عرض مشاركة واحدة
قديم 05-08-2012, 10:30 PM
المشاركة 532
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
اللاز ملحمة شعب
دراسة نقدية لرواية الفنان الجزائري الطاهر وطار-اللاز

بقلم عبد الله رضوان



تعريف بالمؤلف:

ارتبطت بعض الأسماء الروائية العربية،بظروف تطور مجتمعاتها بشكل انعكس على الكثير من إبداعاتها الروائية،فإذا كان نجيب محفوظ روائي البرجوازية الصغيرة في صعودها ونمائها حتى وصولها إلى الحكم،وصدقي إسماعيل في روايته"العصا"يحد المرحلة التاريخية التي عاشها الشعب السوري بين حقبتين-الأتراك،الفرنسيين-وبداية الاستقلال مشيرا إلى دور البرجوازية الوطنية وظهور بداية التشكل السياسي.
وإذا كان حنا مينة قد التزم في معظم رواياته،باستثناء المرصد،برصد واقع الفقراء وابراز مجموعة من النماذج الفاعلة اجتماعيا وسياسيا في مجتمعه بحيث ارتبط اسمه كمعلم بارز من معالم الرواية الواقعية تستطيع من خلال رواياته أن نقرأ تاريخ سوريا المعاصر.
إذا كان ذلك صحيحا فإننا نستطيع القول بثقة أن الطاهر وطار يشكل ظاهرة فنية مميزة ليس في الجزائر فقط وانما في المغرب العربي عموما،انه رجل الثورة الجزائرية الذي يعي دوره الحقيقي كفنان ملتزم بمجتمعه وشعبه، لصالح تقدم هذا المجتمع وتحقيق الثورة الزراعية والصناعية تمهيدا لتكوين المجتمع الجزائري.الحلم.
وإذا كان بعض الأسماء الجزائرية،التي تتعامل باللغة الفرنسية في إبداعها،قد أخذت حجما متقدما من الاهتمام في المشرق العربي مثل محمد ديب، وكاتب ياسين وغيرهم،فان الطاهر وطار قد ظلم على أكثر من مستوى،علما بأن ما يقدمه يشرب من نفس المنبع الذي قدمه هؤلاء،المجتمع الجزائري الحديث والقديم،الفقراء،مع إيمان حاد بتقدم هذا المجتمع وتغيره ومن هنا أهمية التعريف بهذا الكاتب،وضرورة دراسة نتاجه.
وطار كفنان خصب الإنتاج فقد أمكن التعريف على بعض أعماله التي تنوعت بين القصة القصيرة،و الرواية،والمسرحية.نذكر منها:
الهارب-مسرحية.
الطعنات-قصص قصيرة.
الزلزال-رواية
عرس بغل-رواية.
الموت في الزمن الحراشي.
رواية.
واخيرا وكما ورد في غلاف روايته اللاز،فالطاهر وطار من مواليد 1936،وقد شارك في الثورة التحريرية الجزائرية منذ عام 1956 ولازال عنصرا فاعلا في مجتمعه حريصا على ثورته وعلى استمرار تقدمها.
لماذا اللاز
*تتبع أهمية هذه الرواية التي تقدمت في أهميتها معظم ما كتبه الطاهر وطار،من أكثر من مستوي،منها،ميدان الرواية التي اختار وطار فيها التحدث عن أخطر مراحل الثورة الجزائرية،المرحلة التي تلت انبثاق الثورة،أو مرحلة انتقال الثورة من الحالة العفوية،إلى حالة منظمة،وما اعترى هذا الانتقال من معوقات، بل حد من محاولة تصفية للقوي التقدمية فيها.
الجانب الثاني-أن الرواية-وأن لم تتخذ الحالة التسجيلية،بمعنى أنها ليست رواية تاريخية لواقع معين ولكننا نقرا فيها التاريخ،نعيش حالة الشعب الجزائري عبر ملحمة بطولته في النضال ضد المستعمر الفرنسي،مثل هذه الموضوعات تفتقدها في أدبنا العربي عموما-إذا استثنينا ما قدمه الروائيون الفلسطينيون في اكثر من عمل يتقدمهم الشهيد غسان كنفاني-رشاد أبو شاور واخرون.
