين يمثلان السلطة وأعوانها، وذلك على مستويين , المستوى الأول : السلطان / الرعية ، والمستوى الثاني : الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة (العمال في القاهرة والفلاحين في ميتجهيئة) وبين الطبقة البرجوازية التي يمثلها آل حمزة .

- وبذلك يتشعب الصراع ويحتدم مما يثرى العمل درامياً ، ويعطيه حيوية متدفقة تجعل الرواية نابضة بالحياة ، زاخرة بالقيم الإنسانية والروحية .

- إن هذه الأحداث في مجملها تفرز لنا شخصيات تتجلى في هسمات الشخصية المصرية في تعاونها وتآلفها ورفضها للظلم وحرصها على كرامتها وعلى أرضها وشرفها ، إنها في الأخير تصهر الشعب في بوتقة واحدة ، ليندفع في ثورة عاتية ضد الملتزم في ميت جهينة الذي يرمز إلى السلطة الحاكمة ، فيفتحون صوامع الغلال ويستولون عليها : ـ فتحناها فتحناها !… ـ صوامعنا ! … ـ كله من فضلة خيركم ! ... ـإرادة الله فيكم ! ... ـ أبشر يا ساكن الجميزة ! ... (48) .

- وإذا كانت هذه الأحداث أبرزت الشخصية المصرية وحسم الصراع فيها للشعب على السلطة والطبقة المعاونة لها الممثلة في آل حمزة ، فإن سعد مكاوي أقام ما يمكن تسميته بناء رمزيا متوازيا ونابعا في ذات الوقت من هذا البناء الظاهر القائم على الصراع المباشر بين الشعب والسلطة ،

- وهذا البناء الرمزي يتمثل في شخصية عزة أخت خالد التي اختطفها المماليك وهي عارية من حمام النساء .

- لقد كان خطف عزة الشرارة التي أشعلت الصراع الكامن بين الشعب والسلطة في القاهرة .

- لقد وسع المؤلف من دلالة الشخصية لتأخذ بعدا رمزيا واسعا إذ تصير عزة معادلة لمصر كلها من شمالها إلى جنوبها ، وثمة إشارات عديدة داخل النص تؤكد ذلك ،

- وقد جاءت أول إشارة على لسان الشيخة زليخة ذات البصر والبصيرة : ـلنعترف في هذا النهار الأسود أن عزة ضاعت ! حاول أيوب مرة أخرى أن يلطف من مرارةالحقيقة : ـ لله عاقبة الأمور ، فلا تقل هذا الكلام يا ولدي فتناول خالد بين يديه مقرعة المجذوبة : ـ وهل عندي كلام غير هذا أقوله ؟ .. ومع ذلك فإني لا يهمني الآنأن تكون عزة حية أو ميتة .. لا يهمني ألا أراها بعد اليوم أو أن يعيدها إلى أحدخرقة مهلهلة .. عزة انتهت ولن أقول بعد اليوم إنه لابد لي من عزة .. اليوم لابد ليمن شيء واحد هو الانتقام أليس هذا هو الحق يا شيختنا ؟ قبلت زليخة رأسه وهي تحنوعليه بصوتها الرقيق الطيب : ـ أينما تولى وجهك فثم وجه عزة ، يداها في البحر المالحوقدماها في أرض الصعيد وملء البر أنفاسها الطاهرة \" (49) .

- الرمز واضح هنا يداها فرعي النيل دمياط ورشيد وقدماها امتداد النيل من الجنوب إلى الشمال ، إنها مصر كلها، من الجنوب إلى الشمال ،

- إنها رؤية الشيخة زليخة ذات البصيرة الحادة ، وقد آمن خالد بهذه الرؤية ، ولذلك ينضم فيما بعد إلى أهل ميت جهينة من الفلاحين للثورة على آل حمزة ، وذلك لأن جزءا من عزة بالقطع موجود في ميت جهينة .

