عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
1

المشاهدات
1250
 
ماجد جابر
مشرف منابر علوم اللغة العربية

اوسمتي


ماجد جابر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
3,699

+التقييم
0.77

تاريخ التسجيل
Feb 2011

الاقامة

رقم العضوية
9742
07-20-2022, 06:29 PM
المشاركة 1
07-20-2022, 06:29 PM
المشاركة 1
افتراضي التحليل الأدبي لقصة "يده" بقلم د. عبد المجيد جابر
التحليل الأدبي لقصة "يده" للكاتبة سامية قزموز بكري بقلم د. عبد المجيد جابر
أولاً: النص الأدبي

"يده"
فتى وفتاه في عمر الورود...هو بعينيه الكحيلة، يقول للقمر:" قوم وأنا بقعد مطرحك "...هي يغار شلال الشمس من خروب شعرها...تقف إثر وقع أقدامه على رمل الشاطئ ...اختبأت وراء صخرة تتلصص عليه، جذلى ...ترقب يده تقبض على القصبة وأهل عكا يسمونها الغابي، بعد أن رمى بخيط الصنارة إلى البحر أخذ ينتظر أن تأكل السمكة الطعم...
والبحر أمامهما أزرق ...أزرق بصفاء السماء... والموج يتهادى بحنيِّة؛ ليفقس باقترابه منهما بياضا , كذيل فستان عروس، تتبختر بكشاكش التفتا والدانتيل...والأفق همهمات جنيِّة حالمة...
صنارته تنتع يده، يسحب خيط القصبة بمهارة؛ ليلتقط سمكة عفيَّة، لكنها كانت أكثر منه فهلوية... فلتت وقفزت إلى البحر حرة ...زعل... قهقهت رنين بلور...انتبه لها تخفي عينها الواسعة وراء الصخرة ...ولربما عرف ملاحقتها له من قبل...ولم يرد أن يحرجها...
جلست ويداها تداعب الرمل فتتناثر في الهواء سنابل صفراء...وتسترق النظر إليه خجلى.
ترامى إلى سمعها صوت أمها تحمله الريح :
- فوز....يا فوز ...يا فوز....
ذهلت وركضت، فالتفت الفتى إليها حرا...انساب الرمل من قدميها الحافيتين ذهبا، وطار شلال الخروب في الريح...
سمعها تغني للبحر ذات صباح وهو مختبئ وراء الصخرة ذاتها ...وصلت إلى الشاطئ امرأة روسية ...مهرولة، وقالت : أتعلمين أن صوتك ناداني من بيتي؟ سمعتك ...أتدرين أن صوتك..؟
-2-
يستحضر أميرة البحر؟ اتسعت حدقتا عينيها الناعستين ...كررت الفتاة مشوارها البحري والغناء لعل الأميرة تخرج من البحر لتراها..
تصحو من نومها، تنسحب من البيت بهدوء وأهلها نيام..تركض حافية، تعبر الحرش الخفيض؛ لتعلو سفحه وتصل نافذة غرفته الكبيرة ...تطل برأسها مختلسة نظرة إليه.
يجلس كعادته على مكتبه، يده تكتب ...أو يقف أمام مرسم خشبي ... يده ترسم...
ترى هذا الشيء لأول مرة في حياتها...أثاث من أربعينات القرن المنصرم غير موجود في بيتها...مكتبة دفَّاتها مليئة بالكتب ..وأقلام كثيرة في كوب كبير، وألوان ....ألوان ...ولوحات متكئة على الحائط تظنها صورا...
حانت منه التفاتة إلى النافذة ...تراجعت العين الواسعة ومعها الشعر الغجري...
فتى وفتاة بعمر الزهور اختلسا النظرات من الزمن الصافي ...بحضن البحر والسور...
وتحت مظلة النوارس...
ذات غروب قاتم... لطم الموج الصخور... والريح الشعثاء طيرت الشجر والأولاد.
والأفق غدا صوت امرأة نائحة....بصاطير (أحذية ثقيلة) جنود تدوس رمال الشاطئ بقسوة تتزعزع العصافير...تقفز القلوب والعيون، وتضج المدينة...وتهج...
