عرض مشاركة واحدة
قديم 07-15-2019, 06:18 PM
المشاركة 27
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: قردة وخنازير (رواية)
قردة وخنازير

(الختام)


شهور طويله قضاها عبر دروب الصحراء، التي يحفظها عن ظهر قلب بحكم نشأته.. ولم يصدق نفسه حينما رأى لأول مرة بداية العمران.. بمعنى أصح بقايا ما كان من عمران..
العالم يمر بفترة حالكة السواد، بل هي الأشد سواداً في تاريخ الكرة الأرضية.. الفتن في كل مكان.. الحروب مزقت الممزق.. حتى سادة الحروب وأباطرة المال تمزق شملهم ولم يعد أحد يسمع بهم. لأول مرة يكتوي الساحر بسحره.. ومن آثر السلامة صار التغرب في الشعاب هو شعارهم..
سار عابر بين أطلال الماضي الذي كان يسمع عنها الحكايات وهو صغير.. و لم يدرك منها وهو كبير إلا الخراب اليباب..
انطبع ما شاهده على وجهه المكدود.. صار وجهه لوحة للويلات التي اجتاحت العالم..
المقاطعات الشهيرة صارت مجرد مدن أشباح. لا يوجد فيها أثر لإنسان.. على الجدران مازالت بقايا شعارات قديمة ورموز لأنظمة بادت ..
أنهكه السير الطويل، والألم المرير.. فاستند إلى جدار وأخرج جراب الماء.. جرع منه جرعة، ثم نثر بعضاً منه على رأسه الأشعث، ليشعر بعدها بنسمات من الهواء البارد تداعب وجنتيه.. عليه أن يغفو قليلاً حتى تهدأ حرارة الشمس ..
لم يدر كم ظل غافياً لكنه فتح عينيه فجأة على صوت أحدهم وهو يعبث في حاجياته..
نهض مذعوراً ليجد فوق رأسه ثلاثة أطفال في حالة يرثى لها..
يبدو أن الحرب قد عصفت بالكبار وتركت هؤلاء الأطفال الصغار لمصير أبشع.. الموت البطيء.. لم يبد على وجوههم الخوف .. فقط البؤس والقنوط .. هذه وجوه رأت ما يشيب لهوله الولدان، ولم يعد هناك ما يخيفها.. لقد دفعهم الجوع للتفتيش في حاجيات رجل غريب بحثاً عن الطعام.. هؤلاء يمكنهم دس أيديهم بكل أريحية بين فكي الأسد بحثاً عن لقمة تسد جوعهم.
أخرج لهم عابر ما معه من طعام فتواثبوا من حوله .. حتى وثباتهم كانت هزيلة عليلة، جعلت عابر يخشي عليهم من صدمة الشبع .. سألهم بإشفاق :
ـ أين ذويكم؟
توقفوا عن المضغ والبلع وغشت عيونهم تعاسة .. أجاب عابر نفسه مشفقاً عليهم :
ـ نار الحرب طالتهم..
قال له أكبرهم سناً:
ـ نار الحرب طالتنا جميعاً..
تشمم عابر الهواء في قلق:
ـ إذن هو الوباء..
قال الفتى بسخرية مريرة فاقت سنوات عمره :
ـ الوباء لا يفرق بين الكبير والصغير .
سأله عابر وقد بلغت منه الحيرة مبلغها :
ـ تركوكم وخرجوا بحثاً عن الطعام؟
ـ إنهم لم يتركونا لحظة..
هنا رآهم عابر قادمين على استحياء..
لابد أن رائحة الطعام هي التي جذبتهم..
وسرعان ما انضم إليهم الأطفال الثلاثة، ليجتمع شمل الأسرة من جديد..
ثلاثة أطفال، وقرد وخنزير!..
***
تمت
عمرو مصطفى
القاهرة
28 ربيع أول 1440
7 ديسمبر 2018

الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام..
حتى الظلام.. هناك أجمل فهو يحتضن الكنانة..