- وهكذا تتحول عزة إلى ذكرى مؤلمة وفي ذات الوقت دافعة الثوار للانتقام وخاصة خالد أخي عزة ، فنراه في ميت جهينة بعد اختطاف عزة شاردا بين رفيقيه بجوار حائط الطاحون : \"وقال عيسى للفتى المهموم وهو يخطف العود اليابس من يده : ـ صل على كامل النور يا رجل شقت صدر خالدتنهيدة موجعة وهو ينظر في عيون رفيقيه : ـ عزة الآن في كل مكان ، يداها في البحرالمالح وقدماها في أرض الصعيد وملء البر أنفاسها ، هكذا قالت لي ستنا زليخة وهيتودعني وهكذا أرى الآن أختي الحبيبة عزة \"(50)

- وستكرر هذه العبارة على امتداد الرواية فتكون بمثابة التميمة في رقبة الثوار في ميت جهينة .

- وإذا كانت عزة خطفت وضاعت ، فإن شخصية \"فاطمة\" زوجة غالب في ميت جهينة تعد امتداد لشخصية عزة ولا أقول بديلا حيث يصل بها المؤلف إلى مستوى الرمز أيضا ، فهي بصورة أخرى مصر المغتصبة على المستويين الواقعي والرمزي ،

- لذلك ينظر إليها خالد وكأنه يرى عزة : \" وعلى البعد كانت فاطمة تبدو لعين خالد جميلة وهانئة بحمى عريسها .. وعلى صورتها والنسيم يعبث بطرحتها تخايلت له صورة عزة بكل شبابها اليانع عروساً وسعيدة بالحب … لكن لا ! عزة فى السماء وفى كل مكان ! نعم يا ست الشيخة نعم ! عزة يداها فى البحر المالحوقدماها فى أرض الصعيد وملئ البر أنفاسها الطاهرة \".(51) وفاطمة هذه فتاة ريفيةجميلة زوجة غالب يراقبها ويتحرش بها إدريس ابن الملتزم الكبير حمزة مما جعل زوجهاغالب ينبهها إلى ذلك : \"- يا بلهاء … الفراخ حجة حتى يكلمك ! ألم تفهمي ؟\"(52)

- وبالفعل يزول هذا البله، خاصة بعد أن ينالها إدريس رغم أنها تكون المرة الأولى والأخيرة ،ويكون ثمرة هذا الاغتصاب الفتى \"محمد\" ابن غالب والمؤلف يجعل من هذا الاغتصاب سببا لقوة الشخصية لا لضعفها ، لأن فاطمة تظل بعد ذلك المرأة القوية لا ينالها الخور والضعف ، وكأن الاغتصاب جاء بمثابة سلاح تقف به في وجه الملتزم ، وهو ما استغله المؤلف ،

- إذ يقوم \"محمد\" ومعه \" نور\" ابنة محسنة التى كانت ثمرةاغتصاب حقيقي أيضا لمحسنة بقتل أبيهما إدريس في ختام الرواية فمن غرس هذه الأرض المغتصبة تنبع الثورة ويتحقق الانتقام الذي حلم به خالد لأخته عزة / مصر .

- بقي أن أشير إلى أن سعد مكاوي استفاد من خبرته الكبيرة ومعايشته للريف المصري حيث قضى جزءامن حياته في قرية الدلاتون ليصور لنا بعمق المرأة المصرية الريفية والفلاح المصري على حقيقته ، لا أقول مثله في ذلك مثل عبد الرحمن الشرقاوي في الأرض ولكن لسابق كتابته عن الريف في مجموعاته القصصية القصيرة \"الماء العكر: وغيرها ،

- فهو في الواقع من الرواد الذين كتبوا بعمق وصدق عن الريف وهذه الرواية التاريخية التي بينأيدينا تعد درة إنتاجه الأدبي


من مقال بقلم د محمد عبد الحليم غنيم