تنظر مرتاعة...والده يدفعه إلى داخل سيارة (من الأربعينات) تئن من ثقل الحقائب على ظهرها...يحاول أن يقاوم لأنه يريد أن يأخذ معه صديقه محمود ..يقنعه أبوه باستحالة الأمر دون أهله...يتقدم من صديقه بحزن ودمعة ..يعطيه قلما جميلا ومضرب التنس خاصته
- 3 -
هدية ...ينظر إليها من بعيد رافعا يده مودعا..لم تعلم أنها لن ترى هذه اليد الجميلة التي طالما راقبت أفعالها...أبدا.
تمر السنون الصعبة عليه هناك في بيروت..وهي هنا في مدينته...تتابع وتلملم كل خبر عنه
تجلس على شرفتها والبحر...تقرأ ما كتب متخيلة يده ...تعتز به :" انك تضيئني ... وتضيء مدينتك..ليتك بقيت ولم تغادر .
ينظر إلى البحر هناك... يراه بحر عكا ..فيعود ...يسير في حواريها من بيته مارا بمقبرة النبي صالح يمنة وحديقة البلدية يسرة ...ثم بمحاذاة السور العظيم الذي طالما رفع عينيه
إلى حجارته وضخامته معجبا ...وقرب العيد ...أي المراجيح التي علقها أبو حسين الحتحوت والحدقة على فروع أشجار الكينا الباسقة العتيقة...يجلس في مربع خشبي ذي حواف ويطيرون إلى الأعالي ليروا البحر وأعلى السور فيرفرف قلبه خوفا وغبطة حتى يسمعوا صاحب الأرجوحة يقول: مولا أي انتهى الشوط فينزلون...ثم إلى شط العرب وبوابة عكا الشرقية العريقة..فشارع صلاح الدين الأيوبي ليصل إلى مدرسته...
ويراها أيضا تطل عليه من خلف صخرة ..بعين غزالة محبة...وعين واجمة راجفة لحظة الوداع...
من مذياع قديم ضخم ...وهي تغزل الصوف على شرفة البحر ...يذاع الخبر الصاعق
عن انفجار سيارته وابنة أخته لميس التي أحب, في بيروت...وجدوا يده على بعد عشرات الأمتار ملقاة على العشب الأخضر تنزف حناء روحه...
سال دمعها فوق البحر...فاض البحر...والأفق يومها صار صراخ امرأة ...ولولة....!
8-7-2016
عكا
عن سيناريو فيلم قصير لي 2010
ثنياً: تحليل النص
سيميائية العنوان في القصة قصة " يده "
والعنوان "يده" مركب من كلمة واحدة "يد" مضاف "والهاء" ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه والمضاف والمضاف إليه خبر مرفوع لمبتدأ محذوف تقديره "هذه" ، وفي العنوان انزياح تركيبي بالحذف يهدف إلى توليد الإثارة والدهشة في خلد المتلقي.
والمعنى الرمزي للعنوان:
ما يعانيه الفلسطيني في غربته من تشريد وقتل وإذلال في رحلة التيه التي أجبر عليها جبرا، وهو نفس المعنى الذي قصده غسان كنفاني في روايته "ما تبقى لكم" ففي رواية غسان أنه رغم قسوة الصحراء والشمس التي لا ملاذ منها، يواصل حامد سيره تاركًا خلفه أخته مريم التي تزوجت من زكريا، الشاب الذي يمقته حامد ويعتبره “نتنًا”، لا، لأن زواج أخته من الشاب جاء درءًا للفضيحة بعد حملت الفتاة دون زواج، فنظرة حامد إلى زكريا جاءت قبل الزفاف وأسبابه، وما جاء بعدها لم يغيرها.
وفي نهاية رحلة غسان تلاحقه الهمجية، وبخسة ونذالة تقوم باغتياله بطريقة همجية تتطاير فيها أشلاؤه، وهذا ما عبَّرت عنه القاصة في نهاية قصتها بقولها: " من مذياع قديم ضخم ...وهي تغزل الصوف على شرفة البحر ...يذاع الخبر الصاعق عن انفجار سيارته وابنة أخته لميس التي أحب, في بيروت...وجدوا يده على بعد عشرات الأمتار ملقاة على العشب الأخضر تنزف حناء روحه...
