عرض مشاركة واحدة
قديم 07-07-2019, 02:10 PM
المشاركة 12
تركي خلف
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: سيميوطيقا الثقافة
سيمياء الكون، عند يوري لوتمان،

من علوم الثقافة والأنتروبولوجيا، والإثنولوجيا، وعلم الحفريات، واللسانيات التاريخية والمقارنة، وعلم الأخلاق الإنسانية... ومن ناحية أخرى، تستفيد هذه السيميويطقا من لسانيات فرديناند دي سوسير (F. De Saussure). ومن ثم، ترتبط بخاصتين أساسيتين هما: الاستقلالية والتداخل، وهما المولدتان لمختلف الأنظمة الثقافية داخل النظام الكوني. ويعني هذا أن نقل التراث الثقافي السيميوطيقي يتميز بالتداخل أو بالاستقلالية، ودراسة مختلف التطبيقات العملية والتقنية في نقل الموروث الثقافي. ومن ثم، لايعيش الإنسان في محيط مادي فقط، بل يعيش في فضاء ثقافي رمزي، يتكون من اللغة، والأدب، والفن، والدين، والأسطورة، والمخيال... وكلما تطورت الوظيفة الثقافية الرمزية تراجعت الوظيفة المادية. ومن ثم، يتوسط العالم السيميوطيقي عالمين متقابلين: عالما فيزيائيا (الواقع)، وعالما خياليا رمزيا (الإبداع).

هذا، ولاتنتج دلالة النص الثقافية إلا حين التقاء الإنتاج مع التلقي والتأويل. وبالتالي، تعد النصوص المؤسسة الثقافية الأولى. وبالتالي، تساهم اللسانيات والمقاربات التأويلية الدلالية في تفكيك هذه النصوص بنية ودلالة ومقصدية. ومن ثم، يرتبط كل نص باللغة والمجتمع ومؤسسة الجنس الأدبي.


سيمياء الكون بين النظرية والتطبيق:

تنبني سيمياء الكون أو سيمياء الثقافة أو الثقافات، عند يوري لوتمان، على مجموعة من المفاهيم النظرية والتصورات المنهجية والمصطلحات الإجرائية التي يمكن حصرها في ما يلي:


• مفهوم سيمياء الكون:

يتكون مفهوم سيمياء الكون (La Sémiosphère) من مصطلح السيميوطيقا الذي يعني علم العلامات والإشارات، ومصطلح (Sphère) الذي يعني الكون أو المجال الواسع. ومن ثم، يمكن ترجمة المفهوم بالسيميوطيقا المجالية أو الفضائية أو الكونية، ويترجمه الباحث المغربي عبد المجيد النوسي بسيمياء الكون[6].

وتستوجب هذه السيميوطيقا وجود فضاء كوني عام، يتضمن عدة لغات وثقافات مختلفة متفاعلة فيما بينها إيجابا وسلبا. ومن ثم، فالبنيتان الزمانية والمكانية هما أساس حياتنا الثقافية ضمن سيمياء الكون. بمعنى أن سيمياء الكون تنبني على وجود لغات ثقافية متعددة ومختلفة، تنقسم بدورها إلى محورين: محور أفقي يمثل الزمنية (الماضي، والحاضر، والمستقبل)، ومحور عمودي يمثل الفضاء (الداخل، والخارج، والحدود). وتشكل هذه اللغات أساس السيميوطيقا الكونية لدى لوتمان. ومن ثم، تتميز السيميوطيقا الكونية بتداخل اللغات وتواصلها وتفاعلها، على الرغم من استقلالية كل لغة على حدة بمكوناتها اللسانية والثقافية الخاصة. وأكثر من هذا، فلا وجود للوحدة الكونية إلا بالاختلاف البناء، وتمثل حوار الحضارات، والإيمان بتعدد اللغات والثقافات.

فإذا أخذنا صالة المتحف - مثلا-، فإنها تشتمل على مجموعة من اللوحات الفنية التي تعبر عن عصور وسياقات واتجاهات فنية متنوعة، وتتكلم بلغات شتى، كما تخضع زيارة المتحف لأنساق سلوكية مختلفة. وعلى الرغم من هذا الاختلاف، فهناك وحدة ما تجمع بين هذه العناصر والمظاهر تتمثل في وحدة المكان، وهي صالة المتحف.

