عرض مشاركة واحدة
قديم 08-14-2014, 02:12 PM
المشاركة 23
عبد اللطيف السباعي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
الموسيقى الشعرية

الموسيقى لها اثر على الجو النفسي المرتبط بالصورة الشعرية، والراسم لها... وهي من أهم عناصر الشعر. ولعل الوزن والقافية هما أكثر عناصر الموسيقى أهمية.
والموسيقى- كما يقول الشاعر سليمان العيسى- :"عصب الكلام الجميل شعرا ونثرا، تبلغ ذروتها في الشعر، والذين لا يحسون بها، ولا يجيدونها لا يملكون العصب السليم"[1]. وهذا القول يبين لنا أهمية الموسيقى في الشعر، والقائمة على مجموعة من القواعد.
والموسيقى مرتبطة أشد الارتباط بالمشاعر."لكونها من أساسيات البناء الشعري والشعوري. وعلى هذا الأساس لا يمكن أن يبنى بناء شعري إلا من خلال هذا النسيج الموسيقي الذي تتحول فيه الفكرة إلى لغة شعرية، ومن تم إلى جمل شعرية، ثم أبيات منتظمة أو أسطر شعرية، وأخيرا إلى قصيدة كاملة البنيان"[2].
وموسيقى الشعر نوعان: داخلية، وخارجية.
فالخارجية تتمثل في الوزن والقافية. والوزن هو: التفعيلات والبحور المستعملة في الشعر العمودي، أو التفعيلي. والقافية: هي الكلمة الأخيرة من البيت وحركتها.وقد عرفها الخليل بن أحمد الفراهيدي، بقوله:"هي من آخر حرف في البيت إلى أول ساكن يليه مع حركة ما قبله"[3]. وعرفها الأخفش، بأنها:"آخر كلمة في البيت"[4]
أما الموسيقى الداخلية، فهي نوعان:
1- الموسيقى الداخلية الواضحة، والمتمثلة في المحسنات البديعية، والتجانس بين الكلمات، والحروف.
2- الموسيقى الداخلية الخفية، وهي التي يمكن أن نحسها فيما تشيعه من جو يتلاءم مع انفعال الشاعر ونوع تجربته.
- الإيقاع:
الإيقاع في مفهومه مطابقة للوزن.. لم ينتبه إليه دارسو الشعر القدامى، وأهملوا حركية الإيقاعية:"ولم يلحظه الدراسون إلا من خلال الموسيقى والوزن الشعري، مع أنه كان من أوضح فني العمارة والزخرفة الإسلاميين. كما كان الأساس الذي قامت عليه علوم البلاغة والفن اللغوي"[5].
ويعتبره بعض الدارسين بأنه :"تتابع منتظم لمجموعة من العناصر، وفي الفنون يتكون الإيقاع من حركات( الرقص) أو أصوات ( الموسيقى)أو ألفاظ(الشعر)"[6]
ونفس الطرح أكده ابن فارس ، حيث قال:"إن أهل العروض مجمعون على أنه لا فرق بين صناعة العروض وصناعة الإيقاع، إلا أن صناعة الإيقاع تقسم الزمان بالنغم ،وصناعة العروض تقسم الزمان بالحروف المسموعة"[7].
والدرس الحديث ، اهتم بالإيقاع ، واعتبره مصطلحا انجليزيا، انشق من اليونانية ، بمعنى ( الجريان)، و( التدفق). وتطور ليصبح مرادفا للكلمة الفرنسية( Mesure) المعبرة عن المسافة الجمالية.
ويرمي بصفة عامة- كما يقول عبد الكريم شبرو- إلى التواتر المتتابع بين حالتي الصمت والصوت، أو الحركة والسكون، أو القوة والضعف، أو الضغط واللين، أو القصر والطول، أو الإسراع والإبطاء، أو التوتر والاسترخاء[8].
والإيقاع خاصة الداخلي منه، يؤدي دورا هاما في تعميق الإيقاع النفسي، وفي خلق نغمات وإيقاعات أخرى تتوازن مع الإيقاع الخارجي للقصيدة[9].
وعبد اللطيف غسري يعرف أن أهم قيم الإيقاع : الوزن. وهو يساند المعنى، ويبين العاطفة المتضمنة في النص الشعري:"والقيمة الحقيقية للإيقاع وهو ذلك النوع المسمى بالوزن، لا تمكن في العلاقات الصوتية نفسها، بل في التهيؤ النفسي الذي يحدثه الأثر الأدبي الجيد، من خلال شبكة عظيمة من العادات والمشاعر ، والدوافع، يبدأ من الكلمات الأولى، ويستمر في النمو"[10].
وكما نعرف، فالوزن مجموع التفعيلات المكونة للبيت. وهو نظام من الحركات والسكنات يلتزمها الشاعر في بنائه الشعري.. أي الالتزام ببحر معين.
والوزن يكون من وحدات صوتية خاصة ، يرمز إليها في علم العروض بالمتحرك والساكن، وهي بدورها تتشكل من التفعيلات الشعرية المكونة للبحور الشعرية...
ويرى الدكتور محمد العمري أن المقوم الصوتي الإيقاعي في الشعر العربي ، يتكون من ثلاثة عناصر رئيسية، هي[11]:
1- الوزن المجرد القائم على المقاطع أو التفعيلات،سواء أكانت منتظمة
أم حرة.
2- التوازن أو الموازنات.. ويتألف من عناصر لغوية مشخصة، كونه عبارة عن ترديد الصوامت" التجنيس" والصوائت" الترصيع"، اتصالا وانفصالا.
الأداء ، وهو عملية التجسيد الشفوية، حيث يقوم القارئ أو المنشد بتأويل العناصر الوزنية ، والتوازنية،وما يقع من انسجام واختلاف في تفاعل مع الدلالة ، اتساقا واختلافا.
والشعر يصدر عن رؤيا وليس عن واقعه.. عبد اللطيف غسري، يعتبر القصيدة حركة لا تخضع لسكون أبدا...<< وليس مقياس عظمتها في مدى عكسها أو تصويرها لمختلف الأشياء والمظاهر الواقعية. بل في مدى إسهامها بإضافة جديد إلى هذا العالم..>> [12].
وهولم يتمرد على عمود الشعر والقصيدة الكلاسيكية، بل حافظ عليها ، وأبدع فيها . لكن دون أن ينسلخ إلى حداثة القصيدة العربية.. بل كان محافظا، ومجددا.. فكان شاعرا حداثيا، مبدعا...
والشكل يخضع للرؤيا، فكل رؤيا عاشها ، إلا ووظف لها الشكل الخاص الذي يناسبها... ومن هنا جاء اهتمامه بالقصيدة ككل، ولو يهتم بالبيت الشعري، لأنه يعرف أن البيت سيضعه في حدود ضيقة، وسجن مغلق.. ولذا جاءت قصائده العمودية ذات الشكل البنائي التقليدي معتمدة على التماسك ووحدة الموضوع... يتخللها إيقاع جميل، يطرب الأذن.. وهو واع كل الوعي بان العروض أو البحر الذي يبنى عليه قصيدته هو عنصر من الإيقاع..ولكنه خرج على مضض على العروض، وخرق الالتزام به في قصائده التفعيلية..
وعبد اللطيف غسري بهذا التنويع وهو الكتابة على النمط التقليدي، واعتماد قصيدة التفعيلة، لم ينف من خلاله البيت الشعري القديم. فقد جمع في النموذجين السابقين شكل البيت الشعري...وبالتالي شكل منه نموذجين من النماذج الثلاثة التي حددها الدكتور محمد بنيس في دراسته عن الشعر العربي الحديث، وهي: التقليدية، والرومانسية العربية، والشعر المعاصر.. فوجدنا عنده التقليدية والرومانسية...
وكنموذج عن هذا التنويع نورد النموذجن التاليين من شعر شاعرنا عبد الطيف غسري.
1- النموذج التقليدي: يقول في قصيدته (سيف الملامة):
البدر لا تنتابه الرعدات+++++ أو يعتريه الخوف والرجفات
إلا إذا رعشت له أجفانها+++++أو أشرقت من ثغرها البسمات
خنساء أطربها النسيم على الربى+++++فتراقصت من شعرها الخصلات
الليل في أهدابها طفل على+++++كتفيه تعزف لحنها النسمات
يغدو فيربكه الحياء كأنما+++++طبعت على وجناته القبلات
في مقلتيها عندليب دأبه+++++فوق الرموش تململ وسبات
2- النموذج الرومانسي: يقول:في قصيدته(أنين الوتر):
1
النجوم تئن
تبعثر حبات عقد القصيدة
تصرخ في مسمع الليل:
هذا المساء تعيث الجراثيم في أحشاء القمر
أجراس الظلام ترن
تدق بكف الخطر
2
يرقد النهر في أحضان السكينة
منتظرا طلعة الأعين الشهل
والسوسن الغض فيه يحن
يراقب خفق الشجر
ما لأشرعة الضوء غرقى
ما لوشاح الندى لا يغطي رؤوس الثمر
ما بال القناديل تلبد في الظل
ما لهديل الحمام يكن
ومركب هذا الربيع يسافر تحت البصر
وعناقيد هذا الغروب ما بالها تنكسر
تتساقط فوق جبال المدينة
فوق أنين الوتر
- الوزن:
الشاعر نوع في أوزانه الشعرية. فاعتمد في قصائده العمودية على الوحدة الوزنية التي يتساوى فيها عدد التفعيلات في كل من الصدر والعجز... وبذلك تساوت الأبيات وأشطرها، وتساوت كذلك تفعيلاتها... فهي خاضعة لنظام وزني خليلي لا يمكن الخروج عنه، لأن كل خروج يسبب اختلالا عروضيا ، وإيقاعيا في القصيدة.
والقصائد العمودية التي اعتمدناها في قراءة شاعرية عبد اللطيف غسري، بنيت على أوزان هي كالتالي:

