عرض مشاركة واحدة
قديم 06-07-2019, 09:02 AM
المشاركة 5
إمتنان محمود
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: الجزء الرابع (متفكك)
28- ريسا

ريسا لا تعلم ماذا حدث فى حاويه كونر.تفترض أن الفتيان سيتحدثو عن أشياء الفتيان,أيا ما كانت تلك الأشياء.
ليس لديها وسيله لمعرفه أن ما حدث فى حاويته هو إعاده تمثيل لما حدث فى حاويتها,و تقريبا فى كل الحاويات الأخرى على الطائره.

الخوف والهواجس وأسئله بالكاد تُسأل وقصص بالكاد تُحكى.
التفاصيل مختلفه بالتأكيد,كبقيه اللاعبون لكن الجوهر هو نفسه...لا أحد سيناقش تلك الأشياء مجددا,أو حتى يعترف أنه ناقشها على الإطلاق,لكن بسببها..روابط خفيه تم صياغتها.

ريسا تعرفت على فتاه سمينه منكبه على الدموع,وفتاه أنهت أول أسبوع فى الانسحاب من النيكوتين,وفتاه كانت وارد تابع للدوله,تماما مثلها..و أيضا مثل ريسا,ضحيه غير مقصوده لتخفيضات الموازنه.

اسمها تينا,الأخرون قالوا اسمائهم,لكن تينا الوحيده التى تتذكرها.
“نحن متماثلون تماما,” قالت تينا هذا أحيانا خلال الرحله,:”قد نكون توأم.”,حتى مع كون تينا أُمبر,ريسا عليها أن تعترف أن الأمر حقيقى.
إنه مريح أن تعلم بوجود آخرون هناك فى نفس الموقف,لكنه مزعج أيضا أن تفكر أن حياتها فقط نسخه من آلاف النسخ المتطابقه.! ,بالتأكيد فالمتفككون من منازل الولايات لديهم جميعا أوجه مختلفه,لكن بجانب ذلك,فقصصهم متماثله. لديهم حتى نفس الكنيه.
و فى نفسها شتمت أيا كان الذى قرر أن عليهم جميعا أن تكون كنيتهم وارد.. كما لو أن كونك أحدهم ليست وصمه عار بما يكفى.!

تهبط الطائره,و ينتظروا.
“ما الذى يأخذ كل هذا الوقت؟”تسأل فتاه النيكوتين بجزع :”لا يمكننى تحمل ذلك!”
“ربما يحركوننا إلى شاحنه,أو طائره أخرى,” تقترح الفتاه المكتظه.
“من الأفضل لهم ألا يفعلوا.”تقول ريسا ,:”لا يوجد هواء بما يكفى هنا لرحله أخرى.”

يوجد ضوضاء...شخص خارج الحاويه.”شششش!”تقول ريسا.
”اسمعوا.”وقع أقدام .. خبط.
هى تسمع أصوات,بالرغم من عدم تمكنها فهم ما يقال.ثم أحدهم يفتح قفل الباب بجانب الحاويه و يفتحه.
هواء ساخن و جاف يتسلل للداخل , الضوء الفضى لمكان التخزين على
الطائره يبدو مضيئا كضوء الشمس بعد ساعات من الظلام.
“هل الجميع بخير بالداخل؟”
هو ليس فاتيج..ريسا بإمكانها المعرفه على الفور ,الصوت أصغر ..
“نحن بخير,”تقول ريسا.”هل بإمكاننا الخروج من هنا؟”
“ليس بعد.علينا فتح الصناديق الأخرى كلها أولا و نعطى الجميع بعض الهواء النقى.”
مما بإمكانها رؤيته,هذا فقط فتى فى عمرها,ربما حتى أصغر.!
يرتدى قميص دون أكمام لونه بيج و بنطال كاكى ,هو متعرق و وجنتيه مسمرتان من الشمس.لا,ليست سمره فقط..محروقان من الشمس.

“أين نحن؟”تسأل تينا.
“المقبره,”يقول الفتى,و يتحرك للحاويه التاليه.