الجانب الثالث-يتعلق بالمضمون الثوري الذي تطرحه الرواية وتصر عليه،عن طريق عكس لرؤية وموقف الروائي نفسه أننا نحس بإيمان الطاهر وطار بفقراء شعبية،وقدرتهم الدائمة على النضال،هذا النظال الذي وان بدأ هنا ضد الاستعمار الفرنسي،سنجد انه في الجزء الثاني من الرواية-الموت في الزمن الحراشي-يأخذ بعدا جديدا متمثلا في النضال ضد بعض القوي الغيبية داخل المجتمع الجزائري هذه القوى التي تختار الوقوف ضد الثورة متمثلة بمحاولتها لتخريب الثورة الزراعية.
أننا نلتقي في هذه الرواية بملحمة شعب،شعب المليون شهيد،الذي خاض النضال أشعل ثورته ضد الاستعمار أولا،ثم ضد التخلف والجهل والمرض.
التعامل النقدي مع هذه الرواية سيتم عبر محورين:
المحور الأول-محاولة التحليل الجانب البنائي في العمل.
المحور الثاني-متابعة تطور الحدث في الرواية لتقدمها إلى القارئ ومن ثم الخروج بمجموعة من النتائج والملاحظات حول هذا العمل.
حول المحور الأول نشير إلى أننا نستطيع متابعة الجانب الروائي في الرواية بشكله البسيط والمعقد من خلال متابعة الظواهر التالية:
*الزمن:
عنصر الزمن في الرواية عنصر أساسي،وزمن الرواية-الحدث-يتم في فترة الثورة الجزائرية على أننا نقصد بالزمن هنا،الطريقة التي أستخدمها الراوي في تحديد مسار روايته فالرواية تبدأ من لحظة حاضرة..
- أيه الله يرحمك يا السبع
- سيد الرجال
- عشر رصاصات،ومات واقفا الرواية ص9
الراوي إذن يضعنا أمام حالة حاضرة تتحدث عن لحظة ماضية،انه"قدور"أحد أبطال الرواية،والانتقال إلى الماضي يتم عبر ذكريات الشيخ الربيعي، والد قدور الذي"استند إلى الجدر وأطلق العنان لمخيلته،تتحسس الجرح..شيء عشناه،وشيء سمعناه..وشيء نتخيله"ص10
عندها تبدأ الرواية عبر الماضي-الحاضر،بمعنى أن الراوي ينقلنا عبر ذكريات الشيخ الربيعي إلى لحظة قائمة في الماضي،لنسير معها،عبر بداية جديدة،وكأن الزمن في طريق تشكله التدريجي والطبيعي.
في سير الحدث، يطرح المستقبل، عبر استشر قات وتخيلات القائد- زيدان-حينما يفكر في خلوته في مصير قريته-جزائر،مجتمعة،ثم وعبر تقطيع يشبه المشاهد المتلاحقة وصلت إلي اثنين وعشرين مشهدا، لنصل إلى الخاتمة-العودة إلى الحاضر في لحظة ابتداء الرواية،يعود الشيخ إلى واقعه،أمام مكتب توزيع المنح لاسر الشهداء"هات بطاقتك يا عم الربيعي"ويتقدم اللاز"يقف في أبهة وتطاول...وهو يهتف-ما يبقي في الوادي غير أحجاره-اللاز الذي تحول من حضور مادي محسوس إلي حالة روحية ذات حضور يقترب من الأولياء-بالمصطلح الشعبي-والذي تتابع حركته أو لنقل حركة الروائي معه في جزء الرواية الثاني-الموت في الزمن الحراشي.
هذه الطرية في البناء الزمني،تشبه إلى حد بعيد ما تحدث عنه الروائي جبرا إبراهيم جبرا في حديثه في مجلة الأفلام حول روايته الأخيرة،البحث عن وليد مسعود-وان كان استخدام جبرا لدائرية الزمن استخداما مختلفا عن استخدام الطاهر وطاو،على أن كليهما يتفقان على خصوصية الزمن لدى الإنسان العربي- بل والشرقي-عموما-فاللحظة الحاضرة ليست مفصولة عن اللحظة السابقة-الماضي- وهما بدورهما مرتبطان بحركة المستقبل بعكس الزمن لدى الإنسان الأوروبي الذي يتحرك أفقيا-ماضي- حاضر-مستقبل-دون العودة إلى الماضي لإغلاق الدائرة.