الجدول رقم: جدول الأوزان وقافيتها وعدد أبياتها
عنوان القصيدة
الوزن
القافية
سيف الملامة
الكامل
التاء
عصر المغاوير
البسيط
الراء
عيناك تفاحتان
البسيط
الراء
تمرين بي
المتقارب
النون
تقاسيم على أوتار رملية
مجزوء الرمل
الباء
ظبي القصيدة
الوافر التام
الياء المشبعة
جبين من لجين
المتقارب
الزاي(الزين)
كوني لوجودي يا امرأة
المتقارب
الميم
أنا الموج
المتدارك
هاء السكت
قبس العندليب من ألحانك
الخفيف التام
الكاف
قلم ينز حلما
البسيط
الهمزة
حدود حماي صوت الهجرس
الكامل
السين
هل أشتكيك لبعض أنسام الدجى
الكامل
السين
أنا شبح يختلي بالمرايا
المتقارب التام
الدال المشبعة
فراشة الشبق
الكامل
السين
يا سيد الليل
البسيط
اللام
عاشق الكفتة
المتدارك( الخبب)
القاف
فلسطين يا منتهى شجني
المتقارب
النون
رباعيات عاشق
المتقارب
القاف
بغداد يوم الكريهة
المتدارك
الفاء
غربة قلب
البسيط
الراء المشبعة