سال دمعها فوق البحر...فاض البحر...والأفق يومها صار صراخ امرأة ...ولولة....!"
أي لم يتبق لنا في رحلة التيه واللجوء إلا بقايا يد البطل غسان متطايرة.
وفي هذه القصة يستطيع القارئ فهم العنوان، وهذا يقوده نحو استشراف مضمون القصة وجوهرها، فقد اختارت الكاتبة العنوان: في قصتها لتدلّ على معاناة الفلسطيني في نكبته وترحيله عن وطنه، والعنوان يختزل أحداث القصة .
إن ما يميز أي نص أدبي، هو وجود عنوان يعتلي أفقه ليحمل مضمونه، فالعنوان جزء لا يتجزأ من فحوى النص ودلالته، (فأي عنوان لأي كتاب يكون عبارة صغيرة، تعكس عادة عالم النص المعقد الشاسع الأطراف) ، لأنّ العنوان بالنسبة للقصة القصيرة يمثل ناطقها الرسمي، والنائب عنها، فلا يمكن المباشرة في تحليلها ما لم تكن هناك إشارة إلى تحليل بنية العنوان وما يوارى عنه، فالعنوان تلك اللافتة، التي ترمز للنص أو هو ذلك الهرم، قاعدته النص وقمته العنوان، لأنه أول ما يصادفك، فلا ترى قاعدته إلاّ بعد الاقتراب منه. من هذا المنطلق نطرح تساؤلات متعلقة بمضمون الموضوع: لماذا ندرس العنوان؟ و هل النص يسبق العنوان أم العكس؟ و ما هي دلالته إزاء التحليل السيميائي؟
لقد اهتم علم السيمياء اهتماما واسعا بالعنوان في النصوص الأدبيـة لـكونه " نظاما سيميائيا ذا أبعاد دلالية وأخرى رمزية تغري الباحث بتتبع دلالاته ومحاولة فك شفرته الرامزة" (1)
1. سيمياء العنوان، بسام قطوس، ص33، وزارة الثقافة، عمان، الأردن، ط1، 2001.
وتصنّف قصة: " يده " ضمن القصص الواقعية السياسية، فهي تستمدّ أحداثها وشخصياتها من الواقع، فهي تنقل بصورة درامية أحداثاً قد تحدث وحدثت فعلاً ويتقبَّلها العقل على أرض الواقع بتأثير نكبة شعب تعرضت أرضه للسلب والنهب، وشعب طرد من وطنه بفعل تآمر دولي، وتعتبر هذا القصة رصداً اجتماعيا ناتجا عن جور وظلم، وتحاول القاصة إلقاء الضوء عليها بتصويرها للمأساة من خلال تفاعل شخصيات القصة مع بعضها البعض، ومن مميزات هذه القصة: سهولة الرصد الدرامي للحدث السياسي وما أحدثه من وقع اجتماعي داخل القصة، وقربها الشديد من الواقع حيث يلمس القارئ بعض الأحداث التي من الممكن جدا أن يتصور هولها.
والآن وقفة مع عناصر القصة، وأهمها:
1- الشخوص:
هي التي تشكل بتفاعلها ملامح القصة, وتتكوَّن بها الأحداثُ, لذا فعلى القاصّ أن ينتقيَ شخوصَ قصته بحكمة، بحيث يجعل الشخصية المناسبة في المكان المناسب وفي الأدب نجد أن "الشخصية ركن أساسي من أركان الرواية والقصة، وهي العنصر الفاعل الذي يساهم في صنع الحدث، يؤثر فيه ويتأثر به، ودون الشخصية العاقلة المدركة يفقد كل من الزمان والمكان معناهما وقيمتهما، فعلى الرغم من وجود الزمان والمكان مستقلين عن الإنسان، فإنهما يظلان بلا قيمة حقيقية خارج وعي الإنسان، والشخصية في الأدب تؤخذ من الواقع، ومع ذلك فإنها تختلف بطريقة أو بأخرى عمن نألفهم أو نراهم، فالكاتب القصصي يهتم باستبطان شخصياته، وهو حين يخلق شخصياته من الواقع إنما يستعين بتجاربه التي عاشها أو عاناها أو لاحظها، والكاتب وإن كان يعرف كل شيءٍ عن شخصياته فإنه لا يفضي بكل شيء، فلا يحق له أن يذكر تفصيلات الحياة اليومية إذا لم تكن على صلة بأحداث القصة أو فكرتها، ولا تدل على الحالة النفسية للأشخاص، أو على عاداتهم وتقاليدهم، والأشخاص في القصة هم مدار المعاني ومحور الأفكار والآراء العامة.(2)
2ـ النقد الأدبي الحديث، محمد غنيمي هلال، ص 564 ، دار العودة، بيروت،1973.