هذا الزمن الدائري نجده يمتد في جوانبه العمل في رواية اللاز-ليصبح كل نموذج رئيسي فيها-اللاز-زيدان-حمو-قدور-بعطوش-يتحرك كل هذه الشخصيات ضمن دائرية الزمن-الحاضر-الماضي-المستقبل-ثم الحاضر-الماضي وهذا في دوائر مختلفة،على أنها قضية-أي دائرية الزمن-في العمل الروائي العربي-بحاجة إلى مناقشة وتعمق اكثر ليس هذا مجاله.
*البطل:
تشير بعض الدراسات الأكاديمية في تقسيمها للأشكال الروائية إلى أن هنالك رواية أبطال،ورواية البطل الرئيسي-النموذج-وسط جمع حاشد من الشخصيات النمطية،وهنالك رواية المكان..الخ،وهنا لن ندخل في تفاصيل هذه التقسيمات،وانما سنتطرق إلى خصوصية الطاهر وطار في تعامله مع أبطاله،إننا في رواياته خاصة-عرس بغل واللازبقسميها-لا نجد اعتمادا على البطل الفردي،بل نجد أنفسنا أمام مجموعة أفراد يتوزعون البطولة في مشاهد مختلفة،في الجزء الأول من اللازيتقدم-زيدان-على المستوى المباشر للحدث ليحتل دائرة الضوء،وزيدان-البطل الثوري الحقيقي-واقعيا،والمسيطر على حركة المحور الحدثي في الرواية،فعند زيدان –القائد الثوري- تتمحور مجموعة خيوط الشخصيات الأخرى في العمل، وحتى الشيخ"مسعود"الذي مارس عملية الإعدام-الذبح من العنق-ضد زيدان ورفاقه،يبقي متراجعا إلى الظل واقعيا وفنيا،ليتقدم زيدان دائما في مركز البؤرة .
وفاة زيدان بهذه الكيفية-الذبح-ثم انفجار الدم أمام ولده اللازعمل على نقل اللاز من دائرة الوعي،إلى حالة أخرى،مما سيساهم على إعطاء اللاز بعدا روحيا جديدا لن نلبث أن نتعرف عليه في الجزء الثاني من الرواية،وهذا ما سنتعرض له في دراسة لاحقة.
هذه الظاهرة-تعدد الأبطال- الملاحظة في أعمال الطاهر وطار الروائية والمتمثلة في تقديم اكثر من بطل مع السماح بتقدم الشخصيات في روايته ليحتل مركز البؤرة دون أن يلغي ذلك حضور باقي الشخصيات،تكاد تعمم في معظم روايات الطاهر وطار،إذ لا وجود لشخصيات ثابتة ضمن محور محدد إلا فيما ندر"كما يلاحظ في روايته الزلزال" فلو عدنا إلى"عرس بغل"فإننا نجد أن أبطال الرواية الأساسين يتورطون وتتغير مواقفهم على الدوام تبعا لتغير الحدث،أ لنضج التجربة.الحاج كيان-عصفور الجنة.العنابيين-الفلاح..الح"وهي نقطة تبقي لصالح هذه الروايات ذات النهج الواقعي في الرؤية التي تعددت أشكال بناءها الفني،بين بناء مباشر كما في اللاز.وبناء رمزي مبسط في الزلزال-أو اللجوء إلي البناء الرمزي المعقد في –عرس بغل-وهذا مؤشر على قدرة هذا الروائي الفذ في التعامل مع واقعه ببعديه الموضوعي والفني.
في اللاز تتقدم الشخصيات لتحتل مواقع جديدة على الدوام،فهي شخصيات نامية ومتحركة داخل العمل،تصل إلى مرحلة النمذجة الفنية في كثير منها،ولو أردنا التمثيل على ذلك بالإضافة لـ ـزيدان واللازـ فإننا نلتقي بـ ـ حموـ قدورـ بعطوش ـرمضان..الخ.
