عرض مشاركة واحدة
قديم 11-24-2011, 03:17 PM
المشاركة 71
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
إبراهيم الكوني.. تكريم الغرب وتجاهل العرب

مقدم الحلقة: سامي كليب

ضيف الحلقة: إبراهيم الكوني/ روائي ليبي
تاريخ الحلقة: 27/6/2009

- سامي كليب: مرحبا بكم أعزائي المشاهدين إلى حلقة جديدة من برنامج زيارة خاصة تنقلنا هذه المرة إلى جبال الألب السويسرية، ليس للحديث عن الجبال والثلوج وإنما عن الصحراء والرمال والرابط بين الاثنين مبدع ليبي وضع حتى الآن أكثر من سبعين كتابا وترجم الكثير من أعماله للغات أجنبية أما في عالمنا العربي فلا يزال شبه مجهول، يسعدني أن أستضيف المبدع الليبي إبراهيم الكوني.

الصحراء الراوي، الصحراء الوجود


إبراهيم الكوني: لم يرو لي أحد شيئا غير الصحراء، الصحراء هي الجدة التي ربتني وهي التي روت لي وهي التي دفنت في قلبي سرها ولهذا عندما أتحدث عن الصحراء أشعر بأن الصحراء مسكونة.. أشعر بأنني مسكون بالصحراء، يعني لست أنا من يسكن الصحراء ولكن الصحراء هي التي تسكنني لأن في الصحراء فقط يتجسد مبدأ وحدة الكائنات، في الصحراء تعلمت أن تكون الشجرة، أصغر شجرة أو أصغر نبتة قرين لي، في الصحراء أيضا تعلمت تحريم أن تنتزع عودا أخضر، في الصحراء تعلمت أن لا أفقس بيضة طير.

سامي كليب: لا شيء في هذه القرية السويسرية الهادئة بناسها والهانئة بطبيعتها والنازعة شيئا فشيئا حلتها البيضاء لترتدي ربيعها الأخضر المنعش لا شيء يوحي بأن فيها مواطنا ليبيا من أبناء قبائل الطوارق يسافر في الأدب يقطع الجبال المواجهة فيجوب صحراءه ويعود إلى الإنسانية بكل تلك الأساطير والرسائل، وحين وصلت إلى هنا وجدته يسير كعادته كل صباح ومساء في كنف الصنوبر والسنديان وبين المروج، جسده متكئ على عصاه هنا وقلبه متكئ على مخزون الصحراء هناك.


إبراهيم الكوني: الغربة عمق، الغربة إعادة تشكيل الروح، وإعادة تشكيل الروح بحيث تعيد اكتشاف نفسك مش خارج نفسك يعني لا تعطيك شيئا من خارج ولكنها تعطيه لك تكشفه لك من الداخل من الباطن يعني تعري لك كنوزك كنوز اللي فيك أنت مش الموهوبة لك.

سامي كليب: والمفارقة الأهم أن هذا الأديب الليبي الطارقي الشهير في الغرب يبدو غريبا عن أمته العربية التي تكاد تجهل عنه كل شيء، ولكي نعرف عنه كل شيء قصدته حاملا كثيرا من الأسئلة وقليلا من الوقت قياسا إلى الزمن الغابر الذي يأخذنا إليه في كل رواية وكتاب فكانت جولة عامة وربما سريعة على إنتاجه المحتاج إلى ساعات طويلة لشرحه. ولكن ماذا عن بدايته؟

ماذا عن العائلة وعن اسم الكوني، أهو حقيقي أم لقب؟
إبراهيم الكوني: الكوني كلمة طارقية "إكنا" كلما "إكنا" يعني يعمل أو يشتغل أو يتقن، منها "تكنة" باللاتينية القديمة منها "تقنية" كلمة "تقنية" الحالية في اللغة اللاتينية..


سامي كليب: وهي عائلة معروفة عند الطوارق، الكوني؟
إبراهيم الكوني: كان أحد زعماء آزير منطقة آزير هذه طوارق الصحراء الكبرى الموجودين في ليبيا والجزائر.