***

بعد عده دقائق كانت الصناديق مفتوحه كليا,و هم أحرار.
تأخذ ريسا بعض الوقت لتنظر لرفيقاتها فى السفر.الثلاث فتيات يبدون مختلفون بصوره كبيره عن ذاكرتها عنهم أول ما التقوا.
أن تتعرف على أحد فى الظلام الدامس يغير من انطباعك عنهم.الفتاه السمينه ليست بالضخامه التى اعتقدتها ريسا,وتينا ليست بذاك الطول,و فتاه النيكوتين لا تقترب حتى من القبح..!
يوجد سلم ينزل من مقصوره الطائرة,و ريسا عليها أن تنتظر دورها فى الصف الطويل من الأولاد المغادرون للصناديق.
الشائعات تحوم بالفعل.تحاول ريسا الاستماع و تمييز الحقيقه من الخيال.
“حفنه من الأولاد ماتوا.”
“مستحيل.”
“سمعت أن نصف الأولاد ماتوا.”
“مستحيل!”
“انظر حولك يا غبى!هل يبدو أن نصفنا قد مات؟”
“حسنا,لقد سمعت فقط.”
“لقد كانت حاويه واحده فقط مات من فيها.”
“أجل,أحدهم يقول أنهم فُزعوا و أكلوا بعضهم...أتعلم,كحزب دونر*.”
“لا,هم فقط اختنقوا.”
“كيف تعرف؟”
“لأننى رأيتهم يا رجل.تماما فى الحاويه المجاوره لى.كان يوجد خمس أفراد بدلا عن أربعه,وجميعهم اختنقوا.”

تلتفت ريسا للفتى الذى قال هذا.”هل هذا حقيقى حقا أم أنك تختلقه؟”

ريسا بإمكانها المعرفه من النظره المشوشه على وجهه أنه صادق,”أنا لن أمزح حول شئ كهذا.”
ريسا تبحث عن كونر,لكن محيط رؤيتها محدد بالأولاد القليلين حولها فى صف. تحسب حساباتها بسرعه.
يوجد حوالى ستون فرد,اختنق منهم خمسه.
احتماليه واحد من اثنى عشر أن يكون كونر منهم.لا...لأن الفتى الذى رأى بداخل الحاويه قال أن جميعهم كانو أولاد. يوجد ثلاثون ولد بالإجمال.إذا احتمال واحد من سته أنه كونر ... هل كان من أخر الواصلين؟هل تم دفعه لحاويه ممتلئه؟ لا تعرف.!
لقد كانت هائجه جدا حين تم تحميلهم هذا الصباح.قد كان من الصعب بما يكفى أن تهتم بنفسها,فما بالها بأى شحص آخر.
(أرجوك, يا الله,لا تدع كونر يكون منهم.لا تدع كونر يكون منهم).
فكلماتها الأخيره له كانت غاضبه.مع كونه قد أنقذها من رونالد,كانت حانقه عليه, صرخت (اخرج من هنا!),لم تستطع تحمل فكره موته مع كون تلك الكلمات كأخر ما قالتها له. فقط, لم تستطع تحمل فكره موته.

تخبط رأسها فى فتحه الحاويه المنخفضه بينما تتجه للخارج.
“انتبهى لرأسك,”يقول أحد الأولاد المسئولين.
“أجل,شكرا,” تقول ريسا.
يبتسم لها.هذا الفتى أيضا مكتسى بملابس للجيش,لكنه هزيل للغايه ليكون بويف حربى.:”ما أمر الملابس؟”
“فائض حربى,” يقول,:”ملابس مسروقه لأرواح مسروقه.”
خارج الحجز,ضوء النهار ساطع جدا و الحراره تستقبل ريسا كالفرن.
المنحدر تحتها ينزلق للأرض,و يجب عليها أن تحدق فى قدميها,بعيون شبه مغلقه حتى لا تتعثر.
بالوقت الذى تصل فيه للأرض,عينها قد تأقلمت بما يكفى لتستوعب محيطها.
فى كل مكان حولهم, يوجد طائرات,لكن لا يوجد دليل على وجود مطار..فقط طائرات ... صف تلو الأخر, على بعد رؤيه عينها.
الكثير يتبع شركات طيران لم تعد موجوده !,تلتفت لترى الطائره التى وصلوا على متنها.تحمل علامه فيدكس,لكن تلك الطائره هى نموذج مهترئ.يبدوا أنه جاهز لساحه الخرده .. أو,تُفكر ريسا (للمقبره)...

“هذا جنونى,”يتمتم فتى بجانب ريسا.”الأمر ليس أن تلك الطائرة خفيه,هم سيعرفوا أين بالتحديد قد ذهبت الطائره.سيتم تعقبنا لهنا!”
“ألا تستوعب؟” تقول ريسا,:”تلك الطائره تم تسريحها من الخدمه.هكذا يفعلونها, ينتظروا طائره على وشك التسريح.ثم يضعونا كأننا حموله.تلك الطائره كانت فى طريقها لهنا على أيه حال,لذا لن يفتقدها أحد.”

