عرض مشاركة واحدة
قديم 04-30-2012, 02:57 PM
المشاركة 498
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أما فيمسألة "الفنون" عموما، فقد يكون هذا القول قولا سليما، ذلك انّ الحوامل الرقميةتتيح امكانات عرض غير محدودة، وتنويعا للأشكال وانخراطا ضمن حدودالإمكان.
فالجوانب المقدرة، الافتراضية، تعين علي الحكم وتكشف عن امكانات أخرياضافية، يصعب تجميد حركيتها أو الامساك بها. انها مثل النهر المتحوّل.
إننا نعلمأنّك "أكاديمي" اذ أنّك حامل "دكتوراه" في اختصاص "الرواية" ألا يمكن لهذه المعرفةبالمناهج والأساليب والأطر أن تؤثر سلبا علي مجال ابداعك؟
كنت أخاف هذا فيالماضي. والملاحظ انني بدأت مبدعا، فلقد ظهرت قصصي القصيرة الاولي، حين كنت فوقمقاعد المدرسة الثانوية علي صفحات مجلة "الفكر". بيد انّ تنوع التجارب، واختلافهافي الزمان مكنني وبكثير من المرونة من التعامل مع لحظة الابداع الروائي.
الروايةاليوم سبيل آخر من سبل المعرفة بالنسبة اليّ، أدخل لعبتها تحت دفع اغراءات شتيبعضها منــدرج ضمن سياق المتعــة، وبعضها ضمن سياق المعرفة، وفي المعرفة متـــعةأيضا.
المهم انني اليوم أواصل مشروعي، وأترك الحكم له أو عليه للمستقبلوالتاريخ. فأنا لست متعجلا، كما أنه لا يعنيني أن يعرف الناس نصي خلال حياتي، أناأراهن علي الخمسين سنة المقبلة، دون ادّعاء طبعا.
ألا تري أننا في مرحلة تقتضيمنّا اعادة الوعي بتصنيف الفنون ممّا يجعلها تنفتح علي بعض وممّا يؤهّلها الي "شعريّة" أخري يضطلع بها المؤلف والقارئ والناقد علي حدّ السواء؟
أنا معك في هذاالفهم، وفي زعمي تحمل الرواية اليوم هذا المشروع، ويمكن أن تحيله مستقبلا عليالكثير من النضج. التجاوب بين الفنون هو جوهر بقائها.
الشعر، النحت، الرسم،المعمار، الموسيقي... كلّها من الفنون التي تغني النصّ الروائي اليوم. وتضيف اليهالكثير. ولقد بدأ النقد اليوم يتحدث عن تحوّل الرواية الي "ديوان العرب" اليوم، بعدأن كان الشعر يحتل هذه الوظيفة في الماضي. وهذا مهم جدّا، لأن الرواية تمكن الكاتبوالقارئ من امكانات غير محدودة للتوافق بين الفنون.
في أوّل التسعينات أصبحتنائبا في البرلمان ولكنّك بدأت الكتابة ونشرت نصوصك قبل ذلك بسنوات. فبماذا أفادتكالسياسة داخل عالمك الروائي؟
الاشتغال بالشأن العام فتح عيني علي الواقع، مكننيمن معرفة البلاد، فلقد زرت كل مناطق الجمهورية تقريبا. وفي ذلك غنيمة كبيرة بالنسبةالي روائي.
لقد جبت الأنحاء، واطلعت علي الخفايا، فأغني هذا عالمي الروائي. "النخاس" ظهرت بعد دخولي البرلمان، لكنها كتبت قبل ذلك.
أما باقي الروايات، وهي "السيرك"، "سبع صبايا"، "لون الروح" و "النهر قرب المدينة"... فقد كتبت في المرحلةالبرلمانية، وهذا أنا مدين به لهذه التجربة الثرية جدا التي مكنتني من الاطلاعالعميق علي حياة الناس في كل مناطق البلاد. وفي ذلك غني وتنوع وتعدد ثقافيبديع.
بعد أزمة حقيقية داخل اتحاد الكتّاب التونسيين وبعد خلاف عاصف بين العديدمن الكتّاب وبين الهيئة المتخلية وقع انتخابك رئيسا لهذا الهيكل. الآن وبعد ما يزيدعن السنتين من اضطلاعك بهذه المهمة ما الذي لم تستطع تحقيقه؟ وما هي موانعه؟
لقدتمكنت من قبول عدد كبير من الكتاب ضمن الاتحاد خلال السنوات القليلة الفارطة (ثلاثسنوات) بلغ حوالي 300 كاتب. بيد أنني بقيت علي حرماني، لأنه يوجد كتّاب كثيرون،وكتّاب كبار، لم يدخلوا الاتحاد.
