عرض مشاركة واحدة
قديم 08-14-2014, 02:13 PM
المشاركة 24
عبد اللطيف السباعي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الصورة الشعرية في شعره

يتميز الشاعر عبد اللطيف غسري ببعد النظر، وعمق الرؤيا.. وهذا ما يلمس من شعره.. وقد استأثرت الصورة الشعرية باهتمامه، لما لها من أهمية.
والصورة الشعرية هي:"إعادة إنتاج عقلية، ذكرى لتجربة عاطفية أو إدراكية عابرة، ليست بالضرورة تعبيرية مباشرة"[1]...
والصورة مرتبطة بنفسية الشاعر، وهي جزء حيوي في عملية الخلق الفني.. وهي روح التجربة الشعرية، وبؤرة تشكيلها الجمالي.
والمتتبع لشعر عبد اللطيف غسري، يجد أن فيه استعمالا للأنماط البلاغية في رسم الصورة الشعرية.. كما كان متداولا عند الأقدمين، أو كما تعرفه القصيدة الكلاسيكية.. فنجد الشاعر يتوسلها بالتشبيهات، والمجازات، والاستعارات..
والصورة الشعرية الموظفة في شعره نجدها على الشكل التالي:
1- الصورة التشبيهية:وظف عبد اللطيف غسري الصورة التشبيهية في شعره، فتعددت أنواعها وأشكالها.. ومن التشبيهات الموظفة، نجد:
- التشبيه المرسل المجمل: وهو التشبيه الذي ذكرت فيه الأداة وحذف منه وجه الشبه، وهو كثير عند عبد اللطيف غسري.. وقد استعمل فيه أدوات التشبيه ليبين صوره.. ومن هذه الأدوات نجد(كأن- الكاف)، كما في قوله:
شرفاتي تصهل يا امرأة++++ يتدفق في يدها النغم
ويضيء العشب إذا برزت++++ كسراج تعشقه الظلم
وقوله أيضا:
تهيم بأسراره مهجتي++++ وإن عز ما أحدثت من ألم
فلا لحن يحلو لها غيره++++ كأن بها عن سواه صمم
وقوله أيضا:
ليس يحصيها خيالي++++ بالتخفي والغياب
كيف تحصى وفي شتى++++ مثل ذرات التراب
كما نجد نمطا ثانيا من التشبيه في شعر عبد اللطيف غسري، وهو:
- التشبيه البليغ: وهو تشبيه لا تذكر فيه أداة التشبيه، ولا وجه الشبه، كما في قصيدته ( عيناك تفاحتان)، والتي يقول فيها:
عيناك تجترحان الرشق بالخفر++++ وتجرحان خدود الماء والقمر
عيناك تفاحتان امتدتا وهجا++++ في قامة الليل أو في باحة العمر
ففي هذين البيتين نجد الشاعر وظف تشبيها بليغا وهو(عيناك تفاحتان) وهي تشبيهات كلها حذفت منها الأداة ووجه الشبه.
ففي المثال الأول نجد الشاعر يشبه عيني المحبوبة بالتفاح(عيناك كتفاحتين)، وهي تشبه التفاح جمالا، واستدارة،وألقا...كما أنه استعار للماء خدودا...ووجه الشبه في ذلك النضارة، والبريق، والملوسة، والصفاء، والإشراق...
وكل هذه التشبيهات تشبيهات حسية، الشيء الذي يجعل من الصور الشعرية، صورا مادية ملموسة...
- الصورة الاستعارية:
الاستعارة، تشكل وجها من وجوه المجاز اللغوي لعلاقة هي المشابهة مع قرينة ملفوظة، أو ملحوظة تمنع إرادة المعنى الحقيقي[2].
وقد اهتم عبد اللطيف غسري بالصورة الاستعارية، لأنه يعرف أنها:"قمة الفن البياني وجوهر الصورة الرائعة، والعنصر الأصيل في الإعجاز، والوسيلة الأولى التي يحلق بها الشعراء وأولو الذوق الرفيع إلى سماوات من الإبداع ما بعدها أروع ولا أجمل ولا أحلى"[3]..
