الموضوع: ll~ سورة الكهف
عرض مشاركة واحدة
قديم 04-27-2012, 02:06 PM
المشاركة 50
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
{{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً *}}.


قوله تعالى: { {صَرَّفْنَا} } يعني نوعنا، تصريف الشيء يعني تنويعه كما قال تعالى: {{وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ}} [البقرة: 164] ، أي تنويعها من الجنوب إلى الشمال ومن الشرق إلى الغرب، إذاً { {صَرَّفْنَا} } أي نوعنا في هذا القرآن من كل مثل، وهكذا الواقع. فكلام الله صدق، أمثال القرآن تجدها متنوعة فتارة لإثبات البعث، وتارة لإثبات وحدانية الله، وتارة لبيان حال الدنيا، وتارة لبيان حال الآخرة، وتارة تكون مطولة، وتارة مختصرة، فهي أنواع. كل نوع في مكانه من البلاغة والفصاحة.
{ {مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} } أي من كل جنس وصنف، فهذا مثل لكذا وهذا مثل لكذا، لماذا؟
الجواب: من أجل أن يتذكر الناس ويتعظوا ويعقلوها. ولكن يوجد من الناس من لا يتعظ بهذه المثل، بل على العكس، ولهذا قال: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} }، قوله: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ} }، بعض المفسرين يقول: { {الإِنْسَانُ} } يعني الكافر، ولكن في هذا نظر؛ لأنه لا دليل على تخصيصه بالكافر، بل نقول { {الإِنْسَانُ} } من حيث الإنسانية.
{ {أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} } يعني أكثر ما عنده، ولكن من حيث الإيمان فالمؤمن لا يكون مجادلاً، بل يكون مستسلماً للحق ولا يجادل فيه، ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «ما أوتي قوم الجدل إلاَّ ضلوا» وتدبر حال الصحابة رضي الله عنهم تجد أنهم مستسلمون غاية الاستسلام لما جاءت به الشريعة، ولا يجادلون ولا يقولون لم؟ ولما قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «توضؤوا من لحوم الإبل ولا توضؤوا من لحوم الغنم»[(32)] هل قال الصحابة «لِمَ»؟ بل قالوا سمعنا وأطعنا، ما جادلوا، وكذلك في بقية الأوامر، لكن الإنسان من حيث هو إنسان أكثر شيء عنده الجدل. إذاً إذا مر بك مثل هذا في القرآن الكريم { {الإِنْسَانُ} } فلا تحمله على الكافر إلا إذا كان السياق يُعَيِّنُ ذلك، فإذا كان السياق يراد به ذلك، صار هذا عاماً يراد به الخاص، لكن إذا لم يكن في السياق ما يعين ذلك فاجعله للعموم، اجعله إنساناً بوصف الإنسانية، والإنسانية إذا غلب عليها الإيمان اضمحل مقتضاها المخالف للفطرة.
قوله: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} } هذا وقع في قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم لعلي بن أبي طالب وزوجته فاطمة رضي الله عنهما حين جاء إليهما ذات ليلة ووجدهما نائمين فقال: «ألا تصليان»، قال علي رضي الله عنه: «إنَّ أنفُسَنا بيد الله ولو شاء لأيقظنا»، فانصرف الرسول صلّى الله عليه وسلّم وهو يضرب على فخذه ويقول: { {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} }[(33)] ولا شك أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم يعلم أن أنفسهما بيد الله، والرسول عليه الصلاة والسلام قال في الفريضة: «من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها»[(34)] فعذر الناسي والنائم وهو يعلم عليه الصلاة والسلام ذلك ولكنه يريد أن يَحُثَّهُما، وأراد علي رضي الله عنه أن يدفع اللوم عنه وعن زوجه فاطمة رضي الله عنها.
* * *