الموضوع: حالة هبل
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
5

المشاهدات
2618
 
سمير الاسعد
من آل منابر ثقافية

سمير الاسعد is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
34

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
May 2016

الاقامة

رقم العضوية
14615
09-24-2017, 02:15 PM
المشاركة 1
09-24-2017, 02:15 PM
المشاركة 1
افتراضي حالة هبل
بقلم: سمير الأسعد


مزق السكون صوت صراخ أنثوي يموج بالألم، فاقشعر جسده وهو يسير ببطأ شديد ملامسا بكتفه الحائط اتجاه غرفة المخزن التي انطلق منها الصوت ، يحمل المسدس متحفزا لإطلاقه لأي حركة قد تباغته،حتى وصل إلى الباب وبحث عن مقبضه.
عاد الصمت يغلف المكان، مصباح الكهرباء المعلق في السقف يتأرجح ناقلا ضوءه من مكان لآخر. رياح عاصفة في الخارج والبيت يقف وحيدا تحيطه غابة صغيرة من أشجار عملاقة. كل شيء يوحي بليلة رعب قاتلة. مصيره وراء باب مغلق يختفي وراءه ذلك الشيء ، شيء مخيف يقتل بلا رحمة لا يعرف كنهه. صغير الحجم يجري بسرعة عجيبة ويقتل بشق بطن الضحية بمخالب حادة. لم يستطع أن يميز هيئته بشكل جيد عندما أطلق عليه الرصاص ودخل الحجرة التي يقف أمامها الآن .ارتجفت يداه ودقات قلبه تتسارع وأنفاسه تتلاحق بجنون فتطلع مرة أخرى إلى جثة زميله المقطعة ورائه وبركة الدماء التي تجمعت حولها. معدته تتمدد لتلتقي مع حلقه في خط مباشر يبث رغبة في التقيؤ . دفع الباب بيده المرتعشة وهو يحاول أن يخترق سحب الظلام . أشعل عود ثقاب لتتضح معالم الغرفة قليلا ويرى ذلك المولد الكهربائي الصدئ يجثم في نهايتها بجانب مئات من قطع الخردة التي تملأ المكان، وعلى يمينه ستارة رمادية اللون يحركها تيار من الهواء البارد يتسلل من شق صغير في زجاج النافذة الخشبية. لمح خيط من الدماء يمتد على الأرض ويختفي وراء خزانة خشبية ضخمة تغطي الجانب الأيسر من المخزن. انطلقت فجأة موسيقى جنائزية اجفلته فوقع عود الثقاب الذي أكلته النار من يده وتردد صدى جسم معدني ضخم وهو يقع على الأرض ويتدحرج قادما ناحيته . أشعل عود ثقاب آخر وتطلع إلى البرميل الضخم الذي وقف بجانب قدميه، وفجأة قفز شيء اسود من داخل الغرفة وهو يطلق زعيقا مخيفا فشعر بتيار كهربائي يرج جسده ويوقف شعر بدنه فشهق بصوت مرتفع وقد أخذته المفاجأة، فتراجع بمقعده إلى الوراء قبل أن يتناول جهاز الريموت كنترول ويضغط زر الإغلاق.
همس وهو يمد يده ويشعل مصباح الغرفة :
- يا له من فيلم مرعب ..
كان العرق يغمر ظهره الذي أصبح بحيرة من الماء البارد . المناظر البشعة التي رآها تتماوج أمام عينيه وشعر بها تتشكل أمامه بكتل هلامية . هب واقفا وخرج من غرفته إلى الصالون تطارده وحوش وهمية تريد التهامه. لأول مرة في حياته يحس بمثل هذا الخوف .
- ما الذي افعله ؟ هل وصل بي الجنون إلى هذا الحد ؟ ولعن في داخله صديقه الذي أشار عليه بمشاهدة فيلم الرعب لهذه الليلة . الأمر كان بسيطا ثم تحول إلى ... هبل
وقف على باب غرفته الذي تركه مفتوحا ، هواجسه اوحت له بوجود أشباح ووحوش تنتظر عودته بفارغ الصبر كي تقطعه وتلتهم أحشاءه. ماذا سيقول إذا رآه احدهم على هذه الشكل ؟
لقد فقد السيطرة على أعصابه وانهارت نفسيته. تطلع الى سريره الذي غطى الفراش جانبيه ، تهيأ له ان شيئا خفيا يختبئ تحته. كيف سيعود الى فراشه ويقضي ليلته ؟
والحمام .. ؟ شعر بحاجة ماسة لدخوله، ولكنه في الطرف الآخر من المنزل بعيدا عن غرف النوم. حاول السيطرة على دقات قلبه التي قفز مؤشر سرعتها وتجاوز الحد الأعلى وهو يتجه نحو الحمام، وقبل ان يصله بقليل وأمام غرفة والديه مزق الهدوء صوت سعال قوي انتفض له جسده ، فعاد مسرعا ووقف أمام غرفته وهو يلهث .
- يجب ان أتشجع قليلا ، الاستسلام للأوهام قد يوردني حتفي . ما الذي سيكون داخل الغرفة وأنا كنت فيها قبل قليل؟ هل ستخرج لي أشباح من شاشة التلفاز ؟
بلع ريقه وهو يلج بخطوات غير واثقة ويتجه الى سريره، لم يعد يشعر بالأمان رغم محاولته التخلي عن وساوسه.
- كيف ستنتهي هذه الليلة ؟ هل سأبقى مستيقظا طوال الليل ؟
تجاوزت الساعة الثانية بعد منتصف الليل، تبقى وقت طويل على أذان الفجر من مكبرات صوت المساجد الذي قد يعيده الى عالم الواقع الخالي من الخوف. لم يكن في هذه اللحظة قد انتبه الى أصوات فرامل سيارات تعانق إسفلت الشارع بجانب البيت. قرر ان يخاطر ويدخل لينام ويبقي الأضواء مشتعلة وباب الغرفة مفتوحا ، فاتجه الى جهاز التلفاز ليشغله على محطة للقرآن الكريم في اللحظة التي قرع فيها باب البيت بعنف وإلحاح، سبقه والده الذي أدار المفتاح وهو يسأل عن الطارق . دخلت قوة من جيش الاحتلال وسألوا عنه. شعر براحة نفسية عجيبة وتلاشى خوفه دفعة واحدة وهم يضعون القيود في معصميه، وقبل ان يزينوا عينيه بلثام ابيض التفت الى غرفته المضاءة، فابتسم في داخله وهو يهزأ بأشباحه التي سيتركها تصول وتجول في فراغ ليس له نهاية. فيلم الرعب الذي صنعه لنفسه انتهى بمشهد نجاته من براثن الوهم الى واقع فنتازي غامض لن يكون فيه المٌخرج أبدا.