ومن نماذج الصور الاستعارية التي وظفها الشاعر عبد اللطيف غسري، ما نجده في قصيدته ( سيف الملامة)،حيث يقول:
البدر لا تنتابه الرعدات++++ أو يعتريه الخوف والرجفات
إلا إذا رعشت له أجفانها++++ أو أشرقت من ثغرها البسمات
خنساء أطربها النسيم على الربى++++ فتراقصت من شعرها الخصلات
الليل في أهدابها طفل على++++ كتفيه تعزف لحنها النسمات
ففي هذه الأبيات صور جميلة، حيث استعار أوصافا شبه بها حبيبته بالبدر لبياضها، وجمالها الفضي...وأنها ثابتة لا تعرف تغيرا في سلوكها، أو عواطفها ومشاعرها...لا تعرف الخوف ، ولا الارتجاف...
والجميل هنا ن هو أنه جعلنا نتصور القمر جسدا، أو كائنا له أحاسيسه.. إلا انه ثابت الجنان، لا يرتعد خوفا أو فرقا...
كما أنه استعار الإشراق والشروق،واللذان هما سمتان لازمتان للشمس..ليلبسهما للبسمات التي ترتسم على شفتيها..كأن شفتيها شمس تشرق ضحكات وبسمات...
كما شبه حسناءه بالمها(الخنساء)، وهي البقرة الوحشية...وهو اسم كان الشاعر القديم يطلقه على المرأة الجميلة ذات العينين السوداوتين، وذات الحور...وذات اللحاظ الكبيرة...وذات الشعر الأسود الكحيل.. تتطاير خصلاته مع النسيم.. وهذا الشعر من شدة سواده، شبهه بالليل ليطلقه على لون شعرها...المتمايل، والمتطاير على كتفيها كأنه في حالة رقص، وغناء...
يقول في قصيدته (أنين الوتر):
يرقد النهر في أحضان السكينة
منتظرا طلعة الأعين الشهل
والسوسن الغض فيه يحن
يراقب خفق الشجر
فهو في هذا المقطع ن يقدم لنا صورة شعرية،تعتمد على الرمز والتصوير... فهو نسج صورة حسية ومجردة..إذ آدمي في حالة نوم واسترخاء...وهو مستلق في أحضان السكينة، والتي هي حالة مجردة نفسية....تتحول في هذه الصورة إلى حسناء، تضم إليها هذا النهر الراقد.. وبالتالي تتحول الصورة إلى رمز للطبيعة ومكوناتها.. وما يعمها من جمال وفتنة...
والجميل أننا أحيانا ، نجد شاعرنا عبد اللطيف غسري، يتلمس هذه الصورة ، والاستعارات مستخدما بعض الأساليب مثل النداء، أو الاستفهام، أو الإخبار،أو النفي، مثل قوله:
سافرت كالشفق المبتل صوبهما++++ ما للبنفسج في عيني من أثر
فقد استعار الحمرة التي يمتاز بها الشفق لحمرة الخدود اللذان تبلتهما دموع العينين..كما انه استعار البنفسج ولونه الأرجواني، والأبيض ليرمز به للدمع الذي ليسكن العينين، معتمدا على أسلوب النفي المتمثل في ( ما) بمعنى (ليس)...
وقوله:
هل يد الشوق منك تمتد طولى++++ أم لغصن الرجاء مني اهتزاز
إذ استعار للشوق والحنين صفات جسدية محسوسة.. وجعل له يدا تتصرف كما تشاء...كما أن لتسرب الشكّ، وبعض اليأس، يصبح الأمل والرجاء قليلا..
وتدبدبه ما بين اليقين والشك، جعل الشاعر يستعير صفات للشجر.... وعلاقته بالريح، ونتاج هذه العلاقة هو الاهتزاز والتمايل..ولذا شبه هذا الشعور بالشك واليأس، وفقدان الأمل باهتزاز الأفنان جراء الريح.. وما الريح إلا رمز للهجران والبعد ، والنوى.. وقد وظف في صيغة هذه الصورة أسلوب الاستفهام(هل......)