هكذا نجد أن المتقارب وظف 6 مرات، ويمثل نسبة 28،57% ، والبسيط 5 مرات، بنسبة 23،80%. والكامل4مرات، بنسبة19،04%،والمتدارك3مرات،بنسبة14،28% ومجزوء الرمل،والوافر، والخفيف ، مرة واحدة...بنسبة 14،31%(4،77X3)...
أما روي القافية، فنجد السين تكررت 3 مرات، والراء كذلك،والقاف والنون مرتين،والباقي تكرر مرتين...
إلى جانب القصيدة العمودية، اعتمد عبد اللطيف غسري القصيدة التفعيلية، وتمثل ذلك في قصيدتين هما (طبق لطعام الليل وأرغفة القلب)، و(أنين الوتر) وجاءا معا على وزن المتقارب...
- القافية:
يؤكد الدكتور عبد الرضا علي[13]، أن القافية هي: مجموعة أصوات تكون مقطعا موسيقيا واحدا يرتكز عليه الشاعر في البيت الأول. فيكرره في نهايات أبيات القصيدة كلها مهما كان عددها( في القوافي المفردة)، كما في قول الشاعر عبد اللطيف غسري:
يا سيد الليل والأفراس والمال+++++متى ستسمعنا من برجك العالي
اهبط إلينا نبادلك القلى مقة+++++فبسمة الدهر لا تبقى على حال
جدد عراك التي قدت حبائلها+++++ بغفلة منك في الماضي وإهمال
وساند الناس في خطب وضائقة+++++ واسق الورود بماء منك سيال
ففي يديك دماء من عروقهم+++++ وفي جيوبك حلم العاشق السالي
وفوق ظهرك أثواب مطرزة+++++ بالرمش من عين ذات المعطف البالي

وعندما نقف إلى شعر الشاعر عبد اللطيف غسري، نجده متنوعا في قوافيه. فقصائده العمودية اعتمدت القافية وحافظت عليها، وبالتالي اتسمت بشاكلة وشكلية القصيدة الكلاسيكية الموروثة.
كما اعتمد الفرباعيات، حيث كل كوبليه له قافيته المستقلة به... مثل قصيدته ( رباعيات عاشق)، والتي يقول فيها:
متيمتي نور فجر أطل+++++ يشد العقول ويسبي المقل
نسجت لها من دمي بردة +++++ مطرزة بخيوط الغزل
خريدة حسن لها سمرة +++++ بلون الغروب إذا ما اكتمل
أسيلة خد لها طلة +++++ تميت الشجون وتحيي الأمل
----------
يخط الجمال قصيدة شعر +++++ على شفتيها بلون الشفق
ويرسم في بؤبؤي مقلتيها +++++ غلالات نور ذوات ألق
أحن إلى جرس ضحكتها +++++ وعطر لماها الندي العبق
هي الشدو جادت به وهي تقتات قبرة الشرق عند الغسق
----------
لها أثر في شغف الفؤاد+++++ يناجي الجوارح مثل النغم
تهيم بأسراره مهجتي+++++ وإن عز ما أحدثت من ألم
فلا لحن يحلو لها غيره+++++ كأن بها عن سواه صمم
كمال السعادة في قربها+++++ ولم ألق في البعد إلا العدم
أما في قصائده الحداثية، التفعيلية، فإننا نجد تنوعا تقوم عليه القافية في شعره.. إذ نجد القافية المتتابعة، ولو أنه في قصيدته ( طبق لطعام الليل) يحافظ على النموذج التقليدي، إذ يمكن كتابة القصيدة على هذا الشكل دون أن يقع أي تغيير في المعنى:
جناحاه اخترقا حجب الضوء استبقا لرهان العزة في خطوات الأعرج
جفناه التصقا من خشيته أن يعشو عن طرقات المنهج





[1] - صبحي،(محيي الدين)، مطارحات في فن القول، ص:87

[2] - قادري، (عمر يوسف)، التجربة الشعرية عند فدوى طوقان بين الشكل والمضمون، دار هومة ، ص: 109

[3] - الشنتريني،( افن سراج)، أوزان الشعر والكافي في علم القوافي، تحقيق محمد الداية، بيروت، (د- ط)،1974،ص:97

[4] - المرجع نفسه،ص: 98

[5] - اسماعيل، (عز الدين)، الأسس الجمالية في النقد العربي، دار الفكر العربي، القاهرة، (د- ط)، 1992، ص: 281

[6] - د. يونس، (علي)، نظرة جديدة في موسيقى الشعر العربي،الهيئة المصرية العامة للكتاب، (د- ط)،ص: 17/18

[7] - ابن فارس، الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها، تحقيق السيد أحمد صقر، دار إحياء الكتب العربية، بيروت، 1977، ص: 238

