عرض مشاركة واحدة
قديم 02-09-2012, 01:07 PM
المشاركة 242
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع
العشاق
د. جوني منصور



السياسة في قلوب"العُشّاق"

ديرالرهبان الاورثوذكس على سفح جبل القرنطليوجه أبو شاور سهام قلمه نحو السياسيينالعرب في مختلف مستوياتهم القيادية، ولا يوفر أحدًا من توجيه نقد لاذع إلى دوره فيتهميش وتحييد القضية الفلسطينية وتحويلها إلى حدث صغير في الماضي.
وبكونهفلسطيني لاجئ ابن القضية، تبنى مشروعًا روائيًا أساسه سياسي واضح المعالم في سياقتطور أحداث الرواية.
والقيادة العربية التي تبنت القضية الفلسطينية منذ قرن منالزمان أوصلت الشعب الفلسطيني إلى ما هو فيه اليوم، ولم تكن هذه القيادة تاريخيًابمعزل عن التواطؤ مع أعداء العرب كاسرائيل وبعض الدول الغربية المنتفعة من الموضوعكبريطانيا والولايات المتحدة الامريكية.
هذا يعني، وجود مؤامرة محبوكة بحنكةودراية لشق إمكانية وحدة العرب جغرافيا وسياسيا عن طريق خلق قضية (أو قضايا) تشغلهممدة طويلة وتهدر طاقاتهم وقدراتهم العقلية وثرواتهم ومواردهم الاقتصاديةوالاجتماعية والثقافية والبشرية. ويشير إلى التعاون بين سياسيين فلسطينيين في أدنىدرجات السياسة وبين المخابرات الاسرائيلية، فـ " أبو صالح، غني، لا يقرأ ولا يكتب،لا يفهم بالسياسة، رئيس بلدية اريحا، فشل في الانتخابات، وهو ماسوني والمحفلالماسوني فوق كراج له. من أصدقائه وزراء وضباط مخابرات ويهود"(ص 17). وهذا الشخصيتصدر شكلاً من أشكال الزعامة. و لم يفت أبو شاور الربط بين الماسونية واليهود،ومحاولة هذه المؤسسة المشبوهة من توسيع رقعة الملاحقة والقمع ضد الفلسطينيين.
وموقفه من نظام الحكم يعبر عنه محمد في ص 104 بقوله:" سأنزع الضمادات، وأسيربرأسي المهشم، وشعري المقصوص الشائه، أمام الناس، لينظروا، وليعرفوا وليتعلمواالحقد. إن هذا النظام يغتصب وطننا، وينتهك كرامة شعبنا، رئيس المخفر فلسطيني مرتزق،والشرطي ادريس اردني، بدوي دجنه النظام، وحوله إلى برغي في الآلة التي تطحن الانسانالفلسطيني...و...حتى الاردني. لا أخفيك، أخي حسن، بأني حزين، وأن شعورًا بالهوانيكاد يطفح من حلقي".
ويعود الأمل بالمستقبل وما ينتظر الفلسطيني ليتابع مسيرةحياته بصورة طبيعية أسوة ببقية الشعوب، وكونه يناضل ويكافح من أجل بقائه: " قصواشعرك، وداسوا على وجهك يا أخي محمد، وقتلوا والدنا وهو يعبر الحدود ليحارب العصاباتاليهودية مع غيره من الرجال الذين رفضوا الهدنة، والاتفاقات، وتمزيق الوطن، لا بأس. ها نحن نكبر، ولا ننسى الدم، وهدير الطائرات، أيام التمرد والجوع والخبز الجافصنعتنا فهيهات أن ننكص، أو نلين، أو نسكت"(ص121).
هذا ما احتاج إليه الفلسطينيليبق متمسكًا بالأمل الحقيقي كي لا يضيع هو وتضيع قضيته ويتحول إلى لا شيء فيالعالم.
وسلمان عباس رمز للمقاومة الشعبية الفلسطينية عبر تاريخ هذه المقاومةالتي لم تتوقف في وجه الإذلال ومحاولات السحق عبر الزمن التاريخي. "وأنت يا سلمانعباس، يا أبي؟ قالوا لك، انتهى لا تتسلل، فلم تستجب.