هذا التعامل مع ظاهرة البطل،أعطى رواية"اللاز"تحديدا،بناء ملحميا،يتحرك فيها الشعب،بتناقضاته،وغضبه،بمظاهر المتعددة،الايجابيةوالسلبية،وهنا تتقدم خصوصية جديدة لصالح الطاهر وطار وهي ـ واقعية النقديةـ فهو يعايش مسيرة مجتمعه حتى النخاع يجيء بالإيجابي لفرزه وتثبيته،والسلبي لتحديده ومن ثم تجاوزه والابتعاد عنه،هنا يأخذ العمل الفني دوره الاجتماعي كحالة فاعلة غير معزولة عن حركة مجتمعها.
*اللغة:
اللغة الروائية مسألة من الصعب ضبط وتيرة توجهاتها،ذلك أن لكل عمل خصوصية،وبقدر نجاح الفنان في التعامل مع اللغة،يقدر قدرته على فهم شخصياته،ووعيهم وثقافتهم،أما بالنسبة للطاهر وطار،فان الأمر يبدو قد حسم،ففي"عرس بغل"نجد أن اللغة تشف،وتتعقد أحيانا،وتدخل في سحابات من الحلم والضباب،مما يبعدها عن القارئ العادي،وهذا وضع طبيعي على أساس أنها موجة للنخبة، وان كانت هذه القضية اقصدـ توجد النخبةـ بحاجة إلى نقاش ليس هذا مجاله.
في اللاز،نجد مستويين من اللغة،المستوي الأول،المباشر،الحدثي الذي يجيء على لسان الشخوص،وهو بسيط يقترب من العامية،بل ويدخل فيها أحيانا وهذا ما يتفق مع وعي شخوصه،لتراقب هذا الحوار،بين حمو،وقدور قبل التحاق الأخير،بالثورة"تصبح على خير،أنها الرابعة،تأخرت عن أيقاد الفرن ..تختلف عن موعد"دايخة"..لايهم...تصبح على خير.
-ربي يعزك..حمو..أنت أخ بحق"-ص32
بينما نجد أن مستوى وطريقة بناء الجملة يختلف حين يتعلق الأمر بالتعبير عن حالة الحلم، فالجملة عندها تصبح قصيرة مكثفة،محملة بشحنة شعورية عالية ومتدفقة،لتراقب هذا المقطع حول تداعيات-زيدان-القائد المثقف.
هذا الوليد..آه..الجزائر..هذا الوليد لا يزال في المهد،بل لا يزال جنينا،نقطة في أحشاء التاريخ،يكتمل نموه ويولد،يرضع ويحبو،ويسقط مرات ومرات،ثم ينهض على قدميه،يمشي على الجدران،يقف معتدلا،يسقط وينهض...وسيظل طيلة سنوات طفلا صغيرا،سيظل بلا منطق زمنا طويلا..من يدري أي عذاب يلحقه أثناء مرحلة المراهقة آه..هذه المرحلة يجب أن نكون نحن"ص109.
هنا اللغة تستخدم في أدق تجليتها..زيدان القائد المثقف،يرسم من خلال حلمه مستقبل شعبه،ومجتمعة،بل ثورته.
اكتفي بهذه الملاحضات حول الجانب البنائي في الرواية،وانتقل لمناقشة المحور الثاني
*الحدث:
اللاز-هو الشخصية الذي يتمحور حولها سير الحدث في الجزء الأول من الرواية،طفولته طفولة شقي،اندع الرواية تقدمه لنا"هذا اللقيط الذي لا تتذكر حتى أمه،من هو أبوه..برز إلى الحياة يحمل كل الشرور..يضرب هذا..يختطف محفظة ذات،ويهدد الأخر أن لم يسرق له النقود من متجر أبيه..حتى إذا جاء يوم الأحد بادر إلى الملعب،شاهرا خنجره في وجوه الصغار حتى ينزلوا عند إرادته"ص12.
مكابر،معاند،وقح،متعنت،لا ينهزم في معركة،وان استمر عدة أيام،يضربه المرء حتى يعتقد انه قتله،لكن ما أن يبتعد عنه حتى ينهض ويسرع على الحجارة..مما جعل الجميع كبارا وصغارا يهابونه،ويتحاشون الاصطدام معه.
