عرض مشاركة واحدة
قديم 11-26-2011, 12:16 PM
المشاركة 78
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عبد الرحمن مجيد الربيعي: لا نجد اليومغير ركام من القول المعاد!
الروائي العراقي: مهرجانات العراق زمن العهد السابق كانت مساحة لقاء بين أدباء العربية.. ولم تكن سلبية مائة في المائة

تونس: حسونة المصباحي
يقيم الروائي العراقي عبد الرحمن مجيد الربيعي في تونس منذ سنوات طويلة. فقد اتخذها مقرا له بعد رحلة في العمل الابداعي والاداري الحكومي بين بغداد وبيروت. وللربيعي، مواقف كثيرة في الشأن العراقي، ماضيا وراهنا، فضلا عن آرائه في رموز الحركة الثقافية العراقية.

في هذا الحوار معه تحدث الربيعي عن موقعه في الرواية العراقية والعربية، وعن سيرته الثقافية والادارية، وعن الحياة الثقافية في تونس وفي المغرب العربي بصفة عامة.

* عملت فترة مع النظام العراقي السابق، ثم استقلت من عملك بناء على رغبتك ـ كما علمنا ـ ومن ثم غادرت العراق لتقيم في تونس منذ عام 1989 وتكوّن لك اسرة فيها. فلماذا غادرت؟