[1]- قادري، (عمر يوسف)،التجربة الشعرية عند فدوى طوقان، ص:74

[2]- البكري، (شيخ أمين)، البلاغة العربية في ثوبها الجديد(علم البيان)، دار العلم للملايين، بيروت، ط7، 2001،ص:67

[3]- المرجع نفسه، ص:100

مفهوم الشعر عند عبد اللطيف غسري

الشعر فهم للتجارب، ويتمظهر هذا الفهم في الصياغة اللفظية.. وشاعرنا عبد اللطيف غسري يجعلنا من خلال شعره وشاعريته نرى الشعر لذة ومنفعة، ومتعة... وجمالا...مع العلم:"أن الشعر هو رد الفعل الشخصي الذي يحدثه الكون على نفس الشاعر"[1]...
وقد رأى كثير من النقاد ، أن الشعر لا يسمى شعرا إلا إذا توفرت فيه أركان ثلاثة، هي:
1- أن معانيه تصب في صور خيالية تثير خيال القارئ أو السامع.
2- أن تتوفر في ألفاظه صفة التجانس بين اللفظ والمعنى. وتتوفر فيها صفة الجرس الموسيقي.
3- الوزن الشعري وخضوع الكلام في ترتيب مقاطعه إلى نظام خاص[2]...
ولا نريد أن ندخل في ماهية الكلمة(الشعر)، فهي واسعة جدا...يقول قدامة بن جعفر في كتابه (نقد الشعر)، معرفا الشعر:"إنه قول مقفى يدل على معنى"[3]...وهذا يجعلنا نتبين أن مقومات الشعر عنده أربعة، وهي:اللفظ والمعنى،والوزن،والقافية. وهذا كان معروفا لدى كثير من علماء العروض والشعر...
وقد تبعه الكثير في هذا التعريف، إذ نجد ابن رشيق القيرواني، يقول في (العمدة):"إن بنية الشعر من أربعة أشياء.. وهي: اللفظ، والوزن، والمعنى، والقافية"[4]...ويتبعه في القول ابن خلدون في (المقدمة)، حيث يقول:"هو الكلام الموزون المقفى، ومعناه الذي تكون أوزانه كلها على روي واحد ، وهي القافية"[5]...
ويعتبره ستدمان:"انه هو اللغة الخيالية الموزونة التي تعبر عن المعنى الجديد، والذوق والفكر والعاطفة وعن سر الروح البشرية"[6]...
ومن خلال ما أوردناه من تعاريف، نتبين أن قاسما مشتركا يجمع بينها، وهو:
- اشتراط الوزن في الشعر العربي عند الجميع.. وعلى أوزان الخليل..ولو أن هذا الكلام يتناقض مع ما تعرفه الساحة الأدبية من ازدهار للقصيدة الحرة، وقصيدة النثر...
- اشتراط القافية في الشعر.... ولو أن هذا أصبح اليوم شرطا متجاوزا.
هذا يجعلنا نتساءل بماذا يتميز شعر الشاعر عبد اللطيف غسري؟.ما هي خصائصه العامة؟...
من الخصائص التي نجدها في شعره، ما يلي:
1- العاطفة:إن شعر عبد اللطيف غسري غني بعاطفته.. ونقصد بها شعوره الوجداني.. وهذه العاطفة التي تغلف شعره، هي شعور بحقائق الأشياء..وتحدث هذه العاطفة عن حالة انفعال وتأثر...وعلم النفس أكد أن العاطفة هي استعداد وجداني مركب، وتنظيم مكتسب لبعض الانفعالات الموجهة نحو موقف معين، تدفع صاحبها للقيام بسلوك خاص[7]...ويقسمونها إلى نوعين:
- عاطفة الحب.
- عاطفة الكراهية.
وبينهما تدور الحياة العاطفية والوجدانية.. وتقوم على مبدأين أساسيين، هما: اللذة والألم. ولكل مبدأ انفعالاته الخاصة به.وبالتالي تتنوع العاطفة وانفعالاتها ما بين الفرح، والحزن، والغضب، والقلق، والانشراح.. وما إلى ذلك...وهذا كله يجعل العاطفة لا تخرج عن اثنين: حب أو كراهية...