اللقيط،كلما كبر واعتق الناس انه سيهدا.. ازداد سعاره.. حتى بلغ معدل دخوله السجن،ثلاثين مرة في الشهر،ص13.
هذا هو اللاز،عند قدوم المستعمر الفرنسي يقوي علاقته بالجيش الفرنسي،ثم يصبح على علاقة وثيقة مع الضابط-مسؤول المعسكر-مما يزيد من كرة القرية له،اتهمه البعض بالخيانة ولكنه لم يقتل،ولو كان خائنا لصفاه الثوار،وكذلك لم تمسك عليه خيانة واحدة.
فجأة نجده مدمي،يجره الجنود،يضربونه وهو يسير أمامهم في شوارع القرية حتى يتوقف أمام دكان قدور صارخا"حانت ساعتكم كلكم"
ينتقل الحدث إلى قدور- الوحيد الذي يعلم بعلاقة اللاز بالثورة،وقد استلم قدور التحذير من اللاز،فيقرر الالتحاق بالثوار في الجبل،يهجر القرية تاركا حبيبته وأمه وحياة الدعة والاستقرار،منتقلا إلى مرحلة جديدة،المشاركة في النضال المباشر-الحرب-ضد الاستعمار الفرنسي مع صديقه.حمو-الذي سبقه إلى الجبل مستعرضا الروائي قصة انضمام قدور إلى الثورة عن طريق صديقه حمو-الفقير المعدوم الذي لا يملك إلا قوة عمله كخمار في فرن يمتلكه أحد السادة-حمو الذي التحق بدوره بالثورة بعد أن نظمه أخوه زيدان فيها.
زيدان،الشخصية الثورية الفاعلة الذي يجمع بين الفعل والنظرية،مثقف،واحد الأعضاء التقدميين،ناضل طويلا،أتقل عاملا إلى باريس،هنالك تعلم،ثم انتقل إلى مدرسة للكادر،عاد بعدها مقاتلا في صفوف الثورة الجزائرية ضد فرنسا،ليس مقاتلا فقط بل ومنظرا،وقائدا لإحدى الفصائل الثورية.
زيدان هو الذي نظم-حمو-الذي بدوره الحق-قدور-بالثورة في جهازها السياسي أولا،ثم ليتسلم قدور مكان حمو كمسؤول في القرية بعد التحاق حمو بالجبل،وليفاجأ قدور بعد فترة بدخول اللاز عليه قائلا كلمة السر"ما يبقى في الوادي غير أحجاره"ثم لتصبح هذه المقولة فيما بعد عبارة تردد على لسان،مشيرة إلى أن الحق،والحق فقط،هو الذي يبقى وان الاستعمار والخيانة،في سبيلها إلى الاندحار تدريجيا.
انضمام اللاز إلى الثورة جاء بعد لقائه مع زيدان،اللاز يبحث عن زيدان ابن قريته،ويجده باستمرار وكأنه يراقبه،في إحدى المرات يطلب من زيدان أن يضمه إلى الثورة،أن يضمه إلى الثورة،يفاجأ زيدان ولكنه،وحين يرى الإصرار عند اللاز،يخبره بأنه سيعمل على ذلك ،يصعدان معا في القطار الذاهب إلى المدينة.
