عرض مشاركة واحدة
قديم 11-25-2011, 02:26 PM
المشاركة 75
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الوشم لعبد الرحمن مجيد الربيعي:

رواية قديمة...هل تصلح لأيامنا الجديدة ؟
بقلم نديم الوزه
لم يكن مدخلاً جيداً بالنسبة لي أن أقرأ ما كتبه الروائي المغربي محمد شكري على غلاف رواية" الوشم" للروائي العراقي عبد الرحمان مجيد الربيعي ،و لاسيما أن هذا الذي كتبه قد يخطر لأي قارئ مطلع وقد لا يرى أن رواية الربيعي يمكن أن "تذكرنا بتكنيك الروائيين الكبار من جويس إلى وليم فولكنر" ،ليس لأن الربيعي ليس كاتباً كبيراً، و لا لشيء قد يتعلق بالتقليد و التكرار، و إنما لأنني كنت قد مقت هذا التكنيك من خلال قرائتي لشيء مما كتبه الروائيان المذكوران جويس و فولكنر،على ألا يعني هذا المقت لهما أي حكم قيمة ، وعلى ألا يعني أنهما ليسا كبيرين كما يرى محد شكري .ذلك أنهما ، بما ابتكرا من تكنيك على الأقل، قد فتحا الباب إلى تعددية طرق هذا التكنيك و احتمال جدتها في أي رواية جديدة.
ومع أنني أقرأ رواية"الوشم" في نسحة من طبعتها السادسة 2002 أي بعد ثلاثين عاماً من صدور طبعتها الأولى 1972 إلا أنها، بتجاوزها لتكنيك سرد تيار اللاوعي، و ابتكارها للسرد المبعثر أو المشتت لرصد وعي يماثله،لم تزل تحتفظ برونق سردها و تلقائيته و بما تثيره من أفكار أراها سباقة و ملحّة على المواطن العربي الذي يعيش في"غرفة بملايين الجدران"بعبارة محمد الماغوط،أو في "سجن بلاجدران و لا حراس" بتعبير إحدى قصائدي!.و هي إذا ما كانت تذكرني بكلا التعبيرين فلأنها تتحدث عن شاب مثقف يدعى كريم الناصري لم يزل يعاني من جرائر سجنه سبعة أشهر في أحد سجون العراق طالما أنه لا يعرف كيف يتخلص من خزيه و عاره بعد قبوله بالاعتراف بنشاطه السياسي و تبرؤه منه علناً في إحدى الصحف لكي ينال حريته و يذهب إلى أقرب حانة.
و ربمالأنني لم أنضم إلى أي تنظيم سياسي لأدخل إلى السجن من جراء ذلك ، لا أعتقد أن هذه الرواية تحاول أن تفضح انهزامية هذا الشاب بقدر ما تحاول أن تكشف عن طهرانية المجتمع الذي يعيش فيه ،و عن انقلابية أفكاره و عدم مقدرته على تكوين وعي علائقي حديث و عقلاني حتى بين صفوف الشرائح العلمانية و اليسارية. و ربما هذا ما دفع بالرفاق اليساريين-شخصيات هذه الرواية- إلى التدين و محاولة الخلاص الروحاني طالما أن الواقع لايستجيب لأفكارهم الدنيوية في العدالة و الحرية كما أفترض، أقول أفترض لأن الرواية لاتصرّح بأفكار شخصياتها السياسية أوالعامة ،و إنما تكتفي بفضح أحادية السلطة أو المعارضة في ثنائية تصادمية لا مكان للحراك الثقافي أو الاجتماعي أو الإنساني بينهما . يؤكد ذلك اضطراب عقل كريم الناصري و نفسيته حين لا يستطيع الاستمرار في حياة متوازنة داخل العراق على الرغم من توفر العمل و المرأة بل و الحب ، و ذلك بسبب من شعوره بالتلوث و الإثم لتخليه عن أفكاره السياسية السابقة و تنازله للسلطة ، الشيء الذي يعتبره خيانة لا تغتفر و لا يمكن الخلاص من خطاياها إلا بالانتحار المكاني أي الهروب خارج العراق إلى الكويت أولاَ و من ثمّ إلى بلدان أخرى للابتعاد أكثر فأكثر عن مسرح الجريمة.
بهكذا وقائع لا يبدو كريم الناصري أنانياً بالمطلق أو انتهازياً كما راق لبعض قراء الرواية أن يصفه. فعلى ما يبدو من هذه الوقائع أن أكثر ما أراده هذا الشاب لا يتعدى حياة متحررة يمكن للمرء فيها أن يكون ذا فاعلية إنسانية تمكنه من أن يفكر و يبدع و يحب و يطالب بظروب معيشية أفضل . لكن ما كان يفتقده كريم لتحقيق ذلك ليست القوة التي زجت به في السجن و ليست القوة المضادة التي زجت به في عداد المتخازلين و الخونة، و إنما كان يحتاج إلى وعي كاف للتوازن بعد كل ما حصل له ، توازن يجعله قادراً مجدداً على التفكير بقوته الفاعلة ، قوة الفكر، و الإبداع ، و المحاججة ليس مع السلطة بالضرورة بل مع الناس المفترض منهم أن يمتلكوا وعياً يجعلهم تلقائياً يرفضون أي استبداد لاعقلاني قد يتحكم بهم وبمصائرهم . لكن و لأن كريم الناصري لم يستطع أن يعي ذلك تشابكت الأشياء و الأفكار في رأسه كما يقول و لم يعد يرى خلاصاً إلا بالهروب و الالتجاء...
و كيلا أستطرد في أمور أخرى تثيرها الرواية و لا تفترضها وقائعها تماماً ، أعود إلى بنية سردها المتشابكة التي اقترحتها ذهنية كريم الناصري الذي تولى رواية معظم الأحداث على شكل استذكارات و رسائل متداخلة في أمكنتها و أزمنتها و لكن لكي تعاود التشكل في ذهن القارئ لحظة انتهائه من قرائتها بما يتيح له التفكر و التأمل في مقولاتها و وقائعها حتى لتبدو أنها رواية يومية لحياتنا التي نعيشها الآن في بيوتنا و شوارعنا و عملنا و كأن السجون أصبحت إحدى مورثاتنا الطبيعية أو هي آفة عصرية نتفسها مع الهواء و نشربها مع المياه و نأكلها مع الطعام ، واعتبارها كذلك هو بحد ذاته كاف ليجعلها إحدى الروايات الرائدة في تفكيك الوعي العربي و إحالته إلى مشرحة العقل النيّر من غير ادعاء أوفذلكة شكلية قد لا تفضي بنا إلا إلى مزيد من الجهل أو في أحسن الأحوال إلى مزيد من الانكفاء و التجاهل لما يمكن أن يودي بنا جميعاً إلى التحلل و التلاشي!