تسكن الطائره فى منطقه متشققه قاحله من أرض مهجوره... جبال حمراء بعيده تظهر من الأرض.هم تقريبا فى الجنوب الغربى.
يوجد خط من الحمامات المتنقله الذى يقف أمامها صفوف من الأولاد المتوترين.

الأولاد الراعون لهم يعدو الرؤوس و يحاولوا الحفاظ على النظام فى الجماعات المشوشه.أحدهم لديه مكبر صوت:
“أرجوكم ابقوا تحت الجناح لو لن تستخدمو المرحاض,” يُعلن,:”لقد نحجتم للوصول لهذا الحد,نحن لا نريدكم أن تموتوا بسبب ضربه شمس.”
الآن,بعد خروج الجميع من الطائره,ريسا تبحث الحشد بيأس حتى تجد كونر أخيرا. (الحمد لله! ) تريد أن تذهب إليه,لكن تتذكر أنهم قد أنهوا رومانسيتهم المزيفه علنا.
بوجود عشرات الأولاد بينهم,تتقابل أعينهم بصوره وجيزه,و يتبادلا إيمائه سريه.تلك الإيمائه تقول كل شئ ,تقول أن ما حدث بينهم أمس أصبح تاريخ ,و اليوم,كل شئ يبدأ من جديد...

ثم ترى رونالد هناك أيضا.يقابل عينيها و يعطيها ابتسامه.تلك الابتسامه تقول أشياء أيضا.. وتنظر بعيدا,متمنيه لو كان موجود بداخل حاويه الاختناق.
تفكر أن تشعر بالذنب لتلك الأمنيه الشريره,ثم تُدرك أنها لا تشعر بالذنب على تمنيها على الإطلاق.!

عربه جولف صغيره تأتى عبر صفوف الطائرات,مخلفه ورائها ذيل من التراب الأحمر. سائقها فتى.لكن الراكب واضح أنه فرد فى الجيش.ليس فقط متخفيا فى زى الجيش,هو حقيقى..
بدلا عن الأخضر أو الكاكى,يرتدى الأزرق السماوى.يبدو معتادا على الحراره, حتى بداخل زيه الحار,فهو لا يبدو متعرقا.

تتوقف العربه أمام القطيع المتجمع من الهاربون من شرطه الأحداث. و يترجل السائق أولا,و ينضم للأولاد الأربعه الذين كانوا يقودوهم.
الفتى الصاخب يرفع مكبر الصوت.:”هلا حظيت على انتباهكم! الأدميرال على وشك مخاطبتكم.لو تعلموا الأفضل لكم,فستستمعوا.”
ينزل الرجل من عربه الجولف.و يعطيه الفتى مكبر الصوت,لكنه يرفضه.فصوته لا يحتاج مكبرات ,:“أريد أن أكون أول من يرحب بكم فى المقبره.”

الأدميرال فى منتصف الستينات,و وجهه ملئ بالندوب.فقط الآن قد أدركت ريسا أن زيه كان يستخدم وقت الحرب.لا تتذكر إن كانت تلك الألوان تابعه لقوى أنصار الحياه أم أنصار الاختيار,لكن حينها,الأمر لا يهم حقا.فكلا الطرفان قد خسرا.

“سيكون هذا منزلكم حتى تُتموا الثامنه عشر أو حتى نحصل على راعى دائم مستعد لتزييف هويتكم ,لا تُخطئوا الأمر,فما نفعله هنا غير قانونى للغايه,لكن هذا لا يعنى أننا لا نتبع قاعده القانون. قانونى أنا .”
يتوقف, و ينظر فى أعين العديد من الأولاد بقدر استطاعته.ربما هدفه هو أن يتذكر كل وجه قبل أن ينتهى من خطبته.
عيناه حاده, و ذكائه متقد.
ريسا تعتقد أنه يستطيع معرفه كل واحد فيهم بنظره خاطفه سريعه.
لن يتم إهمال أحد فى عالم الأدميرال.!

“جميعكم قد تحددتم للتفكيك لكن نجحتم فى الهرب,و.. بمساعده العديد من شركائى,وجدتم طريقكم لهنا , لا أهتم من كنتم..لا أهتم من ستكونوا حين ترحلو من هنا.كل ما أهتم به هو أنتم بينما تكونوا هنا...و بينما أنتم هنا,ستفعلوا ما هو متوقع منكم.”