انتقلنا إلى أريحا، مسكينةأمي. قالت: الحمد لله أننا غادرنا الخليل. لن يعود إلى القرية. لكنك لم تتب، لقدأدمنت يا سلمان عباس. أدمنت، حتى قتلوك على الحدود. لقد كانوا يحرسون الحدودلليهود، أولئك هم إخوتنا الجنود العرب، جنود الملك عبدالله.
إنهم يتوارثونالخيانة، ونحن نتوارث الهموم والأعباء"(ص121).
هذا المشهد المتكرر في حياةالفلسطيني يعكس بوضوح وصراحة إصرار الفلسطيني على العودة إلى أرضه ووطنه وبيتهوهوائه، وإصرار العربي الآخر على منعه تحقيقا للمخطط التاريخي البغيض بسلب فلسطينمن أهلها وتقديمها هدية على طبق ذهبي لتركيبة شعوب غير متجانسة أبدًا تدّعي أن اللهمنحها هذه الأرض قبل آلاف السنين.
وهنا يطرح أبو شاور موضوع " وعد الله" فينقاش مع الأب الياس، راهب القرنطل. لقد احتاج إلى هذا الكاهن ليعطيه صورة حقيقيةحول مفهوم الوعد." أبونا الياس هذه أخفض نقطة في العالم، وهي مقدسة، ولقد طهرناهامن الأفاعي والعقارب، أنا ذكي، وهذا ما تشهد لي به درجاتي في المدرسة والجامعة. باختصار، لقد تكلم الله مع موسى، فلماذا لا يتكلم معي؟ اريد ان اطرح سؤالا واحدا،ذي شقين: أولاً: هل وعد اليهود بأرض كنعان، أرض فلسطين، أرض اللبن والعسل؟ الشقالثاني: إذا لم يعدهم، فلماذا يقف على الحياد؟"(ص122). هذه أسئلة لاهوتية وسياسيةفي الوقت ذاته. وواضح النظرة الرافضة لفكرة تجنيد الله في التوراة لصالح أطماعورغبات اليهود والصهيونية. فهل الله خالق الكون وجابل الإنسان يميز بين أبنائه منكافة الشعوب التي خلقها؟
ومحمود احد الابطال المركزيين في هذه الرواية يحمل فيجوفه وبقناعة ان العرب لن يستطيعوا تحقيق انتصار في حربهم مع العدو:" المشكلة،الجماهير غير معدّة للمعركة، لا سلاح، لا ثقة بهذه الحكومة، ولكن الأمل في جيش مصر،عبد الناصر قادر على الصمود، اما الجيش الاردني، فقد اعتاد على محاصرة المخيماتوالمدن، وتفريق المظاهرات، وبسلاحه الانكليزي والامريكي السيئ لن يحقق نتائج طيبة. لقد أعد لغايات تتناقض مع تحرير فلسطين رغم شجاعة أفراده"(ص 124).
وتعودالذكريات التاريخية القريبة زمنيا إلى مخيلة وفكر محمود فيتعمق بها أمام الأبالياس. إلا أن الأب الياس يستبقه في مبادلة الذكريات بقوله:" ذكريات سوداء ثقيلةلكنها عظيمة. لقد كلل المسيح بالشوك من اجل الإنسان في كل مكان، دقت المسامير فيكفيه فتحمل من اجل الإنسان، وهذا ما يفعله شعب فلسطين"(ص 124).
فيأتيه جوابمحمود المعبر عن موقف تاريخي وسياسي صلب لا تردد فيه على وجه الإطلاق:" نحن يا أبتلن نغفر، سندق المسامير في نعوشهم، سننظف وطننا من هؤلاء القتلة. إنه حلم، ولكنيطلع من الواقع. أتعرف، مرات أقول إن هذا الجبل، جبل التجربة، هو تمثال للصبرالفلسطيني. إنه راسخ، مهيب، ثقيل، صلب يا أبونا، مهما حدث في الحرب، التي ستقع فلابد أن نعود"(ص 124).