[8] - المرجع نفسه، ص: 112

[9] - فوزي،( عيسى)، النص الشعري وآليات القراءة، منشأة المعارف، مصر ، (د- ط)، 1997، ص: 441

[10] - قادري، (عمر يوسف)، التجربة الشعرية عند فدوى طوقان بين الشكل والمضمون، دار هومة، ص: 148

[11] - العمري، (محمد)،الموازنات الصوتية في الرؤية البلاغية، نحو كتابة تاريخ جديد للبلاغة العربية،منشورات دار سال، الدار البيضاء، ط1، 1991، ص: 3

[12] - بنيس،( محمد)، الشعر العربي الحديث: بنياته وإبدالاتها، ج3، دار توبقال للنشر،الدار البيضاء، ط3، 2001، ص: 39
[13] - د. عبد الرضا ، ( علي)، موسيقى الشعر العربي قديمه وحديثه، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1، 1997، ص: 167

التكرار في شعره

لا تخلو قصائد الشاعر عبد اللطيف غسري من التكرار.. والذي وظف بعناية فائقة، محققا به نغمية، وموسيقى داخلية.. بالإضافة إلى ترسيخ المعاني وتأكيدها...
والتكرار ظاهرة موسيقية، ومعنوية، يؤكد دلالة الجملة الشعرية... بالإضافة إلى أنه يؤدي إلى رفع مستوى الشعور في القصيدة.. وهو يغني الشاعر عن الإيضاح المباشر، ويغنيه عن الإخبار... وهو رهين بالحالة النفسية.. والحالة التي تكون عليها الذات الشاعرة ساعة خلق القصيدة....
والشاعر عبد اللطيف وظف التكرار في شعره، وجاء متنوعا، لأنه يعي أن :"تكرار الأصوات والكلمات والتراكيب، ليس ضروريا لتؤدي الجمل وظيفتها المعنوية والتداولية، ولكنه شرط كمال أو محسن أو لعب لغوي، ومع ذلك فإنه يقوم بدور كبير في الخطاب الشعري او ما يشبهه من أنواع الخطاب الأخرى الإقناعية"[1]..
والتكرار الموظف، نجده على الشكل التالي:
- تكرار الفعل:وهو تكرار يتغيى منه الشاعر عبد اللطيف غسري تبيان استمرارية الانفعال ، والحالة الشعرية، ودينامكيتها.. كما يبن من خلالها حالة المخاض التي يعيشها... وهذا التكرار للفعل جاء متنوعا، وغنيا بدلالته...ومنه:
1- أفعال الاستمرار: وظف عبد اللطيف غسري في شعره أفعال الاستمرار، وهي من النواسخ الفعلية.. كما في قوله في قصيدة ( فلسطين يا منتهى شجني):
أما زال أفقك محتقنا+++++ برائحة الموت والحزن
أما زال طفلك يمشي وحيدا+++++أما زال يبحث عن وطن
أما زال يرجو هبوب الريا+++++ ح من كربلاء إلى عدن
أما زال أهلك في نفق+++++ يتيهون فوق ذرى الدمن
2- الفعل المضارع: كما في قوله في قصيدة ( رباعيات عاشق):
يخط الجمال قصيدة شعر+++++ على شفتيها بلون الشفق
ويرسم في بؤبؤي مقلتيها+++++ غلالات نور ذوات ألق
وقوله أيضا في قصيدته ( عصر المغاوير):
يحلمن غير كليلات القلوب ولا+++++مستسلمات لأهوال المقادير
يبحثن في شفق الآفاق عن ألق+++++ به يحطمن أسوار الدياجير
يرقبن فيه وصال البدر مكتملا+++++وفيه يجتزن أعشاش الدبابير
يثبن منه إلى حقل الضياء بأحلام الصبايا وسيقان اليعافير
وقوله في نهاية نفس القصيدة:
يبعن في كل أسواق الهوى عرقا+++++ يجري سيولا بأبواب المواخير
ينشرن فلسفة الإسفاف في صفحات الليل أو في مجلات المشاهير
يصنعن منها خريفا للحضارة لا+++++ يخضر إلا بأذهان المغامير
وقوله أيضا في قصيدة( أنا الموج):
أعابث صيف المعاني فيحنو+++++ وأشرق في شمسه الحاميه
وأرسم منهن عشرين ألفا+++++ على دفتر الأنجم الباديه
وأختار قطر الندى لي شرابا+++++ وأسبح في البرك الصافيه
وأطلق في هضبات الشعور+++++ دمي وفراشاتيَ العانيه
وأجعل من موطن الشعر حضنا+++++ وأرتاح في كفه الحانيه
- تكرار الضمير: نجد الشاعر عبد اللطيف غسري، يكرر في كثير من قصائده الضمير المنفصل.. ليبين الذاتية التي تتحكمها الحالة الشعرية... والجو الذي يسيطر على الذات الشاعرة.. كما في قصيدته ( قبس العندليب من ألحانك):
أنا أرسلته ليخبر عني+++++ حمما تستطير من بركانكْ
فاسألي المفردات تخبرك عني+++++ أنا شدو المساء في أركانك
صدحت ألسُنُ القصيدة مني+++++ بكتاب ختمته ببنانك
أنا طهر التراب في فلوات+++++ سوف تروى بهمسة من لسانك