ـ في اوائل السبعينات كان الوضع السياسي في العراق مختلفا عما هو عليه في العقدين الاخيرين من القرن الماضي، خاصة العقد الاخير. كان هناك توجه مخلص من قبل بعض قادة حزب البعث الذين يثق بهم الناس بما في ذلك خصومهم التقليديون (الشيوعيون) مثل الراحل عبد الخالق السامرائي وصلاح عمر العلي وغيرهما، كما ان من تولوا مسؤولية وكيل وزارة الثقافة والاعلام كلهم من الشعراء مثل الراحل شاذل طاقة والدكتور زكي الجابر الذي غادر الى المغرب ومن ثم الى اميركا، ولا انسى هنا بعض الشعراء الذين شغلوا منصب مدير عام في الوزارة مثل الشاعر علي الحلي. كنت اعرف هؤلاء بأشخاصهم، وارتبطت مع بعضهم بصداقات، خاصة في فترة 1964 ـ 1968 يوم كان حزب البعث خارج الحكم وكان اعضاؤه مطاردين ومطلوبين، كما ان الحزب نفسه كان منشقا الى جناحين اليساري وقيادته في سورية واليميني التابع لقيادة ميشيل عفلق او جماعة القيادة القومية ـ كما يسمّون.
عرفت ببغداد عددا كبيرا منهم وعن طريق بعض اقرب اصدقائي الذين كانت لهم علاقة بحزب البعث مثل لطفي الخياط، جليل العطية، طه ياسين العلي، عبد اللطيف السعدون، ابراهيم الزبيدي وغيرهم. ويوم تسلم البعثيون الحكم للمرة الثانية في 30/17 يوليو (تموز) 1968 كان عددهم قليلا جدا بحيث لا يستطيعون ادارة اجهزة دولة. وعلى حد علمي كان معظم الادباء البعثيين شأنهم شأن معظم الشيوعيين قد قدموا براءات ونشروها في الصحف وربما كان الشاعر حميد سعيد الوحيد الذي له صلة حزبية قبيل انقلاب تموز 1968 وقد ابعد سياسيا الى مدينة السليمانية. وكان الابعاد معمولا به وقتذاك. كنت قد عينت مدرسا للرسم في اعدادية الاعظمية ببغداد عند تخرجي في كلية الفنون الجميلة 1968 ـ 1969 ووقتها كنت على صلة (ليست تنظيمية) بزملاء لي عملوا مع القيادة المركزية المنشقة عن الحزب الشيوعي. اذكر منهم صبري طعمة وابراهيم زاير وآخرين. وكنت اتابع كل منشورات الحزب واتابع حركته في اهوار الجنوب المسلحة (وردت الاحداث في روايتي «الأنهار»)، لكن علاقتي كانت قوية ايضا ببعض زملائي البعثيين، خاصة في الكلية. وكنت احاول حل الكثير من الاشكالات التي تحصل في الكلية لا سيما ان البعثيين قد تسلموا الحكم.
كان الدكتور زكي الجابر وكيلا لوزارة الثقافة وكانت الوزارة بحاجة الى كوادر من الادباء، ولم اجد صعوبة في الانتقال اليها لا سيما ان الوزير كان صلاح عمر العلي الذي ابعد من تكريت الى الناصرية في الستينات وترك وراءه علاقات طيبة في المدينة.
ولقد جئنا مدفوعين بالامل لأن ننجز ما حلمنا به. ولم يمض وقت حتى تسلمت مسؤولية مجلة (الأقلام)، وكما تعلم ويعلم اهل الادب انني بذلت جهودا مضاعفة من اجل ان تكون هذه المجلة قبلة للادباء الشباب وفتحناها ـ وبالمكاتبة المباشرة ـ لأسماء ادبية عربية. كان العراق يعيش وقتها فترة وئام وانضمت بعض الاحزاب للحكومة، ولكن هذا الامر لم يبق على ما هو عليه. وانفرط عقد الائتلاف الحكومي، وبدأت هجرة الشيوعيين ومناصريهم شبه الجماعية الى البلدان الاشتراكية واليمن الجنوبية (قبل ان تعود وتتوحد مع اليمن الشمالي)، وانعكس هذا حتى على وضع الثقافة، خاصة عندما جيء بقاص متواضع الموهبة هو المرحوم موفق خضر الذي لم يكن يحلم ان يكون مديرا فصار مديرا عاما بوساطة من زوج اخته هاني وهيب السكرتير الصحافي للرئيس السابق (وقتها كان نائبا للرئيس). وتصرف من موقعه بطريقة هي اشبه بتصفية الحسابات. وكان ذلك اول اصطدام شخصي مع المؤسسة الثقافية الرسمية، حيث حملت اوراقي وقصدت بيتي وقررت ان لا اعود للعمل، ودام هذا عدة ايام، وكان الشاعر سامي مهدي المكلف بمهمة حل الاشكال الذي انا فيه (وقد فكرت جديا بالمغادرة)، وأكدت للشاعر سامي مهدي انني لن اعود ابدا للعمل مع موفق خضر، ثم فصلت وزارة الثقافة والاعلام الى وزارتين، وتدخل الشاعر علي الحلي لنقلي لوزارة الاعلام، كما كان الحلي وراء تعييني في بيروت وما دمت لست عضوا في الحزب الحاكم فإن منصبي الرسمي سيكون مسبوقا بكلمة (م) اي (معاون). وهكذا صرت معاون مدير مركز. اما المدير فهو المستشار الصحافي الصديق سيف الدوري الذي سينضم مع شقيقه الكبير للمعارضة.
كانوا بحاجة الى كوادر، ليس لديهم الا مجموعة قليلة من الذين يصلحون لمهمة ثقافية وفي لبنان بالذات الذي كان وقتها ساحة حرب، ولم يفكر احد اطلاقا بالعمل فيه.
ومع هذا قبلت، قالي لي د. خالد حبيب الراوي: «انك تنتحر بالذهاب الى بيروت في هذا الوقت»، فكان جوابي له: وبقائي هنا أليس انتحارا؟ كانت فترة لبنان رغم كل ما فيها مهمة بالنسبة لي، فأنا في بلد احبه، ولي فيه صداقات، وسبق ان نشرت عددا من كتبي فيه.واصبح المركز قبلة المثقفين، وجئنا بعدد كبير من الادباء والفنانين واستضفناهم مثل الشاعر الرائد عبد الوهاب البياتي والروائي المعروف جبرا ابراهيم جبرا، والتشكيلي المتميز شاكر حسن آل سعيد اضافة الى الفنانين المعروفين في مجال الموسيقى مثل سلمان شكر ومنير بشير وسالم حسين. كما نقلنا معرض البوستر (الملصقات) العالمي وعرضناه في المركز، ومن المفارقات ان الصفحات السياسية في بعض الجرائد ـ خاصة بعد قيام الثورة الايرانية وكنت في بيروت وقتها ـ كانت تهاجم العراق ونظامه بينما كان المديح يتوالى للمركز الثقافي والدور الذي يقوم به في الصفحات الثقافية.
اما ذهابي من بيروت الى تونس فله حكاية، اذ انني كنت في زيارة لبغداد ونبهني احد الموظفين المخضرمين بأنني عملت في منطقة خطرة ووفقا للقانون بامكانك ان تطلب النقل الى بلد آمن لا مشاكل فيه.