ترتفع يد فى الحشد.إنه كونر.ريسا تتمنى لو لم يكن هو.يأخذ الأدميرال وقت لدراسه وجه كونر قبل أن يقول,:”نعم؟”
“إذا....من تكون أنت,بالتحديد؟”
“اسمى هو شأنى.يكفى أن أقول اننى أدميرال سابق فى بحريه الولايات المتحده ”, ثم يبتسم.:”لكن الآن تستطيع القول أننى سمكه خرجت من الماء.الجو السياسى الحالى حال إلى استقالتى ... نص القانون على أن أنظر للجهه الأخرى, لكن لم أفعل.. لن أفعل.” ثم التفت للجمهور و قال بصوت مرتفع,:”لا أحد سيتم تفكيكه فى مناوبتى.”
هتافات من كل المتجمعين,من ضمنهم الأولاد فى الملابس الكاكيه الذين كانوا أصلا جزءا من جيشه الصغير.

يبتسم الأدميرال ابتسامه واسعه.ابتسامته تكشف عن أسنان متساويه تماما,ناصعه البياض,إنه تعارض غريب,لأنه.. بينما أسنانه تلمع,فبقيته يبدو بالياً حتى النخاع.

“هنا نحن مجتمع , ستتعلموا القواعد و سوف تتبعوها,و إلا ستواجهوا العواقب, تماما كأى مجتمع .. تلك ليست ديموقراطيه.إنها ديكتاتوريه.أنا ديكتاتوركم.إنها مسأله ضروره.إنها الوسيله الأكثر فعاليه لابقائكم فى الخفاء,أصحاء,و بأكملكم.”
ثم يبتسم تلك الابتسامه مجددا.”أحب أن أعتقد أننى ديكتاتور خيرى,لكن بإمكانكم صنع هذا الحكم بأنفسكم.”

بحلول الآن, فنظرته قد تنقلت عبر الحشد بأكمله.جميعهم يشعروا أنه تم فحصهم مثل البقاله على صندوق الحساب. فحص و تعبئه.

“اليوم ستنامون فى مسكن الوافدون الجدد.غدا سيتم تقييم مهاراتكم,وسيتم توزيعكم على فرقكم الدائمه ,مبروك ... لقد وصلتم !”

يأخذ دقيقه لجعل الفكره الأخيره تترسخ,ثم يلتفت لعربه الغولف و يرحل بعفويه, بنفس السحاب الأحمر من التراب منفوث خلفه.
“أمازال يوجد وقت للعوده للحاوية؟”يقول أحد الأولاد المتحاذقين. وبعض الأولاد يضحكوا.

“حسنا,اسمعوا,” يهتف الفتى صاحب المكبر.
“سنمشى حتى طائره المؤن,حيث ستحصلوا على الملابس و حصصكم,وكل شئ آخر قد تحتاجونه.”

هم سريعون فى اكتشاف أن فتى المكبر اكتسب لقب (آمب).أما عن سائق الأدميرال, فقد علق مع لقب (جييفز).

“إنها مسيره طويله,”يقول آمب.”لو لن يفلح أحدكم فيها,اعلمونا.أى شخص يحتاج الماء الآن,ارفعوا أيديكم.”
تقريبا كل الأيادى ترتفع.
“حسنا,اصطفوا هنا.”
تصطف ريسا مع بقيتهم.يوجد غمغمه و همس فى صف الأولاد,لكنها ليست قرب البؤس الذى كانت عليه فى الأسابيع الماضيه .. الآن,إنها تشبه غمغمه الأولاد فى طابور الغذاء المدرسى.!

بينما يُقتادوا ليتم إطعامهم و إلباسهم, الطائره التى أحضرتهم هنا تم قطرها لمكان استقرارها الأخير فى ساحه الخردوات الكبيره.

فقط الآن تأخذ ريسا نفس عميق و تُخرجه,مع قلق شهر بأكمله.
فقط الآن تسمح لنفسها بالرفاهيه الرائعة المصاحبه للأمل.
__________________________________________________ _
حزب دونر : جماعة من المستوطنين فى طريقهم لاستعمار منطقه أخرى واجهوا صعوبات شديدة فى الطريق الوعره مما أدى لأكلهم رفقائهم اللذين ماتوا من الجوع وقاموا بتعليم قطع اللحم حتى لا يأكل أحد قريبة أو صديقة,وحين لم يجدوا من يأكلوه قاموا بقتل اثنان من الهنود الحمر حضروا لمساعدتهم. حيث رفضوا أكل لحوم البشر وكانوا هم الوحيدون ذو بشره غير بيضاء.