وفي القصة تظهر الشخوص التالية:
الفتى، والفتاة فوز، ووالد الفتى، وابنة أخته لميس، وصديقه محمود، وأهل عكا، والجنيِّة، وأم فوز، وامرأة روسية، وأميرة البحر، والأولاد، وجنود تدوس العصافير، وأبو حسين الحتحوت صاحب المراجيح.
ويمكن تقسيم الشخصيات من حيث الدور الذي تقوم به إلى:
شخصيات رئيسة:
وهي الشخصية التي يختارها الكاتب أو القاص لتقوم بتمثيل الدور الذي أراد تصويره، أو تقوم بالتعبير عن الأفكار والأحاسيس التي قصدها، فهي الشخصية التي تتمحور عليها الأحداث، وتمثّل الفكرة الأساسية التي تسبح حولها الحوادث وهي عبارة عن موقفٍ بطوليٍ فرديٍ.(3) والشخصية الرئيسة في أيّ عمل أدبي أو سرد قصصيّ تُجسّد المحور الأساسي والنقطة المركزية، وأمّا الشخصيات الباقية فتكون عوامل مساعدة لها. (4)
3.انظر: دراسة بنية الشخصية في رواية ماجدولين، سهام رحالي، إيمان كراري، صفحة 16 - 18. ـ مكتبة نور.
4. ينظر: في نظرية الرواية ، عبد الملك مرتاض، صفحة 87 - 90 ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت, 1998.
و"قد ألف النقاد أن يطلقوا على هذه الشخصية مصطلح "البطل" ويعنون به الشخصية الفنية التي يسند القاص إليها الدور الرئيسي في عمله القصصي.
والشخصية الرئيسة قد تكون واضحة يمكن معرفتها بسرعة كما في روايتنا هذه كشخصية الفتى غسان كنفاني وصديقته فوز، وهي تحظى بالمركزية الشخصية المؤثرة على باقي الشخصيات.
وتمثل الشخصيات الرئيسة:
شخصية فوز:
وهذه الشخصية تمثل الفتاة الفلسطينية قبل النكبة، وتظهر بعنفوانها وحبها وأملها وآمالها وتعلقها بالوطن ومدينتها وبحرها وشواطئها.
" والبحر أمامهما أزرق ...أزرق بصفاء السماء... والموج يتهادى بحنيِّة؛ ليفقس باقترابه منهما بياضا , كذيل فستان عروس، تتبختر بكشاكش التفتا والدانتيل...والأفق همهمات جنيِّة حالمة..."
... هذه الفتاة لم تكن قد عصفت بها رياح النكبة الهوج بعد، ولم تشرب بعد كأس فقد الوطن وتشتت الأهل والأحبة بعد، ولم تذق مرارة اللجوء ولم تعصف بها نيران الهزيمة ولم ترً ديارها بلاقع بعد.
في طفولتها قبل النكبة كانت تلهو تركض وراء حبها العفوي:
" تصحو من نومها، تنسحب من البيت بهدوء وأهلها نيام..تركض حافية، تعبر الحرش الخفيض؛ لتعلو سفحه وتصل نافذة غرفته الكبيرة ...تطل برأسها مختلسة نظرة إليه."
وهي شخصية نامية ، والشخصيات النامية هي شخصيات متطورة تتأثر بالأحداث وتتفاعل معها وتتغير تبعًا لذلك.
الفتى غسان كنفاني:
يمثل شخصية الفتى السعيد في وطنه قبل النكبة، في وطنه يتمتع برحلات الصيد البحرية حيث شاطئ عكا الشهير الجميل: وقد وصفت ذلك فوز:
" صنارته تنتع يده، يسحب خيط القصبة بمهارة؛ ليلتقط سمكة عفيَّة، لكنها كانت أكثر منه فهلوية... فلتت وقفزت إلى البحر حرة ...زعل... قهقهت رنين بلور...انتبه لها تخفي عينها الواسعة وراء الصخرة ...ولربما عرف ملاحقتها له من قبل...ولم يرد أن يحرجها..."
