الموضوع
:
أفضل مئة رواية عربية – سر الروعة فيها؟؟؟!!!- دراسة بحثية.
عرض مشاركة واحدة
06-03-2012, 11:14 AM
المشاركة
796
ايوب صابر
مراقب عام سابقا
اوسمتي
مجموع الاوسمة
: 4
تاريخ الإنضمام :
Sep 2009
رقم العضوية :
7857
المشاركات:
12,766
تابع الجزء الاول:
(6) -
بديهي أن الكتابة الواعية التي تقصد موضوعها
المكتمل كالمناخ الاجتماعي في المجتمعات القروية مثلاً لا يمكن أن تحيط بكل عناصره
وتفاصيله المهمة وأنها في أحسن حالاتها ستتشكل من عناصر انتقائية يتم إعادة بنائها
من منظور رؤية الكاتب
.
وفي رواياتك وقصصك عن القرية لم تتطرق للعلاقات العاطفية
أو حالات الحب والعشق الحارق الذي يتأجج في أحشاء كل تجمع بشري ولا سيما في القرى
التي تتداخل حياتها بالطبيعة وبالأحلام العاشقة . فما تفسيرك لذلك ؟
ومن جهة
أخرى فكما عشنا في المجتمع القروي رأينا أن ثقافته تعبر عن مذخور الثقافة الشفاهية
والتي لم تكن تتحرج في الحديث اليومي عن استخدام المثل المسكوك والقصة العابرة التي
تتعامل مع مفردات الجسد الأنثوي والرجولي وبطريقة عادية وصريحة عن كل مستوياته، فهل
تعمدت إغفال تلك الخاصية الأسلوبية أم أنك تدخرها للمستقبل ؟
* -
سأبدي لك
ما كنت تجهله فأنا لا أصنع هيكلة تفصيلية للرواية قبل كتابتها وإنما أحدد إطاراً
أكتب في حدوده ولا أقول " أفقه " ينسج البناء الروائي، وعادة ما أكون قد اعتمدت على
رموز إيحائية كالمثل أو الحكمة الشيخية أو المسمى أو الذكرى المرتبطة دون تأثر
مباشر بالذات وإنما بالمخزون الاجتماعي وما ألم به من ثقافات حكائية مروية ممن
سبقوا زمن المعايشة، هذا ليس نفياً للذات وإنما لاستراتيجية مرجعية اجتماعية كتابية
بمنظوري العصري
.
إن كثيراً جداً من الحقائق التي تحتاج إلى تفاصيل وتوظيفات لم
انظر لها في كتاباتي - قصة أو رواية - وذلك لأن هذا غير ممكن على الصعيد الإبداعي
الكتابي الذي أعوم فيه وإلا لكنت كاتباً منوعاً كـ" الجاحظ " مثلاً و لوضعت كل شأن
في كتاب وهكذا
.
الكتابة في خصوصيات المجتمعات " إبداعاً " هي من أصعب
الكتابات - في نظري - لأنك تحتاج إلى الموازنة بين انتقائيتك لزاوية الإلتقاط وبين
الحرص على حقيقية الانتمائية الخاصة، وكان بداخلي رغبة كبرى في اعتبار الزمن
المرحلي هو خط سفري في الكتابة عن هذه المكاتبة الاجتماعية تحديداً .. لكنني اكتشفت
أنني لست كاتباً تاريخياً لذلك وجبت علي الانتقائية فأنا محدود بزمن يتحدد فيه
العمر والقدرات الذاتية والموانع المؤسساتية والاجتماعية التقليدية وأمور أخرى. أنت
تعلم أن
الروائي يحمل كشفاً وتفصيلاً .. لكنك لا تستطيع أن تنفصل عنه - بأي حال
-
رؤيتك الخاصة وإدارتك لبناء عملك الروائي في إمكانية الواقع الذي لا يمكن تزويره
ولا صبغه بما ترغب.. نعم
..
لقد سألني أحد القراء هذا السؤال تحديداً
:
-
أين عاطفة الحب والعشق في رواياتك ؟
لا أجد جواباً شافياً وربما كان هذا عيباً
في أعمالي القصصية والروائية عن القرية الجنوبية .. رأيت أن المزارع الذي يخبط في
طرف الخبزة ليزيح رماد " الملة " عنها .. ويسرح بعد صلاة الفجر إلى الوادي ولا يعود
إلا بقدمين مبلولتين بالطين ثم يتعشى ما قسم له لينام منهكاً .. لا وقت عنده للحب
والمغازلة .. بالطبع حبه وهبه لزوجته وعائلته وأرضه .. أو ربما هكذا كان نفسياً
.