ومن هنا، يتأسس الانسجام، في سيميوطيقا الكون، على وجود قانون الثنائيات البنيوية المتعارضة (يمين ويسار، وأسفل وأعلى)، وقانون اللاتماثل. ويعني هذا أن سيميوطيقا الكون قائمة على مبدأي الاختلاف واللاتماثل في مظهرهما العام. كما تتضمن هذه السيميوطيقا مجموعة من العناصر البنيوية المتعارضة الدالة.

وعليه، تشبه السيميوطيقا الكونية ما يسمى بالكون الحيوي الذي تحدث عنه الفيزيائي الروسي فيرنادسكي(Vernadsky). بمعنى أن الكون السيميائي يضم مجموعة من اللغات والأنساق التواصلية المختلفة القائمة على التفاعل والتحاور والتناص. ومن ثم، فالكون السيميائي هو فضاء لذلك الالتقاء والتفاعل والتواصل الدائم. ويرى لوتمان أن السيميوطيقا مبنية على التواصل والسيميوزيس والتجارب السيميائية للذوات. ومن ثم، فالكون السميائي هو الفضاء الوحيد للتواصل والتفاعل بين اللغات، وفي مظانه يتحقق الإخبار والإعلام والتواصل. ومن ثم، يمكن الحديث عن ثقافة بشرية مشتركة وكونية. علاوة على ذلك، تقوم السيميوطيقا الكونية على الثنائيات البنيوية واللاتماثل اللذين يحققان التماسك السيميوطيقي. ومن ثم، تنقسم اللغات والثقافات - بنيويا - إلى ثنائيات غير متماثلة. وهناك أيضا تعدد الأنساق الثقافية ضمن نسق سيميوطيقي معين، وتعدد للغات التي تتطور وتتفرع مركزا وهامشا. وبالتالي، لا يمكن للغة أن تشتغل إلا في فضاء ثقافي سيميائي معين. وفي هذا الصدد، يرى لوتمان بأن " كل لغة تجد نفسها غارقة داخل فضاء سيميوطيقي خاص، ولا يمكن أن تشتغل إلا بالتفاعل مع هذا الفضاء... هذا هو الفضاء الذي نصطلح عليه "بسيمياء الكون". [7].

إذا، يتحدث لوتمان عن الفضاء الثقافي الكوني الذي يرفض الانعزال والانغلاق والأحادية. فالكون هو الفضاء الحيوي الملائم لتطور الثقافة واستمرار حياة الذوات والأغيار. وقد كتب فيرنادسكي:" كل المجموعات الحية تعد مرتبطة، حميميا، البعض بالآخر. لايمكن للواحدة أن توجد بدون الأخريات. هذه العلاقة الثابتة بين مختلف المجموعات وطبقات الحياة، تعد أحد المظاهر التي لاتطمس للآلية الفاعلة داخل القشرة الأرضية، والتي تمظهرت على طول الزمن الجيولوجي. "[8].

تثبت هذه القولة وجود ترابط حميم بين الكائنات الحية، وأن هذه الكائنات لايمكن أن تعيش في معزل عن الأخرى. ويعني هذا أن التفاعل هو أساس الكائنات العضوية، وأن الانعزال صفة مشينة في هذا الكون الحيوي. وقد يتجاوز هذا التفاعل الحيوي والاجتماعي والطبقي الإنسان والكائن الحي إلى ماهو جيولوجي على صعيد القشرة الأرضية. بمعنى أن الإنسان بنية جزئية توجد داخل الطبيعة أو الكون الطبيعي، وتنتمي إلى هذا المجموع، وتتحرك فيه ضمن علاقة عضوية حيوية مع مختلف العناصر والبنيات التي توجد في النسق الكلي نفسه. أما عن العلاقات التي توجد بين الإنسان وباقي المجال الحيوي، فهي علاقات تفاعلية وتواصلية متنوعة، قد تكون موجبة أو سالبة. وتتحدد هذه العلاقات في الزمان والمكان معا. ومن هنا، فالإنسان لا يمكن أن يعيش إلا في فضاء كوني حيوي مع الكائنات الأخرى، سواء أكانت بشرية أم غير بشرية. وبالتالي، لا يمكن للإنسان الطبيعي أن ينعزل عن هذا الفضاء الثقافي الكوني العام الذي ينصهر فيه الجميع تفاعلا وتعايشا وإبداعا وتواصلا.

يتبع ....

الابتسامة هي قوس قزح الدموع