وشاعرنا عبد اللطيف غسري بشر تتلون نفسه باختلاف الحالات والمواقف. وبالتالي ، تتنوع عواطفه..التي تحرك فيه الشعر.. وتخرج الألفاظ والصور معبرة عن هذه العاطفة في وجه من وجوهها...
وعندما نتمعن فيها نجده يوجه عواطفه أو عاطفته إلى اتجاهات متعددة، ومتنوعة:
- نحو شخص.
- نحو جماد( الطبيعة).
- مثل عليا وأفكار وقيم ( الوطن- قضايا عربية....).
وهذه العاطفة يمكن قياسها من خلال مقاييس نجملها في التالي:
- صدق العاطفة أو صحتها.
- قوة العاطفة أو روعتها.
- ثبات العاطفة أو استمرارها.
- تنوع العاطفة أو شمولها.
- سمو العاطفة أو درجتها.
ومن الشعر الذي تتعالى فيه عاطفته، نجد قصيدته(تمرين بي...)، والتي يقول فيها:
تمرين بي..لكأني الشجون++++وغيماتها..أو كأني السكون
أنا واقف في زوايا اشتياقي++++ تعيش بثوب ربيعي السنون
أصارعُ وجديَ في درب صمتي++++ ويَصرَعُني مِن شذاكِ الفُتون
وأنت هناك...تمرين بدرا++++ له في سماء التجلي كمون
ألم تستثرك الإشارات يوما++++ألم تختمر في رباك الظنون
تمرين في وجنتيك الأقاحي++++ يسافر في لونهن المجون
وفي شفتيك استدارات ورد++++ يكون له الشوق أو لا يكون
إذا افترتا عن بياض الأماني++++ رذاذ الرجاء تدر الجفون
ولكن ثلج محياك ترجى++++ حياة على دربه أو منون
ويا لطفولة عينيك! كم ذا++++ بعينيك يصهل مهر حرون
2- الخيال:لا بد للشاعر من خيال في رسم صوره.. وتحلية شعره.. وهو:"الإضافات التي يضفيها الشاعر على الصورة الحقيقية لتبدو جميلة"[8]...
والخيال وليد العاطفة، وهو يهدف منه الشاعر : الإمتاع بعمله الفني الشعري.ونلمس الخيال في شعر عبد اللطيف غسري من خلال ما استعمله من استعارات، وتشبيهات، كما في قوله في قصيدته(أنا الموج)، والتي يقول فيها:
لبدر الرؤى نظرة ساجيه++++ تراقبه مقل وانيه
يبادله الشفق الغمغمات++++ فيشرب حمرته القانيه
تحييه بالغمزات النجوم++++ وترمقه السحب الجاريه
تظل سماؤك تنثال يا++++ فؤاد رذاذا على الرابيه
ومن رحم الخوف يرتد وهم++++ لينخر كالسوس في الساريه
3- الروح الشعرية:وهي المعنى الدائم في التعبير، كلما ترجم من لغة إلى أخرى..وقد عمل عبد اللطيف غسري على ترجمة مجموعة من القصائد من الإنجليزية إلى العربية، واستطاع أن يحافظ فيها على روح الشعر ، بل يزيدها من روحه الشاعرة ...
4- الموسيقى:عندما نقرأ قصائد عبد اللطيف غسري، نتيقن أننا أمام شاعر كبير..يجنح به الخيال إلى آفاق بعيدة..في شعره موسيقى ملهمة,, تجعلنا نتيقن أن:"الشاعر كائن أثيري مقدس،ذو جناحين لا يمكن أن يبتكر قبل أن يلهم فيفقد صوابه وعقله. ومادام الإنسان يحتفظ بعقله فإنه لا يستطيع أن ينظم الشعر"[9]....
وقصائد غسري غنية بموسيقاها، لما وفرته فيها الأوزان الخليلية الموظفة فيها من نغمية وهرمونية وموسيقى...وهذا ما دفعه إلى الالتزام بالقصيدة العمودية، وبكل تقاليدها الفنية التي التزمها الشعراء القدامى في قصائدهم.