وقوله في قصيدته( عصر المغاوير):
فهن متعة دنياكم وهن لكم+++++ نعم الصواحب في كل المشاوير
وهن في منهل التقوى شقائككم+++++ في الصالحات وفي حسن التدابير
- تكرار الحرف: نجد في قصائده :
- تكرارا لحرف الجر ، مثل ما ورد في قصيدته ( أنا شبح يختلي بالمرايا)، حيث يقول:
صحوت وفي الصحو بعض قفول+++++ إلى خبر ينثني أوحدا
إلى جبل ينحني للرياح+++++ إذا راح في جوفها واغتدى
إلى أرق يرتدي زهو نار+++++ وظل ينازعه ما ارتدى
رعته الهواجس حتى غواها +++++ وأوردها شرفات الردى
إلى وتر مل جنب التأسي+++++ وأورق طلحا له أنشدا
- تكرار حرف التوكيد الذي يفيد التحقيق أو التقليل(قد).. كما في قصيدته ( عصر المغاوير)، والتي يقول فيها:
لقد دققتم بنعش الحق من زمن+++++ في ملتقى زيفكم شتى المسامير
وقد عدوتم على أغصان دوحتنا+++++ وغركم صمت أشباه النواطير
تكرار حرفي الاستفهام(أ)، و(هل)، كما في قصيدته ( ظبي القصيدة) و(فلسطين يا منتهى شجني)، واللتان يقول فيهما:
أما زال أفقك محتقنا+++++ برائحة الموت والحزن
أما زال يرجو هبوب الريا+++++ ح من كربلاء إلى عدن
فتقطع دابر مغتصب+++++ له ألف وجه بلا أذن
أما زال أهلك في نفق+++++ يتيهون فوق ذرى الدمن
وقوله أيضا:
فهل أعددت للكلمات سهما+++++ بلا قوس وسيفا مشرفيا
وهل أسرجت خيلك باقتدار+++++ إلى جوزاء حرفك والثريا
وقوله في قصيدته ( غربة القلب) :
هل كان في نيتي أن يستدر دمي
هل كان من عادتي أن أصرع البحرا
- تكرار حرف النداء والمنادى، مثل قصيدته ( طبق لطعام الليل وأرغفة القلب)، والتي يقول فيها:
يا سوسنتي المطمورة
تحت أديم العوسج
خلف جدار الرهبة...
.....................
يا سوسنتي اختبئي
في جيب قميصي
- تكرار الاسم:
1- تكرار أسماء الاستفهام: نجد تكرارا لأسماء الاستفهام ، كما في قصيدته(تقاسيم على أوتار رملية)، حيث يقول:
كيف تحصَى وهي شتى+++++ مثل ذرات التراب
أين مني ذكريات+++++ كن يلزمن ركابي
أين مني شهقات+++++ ملء أنفاس الروابي
2- تكرار الاسم: كما في قصيدته( عيناك تفاحتان) التي يقول فيها:
عيناك تجترحان الرشق بالخفر+++++ وتجرحان خدود الماء والقمر
عيناك تفاحتان امتدتا وهجا+++++ في قامة الليل أو في باحة العمر
عيناك أنت إذا تغشاهما سفني+++++ تمر في أفق قد غص بالحور
- تكرار الظرف: كما في قصيدته ( رباعيات عاشق)، والتي يقول فيها:
إذا حدثت شاقني صوتها+++++ وحملني نشوة كالحزن
أبيت أعد نجوم السماء+++++ وأبحث عن وجهها في القمر
إلام أظل أسير الهموم+++++ يعذبني حبها بالسهر
إذا الشوق زاد اكتفيتُ بأن+++++ أرى سحرها في كتاب الصور
وهذا التكرار الموظف قد أعطى لشعره إيقاعية ، وأغنى موسيقاه وأغنى دلالته..
هكذا نرى أن الشاعر عبد اللطيف غسري قد اعتنى بالتكرار لوعيه لما له من دلالة...كما أنه يعين الدارس على تجلية نفسية الشاعر.....
ويؤكد الدكتور محمد مفتاح أهمية التكرار بقوله:"أن تكرار الأصوات والكلمات ، والتراكيب ليس ضروريا لتؤدي الجمل وظيفتها المعنوية والتداولية .. ولكنه ( شرط كمال) أو محسِّن أو لعب لغوي"[2]... ويضيف قائلا:"ومع ذلك فإن التكرار يقوم بدور كبير في الخطاب الشعري أو ما يشبهه من أنواع الخطاب الأخرى الإقناعية"[3]...
وعبد اللطيف غسري، لا يرى في التكرار فضلة.. وترفا لفظيا.. بل يرى فيه إغناء لتجربته الانفعالية، وعكسا لها.. وهو يعرف أنه:"لا يجوز أن ينظر إلى التكرار على أنه تكرار ألفاظ بصورة مبعثرة غير متصلة بالمعنى، أو بالجو العام"[4]



[1]- د. مفتاح،(محمد)، تحليل الخطاب الشعري: استراتيجية التناص، ص:39

[2]- د.مفتاح، (محمد)، الخطاب الشعري( استراتيجية التناص)، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط3، 1992، ص: 39

[3]- محمد مفتاح، المرجع نفسه، ص: 39

[4]- ربابعة، (موسى)، التكرار في الشعر الجاهلي، دراسة أسلوبية، جامعة اليرموك، الأردن، مؤتمر النقد الأدبي 10- 13 تموز، 1988، ص: 15