*
كأنك بهذا تجرد القروى من عاطفة الحب و ما نعرفه من قصص العشق وما نحفظه
من قصائد الغزل ولعل الذي يذكر أو يطلع على ما دون من شعر شعبي ل "أحمد بن جبران
"
و"أبو سحاب" مثلاً سيرى مرموز الحب وصريح عباراته في كل ما قالوه
!
-
واستطرد
عبدالعزيز : ربما كان ذلك صحيحاً ولكنني أتحدث عن الغالبيةً من الناس غير الشعراء
ويمكنني القول أيضاً بأن هذا لا يعفيني من اعتبار هذه المسألة موجودة في كل إنسان
وكل المجتمعات .. فلو نظرنا لفصل في " البئر " في رواية "الوسمية " لوجدت أن سبب
رمي المرأة
لنفسها في البئر .. كان بسبب علاقة - عاطفية - غير مشروعة وفي وقتها
..
وأنت تعلم أن مجتمعنا محافظ ونحن نحترم هذه المحافظة
!
إن هذا سيسبب
إشكالية في مفهوم القارئ القروي والشعبي عموماً ..وقد جاء لي رد الفعل القاسي تجاه
فصل في رواية " الوسمية " بعنوان " أحمد يتعلم أشياء جديدة " باعتباره فصلاً غير
ملائم أو شبه ذلك ..و في مجموعة قصص " أسفار السروي " بقيت ولم يعلم أحد زمناً
أعاني فيه الإحباط من أحد القراء .. اسمه " ابن السروي " ظاناً أنني قد تعمدت إسباغ
صفات كل أهل جبال " السراة " في شخصيته والتشهير به
.
الأسماء الموجودة في
أعمالي هي أسماء تقريبية لا لشخوص الأعمال بالطبع .. أحرص على أن تكون من واقع
البيئة لكنها بعيدة عن الحدث بذاته أو شخصية بعينها
..
تصور كم من صالحة بنت أحمد
ستسأل عن رواية " صالحة " وكم من "أبو جمعان " وكم من " مليحة " و"عزيزة " و" عطرة
"
وغيرهم .. نحن في واقع اجتماعي شديد المحافظة إلى درجة كبيرة وأنا أحمل على عاتقي
قلماً وليس بندقية
.
(7) -
ما سر ولعك بالمرأة وغنى وتعدد علاقاتك بها في
حاضرك حتى لتعد من ذوي الثروة في هذه العلاقات ( ثقافية / صداقية / عاطفية ) مع
المرأة سواء من داخل المملكة أو خارجها ؟
أيعود ذلك إلى فقر العلاقات العاطفية
أو انعدامها في صباك في القرية أو يعود إلى حالات العشق والتوله التي تصيب الرجل
بعد الأربعين؟
* -
يا سيدي .. مع أن صيغة سؤالك قد تكون مستفزة وخاصة، و
ربما لا تفيد أو تضر أو تهم أحداً، لكن دعني أسأل متى قد تراني قد نظرت إلى المرأة
(
النساء ) كقناص يوجه سهام قوسه العربي القديم إليهن ليحظى بأكبر عدد ممكن من
الغزلان والظباء .. لا يلبث أن يهبهن للسكن والنار والافتراس
!
هل المرأة صيدة
أو مسلاة أو مركز لذة
اقتناصية ؟ دعنا .. تقول " عاطفية " لكن وفي مجتمع قام على
مفاهيم معينة تجاه المرأة .. حيث ينشأ المجتمع بكليته راكضاً خلفها في تستر ومن خلف
خباء شديد الكثافة .. إنه يعتقد أن سبب شوقه العاطفي الجسدي يكمن فيها وهذا خطأ
بالطبع .. فالسبب موجود في مفهوم التربية غير المتوازن .. فقدان التوازن العاطفي هو
السبب في دواخل الناس
.
عندما نشأنا في عالم قروي واضح الملامح لم نكن نعرف معنى
الحرمان العاطفي ولا نظرنا للمرأة بعين الافتراس الجسدي .. لم نعرف الواقع غير
المنصف إلا بعد أن كبرنا وغادرنا قرانا .. بعد أن اندثرت معــالم الخصائص القروية
..
لقد كنا بالبـديهة نحيـا حيـاة حضـارية القيم وليس ( الوصاية ).. الناس وقتها
كلهم يعملون ويشتركون في جهد الحياة وألمها وفرحتها .. المرأة لم تكن كائناً غريباً
وبعيداً عن التعامل والمكاشفة المعيشية اليومية .. لم يأكل الرجل المرأة ولا حدث
العكس .. كان الإنسان القروي كاملاً لا تجزئة ولا انفصال ولا تربص أو مفارقة . جاءت
"
المدينة " البعيدة عما يسمونه خطأ بـ" الحضارة "، فالقيم الإنسانية التي تشكل
دواخل الناس وبالتالي سلوكهم بعيدة عن المفهوم الحضاري .. نعيش ونتحرك والغربة تسكن
دواخلنا كنفق العتمة المعبأ بالظلام والخوف والتردد
.