فتى مثقف له مرسم ومكتب:
"يجلس كعادته على مكتبه، يده تكتب ...أو يقف أمام مرسم خشبي ... يده ترسم..."
وبعد النكبة يمثل صورة الشقي المطارد المعذب اللاجئ الذي تطارده يد الغدر لتقطع أشلاءه، وهذه الشخصية تمثل أبشع صور الحياة للاجئ الفلسطيني وسهام الغدر تطارده ولا ينجو منها أينما حلّ وارتحل:
"...يذاع الخبر الصاعق عن انفجار سيارته وابنة أخته لميس التي أحب, في بيروت...وجدوا يده على بعد عشرات الأمتار ملقاة على العشب الأخضر تنزف حناء روحه..."
شخصيات ثانوية:
وبقية الشخصيات ثانوية .
وشخصية المرأة الروسية: تمثل شذاذ الآفاق تركوا أوطانهم الأصلية وجاءوا واحتلوا فلسطين واستوطنوا مكانهم واستولوا على مساكنهم وأراضيهم ومدنهم وقراهم.
وشخصية أميرة البحر: تمثل جمال فلسطين وبحرها قبل النكبة.
وجنود تدوس العصافير: تمثل الغازي وجبروته وسطوته.
وشخصية أبو حسين الحتحوت صاحب المراجيح: تمثل سعادة وعز الفلسطيني في وطنه قبل أن يتبلى بالقهر والاحتلال.
والشخصيات الثانوية، هي كالعامل المساعد في التفاعل وربط الأحداث ببعضها أو إكمالها, وهذا لا يعنى أنها غير مؤثرة, بل هي مؤثرة لكنها غير مصيرية.
ولقد أجادت الروائيّةُ اصطفاء الشخصيات الملائمة بالصفات المناسبة للأحداث، فكانت بدايتها موفقة بوضعها الأساس الأول الذي ستجري عليه الأسس الأخرى.
2- الزمن:
ويظهر في النص: "الزمن الصافي ...."، والمقصود به زمن ما قبل النكبة، و"غروب قاتم"، والمقصود به ضياع وطن، وتظهر سنون الأربعينات من خلال ماركة السيارة والأثاث، والسنون الصعبة تشير لحرب عام 1948 وما سبقها وتلاها .
وفي الأعمال الروائية المعاصرة نجد أن الزمن يشكل الشخصية الرئيسية، وقد أصبحت العودة إلى الماضي، وقطع التسلسل الزمني في الرواية ركناً أساسياً من أركان الحكايـة وبنائها الفني.(5)
5.نحو رواية جديدة، ألان روب جرييه، ترجمة: مصطفى إبراهيم
مصطفى. ص 134. دار المعارفـ مصر.
وعادة يلجأ الروائيون إلى استخدام الاسترجاع أكثر من الاستباق, لأنهم بالاسترجاع يربطون الأحداث أو يكملون الوقائع, أما الاستباق فمن شأنه أن يفقد السرد عنصر الإثارة والتشويق, فذكر ما سيكون يُكَوِّنُ صورة عامة في ذهن القارئ عن الأحداث اللاحقة، الأمر الذي يجعل القارئ يعزف عن إكمال القراءة, فطبيعة الإنسان أن يترك قراءة ما يعلمه سابقا أو يعرض عما يتوقعه لاحقا. هذا بالنسبة للزمان في الرواية وما يتعلق به..والاسترجاع كما في قول فوز عن الفتي غسان:
"ولربما عرف ملاحقتها له من قبل...ولم يرد أن يحرجها..."
ومن الاسترجاع أيضا ما جاء على لسان فوز:
"فتى وفتاة بعمر الزهور اختلسا النظرات من الزمن الصافي ...بحضن البحر والسور..."
ومنه كما جاء على لسان فوز: " سمعها تغني للبحر ذات صباح وهو مختبئ وراء الصخرة ذاتها".
