عرض مشاركة واحدة
قديم 05-19-2012, 02:12 PM
المشاركة 600
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عرض- أحلام سليمان

لا يمكن قراءة رواية (القلق السري) للأديبة فوزية رشيد خارج اطار العنوان الرئيسي والمناصات أو ملحقات النص الروائي المتمثلة في التقدمة والعناوين الفرعية وشكل الكتابة وتوزيعها اذ ان العنوان وملحقاته يشكل حقلاً دلالياً يكثف مدى العمل الروائي ويبئره، ويمثل مدخلاً لقراءة التجربة الروائية التي يمنحها هويتها ومعناها فالرواية تمثل على صعيد الشكل استمراراً لظاهرة التجريب في الرواية العربية ومحاولة لتمثل شكلها الحداثي وذلك من خلال الانفتاح على الفنون الاخرى، والاعتماد على التقطيع والمشهدية وتعددية الضمائر والمستويات السردية بالاضافة إلى شعرية اللغة الموحية.

تنشغل فوزية رشيد في هذه الرواية بقضية المرأة وتجربتها الوجودية التي تعكس وضعاً اجتماعياً وتاريخياً وانسانياً مختلاً نتيجة القهر والتسلط الذي يمارسه المجتمع الذكوري عليها بصورة تجعلها تشعر بالضعف والدونية والاستلاب. من هنا وعبر مستويات السرد المختلفة وتعددية ضمير المتكلم في الرواية وتداخل المستويات الواقعية والاسطورية والغرائبية تحاول الروائية ان تعيد المعنى الخاص الذي تمثله المرأة على المستوى الوجودي حيث تستحضر في سياق البنية السردية حكايات واساطير وافكاراً ومفاهيماً قدمها علم نفس الاعماق حول بنية المرأة النفسية والعقلية الأمر الذي يكشف عن الفضاء الثقافي والايديولوجي الذي تتحرك فيه مسارات السرد حيث يبدو واضحاً سعي الروائية لتخييل الاسطوري والغرائبي بما يثري الفكرة التي تحاول تأكيدها والايديولوجيا التي تكشف عن حضور الايديولوجيا الانثوية في مواجهة ايديولوجيا الواقع الذكوري.

ان ايديولوجيا الكاتبة تتأكد من خلال شخصيات العمل الروائي وتقسيماتها إلى شخصيات سلبية وشخصيات ايجابية واذا كان الرجل يتمثل بشخصية الجد الشهوانية المتسلطة فان شخصية الشيخ مبروك تظل اقرب إلى الاسطورة منها إلى الواقع في حين ان المرأة اما ان تبدو مدجنة وضعيفة أو هي متمردة وشديدة الذكاء ورافضة للتدجين كما هي حال بطلة الرواية وبقدر ما تحاول فوزية رشيد ان تكشف عن مضمون تجربة المرأة الوجودية وعن رؤيتها للمرأة وجوداً ومعنى فانها تقارب قضايا كانت المرأة تخاف الاقتراب منها ذلك ان الروائية تحاول ان تتحدث عن وجود المرأة وعالمها السري وما تحس به على العكس مما يفرضه المجتمع عليها خاصة في القسم الذي يحمل عنوان خط الاستواء وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى التأكيد على ضرورة قراءة الرواية من خلال قراءة فصولها وعناوينها الفرعية، وكما هو واضح فان السيري الذاتي والانثوي العام يتداخلان في بنية السرد ومشهديته ليعبرا عن قسوة التجربة التي تعيشها المرأة وعن معنى اختراق السائد في القيم الاجتماعية والذي يبقي وضع المرأة المستلبة على حاله، واذا كانت المرأة في تجربة الوجود الأولى هي التي قادت إلى المعرفة عندما اكلت من ثمرة الشجرة المحرمة فان الرجل كان مجرد تابع لها "اليس ألم الكشف ابهى واسمى من لذة مسترخية ودائمة دون طائل هيهات ما بين لذة تنبثق من تعب ولذة تنثال عليه رطباً وهو فاغر فمه تحت النخلة! لماذا اللعنة اذن... كل شيء عار عن الحقيقة لا يهم بعدها حجم الشفاء الذي يتمازج معه، انتهاك لجهل يبقي الغلالة السحرية والشفرة السرية دون كشف (ص 239).

تتألف الرواية من قسمين وكل قسم يتألف من عدد من العناوين الفرعية أو المشاهد التي تتكامل داخل النسيج الروائي، والحقيقة ان رغبة الكاتبة في ان تقول كل شيء حول المرأة وتاريخ تجربتها ماضياً وحاضراً قد اثقل الرواية وجعل القارىء يحتاج إلى القراءة المتأنية لضبط حركة السرد خاصة وان الروائية حاولت ان تتكيء على مرجعيات متعددة اسطورية كقصة الامازونيات وشعرية كنشيد الاناشيد ونفسية تؤكد تكامل العقل والوجدان عند المرأة مقابل العقل الجاف والمجرد عند الرجل والذي يمكن بمفرده ان يقود العالم إلى الدمار والهلاك.

تحاول الروائية بتوظيف خصوصية اللغة الشعرية من استعارة ومجاز وتكرار وتكثيف ان تؤثر في المتلقي لكي يتعاطف مع ما تطرحه من أفكار ورؤية تحاول ان ترد الاعتبار إلى المرأة، وتعطي لوجودها قيمة ومعنى خاصين عقلاً وجسداً وروحاً بل ان الروائية في المشاهد التي تحمل عنوان خط المتوسط وخط الاستواء تتألق في شعريتها الدافئة والحميمة وهي تصور احساسات المرأة وعلاقتها بجسدها في أكثر اللحظات حميمية وتوتراً بصورة تحاول معها ان تكشف عن جمالية هذه العلاقة التي حرمت المرأة زمناً من التعبير عنها والتصريح بها الأمر الذي يؤكد جرأة الكاتبة وفنيتها في التعبير عن هذه الخصوصية في سياق البنية السردية والحكائية للرواية لكن المستغرب ان هذا العمل لم ينل من النقد الذكوري الاهتمام المطلوب ولم يحظ بالقراءة النقدية المطلوبة خاصة وان هذا العمل هو التجربة الروائية الأولى فيما اعتقد لفوزية رشيد.

انه سؤال يطرح نفسه عندما يكون العمل الروائي حميمياً وجريئاً في التعبيرعن تجربة المرأة وعالمها الجسدي والعقلي والوجداني معاً.

البيان الثقافي
6 جمادى الأولى 1421 هـ
16 أغسطس 2000- العدد 30