وقدحت الفكرة في رأسي، ودخلت على المدير العام وكان وقتها حسن طوالبة (وهو اردني الجنسية)، فأكد لي ما سمعته، ولكنه اقترح عليّ ان افاتح الوزير بالامر، ولم تكن اماكن شاغرة الا في ثلاثة بلدان هي تونس وروما وانقرة، واجبت على الفور: تونس. اذ انني اعرف تونس ولي فيها صداقات، واحب اهلها ومناخها، وهذا ما كان لي، ذهبت الى بيروت لأحمل حقائبي متوجها عن طريق قبرص الى تونس. كان هذا عام 1980. وكانت اقامتي اكثر من رائعة، لكن ما لم يكن يعرفه الاصدقاء التونسيون انني كنت اتعرض لمضايقات من قبل السفارة، وبعض موظفيها كانوا يدبجون التقارير الكاذبة عن حياتي الشخصية، كما ان المستشار الصحافي وقتذاك هو شاعر واعني به محمد راضي جعفر كنت له اشبه بالكابوس، وذات يوم جاء امر نقلي لبغداد، وعندما كلمت الوزارة قالوا لي امامك خيار آخر ان ترجع لبيروت لأن مكانك شاغر فيها ولم يقبل احد بالذهاب خوفا من الاحتراب، ومن جديد فضلت بيروت على العودة الى بغداد التي كانت غاطسة في الحرب الدامية مع ايران، ولم يكن هناك من فكاك في ان تتهرب من الجيش الشعبي الذي شمل كل اصدقائي الذين بقوا هناك، وكنت شخصيا لا أؤمن بالحرب واستطيع القول انني من القلة الذين لم يكتبوا سطرا من اجلها، حتى ان الشاعر سامي مهدي قد اخبرني ذات يوم: ان هناك ملاحظة مسجلة عليك هي انك لم تكتب عن الحرب بينما اصدقاؤك كلهم كتبوا وعايشوا الجنود في جبهات القتال. ثم عدت لبغداد، ورغم انني لم يسىء اليّ احد الا ان المرء يعيش خائفا وهو لا يدري لماذا.
اسمع عن اناس غيبوا لمجرد نطقهم بكلمة، اكتشفت كأنني امام عراق آخر، حتى الناس تغيروا، كما ان كتبة التقارير كانوا يعيشون مرحلة الازدهار، ويتصيدون الكلام من الافواه، وربما كانت اكبر مفاجأة لوزير الثقافة والاعلام عندما طلبت منه احالتي على التقاعد المبكر، ولم يصدق، وترك لي فرصة ثلاثة ايام للتفكير، ولكنني كنت مصرا، قراري لا رجعة فيه، كان هذا عام 1987 وعشت عاما وبضعة اشهر في حالة متردية على كل المستويات لولا وقوف بعض الاصدقاء معي، سواء من اللبنانيين المقيمين في العراق او من العراقيين.

وعندما سنحت لي فرصة للسفر اتخذت قراري بأن لا ارجع ثانية حتى يتغير الوضع الى ما هو احسن وكنت استبعد هذا. ومرت السنوات وقد تردى الوضع وجاء زمن الاحتلال بكل مساوئه وجرائمه وما يشكل من اهانة لشعب عريق، معتمدا على نفر من ابنائه مع الأسف المر.

* ما هو الدور الذي على المثقفين ان يلعبوه في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العراق؟
ـ عليهم ان ينسوا الخطاب القديم، الديكتاتورية والمقابر الجماعية وما شابه، فذاك عهد مضى واذا ما اقيمت محاكم وطنية مستقلة ونزيهة ستبت في كل شيء، لأن الوضع العراقي ما زال فيه غموض كثير، وكل يوم تتكشف فيه وقائع لا يكاد المرء يصدقها، سواء في فترة الحكم السابق او بالنسبة لمن عيّنهم الاحتلال! لا بد من ان تتضح الامور. اما المطلوب من المثقفين العرب فهو ان يعملوا على ان يحافظ العراقيون على وحدتهم الترابية وان لا يسمحوا لمنطق العرقية والطائفية بأن يسود، كما عليهم ان يجعلوا همهم الاول ازاحة الاحتلال الكريه الذي يشكل وجوده بهذه الكثافة اهانة لكل العرب، وعليهم ان لا يسمحوا بتكرار السيناريو العراقي الاجتياحي في اي بلد.