والشاعر المغربي عبد اللطيف غسري، يعي جيدا أنه يكتب لقارئ معين.....قارئ يتذوق القصيدة العربية في وجهها التقليدي، ووجهها الحداثي...
ففي قصائده هذه نجده يتغيى قارئا ضمنيا، يكون ذا تحقق نصي يضمن فعل القراءة، ووقعها.. ويحيا فعلها...
إن القصائد التي بين أيدينا، تخضع لجدلية تحاضر النموذج..إذ أن حركيتها وتحركاتها، هي في اتجاهات ثلاثة:
- من الماضي إلى الحاضر.
- من الحاضر إلى الحاضر.
من الحاضر إلى الماضي.
هذه الحركية التي يتغياها الشاعر عبد اللطيف غسري، خلخل بها المرجعية الموروثة.وأعاد تشكيلها ، وبناءها من خلال منظوره الخاص.. ومعناه:"أن النموذج الذي يتحرك نحو الماضي نموذج لا بد له من أن يستند إلى مرجعية معينة.. ولكن هذا الاستناد لا يعدو أن يكون امتصاصا لما هو سابق وقديم..استيعابا لعناصره المختلفة، ومكوناته. ثم إعادة لتشكيلها وبنائها، ليصبح النموذج ذا أثر رجعي"[10]...
وهذا يدفعنا إلى تبين مفهوم الشعر وكتابته عند شاعرنا عبد اللطيف غسري.
وهو يعرف أن الشعر – كما يقول في حوار له مع الأستاذ محمد فري- وما يزال أقل الفنون استقطابا للجماهير. ويرى أن هذا أمر تعزى أسبابه إلى طبيعة هذا الفن التي تتسم بنوع من "التعقيد التعبيري" الذي لا يستطيع إدراكه جميع المقبلين على الاغتراف من معين الفنون الإنسانية كلها. إن متلقي الشعر مثل قارئه يتوفر على أدوات خاصة تمكنه من فهم خصوصيات هذا الفن وتمثل إيحاءاته ومحاولة استيعابها. فالشعر مثلا يعتمد على الرمزية والإيحاء والبعد عن الطرح المباشر للمواضيع وهذا يسبب تشويشا أو على الأقل عدم وضوح الرؤية عند غير القادرين على قراءته واستيعابه. لذلك كله يبقى الشعر فنا "نخبويا" إذا جاز استخدام هذا اللفظ. لكن هناك أنواعا من الشعر تتميز بنوع من البساطة في الطرح على مستوى الشكل والمضمون وهي قادرة على أن تستقطب عددا أكبر من المتلقين مما قد يستقطبه الشعر المتلفع برداء الرمزية العالية والتعقيد الفكري والفلسفي.
ويرى الشاعر عبد اللطيف غسري أن ما ترمي به المطابع يوميا من دواوين شعرية ،لا يشير إلى شعبية أكبر للشعر، خصوصا إذا علمنا أن معظم هذه "الدواوين" ليس على مستوى عال من الشاعرية وينتهي أغلبه إلى رفوف المكتبات.
كما ينبه إلى خطورة المنتديات الرقمية، والتي أضحت تستثير اهتمام عدد كبير من المتأدبين في العالم العربي فصاروا يرشقونها بما يعنّ ُلهم من خواطر قد لا تصل إلى مستوى الشعر كما يراه ويفهمه وينظر له الخبراء به. وقد أدى هذا إلى وضع اختلط فيه الحابل بالنابل والغث بالسمين إذا أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن الكثيرين من هؤلاء المتأدبين أو المتشاعرين يُطبَّل لهم ويُهتف في كثير من هذه المنتديات. أجل، كان للتطور التكنولوجي الذي نعيشه في عصرنا الحالي أبلغ الأثر في تغير نظرتنا إلى الشعر والأدب عموما على الأقل من حيث أدواتهما الضرورية .