المعارضة في شعره

ارتأى أنطوان كمبانيون أن التناص أوسع من السرقات الأدبية، التي جاءت بهاج وليا كريستيفا، وأوسع من التلميح الذي جاء به ميشيل ريفاتير...إذ ربطه بالتكرار، والاستشهاد، والأمثال، والخطاب المباشر، والخطاب غير المباشر، والتقليد، والنقد، والمعارضة، والباروديا، والمصدر، والتأثير، والتعليق، وغيرها...[1]
ورأى مارك ألجندنكر أن التناص يأخذ أشكالا أربعة، وهي: الاستشهاد، والتلميح، والمعارضة، والباروديا[2]...
ويرى الدكتور محمد مفتاح، أن هناك نوعين من التناص: المحاكاة الساخرة ( النقيضة)، التي يحاول كثير من الباحثين أن يختزل التناص إليها، ثم المحاكاة المقتدية ( المعارضة) التي يمكن أن نجد في بعض الثقافات من يجعلها الركيزة الأساسية للتناص [3]...
ويذهب جيرار جينيت أبعد من ذلك ،عندما اعتبر التعلق النصي Hypertextualité أدبا من الدرجة الثانية، وعرفه ( أي التعلق النصي)، بأنه:"كل نص مشتق من نص سابق بواسطة تحويل بسيط أو تحويل غير مباشر"[4]...وأنه ينقسم إلى ثلاثة أشكال تناصية، هي: المعارضة والباروديا، ثم التحريف Travestissement...
وقد اهتم الشاعر عبد اللطيف غسري بالمعارضات الشعرية، واعتبرها نوعا من التفاعل النصي، والشعري.. مع نصوص أخرى مؤثرة....واعتبرها- أيضا- نوعا من المحاورة مع هذه النصوص المؤثرة...
1- مفهوم المعارضة Pastiche:
يؤكد الأستاذ الدكتور عبد القادر بقشى في كتابه " التناص"، إلى أن المفهوم الاصطلاحي لكلمة(معارضة) في المعاجم العربية له معنيان، هما:
- معنى حسي: حين يدل على السير والمحاذاة...
- معنى معنوي: ويدل على المقابلة والمباراة، وتحقيق المناقضة.
وبالتالي ، نرى أن مفهوم المعارضة اللغوي، هو:"المقابلة، والمحاذاة،والمباراة، والمناقضة..."
وقد اهتم النقد العربي القديم بالمعارضة، حيث اعتبرها نوعا من الموازنة، والمفاضلة بين الشعراء.. وهذا ما نجده عند الأصمعي، وأبي عبيدة، وعند الآمدي في موازنته بين أبي تمام والبحتري.. وعند حازم القرطاجني، اللذان يريان أن المعارضة لا تتحقق في نصين إلا إذا اجتمعا في غرض ووزن وقافية.[5] ولو أنهما ( الآمدي و حازم القرطاجني) لم يصرحا بلفظة المعارضة في كتابيهما.لينتقل المفهوم إلى معاني أخرى ، هي: المجاراة، والمساواة،والمخالفة، والاختلاف.
وقد اتفق النقاد العرب القدامى، على أن المعارضة لا تكون بإبدال كلمة مكان أخرى.. ولكن بإنشاء كلام فني يأبى التشابه، ويحقق الاختلاف[6]..
واهتمت الدراسات النقدية الحديثة بالمعارضة، إذ اعتبرتها :"أن يقول الشاعر قصيدة في موضوع ما ومن أي بحر وقافية. فيأتي شاعر آخر فيعجب بهذه القصيدة: بجانبها الفني وصياغتها الممتازة. فيقول قصيدة من بحرها وقافيتها وفي موضوعها (...) حريصا على أن يتعلق بالأول في درجته الفنية، أو يفوقه فيها"[7]...
والمعارضة إما معارضة صريحة حين يكون التوافق في كل شيء...ومعارضة ضمنية وغير تامة...إذا ما نقص شرط من شروط المعارضة السابقة أعلاه...
والشاعر عبد اللطيف غسري، قد تضمنت أشعاره بعض المعارضات، فنجده عارض قصيدة الشاعر المغربي الكبير الدكتور مصطفى الشليح( وبنرجس .. لا تنبس)، والتي يقول فيها:
فيم الشكاة تجوس ليل النرجس++++ طرفا صحا متوجسا لم ينعس؟
حدس المساء يدس في أجراسه++++ قبسا من الأجراس لما يقبس
كنس الفضاء بشمسه ليجسها++++ بيد الظلام قصيدة لم تنبس
شمس على جلبابها همس سرى++++ مستأنسا بالهمس عند المجلس
مثل الهسيس يرف من أنفاسه++++طيبا إلى الأنفاس سار بمعطس
يكسو الرواء بسندس من سندس++++ فإذا الرواة سفارة للجلس
سأسو الكلام جراحه بكلامه++++وجراحه بوشاحه في مقدس
يرسو على آهاته متلبسا++++ أقواسه...فكأنه بالملبس
قوس تغرس في عبارته التي++++ عطست ستارتها بهاء ملبس
قوس كأن الليل يمحو طرسه++++ بيد لتجرحه يد المتلمس