يتحدثان في الطريق فيعترف زيدان للاز بأنه أبوه،وانه أي اللاز ليس لقيطا،فقد جملت به أمه-مريام-بعد أن شتت العسكر الفرنسي أهل القرية التي كانوا يعيشون فيها،فالتقى مع ابنة عمه في الغابة-أم اللاز-وعاشا معا شهرا كانت حصيلة اللاز.أما الأب فقد القي القبض عليه وارسل إلى الخدمة الإجبارية في الجيش الفرنسي.هذا السر الذي كشف،يهز اللاز من أعماقه،يفرح،وبعد أن يهدأ من المفاجأة يخبر أباه مستفسرا عن مقولة سمعها من الضابط الفرنسي،بأن لونه-أي زيدان-"احمر"وان الضابط وضع اسمه"زيدان"على رأس قائمة المطلوبين وهذا ما دفع اللاز للبحث عن زيدان لإخباره،لماذا"كنت دائما احبك يا عم زيدان..يا أبي..لانك الوحيد الذي لم يؤذني،ولم يشتم أمي..ولانك الوحيد الذي يحتقر الأغنياء ويسبهم..الوحيد بعدي طبعا ص67 عندها يطلب زيدان من ابنه الاتصال بقدور رجل الثورة في القرية ويخبره بكلمة السر"ما يبقى في الوادي غير أحجاره"لتتحدد مهمة اللاز في مساعدة الثوار المعتقلين،وهي المساعدة كذلك على تهريب الجنود الجزائريين من خدمتهم الإجبارية إلى الجبل للالتحاق بالثورة.
هذا الوضع يمهدنا للعودة إلى الضابط في تحقيقه مع اللاز،مع تصوير للتعذيب البشع الذي تعرض له اللاز دون أن يعترف،في النهاية يقرر اللاز أن يلعب لعبة تطيل الوقت أمام قدور ليتسنى له الهرب وإخبار الرفاق،وترفع التعذيب عنه،فيقرر الادعاء بأن-الشامبيط-الجزائري الفني المتعاون مع المستعمر هو الذي نظمه،وانه أي الشامبيط-يعمل مع الثورة وان ادعى بأنه يخدم فرنسا فليس ذلك إلا ادعاء طلبه منه الثوار.
هنا تتدخل الصدفة،والصدفة،في حياة اللاز مقبولة ومبررة لأننا وأن بدأ التعامل مع شخصية واقعية،فإنها-أي شخصية اللاز-شخصية ذات بعد روحي،بمعنى أنها تمزج الواقع بالخيال،الحلم بالحقيقة،الغيب والحاضر معا،وهذا ما سيتضح في الجزء الثاني من الرواية.
هذه الصدفة تمثلت في دخول الشامبيط معلنا هرب قدور من القرية،فيتغير الموقف،الضابط يطلب من خادمه إعطاء اللاز مزيدا من الخمر،بعد خروج الضابط من القرية،تتدخل شخصية جديدة هي السرجانت.
رمضان-الجزائري الذي يخدم في الجيش الفرنسي والذي يعرف اللازجيدا،يتقدم رمضان إلى مكان اللازحاملا الخمر ليقدم إلى مساعد الضابط الذي بقي عند اللاز،عند دخوله يقتل المساعد الفرنسي،ويأخذ اللاز معه بعد أن البسه ملابس المساعد،ويخرجون مع اثنين من الجنود الجزائريين للالتحاق بالجبل،يفقدون أحدهم في صدام مع نقطة حراسه وينطلقون ثلاثتهم إلى الجبل معتمدين على حدس اللاز في معرفة الثورة.
هنا تأخذ الرواية مسارين،الأول في القرية.
الثاني في الجبل.
في القرية يجمع الضابط قواته بعد اكتشافه موت مساعده ستيفان،وهرب اللاز،وينتقل إلى القرية،إلى بيت قدور.
يدخله ويطلب إحضار مريام أم اللاز،في بيت قدور يجد أمامه الأب الربيعي.والد قدور وزوجته-خيرية،خالة بعطوش الخائن مع فرنسا ضد أبناء قريته،والذي رفع إلى رتبه"كابران"ليصبح المساعد الأول للقائد الفرنسي،يطلب القائد من بعطوس أن يقتل بقرة خالته،فيفعل،ثم قتل مريام أم اللاز،فيفعل ذلك أيضا،الضابط الفرنسي يطرحه لنا الروائي كشخصية مريضة تعاني من مركب نقص كتمثل في عقدة اللواط.فيطلب من بعطوش ممارسة الجنس مع خالته أمام هذا الجمع المكون من القائد،والشامبيط والربيعي،الزوج،وبعض الجنود،فيفعل ذلك أيضا،هنا تصل شخصية بعطوش إلى حالة لا إنسانية قدرة ،لكن إيمان الطاهر وطار بشعبه،إيمان عظيم فهو لا يسمح بانهيار أحدهم،ففي الوقت الذي يستمر الشامبيط-صاحب المصلحة- الغني-في تعاونه مع فرنسا،نجد بعطوش يأخذ موقفا مغايرا،فهو يصاب بانهيار عصبي،ولا يستطيع نسيان ما فعله يحاول الهرب إلى المخمر فيفشل،ثم يقرر عمل شيء أخر،فيقتل خالته وكأنه يقتل عاره وسقوطه هو لكن ذلك لا يشفيه فيعود إلى المعسكر مقررا عمل شيء أخر.