سامي كليب: لفتني الكلام عن الاسم فيما كتبت حضرتك تقول "الاسم ليس لقبا يُتباهى به أمام الأغيار ولكنه في عرفي مجرد علامة، الاسم رسالة وليس نعت أبله كما تظنون" أحد شخصيات الروايات عندك يعني.
إبراهيم الكوني: نعم لأن الاسم يحمل هوية والهوية رسالة، أي اسم يعني هو بمثابة رسالة موجهة إلى الكون موجهة إلى الإنسانية موجهة إلى السماء موجهة إلى الأرض.

سامي كليب: الصحراء، الصحراء، لا شيء غير الصحراء ولا شيء أجمل من الصحراء، عالم قائم بذاته هو ذاك العالم الصحراوي الذي يستنبط منه إبراهيم الكوني شخصياته ورواياته وأفكاره والأساطير، ومن على شرفة ذاك العالم يطل على الكون. ولكن اللافت أن إبراهيم الكوني لم يعش في الصحراء غير عشر سنوات حتى ولو أنه يعود إليها بين حين وآخر، وكأن الموروث في جيناته يجعله يتذكر شيئا خبيئا منذ قرون طويلة فتتكامل في ذاته الصور والذكريات وتتوحد الديانات لتعيد للإنسان أولويته.
إبراهيم الكوني: ما يزرع في الجينات دائما هو الأثرى وهو الأجمل وهو الأنفس، شريطة أن تستنطق الجينات كما يجب أن تستنطق لأننا كما يقول إفلاطون نحن لا نتعلم عندما نتعلم ولكننا نتذكر، نستحضر نستعيد ما عشناه يوما ما. إذاً هو في الواقع استجواب للمنسي.


إبراهيم الكوني: بطبيعة الحال ينطق في واقع الأمر، من أتقن استنطاقه سمعه وأدركه ولهذا السبب يأتي الأنبياء من هناك، لهذا السبب أتى كل الأنبياء من هناك لأنها هي في البعد الآخر في البعد المفقود، هي في واقع الأمر تشرف على الأبدية تشرف على الموت، فيها مظهر الموت ولكن الجانب الثري من الموت.
ما لا تقوله لنا الطبيعة تقوله الصحراء عندما نتعامل معها في هذا البعد ولهذا هي الأثرى على الإطلاق ولهذا كل.. لأنها هي أيضا التي تدفعك إلى حديقة التأمل التي قلنا عنها منذ قليل إنها هي ركن الأركان في التجربة البشرية الروحية.


سامي كليب: إبراهيم الكوني ولد قبل 61 عاما في غدامس بليبيا وبعد دراسة أدبية في بلاده قصد معهد غوركي العريق في روسيا لدراسة عليا في العلوم الأدبية والنقدية، وهو مجيد لعدة لغات وعمل في وظائف صحفية ودبلوماسية عديدة حيث كان مستشارا دبلوماسيا في السفارات الليبية في روسيا وبولندا وسويسرا وتولى رئاسة تحرير مجلة الصداقة الليبية البولندية وكان مراسلا لوكالة الأنباء الليبية في موسكو ومندوبا لجمعية الصداقة الليبية البولندية. أما الكتابة فقد بدأها وهو في الثامنة عشرة من العمر والكتابة عنده رسالة والرسالة بحث عن الحقيقة.


سامي كليب: يعني مثلا لنعط مثالا على ما تكتب عن الطوارق في "ملحمة المفاهيم" في بيان في لغة اللاهوت "وإن هددتهم العزلة وقساوة الطبيعة بالانقراض على مر العصور إلا أن لهذه العزلة بالذات يرجع الفضل في فوزنا اليوم بذلك الكنز النفيس الذي كان هاجس الإنسانية دائما في بحثها الدائم عن سر اللسان المجهول الذي انبثقت منه بقية الألسن الحية منها والميتة على حد سواء" إلى هذه الدرجة مهم تاريخ الطوارق بالنسبة للإنسانية واللغة؟