اجلسْ إليك صحيفة ماسية++++ واحدس قليلا من بهاء النرجس
ثم اختلس منه وسامته التي++++ بسمتْ.. فلا عين رأت بالمجلس
اهمسْ بكل قصيدة ضوئية++++ ما شئت ..إنك للقصيدة ، فاهمس
احرسْ ظلال الماء في أقداسها++++ من حبسة المعنى.. وماءك فاقبس
انبسْ بقولك .لا.لصمتك خفقة++++ لغوية ..وبنرجس..لا تنبس
وقد عارض هذه القصيدة بقصيدتين، الأولى (هل أشتكيك لبعض أنسام الدجى)، والتي يقول فيها:
نبست مفاتنها بما لم أنبس++++ قالت هنا حسن التجلي فاجلسِ
واملأ قوارير المساء مدامة++++ واسق الفؤاد قصيدة واستأنس
إن ضل صوتي عن مسامعك استمع++++ أو غاب عنك هلال وجديَ فاحدس
وانسج على منوال همسيَ بردة++++ واصرخ إلي بملء صوتك واهمس
هذي حديقتي الصغيرة فانتسب++++ هذا غديري تحت رجلك فاغطس
وهنا يتبادر لنا ركام من الأسئلة: لم هذه المعارضة؟ وفيماذا تمت ؟ وما قيمتها الجمالية والفنية؟ وماذا قدمت هذه المعارضة للشاعر عبد اللطيف غسري؟...
لقد تمت هذه المعارضة ن وتحقق من خلالها نوع من التشابه على مستوى:
1- الوزن: فقصيدة الدكتور مصطفى الشليح جاءت على وزن الكامل التام( متفاعلن متفاعلن متفاعلن).... وقصدتا عبد اللطيف غسري جاءتا على نفس الوزن ، أي البحر الكامل. مع ما دخل على تفعيلاته من زحافات وعلل.
2- القافية: قصيدة الدكتور مصطفى الشليح، قافيتها سينية. كذلك قصيدتا عبد اللطيف غسري،جاءتا على قافية سينية مشابهة.
3- الألفاظ المستعملة( القاموس أو المعجم المستعمل): في القصيدتين للشاعر عبد اللطيف غسري، نجد توظيفا لكثير من الألفاظ التي وردت في قصيدة الدكتور مصطفى الشليح... والجدول التالي يبين ذلك:
الجدول رقم: جدول الكلمات المستعملة في القصائد بثلاثتها
كلمات قصيدة الدكتور مصطفى الشليح
قصيدة (حدود حماي صوت الهجرس)لعبد اللطيف غسري
هل أشتكيك لبعض أنسام الدجى(عبد اللطيف غسري)
الشكاة-تجوس-ليل-النرجس-لم ينعس- حدس-المساء-أجراسه-قبسا- كنس- الفضاء شمسه-يجس-الظلام-قصيدة-تنبس-جلبابها-همس-سرى-مستأنسا- المجلس- الهسيس- يرف-أنفاس-طيب- معطس- يكسو- الرواء- سندس- الرواة- سفاره- الجلَّس-يأسو- جراح- الكلام- بوشاح- مقدس- يرسو- آهات- متلبسا-أقواس- الملبس- ماء- يمحو- طرسه-المتلمس- اجلس-صحيفة-ماسية-احدس-بهاء-اختلس-وسامته- بسمت-لا عين- اهمس- ضوئية- للقصيدة- ظلال- احرس-أقداسها- حبسة- فاقبس- خفقة- صمتك- لغوية-
اشرح- ظل- البسي- أثواب-تتوجسي-الشفق-أذياله-وجنتيك-الجواري الكنس-أهفو-تشتغل- القصيدة-برهة-ناصيتي-الأسيل-الملمس-اهزني-صخبا-الصدى-قمم-الغمائم-سفوح-سيري-اوتار-عشقي-اسبحي-الطيف-ملكوت-صمتي-انعسي-ما خطب-قلبك-بين كفيك-استوى-متضرجا-القافيات-الخنس-دم الكلام-يسيل- شفتيك- يمتار اخرس- تتأجج- الكلمات- جمراته- جوف الليل- أشرس- حمي- الوعيد- بنفسج- الياسمين- لون- حزنك- يكتسي- لا تشتكي- درة- تحتلني- متنفس- يضيف- أفق- تمكثين ببابه- تضيق- أقفاص- الدجى- النورس- تحسبين- حرر حسنك- آسري- مزفت- ملبسي- انسك- يستبد بوحدتي- دعي- بساتين- لا تتجسسي- شذاك- المدى- فتطيبت- أنوف- الجلس- تذكري- أجوس- البحر- لغتي- حدود حماي- صوت الهجرس.
نبست- مفاتنها- انبس- جست- قالت- التجلي- فاجلس- املأ قوارير- المساء- مدامة- اسق- الفؤاد- قصيدة- استأنس- ضل- صوتي- مسامعك- استمع- غاب- هلال- وجدي- فاحدس- انسج- منوال همسي- بردة- اصرخ- صوتك- اهمس- حديقة-انتسب- غديري- رجلك- فاغطس- نامت- كتفيك- ذاكرتي- نظفتها- ليلي- المتكدس- تحسس- الورد- يعتادها- فاحن- كفك- المتحسس- أرخيت- الستائر- جملة- رغبت- صنو- الندى- مجلسي- التمنع- يديك- جريدة- مشؤومة- صحيفة المتلمس- أشتكيك- أنسام الدجى- شذا- النرجس.