أن الأمر لا يقتصر على
الرجل فقط فالمرأة أيضاً تعاني وبشدة من الغربة والغربة العاطفية ثم
تصبح زوجة دون
معرفة أو اختيار ثم أماً محتضنة فمربية هذا إن تم لها التواؤم الزوجي
.
لم أكن
أعاني في صباي عاطفياً ( من يقرأ " المكاشفات " يجد الجواب ) ولا أدري إن كان
للصدفة التي لم أجد خلفها دورا
في المسألة بعد الأربعين ولو أفترضناه .. فهو
التعقل والمفهموم العميق لإنسانيتها ودورها الحياتي - الضروري الطبيعي - العظيم
.
كثيراً ما نتخفى خلف العورات ليس أمام الآخرين فقط وإنما لعدم مواجهة أنفسنا
لكي لا نتواجه مع قيمنا التي أملتها علينا ثقافاتنا وذلك في نظرتنا وعلاقتنا
بالمرأة .. فالترسبات المتراكمة في داخل الإنسان تبقى تنزعه من إنضباطاته وتوازنه
بصورة حادة .. لكنها لا تكون فالتة بحيث تصبح على نفقة الآخرين في سبيل غنيمة الذات
..
ذلك يعود للدوافع الاجتماعية التي نشأت عليها تلك الترسبات.. والحقيقة ( التي
أراها ) أنه لا خيانة للذات بالمفهوم الثقافي الإنساني وبالذات في مسائل العواطف
التي تتحول بصورة أو أخرى إلى الغراميات أو العشق وهذا لا يحدث إلا نادراً لكنك حين
تدخل في هدأة الحوار الذاتي الخفي .. لا تجد الأمر اختيارياً بحتاً .. العشق لا
يصلح لأن تزنه دوماً بالعقل والحساب الرياضي وإذا ما فعلت فقد تساهم في قتل أجمل
مساحة في حياة وساحة قلبك
.
دعني
..
فأنا لا أحب أن يوصف وجه الحبيب
بالقمر أو الشمس أو حتى الشمعة ولا أن يكون الحبيب مصدراً للسهر والهيام والعذاب
فهذا لا يختلف كثيراً عن طريقة حفر القلب أو رسمه بالطبشور كنصف تفاحة مفرغة
يخترقها سهم
!!
(8) -
هناك تجربة حب رائعة ومعقدة تجلت في روايتك " في عشق
حتى " التي تعد واحدة من الروايات المتميزة محلياً وعربياً، وسؤالنا يتجاوز الرواية
إلى بطلة الرواية .. حول ما الذي يميز هذه البطلة لتأخذ موقعها الحارق في الرواية
(
هل هو الجمال / الثقافة / الحنان / الشخصية .. إلخ ) ولماذا لم تستحضر جزءاً أو
بعضاً من تجاربك الوجدانية هنا لتكتب نصها المحلي ؟
* -
رواية ( في عشق
"
حتى " ) هي حكاية مختصرة لامرأة عشت ولا أزال - بعيداً - هائماً في عشقها مع تعدد
التجارب وأشكالها .. لقد تعذبت بها ولم تتعذب بي لكنني على ما يبدو وقعت فيما قال
عنه الكاتب الفيلسوف
شو " عندما تجد نفسك في مسار ضد مصلحتك تجاه امرأة ما
..
فأعلم أنك تحبها " أنا شخصياً لا أستطيع أن أحيا بلا امرأة - حبيبة - تحديدا ولم
أسأل ذاتي إن كان هذا مطلب خاطئ أو مصيب .. لا اتخذها كملهمة .. ولا أوظفها كتابياً
بالضرورة .. لكنها حاجة ضرورية إنسانية ودافع حي جميل للإبداع
والحياة .. قد تظنون
أنني رجل بشوارب وعقلانية لكنني لا أنبذ عني صفة الجنون .. وأقل ما فيها العاطفية
المحرقة والبساطة والألفة تجاه كل الناس.. إنني أحزن لقتل بعوضة أو ذباب .. بالرغم
من أذيتهما .. وفي ذات الحال أنا شديد الصعوبة تجاه الحق الذي أؤمن فيه وبه إنني مع
الحياة والفرح والأمل، و
"
حتي " قد لا تكون رواية محددة بكل عواطفها عن " حتى
"
ذاتها والتي أحيا ما حييت أحبها .. لقد كانت رواية دون قصد مبيت .. تدخل بصورة أو
بأخرى في عالم القرية وما يحكمها من .. استشهاداتها .. الخ كانت قروية لأنني
استيقنت ذلك من حب صبياني قروي .. إينما أذهب يظل مرجعيتي في الذاكرة : غير أن
الوعي الرجولي في سن ما أعتقد أنواعاً أخرى وصياغات أخرى
.