ومن الاستباق الذي يشي بالنكبة كما جاء على لسان فوز:
"وتحت مظلة النوارس...ذات غروب قاتم... لطم الموج الصخور... والريح الشعثاء طيرت الشجر والأولاد".
3- المكان:
ويبرز الفضاء القصصي الذي تظهر فيه الأمكنة، والتي تظهر في بنية القصة وتشغل حيزاً جغرافياً تتحرك فيه الشخصيات حقيقة مادية ملموسة، أو رؤية ذهنية خيالية، والفضاء القصصي الذي تجري فيه الأحداث عكا ويتسع الفضاء القصصي ليشمل:
البحر, والسماء... , والأفق, والرمل, والشاطئ, وبيت فوز, والحرش , ونافذة غرفة الفتى غسان الكبيرة, ومكتبه, ومرسمه الخشبي, وحضن البحر والسور, ومظلة النوارس, والموج, والصخور, ورمال الشاطئ, والمدينة, وبيروت, ومدينة الفتى غسان شرفتها بحر عكا, وحواريها بيته, ومقبرة النبي صالح, وحديقة البلدية، وبيت المرأة الروسية...
والسور العظيم, وشط العرب, وبوابة عكا الشرقية العريقة. وشارع صلاح الدين الأيوبي, ومدرسته... وخلف صخرة.
والمكان تتم فيه أحداث الرواية، و"يعد المكان من أهم المكونات الأساسية في العمل الروائي، ويشغل حيزاً كبيراً في بنيته السردية، ويشكل مع باقي الأمكنة فضاء الرواية الشامل.والمكان هو الأرضية التي تتحرك عليها الأحداث، والصراع بين الشخصيات في إطار المتن الحكائي المتماسك، لا يحدث في الفراغ بل في أزمنة وأمكنة متعددة ومحددة. (6)
6. ينظر: المرأة في الرواية الفلسطينية، زكي العيلة، ص 223، رام الله، 2003.
فالمكان في النص الروائي مكان متخيل وبناء لغوي، من ثم يرى بعض الدارسين أن "عبقرية الأدب، حقاً، حسبه". (7)
فالروائي حين يلجأ إلى الوصف، يبذل جهده. ذلك أن الوصف هو: "ذكر الشيء كما في الأحوال والهيئة" (8) ، مظهرها الحسي موجود في العالم الخارجي. فوصف الأشياء للعين في صور أمينة تحرص على نقل خارجي أدق النقل. (9)
7. في نظرية الرواية: بحث في تقنيات السرد، عبدالملك مرتاض، الكويت، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ديسمبر 1998 .
8. نقد الشعر، قدامة بن جعفر، ص 70، القاهرة، المطبعة المليجية، 1935 م.
9. ينظر: بناء الرواية: دراسة مقارنة لثلاثية نجيب محفوظ، سيزا قاسم دراز، ص 80، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 198 م.
وللمكان دلالات، فمدينة عكا ترمز لوطن آمن قبل النكبة ومنهوب محتل بعدها، وبيروت لها دلالتها النفسية، فهي مكان اللجوء والتيه والغربة وقتل بعض من لجأ إليها.
والبحر يرمز للعطاء والجمال قبل النكبة وللشؤم في حمله للغرباء ومقدمهم إلى فلسطين ومكان مغادرة اللاجئين الفلسطينيين من وطنهم, والسماء والأفق رمزان للصفاء والجمال, والرمل والشاطئ يرمزان إلى مدرج الطفولة البريئة, وبيت فوز رمز للحميمية والألفة والمحبة, والحرش رمز لجمال الوطن, ونافذة غرفة فتى غسان الكبيرة ترمز للحلم والتطلع نحو الآمال وأحلام الطفولة البريئة, ومكتبه ومدرسته رمزان للتزوّد بالعلم والمعرفة, ومرسمه الخشبي رمز لحب الفن, وحضن البحر والسور العظيم وبوابة عكا الشرقية العريقة وشارع صلاح الدين الأيوبي كلها ترمز لعظمة تاريخ وطن, ومظلة النوارس رمز للبهاء والجمال, ومقبرة النبي صالح رمز لموطن الأنبياء والرسل, وحديقة البلدية رمز لحضارة شعب عريق، وبيت المرأة الروسية رمز للاستيطان والاحتلال.
4- الأحداث: ...... يتبع