إبراهيم الكوني: أكيد، مثبوت في هذه الكتب، لا نستطيع أن نؤكد ذلك في عجالة لأن هنا تأكيدات علمية أن في لغات اللاهوت، اللغات التي أسميها لغات الديانات سواء القديمة أو ديانات الوحي، هذه اللغات كلها تحمل مفاهيم منبثقة من لغة الطوارق، لأن ما هي اللغة البدئية؟ يقال إن اللغة البدئية يجب أن تكون ذات حرف ساكن واحد، هذا الحرف يكون كلمة، هذه خاصية موجودة في لغة الطوارق فقط ولذلك تجد كلمة في اللغة اليونانية القديمة مثلا أو اللغة المصرية أو اللغة السومرية أو إحدى اللغات المنبثقة من اللغات اللاتينية كلمة واحدة هي في الواقع جملة في لغة الطوارق هي جملة تفسرها تفسر مضمونها، ولهذا..


سامي كليب (مقاطعا): لنأخذ مثالا لكي لا نعقد الأمر على المشاهدين، مثلا حرف الباء الذي طبعا يترجم كما حضرتك تكتب بالـ (با) باللغات اللاتينية، تقول إنه حرف مصري طارقي بدئي، الباء، "والباء كحرف ساكن مجرد تعني باللسان البدئي روح".

إبراهيم الكوني: تعني الروح وتعني العدم أيضا، لأن الروح هي شيء عدمي في واقع الأمر ولهذا تحمل هذين المعنيين دائما وعندما ترد في لغة من لغات العالم القديم سواء اليونانية القديمة أو اللاتينية أو السومرية أو المصرية فإنما تدل على كلمة كاملة في حين أنها تعامل في داخل هذه اللغات كحرف، هو هذه الأعجوبة، أن هذه اللغات تحمل تراثا مجهولا بالنسبة لها هي أيضا يعني تحمل مدلولا فلسفيا أو دينيا أو وجوديا مغتربا لأنه منسي.

سامي كليب: طيب، اسمح لي سيد إبراهيم الكوني طبعا أنت مبدع وهناك بعض الأسئلة الواقعية التي تزعج عادة المبدعين ولكن مثلا يعني فيما قرأت لك من كتب وهي كثيرة في الواقع بحاجة إلى ربما لكي يتمعن فيها الإنسان إلى أشهر وسنوات، ولكن تبدو أنك تضع نفسك أيضا في مكان يقارب أمكنة المرسلين، أنك تكشف أسرارا أنك تتحدث عن إبراهيم الكوني وكأنه يريد أن يقول للإنسانية جمعاء سرا لم يعرفوه، يريد أن يبشر بشيء جديد.


إبراهيم الكوني: لا أعرف عما إذا كان هذا خطيئة أم أنه قدر؟ هل المعرفة، المعرفة نعرف.. نحن نعرف من الديانات السماوية أن المعرفة عموما خطيئة فأن تعرف دائما أنت متهم وأنت مدان وأنت معرض للقصاص، هذا حدث للرسل أيضا وحدث لكل أصحاب الأفكار العظيمة، سقراط حكم عليه بالإعدام ظلما، وغير سقراط.

سامي كليب: يشعر الروائي والمفكر الليبي إبراهيم الكوني بأنه حامل رسالة، واخبرني أنه يعيش تقشفا يقارب التصوف حتى ولو أنه ينعم برفاه الحياة في هذه الجبال المكللة بالثلوج والهانئة والباعثة على الطمأنينة والفرح والانسجام الداخلي، وفي التقشف والوحدانية والانعتاق والعزلة ثمة أسئلة عن الإنسانية وثمة نقمة على من يخرق قوانين الطبيعة أو نواميسها.


سامي كليب: تتحدث طبعا في هذه الرواية -طالما تحدثت عن ابنة أخيك- كيف ولدت وكيف كرهت أنها ولدت وأجبرت أنها ولدت وكيف شاهدت في بدايتها أول لعبة إلى جانبها وأغرقت اللعبة واكتشفت من خلال إغراق اللعبة شيئا من سر الكون. ولكن الفظيع في الواقع في آخر هذه الرواية تقول "في طريق العودة قرر الكاهن أن يعرج بي على أهل الواحة ليريني المصير الذي آل إليه القوم يوم خافوا الوصية..