وأنا أعتقد أن الأمر يعود الي رغبتهم في البقاءخارج الهياكل، ولا يعود الي خلاف ايديولوجي مع الرؤي السائدة في الاتحاد.
هل تريفي تعددية تمثيل "الكتّاب التونسيين" من خلال وجود هياكل جمعياتية موازية مجالالتطوير وعي الادباء بالفضاءات الثقافية والمدنية علي حد السواء؟
نعم، أنا معتعدد الهياكل، فلتعدد الجمعيات الثقافية، إغناء لتجارب كتابنا وتفتيق لأذهانهم،ونشر للثقافة الجديدة بين صفوفهم.
بيد أنّ وفاء هؤلاء جميعا ينبغي أن يلبثللكتابة والكتّاب أوّلا وأخيراً. لهذا فلا ينبغي أن ينشأ هذا العمل المتنوع في كمّالسياسة مهما تكن وجهتها، انما ينبغي أن يزدهر في حضن الثقافة.
للأسف هنالك منرجال القلم اليوم بيننا من يعنيه الحضور السياسي أكثر من الحضور الادبي، وهذا خطأمحض.
لو تبوّأت سلطة سياسية متصلة بمجال الثقافة مما يطوّر هامش التصرّف لديك "سلطة وقرارا وتنفيذا" فما الذي ستسعي لتحقيقه للكاتب وللقارئ ولعالم الفنعموما؟
يا أخي حاتم... يمكنني أن أعد بالكثير دون أن أطبق شيئا حين يتوجبذلك!
لو جالست السيد وزير الثقافة لالتمست منه شيئا من التوازن في التعامل بينالكاتب ، المخرج السينمائي والرسام التشكيلي فقط.
لقد سبق لبعض النواب بمجلسالأمة كما كان يسمي سابقا أو مجلس النوّاب حاليا أن أصدروا مذكّراتهم عما كان يدوربهذا الفضاء فهل تنوي لاحقا اصدار "مذكّرات"؟ ولماذا؟
لا، لا أنوي ذلك، تجربتيفي مجلس النواب يمكن أن تضيء تجربتي عموما، لكنها لا ينبغي أن تستفرغها تماما، بحيثتغدو هي الاصل.
أنا كاتب رواية في المقام الاول، ثم أنا مدرس في الجامعة فيالمقام الثاني، وعضو في مجلس النواب في المقام الثالث...
...
ولا أريد أن أخلطالأوراق!!
انّ الكتابة لا يمكن لها أن تتطوّر الاّ في عالم الحريّةوالديمقراطية. فما نصيب الكاتب العربيّ من ذلك؟
الكاتب العربي غير حرّ. وهذا لايعود الي رقابات وزارات الداخلية، وقد قلت هذا وكررته مرات متعاقبة. انما هو عائدالي الرقابة الدنيئة، والرقابة الأخلاقية، والرقابة الأسرية. لي صديق شاعر كبير بلغالستين، ساءلته زوجته : "كيف تواصل الحديث في الغزل، وبناتك اليوم شابات!!" هذه هيالمسألة!!
لعلّها لا تقوم من غير ايجاد موقف ضروري من الذات والتاريخ و"الآخر" الشبيه والمختلف تجاوزا لموانع "الآن" والماضي واستشرافا لنصّ آخر؟
هذه بعضشروطها، كلنا نحمل الماضي العقدي عبئا يقيد حركتنا، بينما جعل منه غيرنا دافعا نحوالمزيد من الإبداع والحرية. حين ننجح في ذلك... قد يكتب لنا البقاء والتأثير فيعالم اليوم!
اذن من أين تبدأ الكتابة والي أين تنتهي؟
لا بداية للكتابة ولانهاية محددة لها، في يقيني أن الرواية تستهل في لحظة ما، يمكن ألا تكون ضرورةالبداية المادية فوق الورق، انما هي نابعة من لحظة إحساس الكاتب بها. لذلك فالكتابةعملية سيميائية عسيرة جدا، يصعب الإمساك بها أو ضبطها في الزمان أو المكان، أو شدهاالي رؤية بعينها، الرواية متبدلة متحولة علي الدوام.
لهذا أود أن أصرح هنا أنالكتابة تعينني علي تحمّل أعباء الوجود، مواجهة تعب الأبناء، والشغل، الاحساسبالمتعة التي يفتقدها الكائن الاجتماعي في الحياة اليومية.
انّ الرواية هياضافتنا الي الثقافة، علي افتراض أن الثقافة هي اضافتنا الي الطبيعة. هل أمازحكفأقول ان تعريفي للانسان ينبع من كونه كاتب رواية!


وعنده القيروان ...خزينة ذكريات يمكن أن انعطف عليها في أية لحظة.