عرض مشاركة واحدة
قديم 10-25-2010, 07:56 PM
المشاركة 28
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
ç البنيوية والنقد الأدبي:
لا شكّ أنّ الاتجاه البنيوي بصفة عامة، سواء في الدراسات الأنثروبولوجيّة أم اللغوية أم النفسيّة قد غيّر مسار النقد الأدبي، وغيّر الرؤية لطبيعة التعبير الادبي ووظيفته، كما أسهم في تطلّع النقاد إلى البحث عن أسلوب جديد لتحليل العمل الإبداعي.

لم يكن الالتفات إلى أنّ العمل الأدبي وحدة متكاملة وقفًا على البنيويين، فهناك دراسات سابقة تعاملت مع الأدب وفق هذا المنظور، منها: كتاب (أشكال بسيطة) لأندريه يولس، و(مورفولوجيّة الحكاية الخرافيّة) لفلامدير بوب، فالنظرة البنيوية لهذين الكتابين واضحة، وإن كانا لا ينتميان إلى الاتجاه البنيوي، فالأول محللا للأدب الشعبي، والثاني من المدرسة الشكليّة التي عارضها البنيويون.

والآن ما موقف النقد البنيوي من العمل الأدبي على المستوى الفردي؟، ربّما لم تصطدم البنيوية بمجال من مجالات التعبير الإنساني كما اصطدمت بالتعبير الأدبي الفردي، ذاك أنّ المباحث السالفة التي ناقشتها البنيوية لا يماري أحدٌ أن تنتمي إلى العقل الجمعي، أو اللاشعور الجمعي، أيّ أنّنا نكون بإزاء أعمال شملتها المسيرة التاريخيّة التي مرّـ بمراحل عديدة من التطوّر البشري، لذلك ظلّت مشكلة الفرد المبدع محلّ نقاشٍ كبير ولم تحسم.

يطالب البنيويون بأنّ التحليل الأدبي أصبح يتطلب معرفة شاملة عريضة، تشمل معرفة التراث، وتعبير الإنسان البدائي والشعبي، ونظم اللغة، والنظم الرياضيّة والطبيعيّة، لكي يتوصّلوا إلى طريقة صياغة المبدع لرموزه، وطريقة صياغة لبناء فكره، ولكن كلّ هذا لا يغلي أبدًا ذاتيّة الفرد المبدع.

وبالتالي حدث تحوّل في النظريّة البنيوية بالربط بين الأدب وحركة التطور الاجتماعيّة، والأديب يتعامل مع لغة إشاريّة ولا بدّ أن يجمع بين عناصر هذه اللغة صوتًا وتركيبًا ودلالة في انسجام كلّي، وأنّ هذه العناصر تتحرّك في حركة رمزيّة باتجاه تكوين النسق، فالنسق لا ينبع من الخارج، بل من الداخل، ومهمة الناقد في الكشف عن الحركة الداخليّة التي تحكم هذا النسق، فإذا توصّلأ إليه أدرك المغزى، لا المعنى، ولا يعدّ المغزى تعبيرًا عن مشاعر خاصّة، بل إنّه تفاعل حيّ بين الفرد وأحوال عصره.

ويمثّل جولدمان هذا التحوّل في النظرية البنيوية للعمل الأدبي، فالبنية تكون مجرّد افتراض إذا اختصّت بعمل واحد، وكلنها تكون حقيقة إذا درس هذا العمل بين أعمال أخرى مرتّبة زمنيًّا، بحيث تكون هذه الأعمال مجالاً لدراسة النظم السياسيّة والاقتصاديّة والفكريّة والاجتماعيّة التي تمثّل عناصر في بناء كلّ عمل.

ولم يكن رولان بارت في درجة وضوح دولدمان وصراحته من حيث علاقة العمل الأدبي بتفاعلات عصره، فهو مرة يقول بأنّ العمل لأدبي يمكن أن يكون محلّ دراسة نقديّة ورؤيّة جديدة، بصرف النظر عن المجال الاجتماعي، لأنّه يعدّ عملاً رمزيًّا، والرمز يحتوي على معنى غزير يحتمل التأويلات والتفسيرات.

ومرة أخرى يقول إنّ الموضوع الكلّي المتكامل الذي يجمع بين نشاط الفنّ والحياة، هو الذي يكون مادة للتحليل الأدبي، وأنّ العمل الفنّي ينقطع حبله السرّي بمجرّد أن يفرغ الكاتب منه، أمّا العمل الذي يرتبط بصاحبه فهو العمل الفاشل، ويمكن تناوله على مستوى التاريخ الأدبي لا النقد الأدبي.

وبارت يهتمّ بالنص من حيث هو تكون لغوي، يعكس موقفًا اجتماعيًّا عامًا، فهو يقول: " إنّ الأدب واللغة يخوضان اليوم عمليّة بحث أحدهما عن الآخر، وهذا الالتحام الجديد بين الأدب واللغة، يمكن أن أسميه مؤقّتًا النقد السيمولوجي، إذ أنني لا أجد اصطلاحًا آخر أوثق منه، وليس النقد السيمولوجي مرادفًا للأسلوبيّة، حتّى الأسلوبيّة في ثوبها الجديد، ذلك أنّ النقد السيمولوجي لا يهتمّ بالصيغ التي قد تأتي عفوا، بل يهتم بالعلاقة الوثيقة بين الكاتب واللغة،...".

ويشير بارت إلى مجموعة من حقائق الأنثروبولوجيا اللغوية التي تتزحزح لتصبح حقائق أدبية، عندما تنقل اللغة إلى الأدب، وهي:

· إنّ أهمّ ما يعنى به علم اللغة الحديث هو التنبيه على أنّه ليس هناك لغة ليس لها نظام، قديمة أم حديثة، بدائيّة أم متطورة.

· إن اللغة ليست أداة بسيطة للتعبير عن الفكر، إنّ الإنسان لم يوجد قبل اللغة، وليست هناك حالة واحدة تشير إلى أنّ الإنسان عاش منفصلاً عن اللغة، فاللغة هي التي ميّزت الإنسان وليس العكس.

· إنّ علم اللغة علّمنا منهجيًّا أنّ هناك شكلاً جديدًا من الموضوعيّة التي قبلناها قديمًا للعلوم الإنسانيّة، فكنّا نتعامل مع العلوم الإنسانيّة على أن نقبلها قبولاً كلّيًا ،أما اليوم فعلم اللغة يقترح أن تميّز بين مستويات التحليل، وأن نصنف العناصر المميزة لكل مستوى من هذه المستويات، فعلم اللغة يقدّم لنا المنهج الذي يمهّد لجلاء الحقيقة، لا المنهج الذي يشير إليها في حدّ ذاتها.