هذا التغير الانقلابي الذي يحدث مع"بعطوش"قد يبدو تغيرا غير مبرر فنيا،ولكن ضخامة الأحداث التي وقعت في هذه الفترة الزمنية الضيقة لم تستطيع عقلية بعطوش-الشاب الفقير البسيط،الذي كان يعمل راعيا،أن يتحملها،خاصة وانه لا يتعامل عم الفرنسيين من منطق تعامل-الشامبيط-معهم،فالشمبيط يعتبر أن استمرار نفوده ومركز الاجتماعي والمالي مرتبط بفرنسا يعكس بعطوش الذي لا يريد إلا أن يصبح سيدا"آه بعطوش"يا رعي العجول لقد صبرت سيدا،سيدا معتبرا"ص127،يضاف إلى ذلك إيمان الروائي بشعبه،دفعه إلى عدم الإساءة حتى إلى بعطوش الذي ما أن ارتكب أخطاءه هذه حتى دخل في حالة انهيار عصبي،هذيان،بدأت الأشياء خلالها.تضح بصورة مشوشة مع تركيز غير واعي على منطقة تجمع البنزين في المعسكر ،واتجاه تفكيره يميل إلى تخيل منظر المعسكر وهو يحترق.
تصل المر إلى حافة الانفجار حين يدعوه الضابط إلى المبيت عنده لإشباع مركب نقطه،هنا يعود"بعطوش"إلى الانهيار من جديد،يقترب من الضابط المستلقي على بطنه ،يخنقه ثم ما يلبت أن يستل خنجره وراح يطعنه أينما صادف..ظل يطعن ويطعن حتى انفتحت عيناه..لقد زال الضباب"ص263.
الفرنسي ثم يبدءون بنقل الذخائر المتبقية والأسلحة إلى الخارج،عندها يلتقون مع أحد الثوار الذي يعرفه علاوه،هذا الثائر جاء أصلا لاغتيال بعطوش ولكن المعادلة تغير فقد اختاربعطوش موفقا جديدا-فهو الذي قتل الضابط،أشعل النيران في المعسكر-فيتعانقان-الثائروبعطوش ويبدأ الجميع ينقل الذخائر إلى الجبل والزغاريد تملأ سماء القرية تحية الأبطال.

*المسار الثاني للرواية:
يكون في الجبل،مع زيدان ورفاقه وقد انضم قدور إليهم وتوجهت المجموعات لاداء مهماتها،عارضا لشخوص متعددة من الثوار،مبرزا بعض أطفالهم،وعبر تداعيات زيدان لشكل الثورة،واقعا،ضرورة النظرية لدعم البندقية،ثم ليلتحق اللاز ورمضان ورفيقيهما الثالث بزيدان،وتعود المجموعات بعد أداء مهمتها،عندها نلتقي بعنصر جديد جاء ليطلب زيدان لمقابلة القيادة،يطبق زيدان المركزية الديمقراطية فيتم اختيار السبتي مكانه لحين عودته،ويذهب مع ولده اللاز،والعنصر الجديد إلى القيادة،في الطريق يلتقون مع فرقة-الشيخ مسعود-ويلاحظ زيدان بعض الأوربيين الأسرى معه،يتعرف فيهم على رفاق قدماء من فرنسا وإسبانيا،يلقي الشيخ القبض على زيدان،يسجنهم في مغارة ليقرروا حل التجمع التقدمي الذين ينوون تشكيله،في المغارة تتضح الكثير من المفرقات،ثم ليأخذ القرار بعدم حل أنفسهم لانهم مؤمنون بموقفهم وانهم لا يمتلكون ولا يريدون الحل،فيحكم عليهم الشيخ بالذبح من العنق،يشترط زيدان أن يبعدوا اللاز حتى لا يرى هذه المذبحة،ولكن وحين جاء دور زيدان أرسل الشيخ أحد اتباعه لجلب اللاز الذي ما رأى ذبح أبيه حتى وقع صريعا منتقلا من حالة الوعي إلى حالة روحانية جديدة نتعرف عليها في الجزء الثاني من الرواية.

