عرض مشاركة واحدة
قديم 10-24-2010, 07:02 PM
المشاركة 25
خالدة بنت أحمد باجنيد
شاعـرة وناقـدة سعـودية
  • غير موجود
افتراضي
خامسًا: مفهوم المعادل الموضوعي في النقد:
يعتبر المعادل الموضوعي Objective Correlative أساسًا لنظرية ت.س. إليوت النقدية التي استطاعت أن تؤثّر –ربّما أكثر من أيّ نظريّة أخرى- في النقد الأدبي الحديث، ويرجع ذلك أنّها أتت محصّلة لسلسة من الآراء النقديّة التي بشّر بها شعراء إنجليز وأمريكان منذ منتصف القرن التاسع عشر، مثل: إزرا باوند والشعراء التصويريين.

ç المعادل الموضوعي عند إليوت:
كتب إليوت عام 1919م: " الطريقة الوحيدة للتعبير عن الانفعال في شكل فنّ تنحصر في إيجاد معادل موضوعي، وبكلمات أخرى: مجموعة من الموضوعات وسلسلة من الحوادث تكون معادلة لذلك الانفعال الخاص، حتّى إذا ما أعطيت الوقائع الخارجيّة التي ينبغي أن تنتهي بتجربة حسيّة، استعيد ذلك الانفعال حالاً... وإنّ الحتميّة الفنيّة تكمن في المقدرة التامّة للعنصر الخارجي على التعبير عن الانفعال، وهذا بالضبط ما تفتقر إليه (هملت)، وهملت أسير انفعال مستعصٍ على التعبير لأنّ أقوى بكثير مما تبدو عليه الوقائع".

هذا الحديث جاء بمناسبة دراسة له عن مسرحية (هملت) لشكسبير، ومنذ ذلك الحين أصبح الحديث عن المعادل الموضوعي في نظر المهتمين بالأدب جزءًا من نظريّة إليوت النقديّة، وحاول كثيرون أن يربطوا بين هذه النظرة، وبين تعريف إزرا باوند للشعر 1910م، إذ قال أنّ الشعر" نوع من الرياضيات الملهمة، لا يعطينا معادلات للأرقام المجرّدة والمثلثات والمحيطات وما أشبهها، بل يعطينا معادلات للانفعالات الإنسانيّة".

وهذا ما قاد كثير من النقاد للكشف عن الأقوال التي سبقت نظريّة إليوت وبشّرت بفكرة المعادل الموضوعي، ومنها: "الطريقة الوحيدة المجدية لإثارة أيّ شعور معيّن أبعد من مجرّد الشعور الجسدي، هي استدعاء الصور المرتبطة طبيعيًّا بهذا الشعور".

وينبغي التنبّه أنّ المعادل الموضوعي ليست فكرة نقديّة في حدّ ذاتها، بل هي مصطلح يعبّر عن مفهوم إليوت للشعر، فالشعر عنده ليس نقلاً وإنّما خلق شيء موضوع، فهو تحويل انفعال الشاعر إلى شيء، أي: تحويل الانفعال إلى موضوع مادي، وذلك في أوجه ثلاثة:

· القصيدة كشيء قائم بذاته: أيّ العمل الفنّي كمعادل موضوعي أو انفعال لا يعرض أو يعبّر عنه، بل يجسّم، وهذا يعني أنّ الشعر عنده ليس فيضًا عفويًّا للانفعال كما قال الرومانسيون.

· القصيدة في علاقتها مع الشاعر وعمليّة الخلق: فالشعر ليس تعبيرًا عن الشخصيّة، إنّه تحويل مشاعرٍ مختلفة إلى موضوع مركّب جديد في ذهن الشاعر، وهذا يتمّ بانفصال الفنّان عن الرجل/ذاته الذي يعاني، والعقل الذي يخلق، فيكون محايدًا.

· القصيدة في علاقتها بالقارئ: الأثر الشعري لا يكون مضمونًا إلا حين يترجم الانفعال إلى شيء موضوع، فإذا لم يحوّل الانفعال إلى ما يعادله يكون انفعال حياة لا انفعال فنّ.

ç النقّاد والمعادل الموضوعي:
فالمعادل الموضوعي يعني أنّ الانفعال بواسطة المادي الذي يعادله يجعل القصيدة رموزًا مثقلة بالمعاني التي لا يتنظر من أيّ معجمٍ يعطيها، وقد كتب بروكس: إنّ مبدأ اللامباشرة الفنيّة تنطبق على الكلمة المفردة، تأمّل:

ثمّ حين يخدم الزمن ونحن في طريق التلاشي
تعالي يا كورينا.. تعالي ننصرف إلى رغائبنا

وهذا يعني مع التصرّف: حين يخدم الزمن= حين يكون هناك وقتٌ كافٍ، ولكن في السياق الكامل للقصيدة يعني أيضًا: يحن يخدمنا الزمن، حين يكون الزمن حتى تلك اللحظة خادمًا لا سيّدًا، أي قبل أن يتحكّم فينا الزمن، والرجوع للمعجم لا يعطينا هذا المعنى القوي الثاني.

إنّ التعبير المباشر للانفعال عنّ ف.ر. ليفيز يرتبط بالعجز عن القبض على شيء، أو عن تحليل انطباع، أو تقديم تجربة، وهذه تدلّ على عجز الشاعر عن الخلق، وهو بهذه النظرة يرفض شلي-شاعر رومانسي- لأنّه لا يقدّم شي مادي جدير بالتأمّل.

إنّ أحد وجوه العلاقة المركّبة بين القصيدة والشاعر والقارئ كما تعرف في نظريّة المعادل الموضوعي هو أنّ القصيدة لها حياتها الخاصّة، إنّها عالم معزول منغلق على ذاته، بقوانينه ومبادئه التي تنتظمه. ولأنّ المشكلة مشكلة الانفعال الذي يريد الشاعر أن يعبّر عنه تقدّم القصيدة موقفًا فريدًا أو سياقًا، والانفعال الذي يمكن الحصول عليه يكمن في القصيدة لا في مكان آخر، فليس ما يجعل القصيدة شعرية هو حضور الانفعال، بل هو الاستيعاب الخيالي لذلك الانفعال.

>>> يتبع..