عرض مشاركة واحدة
قديم 07-13-2019, 09:16 PM
المشاركة 13
تركي خلف
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: سيميوطيقا الثقافة
الفضاء الثقافي الكوني

يتحدث لوتمان عن الفضاء الثقافي الكوني الذي يرفض الانعزال والانغلاق والأحادية. فالكون هو الفضاء الحيوي الملائم لتطور الثقافة واستمرار حياة الذوات والأغيار. وقد كتب فيرنادسكي:" كل المجموعات الحية تعد مرتبطة، حميميا، البعض بالآخر. لايمكن للواحدة أن توجد بدون الأخريات. هذه العلاقة الثابتة بين مختلف المجموعات وطبقات الحياة، تعد أحد المظاهر التي لاتطمس للآلية الفاعلة داخل القشرة الأرضية، والتي تمظهرت على طول الزمن الجيولوجي. "[8].

تثبت هذه القولة وجود ترابط حميم بين الكائنات الحية، وأن هذه الكائنات لايمكن أن تعيش في معزل عن الأخرى. ويعني هذا أن التفاعل هو أساس الكائنات العضوية، وأن الانعزال صفة مشينة في هذا الكون الحيوي. وقد يتجاوز هذا التفاعل الحيوي والاجتماعي والطبقي الإنسان والكائن الحي إلى ماهو جيولوجي على صعيد القشرة الأرضية. بمعنى أن الإنسان بنية جزئية توجد داخل الطبيعة أو الكون الطبيعي، وتنتمي إلى هذا المجموع، وتتحرك فيه ضمن علاقة عضوية حيوية مع مختلف العناصر والبنيات التي توجد في النسق الكلي نفسه. أما عن العلاقات التي توجد بين الإنسان وباقي المجال الحيوي، فهي علاقات تفاعلية وتواصلية متنوعة، قد تكون موجبة أو سالبة. وتتحدد هذه العلاقات في الزمان والمكان معا. ومن هنا، فالإنسان لا يمكن أن يعيش إلا في فضاء كوني حيوي مع الكائنات الأخرى، سواء أكانت بشرية أم غير بشرية. وبالتالي، لا يمكن للإنسان الطبيعي أن ينعزل عن هذا الفضاء الثقافي الكوني العام الذي ينصهر فيه الجميع تفاعلا وتعايشا وإبداعا وتواصلا.


• مبدأ اللاتجانس:

يوحي اللاتجانس بالتعددية والاختلاف وعدم التماثل والتوازي. بمعنى أن هذا الكون يتضمن لغات وأنساقا ثقافية مختلفة، تترابط فيما بينها، وتتعدد بنية ودلالة ووظيفة. وبالتالي، يشتمل هذا الكون على تجارب سيميائية مختلفة وبنيات لغوية متعددة. وعلى الرغم من هذا التعدد، فهناك ترابط وأواصر جامعة بين هذه اللغات، وخير دليل على هذا الترابط ما تقوم به الترجمة من نقل للمعاني والتجارب السيميائية من لغة إلى أخرى. وفي الآن نفسه، تصبح هذه الترجمة عاجزة عن نقل ذلك بأمانة؛ بسبب اختلاف النسق السيميائي واللساني والثقافي من لغة إلى أخرى. وفي هذا الصدد، يقول يوري لوتمان:" سيمياء الكون موسومة باللاتجانس. تعد اللغات التي تملأ الفضاء السيميوطيقي متنوعة ومترابطة ببعضها البعض على طول طيف يذهب من إمكانية كاملة ومتبادلة للترجمة إلى استحالة كاملة ومتبادلة أيضا للترجمة. يتحدد اللاتجانس، في ذات الحين، بتعدد العناصر التي تكون سيمياء الكون وباختلاف الوظائف التي تنجزها هذه العناصر. هكذا، إذا قمنا بتجربة ذهنية نتخيل من خلالها نموذجا لفضاء سيميوطيقي رأت فيه كل اللغات النور في اللحظة ذاتها ونفسها، وتحت تأثير الاندفاعات نفسها، لا نحصل دائما على بنية ذات سنن موحد، ولكن على مجموعة من الأنساق المترابطة والمختلفة. "[9].