"
وحتى " كما تعلم
كلمة عذبت " الأصمعي " والنحويين لدرجة أن دارساً قضى وقتاً لنيل درجة " الدكتوراه
"
في " حتى " !.. أنا لا أحب المواقف الانهزامية على ألا تكون على حساب الغير
.
( 9 ) -
تميزت شخصيتك في سنوات الطفولة والصبا وحتى السنوات الأولى
التي قضيتها معنا في الدمام بالتأمل والأناقة مع ميل للانطواء،
ولم تكن ترتاح أو
تشارك في الأحاديث التي تخوضها مجموعة كبيرة من الأصدقاء، فاتخذت شخصيتك ملامحها
الجادة المبكرة والزاهدة في الآخرين، وفجأة وجدناك تحيل كل شيء إلى سخرية مرة أو
هازلة،
ثم ما لبث هذا التحول أن تغلغل داخل تكوينك الكتابي واليومي فأفدت منه
الكثير في حياتك وأعمالك الكتابية حتى أصبح الحديث معك متعة خاصة يتعشقها الكثيرون
والكثيرات
.
هل يمكن أن تضع أيدينا على جذور ذلك التحول الهائل في تكوينك من
الانطواء إلى الهزل وإلى السخرية وحب الدعابة ؟
* -
جزاك الله خيراً
..
ربما نشأت على أن استمع أكثر مما اعتدت على يد جدي المرحوم .. لكنني أرى أنني
ثرثاراً أحياناً وطويل الحكاية والتفاصيل المملة .. لقد لاحظت هذا في أحايين كثيرة
ولم أجد لي - ربما نوعاً من المجاملة أو الاحترام .. لا أدري
- ! .
ثم لماذا لا
يكون صمتي نوعاً من الخجل أو عدم القدرة على المشاركة في أمور لا أرغب الخوض فيها
.
أما السخرية فأنا لا أسخر من الآخرين بل أحملهم في عمق قلبي .. و
..
-
يا عبد
العزيز .. الله يوفقك ويزوجك واحدة ما تسمع ! .. لذلك أرجو أن تجيبني على هذه
التفريعات بشأن السخرية المقصودة هنا.. هي روح النكتة والمفارقة والدعابة وليس
المقصود بها السخرية من الآخرين،
فأنا أعرف أنك تمقتها ولكنني أسألك عن السخرية
التي تحول المأساة إلى ملهاة لتستطيع التغلب على قسوتها
.
هل كانت النكتة
تستهويك وأنت طفل ؟
* -
أنت تعلم أن الثقافة القروية العامة مشبعة بروح التهكم
والمفارقة لكنني كنت استمتع بها كمستمع ولم أكن أشارك آنذاك في إنتاجها
.
-
هل
كنت ترويها للآخرين في طفولتك ؟
* -
نعم ولكنها لم تكن أحد مشاغلي الرئيسية
.
-
اذن كيف حدث هذا التحول في تكوين التعبير عن شخصيتك وعن آرائك عبر استخدام
آلية السخرية ؟
* -
ربما اسميه تطوراً وليس تحولاًً فالبذور الأولى التي
تستمتع بالنكتة والمفارقة موجودة ولكنني بعد أن تزودت ببعض المعرفة ومارست الكتابة
وأصبحت لدي اسئلتي المقلقة حيال العالم الخاص والعام وجدتني مدفوعاً لهذه الطريقة
التي رأيتها تساعد الإنسان على التخفيف من المرارة في كافة ظروف الحياة .. ثم أضف
إلى ذلك القراءات الهامة التي عشقتها للجاحظ وابي حيان التوحيدي الذي كان يهتم
"
بالملح " وكذلك في قراءاتي لابن إياس .. هذه القراءات جعلتني أتلمس فعالية الكتابة
الساخرة أو المفارقة وقدرتها على التأثير الهائل في القارئ . ولذا يمكن القول بأنني
حاولت استخدام هذا الأسلوب - أحياناً - لإيصال الرسالة الفنية لكتاباتي عبر الدعابة
التي أتوقع أن يستقبلها القارئ بنفس روح الدعابة والمرح فتقيم بيننا جسوراً من
التواصل وقبول بعضننا البعض
.
رد مع الإقتباس