*نتائج وملاحظات:
*أولى هذه الملاحظات التي تفرض حضورها على القارئ والدرس معا،هو هذا البناء الملحمي الضخم المتمثل بحركة شعب أثناء ثورته وانفجاره ضد مستعمريه،مع إبراز قدرة هذا الشعب العربي على فرض إرادته، وحصوله على استقلاله.
هذا البناء الملحمي،ومتابعة الحدث على أكثر من رافد،لتصب جميع الروافد في الحركة المركزية-الثورة –يؤكد المقولة السابقة حول انتماء هذا الروائي لشعبه وأرضه،والتصاقه بهما حتى العظم.


*الملاحظة الثانية:
تتعلق بهذه الملحمة الواقعية.التي نلتقي فيها،بأشكال واقعية متداخلة بين واقع تسجيلي لعل.اكثر من يدلل عليه،ما حدث بين جماعة الشيخ مسعود وبين زيدان ورفاقه.
ثم الواقع النقدي-الذي يتمثل في اكثر من موقع في الرواية،أبرزه كذلك الحوار الذي يدور بين-الناصر-قائد المجموعة التي نفدت حكم الإعدام بالخونة،وبين القائد زيدان الذي يرفض أية ظواهر انحرافية والتي تمثلت بحديث الناصر-بحيث بدا انه يمارس متعة القتل،والثورة ليست ممارسة متعة بقدر ما هي واجب،ونضال واعي ومدروس لتحقيق الأهداف النبيلة.
كذلك نلتقي بنقد لاذع لبعض حالات كانت سائدة في المجتمع الجزائري،مع إدانة كاملة للاتجاه الغيبي الذي كان متواجدا في الثورة الجزائرية،وسنجد استمرار هذا الصاع بين الاتجاه الغيبي والاتجاه التقدمي في الجزء الثاني من الرواية بحيث أن هذا الصراع سيشكل المحور المركزي الذي تدور حوله رواية"الموت في الزمن الحراشي".
كما يتضح هذا البناء الواقعي في الإيمان الجاد والقوي بالشعب ممثلا لفقرائه،وقدرة الشعب على بناء الجزائر الجميلة والفتية.
هذه الأطروحة التي نلمسها في الرواية تنقلنا للتحدث حول انتماء الطاهر وطار إلى المدرسة الواقعية-ليست الواقعية الجامدة-الفهم الميكانيكي لحركة الواقع ومن ثم بناء العمل الفني وانما الواقعية الخلاقة التي تحدد مناطق السلب لتجاوزها،وتدفع وتعمق الاتجاهات الإيجابية مع الحفاظ على البناء الغني المتماسك،مما يعطي الطاهر وطار قدرة روائية فنية متميزة.
*الملاحظة الأخيرة:
أن هذا العمل يبرز قدرة الطاهر وطار على تطوير شخوصه،ليتجاوزوا دائرتهم الحياتية،تمهيدا للوصول إلى النموذج الفني-أرقي أشكال التعامل الجمالي مع الواقع خاصة في طرحه لشخصيات-زيدان-بعطوش-اللاز-
وبعد..فإنها رواية عظيمة،تستحق أن تدرس بعمق اكبر،لابراز جوانبها المتعددة،والتي أرجو أن أكون قد وفقت في إبراز بعض منها.
قتل الضابط يعيد إلى بعطوش توازنه فيأخذ رشاش الضابط،وبعض القنابل وينطق إلى تجمع السيارات والبنزين فتتوالى الانفجارات،ثم يلتقي"بعلاوة"الجزائري المجند في الجيش لتشكل فريق جزائري يقوم بمهمة إبادة المعسكر.
بقلم عبد الله رضوان
جريدة الدستور الأردنية 26/12/1980