ومن ثم، تتعرض اللغات، مثل الموضات، للتغير والتطور والتجديد. فإذا كان التطور البيولوجي والتقني يتعرض للمحو والانقراض، وسيطرة الجديد، فإن الأشكال الثقافية تموت وتتجدد حسب العصور. بمعنى أن موضة ما قد تنقرض في زمن ما، لكن يمكن أن تظهر من جديد في فترة أخرى، لتتخذ صفة الحداثة والتميز. وفي هذا، يقول لوتمان:" يتضمن التطور البيولوجي انقراض بعض الأنواع والانتقاء الطبيعي: لا يرى الباحث سوى الكائنات الحية التي تعاصره. ظاهرة مماثلة تقع في تاريخ التكنولوجيا: حينما تصبح أداة ما متجاوزة وباطلة بفعل التقدم التقني، فإنها تدخل مرحلة " التقاعد" داخل متحف مثل قطعة أثرية. لقد توقفت، إذا أردنا القول، عن الحياة. في تاريخ الفن، على العكس من ذلك، الآثار الفنية التي تصلنا من حقب ثقافية غارقة في القدم تستمر في لعب دور داخل تطورنا الثقافي الخاص مثل عوامل حية. أثر فني ما يمكن أن يموت ثم يعود إلى الحياة؛ بعدما أن تم الحكم عليه بأنه متجاوز، يمكن أن يعود ليصبح متسما بالراهنية، بل تنبؤياً حينما يتحدث عن المستقبل. إن ما هو وظيفي ليس الطبقة الزمنية الأكثر حداثة، ولكن كلية التاريخ التي تحتويها النصوص الثقافية. "[10].

وتأسيسا على ما سبق، تتميز سيمياء الكون بالاختلاف العام على مستوى اللغات والنصوص والخطابات والأفضية والثقافات. بيد أن هذا الاختلاف قد يساهم في تحقيق البعد التواصلي والديناميكية الثقافية التي لاتقبل الانعزال والانغلاق والتطرف والانطواء على الذات.


• مبدأ الثنائيات الضدية:

تتأسس سيميوطيقا الفضاء الكوني، عند يوري لوتمان، على مجموعة من الثنائيات البنيوية المتعارضة والمتقابلة، مثل: يمين/يسار، وأمام/خلف، وأعلى /أسفل...وتحمل هذه التقابلات أبعاداً ثقافية وعقدية وقيمية واجتماعية...

وعلى العموم، هناك تقابلات ثقافية بين اليمين واليسار، بين الأموات والأحياء، بين المذكر والمؤنث، بين الأعلى والأسفل...وفي هذا المنحى، يقول لوتمان:" يعد لاتناظر الجسم البشري القاعدة الأنتروبولوجية لعملية منحه بعدا سيميائيا: سيميوطيقا اليمين وسيميوطيقا اليسار يمكن أن توجد كونيا في الثقافات البشرية كما هو الأمر بالنسبة لتقابل الأعلى والأسفل. اللاتناظرات العميقة للمذكر والمؤنث، للأموات والأحياء، هي أيضا منتشرة. التقابل حي/ميت يتضمن تقابل شيء ما يتحرك، شيء ساخن، يتنفس، بشيء غير متحرك، أو بارد لا يتنفس. "[11].

ومن هنا، تتأسس سيمياء الفضاء الكوني على وضع تيبولوجية لمختلف التعارضات البنيوية على مستوى الفضاء، وهي المسؤولة عن توليد الدلالة من جهة، وتحقيق السيميوزيس من جهة أخرى.


مفهوم النص:

يتخذ النص، عند يوري لوتمان، بعداً سيميائياً وثقافياً قائماً على الحوارية وتداخل النصوص داخل كون سيميائي معين، أساسه التفاعل والانفتاح والتجاور والحوار. وفي هذا الصدد، يقول لوتمان: "يتم انتقال النصوص في الواقع في كل الاتجاهات، تيارات كبيرة وصغيرة تتقاطع وتترك آثارها الخاصة. بشكل متزامن، تجد النصوص نفسها موصولة ليس بواسطة واحد، ولكن بواسطة عدد كبير من مراكز سيمياء الكون، وسيمياء الكون الحقيقية تعد متحركة داخل حدودها الخاصة. تحدث هذه السيرورات نفسها في نهاية الأمر على مستويات متعددة: المراحل التي يغزو فيها الشعر النثر، تتناوب والمراحل التي يغزو فيها النثر الشعر؛ إنها مراحل توتر متبادل بين الدراما والرواية، بين الثقافة الشفوية والثقافة المكتوبة، بين الثقافة العالمة والثقافة الشفوية. مركز واحد، والمركز نفسه، لسيمياء الكون، يمكن في ذات الوقت أن يكون فاعلا ومتلقيا، فضاء واحد، الفضاء نفسه، لسيمياء الكون، يمكن أن يكون في الوقت نفسه المركز والهامش؛ تؤدي عناصر الجذب إلى الرفض، وتولد عناصر الدخيل أصالة سيمياء الكون. لا تتعامل سيمياء الكون (الفضاء الثقافي) وفق خطاطات مرسومة سلفا، ومحسوبة سلفا، إنها تشع مثل شمس، مراكز للنشاط تغلي على مستويات مختلفة، في العمق وعلى السطح، ناشرة الأشعة على مناطق هادئة نسبيا بطاقتها القوية. غير أن هذه الطاقة الخاصة بسيمياء الكون هي طاقة الإخبار، إنها طاقة الفكر. ""

وعلى العموم، الثقافة عبارة عن نص متعدد ومركب ومعقد، تتداخل فيه النصوص والخطابات تناصا وحوارية وتفاعلا وامتصاصا.

يتبع ..

الابتسامة هي قوس قزح الدموع