والشاعر عبد اللطيف عندما بدأ يكتب الشعر أول مرة وجد نفسه يخوض غمار صراع جارف بين عشقه للشعر العربي الأصيل الكلاسيكي وانبهاره بالشعر الحديث الذي يعتمد على تحديث الصورة الشعرية والابتكار على كل الأصعدة بما فيها الشكل. كان خياله الشعري موزعا بين هذا الإرث الضخم الذي تركه لنا شعراء العربية الفطاحل منذ العصر الجاهلي وبين هذا الأثر الفادح الذي خلفه تأثر شعرائنا المعاصرين الكبار بالثقافة الغربية. كان لكلا التيارين المتباينين سطوته الجبارة على فكره ووجدانه. وكان يتساءل في نفسه: "أي الاتجاهين ينبغي لي أن أسلك في تجربتي الشعرية؟.."
لا يعني هذا أنه كان يخطط لنفسه مسارا معينا في الشعر، فالشعر الحقيقي يأتي هكذا عفو الخاطر لا تكلف فيه ولا تخطيط مسبقا له. لكنه كان يريد أن يرضي رغبتين متباينتين في نفسه: أولاهما أنه كان يرغب في الإخلاص لشعرنا العربي الأصيل بما يتميز به على مستوى الشكل والمضمون عن باقي روافد الشعر الأخرى،والثانية أنه كان يريد أن يكتب شعرا يحترم روح العصر الذي يعيش فيه وثقافته. وقد خلص في نهاية هذا الصراع إلى الاقتناع بوجوب كتابة شعر يجمع بين هذين الأمرين المتنازعين في خياله الشعري: الأصالة والحداثة. وقد تساءل: "لِمَ لا نكتب شعرا حديثا ينتمي إلى العصر الذي نعيش فيه مع الحفاظ على خصائص شعرنا العربي الأصيل على مستوى الشكل؟ "...
لذلك نجده في قصائده الأخيرة يحاول أن يكتب شعرا عموديا ملتزما بالقافية والوزن التزاما صارما لا ترهل فيه لكن مع محاولة ابتكار صور شعرية جديدة يقول من خلالها أنه ينتمي إلى العصر وروحه وثقافته.
هذا سيحفزنا على معانقة شعر هذا الشاعر الجميل، ومحاولة استجلاء بعض جوانبه الشعرية..

[1]- د.شرف،(عبد العزيز)و، د. خفاجي،(محمد عبد المنعم)،النغم الشعري عند العرب،دار المريخ للنشر،الرياض،(د- ط)،1987، ص:11

[2]- المرجع نفسه، ص:11/12

[3]- قدامة بن جعفر، نقد الشعر، ص:5

[4]- ابن رشيق القيرواني، العمدة،1/77

[5]- ابن خلدون(عبد الرحمن)، المقدمة، مطبعة التقدم، ص:647

[6]- الشايب، (أحمد)،أصول النقد الأدبي، ص:294

[7]- النغم الشعري عند العرب، ص:22

[8]- النغم الشعري عند العرب، ص:23

[9]- النغم الشعري عند العرب، ص: 42

[10]- بلمليح، (إدريس)، القراءة التفاعلية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء،ط1، 2000، ص:13