الموضوع: ذاكرة قلب
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
9

المشاهدات
5590
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
09-20-2013, 11:12 PM
المشاركة 1
09-20-2013, 11:12 PM
المشاركة 1
افتراضي ذاكرة قلب
[tabletext="width:70%;"]

اليوم يصل الذي ملكته قلبها و يملك كل حياتها ، عزلوه عن العالم بعد تلك العملية الجراحية الناجحة ، كانت حياته مهددة بالموت لولا تلك المنة التي هبطت عليه من السماء ، صعد اسمه على شاشات الحواسيب معلنة وجود مضخة قد تلائم جسمه وهيئته وسنه ، يومها طار إلى بلاد بعيدة وهناك أصلحوا ما لحق به من أضرار . أسرته ميسورة هيأت له فترة نقاهة في تلك البلاد .
لم تفلح كل جهودها لتربط معه اتصالا واحدا ، تبيت الليالي شارذة الذهن ، تائهة في بحار الشوق ، الخوف ينخر شجاعتها وطول الأمد يبعثر فيها الصمود . عائلته تنبئها أنه سيعود قريبا ، و كلما سألت أفرادها عن أحواله طمأنوها بكلام جميل ، إنه بخير فقط يخضع لبعض الكشوفات ، و عندما يتأكد بما لا يدع مجالا للرهبة أن حالته مستقرة فورها يكون بين يديك كما كان . توسوس لها نفسها أنهم يخفون عنها مكروها أصابه . تنقبض فيها الروح و تستبد بها الغيرة كلما تذكرت أنه منذ غادر تراب البلاد لم يسأل عنها و لم يرسل لها رسالة قصيرة و لا طويلة .
منذ الصباح الباكر و هي تهيء نفسها للقائه ، استحمت وتطيبت ولبست جديد ثوبها ، تحمل باقة زهور تعطر قدومها ، تسير بخطوات غير واثقة منذ أن غادرت سيارتها ، أرسلت ابتسامة للحارس الذي فتح الباب فوجدته في الحديقة يسير و يجيء على ممر مبلط بين الأشجار والأزهار قبالة البيت و هو ينفث الدخان في السماء كقاطرة بخارية ، لم يغير و صولها إيقاعه بل واصل مسيره مبتعدا ، فتوقفت رجلاها المرتعشتان و قطرات الدمع تهوي على خديها ، رجع عندما وصل إلى نهاية الممر ، كلما اقترب منها تحاول اقناع نفسها أنه هو ، حبيبها ، خطيبها ، زوجها الذي أصيب بأزمة قلبية مفاجئة أياما قليلة قبل حفل الزفاف . تباطأت حركته و اتخذت ملامحه ثوب الاستكشاف ، رمي بسيجارته و هو على بعد خطوتين منها قائلا : " لماذا تبكين ، أنت جميلة ، قلبي يخبرني أنك امرأة قوية " فردت عليه و هي تستعد لمعانقته : " ألا تزال تحمل قلبا تملأه الدعابة ، ألا تخجل من كل هذه المدة التي لم تصلني فيها أخبارك ، كم أنت شقي يا ..." لم يدعها تكمل وهو يقول : " لا بأس أنا بخير ، وهذا هو الأهم ، أعرف أن بعض المعجبات يصيبهن الانهيار عند اللقاء ..." انهالت عليه تقبيلا فتراجع إلى الوراء : " تحكمي في نفسك أيتها الصبية ، تعرفين أن الصحافة في كل مكان "
حال بينهما رجل غريب ، ربما يكون واحدا من معارفه ، فهمس في أذنه هيا ادخل والتزم بما اتفقنا عليه ، في الوقت ذاته خرجت أمه من البيت و هي تصيح في فرحة :" أهلا بحبيبتي ، متى جئت ؟ كنت أنتظر منك اتصالا ، هيا ادخلي ، وامسحي دموعك ، فاليوم نحن نحتفل بعودة ابني .
لكن الشاب صاح في وجه الجميع ، " هذا هراء ، لست ابنك أيتها العجوز ، لن أتمادى في تمثيل هذه المسرحية ، أما أنت أيتها الصبية الجميلة فلا تشاركي معهم في هذه التمثيلية الهزلية ، أعرف أنك واحدة من المعجبات ، و قد رسمت لك لوحة جميلة ، فصورتك لم تغادر ذهني رغم أني لا أتذكر متى وأين و كيف ؟ كل هذه الوجوه غريبة عني إلا أنت " ، فردت عليه : " ماذا أسمع ؟ هل أصبت بالجنون ، يا خيبتي ! و يا لسوء حظي ! حبيبي ضاع و حياتي في مهب التيه . "
طرق الشاب رأسه قليلا فرد عليها : " ليس بي جنة و ما أضعت رشدي ، فقط أنتم ترغمونني على قبول أشياء غير منطقية ، لست زوجك ، و لا حبيبك و إن كنت لا أخفي أنك قريبة مني "
تدخل الغريب قائلا :" اسمعوني قليلا ، أنا من الطاقم الطبي الذي يشرف على الصحة الجسدية والنفسية لابنكم ، بعد إجراء العملية ، اكتشفنا أن القلب الذي تمت زراعته في جوفه سيطر عليه ، فهو أقوى من أجهزته جميعها ، و جسمه يحاول التأقلم معه و جعله ينضبط مع بقية الأعضاء في توازن جديد ، و هي عملية تحتاج بعض الوقت . تتبعنا مسار القلب فوجدناه لفنان تشكيلي ذو شهرة في بلدته و له الكثير من المعجبين عبر العالم ، لذلك فتصرفات ابنكم فيها جزء من شخصيته ، فلابد من التضحية بعض الشيء ."
فقال له الشاب : "أيها المخادع ألم تحدثني أننا سنشارك في برنامج هزلي مع بعض الممثلين ؟ " أجابه الطبيب : " عذرا فنحن نخلق بعض العوالم لتجنب الصدمات "
وضعت وجهها في يديها وهي ترجع أدراجها دون أن تبوح بلفظة ، وفي نفسها تضطرب الحقائق ، " آه إن استرجع ذلك القلب المشؤوم ذاكرته كاملة . آه إن تذكر أين و متى و كيف ؟ "


[/tabletext]