4- الموضوع: الشاعر مصطفى الشليح في قصيدته (وبنرجس...لا تنبس)، والتي يهديها إلى الشاعر عبد اللطيف غسري، ويضمنها انطباعه عن الشعر، والقصيد، وخلق الشعر...ويطلب فيها من الشاعر غسري أن يجول في عالم الشعر، ويدخل سحرها وعوالمها... وأدغالها..وأن يسهر وراء شواردها.. ويقتبس من الكلمات ما يراه وردا ونرجسا يزين قصيدته...وأن يجلس إلى الشعر ، يتمحصه، مستحضرا القصيدة العربية، يحدس منها.. ويختلس منها بعض البسمات الجميلة...إنها دعوة إلى الشعر من شاعر إلى شاعر...
وفي قصيدتي عبد اللطيف غسري، نجد الموضوع لا يبتعد عما سطره الشاعر مصطفى الشليح..فيرد عليه ،أنه فعلا يدعو القصيد ليلا.. ويجلس إليه.. متمعنا في عوالمه.. يسوس عنانها، بعدما تشتعل القصيدة في خاطره.. ويأخذ بناصيتها، يزين أوصالها بلغة حالمة .. شاعرية.. وأنه لا يتوانى في نسج همساته قصائد... لا تقل جملا ، وشاعرية عن القصائد العربية كالبردة، وغيرها... وأنه كل ليلة يدخل حديقته الغناء، والتي هي حديقة الشعر.. ويغطس في غديره، بحثا عن لآلئ الشعر...
5- المسافة الجمالية أو الانزياح الجمالي: عندما نقارن النصين المعارَض، نجد أنهما يختلفان عنه من حيث القيمة الجمالية والشعرية..فأفق توقعاتهما تختلف عن النص الآخر.. فهي تتشابه في مسائل حددناها آنفا.. لكنها تختلف من حيث القيمة الفنية، والجمالية.. وهنا تلعب تجربة الشاعرين مصطفى الشليح، وعبد اللطيف غسري، وثقافتهما الشعرية، واطلاعهما الواسع على الشعر العربي ، دورا في هذه المعارضة، وتميز الرؤية الشعرية من شاعر إلى آخر...
لذا"ليس القول باختلاف النص المعارض، ذلك التحويل التام لمكونات النص المعارَض حتى لا علاقة ولا شبه بينهما. بل هو التحويل الذي يظل فيه النص النموذج طاقة تفجير لنصوص لاحقة ومصدر توليدها"[8]...
صحيح أن نص الدكتور مصطفى الشليح قد أوحى للشاعر عبد اللطيف غسري بقصيدتين.. لكن المستوى الفني والجمالي متباين جدا... وبذلك أعطتنا هذه المعارضة شبيهين مختلفين في الروح مع النموذج الأصل...
هذا يجعلنا نستحضر قولة للدكتور محمد مفتاح للاستشهاد بها... حيث يقول، بأن أي:"نص مهما كان ليس إلا إركاما وتكرار لنواة معنوية موجودة من قبل. ومعنى هذا اننا نعتبر النص الاول يتكون من مقومات(+أ)، (+ب)،(+ج)... والنص اللاحق له، الناسخ على منواله يحتوي على مقومات (+أ)،(+ب)،(+ص)..أو على (+أ)، (+ب)،(+ك)...فعملية الاشتراك في مقوم أو عدة مقومات ضرورية لتجنيس الخطاب اللاحق، مع السابق. فكلما قل الاشتراك في المقومات زادت فرادة الخطاب التالي وأصالته. وكلما اشترك النص في كثير من المقومات مع ما سبقه كاد أن يصبح نسخة مكرورة فاقدة للأصالة"[9]...
وهذا يدفعنا إلى القول أن الشاعر عبد اللطيف غسري كان موفقا في معارضته لقصيدة الدكتور مصطفى الشليح، واستطاع أن يربح الرهان ويعطينا قصيدتين متميزتين لا تخلوان من فنية، وجمال وإبداعية.


[1] - Compagnon , ( Antoine) : La seconde main ,ou le travail de la citation, Ed : Seuil, Paris , 1979, p : 54

[2]- د. بقشى، ( عبد القادر)، التناص في الخطاب النقدي والبلاغي، أفريقيا الشرق، (د-ط)، 2007، ص: 54

[3]- د. مفتاح،(محمد)، تحليل الخطاب الشعري(استراتيجية التناص)، ص: 122

[4] - Genette ,(Gérard) : Palimpsestes, la littérature au second degré, Ed : Seuil ,1982, p :14

[5]- حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تقديم وتحقيق، محمد الحبيب ابن الخوجة، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط3، 1986، ص:376

[6]- د. عبد القادر بقشى، المرجع نفسه، ص:63

[7]- الشايب، (أحمد)، تاريخ النقائض في الشعر العربي، دار الاتحاد العربي للطباعة، القاهرة، مصر، ط3،1966، ص: 7

[8]- المصفار، (محمود)، التناص بين الرؤية والإجراء في النقد الأدبي،مقاربة محايثة للسرقات الأدبية عند العرب، (د- ط)، (د- ت)، ص: 424

[9]- د. مفتاح،(محمد)،المرجع نفسه، ص: 25