عرض مشاركة واحدة
قديم 01-24-2018, 09:57 AM
المشاركة 79
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
نكبتنا الحضارية وسبل تجاوزها
[1]
الفراغ السياسي في الجزائر وباقي دول العالم الإسلامي رهيب وهو نتيجة حتمية لِلنَّكبة الحضارية التي نُعاني مِنهَا منذ قرون.. فنحن كجزائريين وكمسلمين لم نعرف الفكر الأنسني الذي عرفته أوروبا في القرنين 14 و 15 ميلادي و لم نعرف قرون فكر الأنوار التي ميزت الفكر بأوروبا في القرون 16 -17- 18، و لم نعرف الثورة الصناعية التي ظهرت بأوروبا في القرن 19.
فهذا التخلف الحضاري أثر سَلبَا على حياتنَا السياسية التي اقتصرت على صراعات مُنهِكة إِمَّا بين أُسر حاكمة ملكية من جهة والإسلاميين من جهة أُخرى، وإِمَّا بين ضباط جيش استولوا بالقوة على السلطة من جِهة والإسلاميين من جهة أخرى0فسَواء كُنّا في جمهوريات تُحكمُ من قبل الجيوش أو في مَمْلَكَات تُحْكَمُ مِن قِبَلْ عائلات، تفَشَى الظلم والتخلُّف والفوضى وازداد الصراع على السلطة. فاستغلت القوى الاستعمارية العالمية الجديدة تناقضات الأمة لِضربها والاستيلاء على خيراتها مع إدخالها في صراعات إيديولوجية أدَّت إلى حروب بالوكالة خدمت مصالح الاستعمار الجديد وهدّمت بلداننا.
أمام هذا الوضع تعالت الأصوات و كثرت المبادرات من أجل الخروج من الأزمة، فالبعض يرى أن الأزمة مجرد أزمة منظومة حكم فاقترحوا من أجل حلها تغيير السياسيين وأساليب العمل. كما رأى آخرون أن الأزمة مجرد أزمة تداول على السلطة فاقترحوا انتخابات نظيفة ونزيهة لحلها.
لكن من خلال ملاحظتنا للحياة السياسية في الجزائر وبعض دول المنطقة، ومن دون التركيز على نوايا مختلف الأطراف، مع الأخذ بعين الاعتبار النتائج فقط، نجد أن هذين الحلين تم تجريبهما بالفعل. واحد في عام 1965 عندما أزيح بن بلة من السلطة باسم أزمة منظومة الحكم، والآخر في عام 1991 عندما أجريت الانتخابات من أجل حل أزمة التداول على السلطة. رغم ذلك تبين الحقيقة أن الأزمة الجزائرية لا تزال قائمة.
يلاحظ الشيء نفسه في مصر حيث الأزمة لا تزال قائمة رغم الإطاحة بالملك فاروق من قبل الضباط الأحرار في عام 1952 ولا تزال قائمة رغم انتخابات ما بعد ثورة 2011 و التي أجريت في إطار حل أزمة التداول على السلطة.
فما جرى في الجزائر و مصر و بلدان عربية و إسلامية أخرى يبين أن الأزمة حضارية انبثقت على أثرها أزمة التداول على السلطة ثم أزمة منظومة الحكم.
نرى في ما يخص الجزائر أن الحكمة و المصلحة الوطنية تتطلبان التفكير في نظام ثقافي، إيديولوجي و سياسي جزائري شامل يوحد بين أبناء الوطن في إطار مرحلة انتقالية قصيرة و متوسطة المدى، الهدف منها تفادي الصراعات الإيديولوجية وإقامة دولة جزائرية تفتح أيديها لكل أبنائها.
الجزائر مريضة وعلينا أن نعترف بذلك، وإذا كان المريض الذي يخرج من غرفة العمليات بعد ساعات من الجراحة، يتطلب 15 إلى 18 يوما من النقاهة، فان الدول التي تعاني من السبات لعدة قرون، تتطلب فترة نقاهة تمتد من 15 إلى 18 عاما.
علينا أن نعي أننا لن نتمكن من معالجة قرون من التأخر بمجرد تغيير السياسيين ولا بإجراء انتخابات في إطار حل أزمة التداول على السلطة.. فالأزمة الجزائرية ثلاثية الأبعاد، فهي حضارية و في الوقت نفسه أزمة منظومة حكم و أزمة تداول على السلطة.
وبالتالي و حتى يكون الحل شاملا و دائما، وجب علينا الأخذ بعين الاعتبار لكل أبعاد الأزمة بما في ذلك بعدها الحضاري.
انطلاقا من هذا التشخيص وجب علينا العمل من أجل الدخول في مرحلة نقاهة قد تدوم من 15 إلى 18 سنة وتهدف إلى ما يلي :
- ضمان استقرا ر البلاد باختيار تسيير بالتوافق بعيدا عن الصراعات الأيديولوجية.
- الانسحاب التدريجي للجيش من النشاط السياسي.
- يأخذ أنصار الإسلام السياسي في عين الاعتبار المعطيات الجيواستراتيجية والسياسية المحلية، الإقليمية والدولية، ويرفضون السلطة ببراغماتية وواقعية ويكتفون خلال هذه المرحلة من فترة النقاهة بالتأثير على تقاسم السلطة دون ممارسهتا أو المطالبة بها.
- الحفاظ على البلاد ضد المخاطر المحتملة من الانقسامات والحروب الأهلية التي يسعى الاستعماري الجديد فرضها على دول المنطقة في إطار حروب بالوكالة.
- إنشاء نظام ثقافي،سياسي وأيديولوجي جزائري شامل يتيح للبلد أن يتمتع بإطار أوسع أين سيتم إدراج و بالتوافق مختلف الاتجاهات السياسية والإيديولوجية والثقافية.
- تشكيل نخبة سياسية جديدة.
- تحديث الفكر الإسلامي والذي سيكون بمثابة مرجع إيديولوجي للإسلام السياسي.
-العفوعام
- إنشاء مدرسة حديثة منفتحة على العالم وعلى جميع العلوم.
-تشجيع سياسة حسن الجوار في سياق مغرب كبير، أخوي، اقتصادي وسياسي.

طبيب وناشط سياسي جزائري

نكبتنا الحضارية وسبل تجاوزها
د.عبد الحق سراب