عرض مشاركة واحدة
قديم 12-31-2012, 09:12 AM
المشاركة 33
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
by Giacomo Leopardi, Italy, (1798-1837)

جاكومو ليوباردي (Giacomo Leopardi) شاعر وكاتب إيطالي، ولد في 29 يونيو 1798 في راكنتي وتوفي في 14 جوان 1837 في نابولي.
و تغلب على مؤلفاته القتامة والألم.

جاكومو ليوباردي:
ولد في التاسع والعشرين من حزيران/يونيو سنة 1798. وقد درس اللاتينية واللاهوت والفلسفة، وكتب أول أعماله وهو في الخامسة عشرة من عمره. أصيب مبكراً بمرض خطير ظلَّ يعاني تداعياته طيلة حياته. كان مناهضاً كبيراً للحركة الرومانسية وكتب ضدَّها "ما تحدَّثَ به إيطاليٌّ حول القصيدة الرومانتيكية". عاش حياة هي أقرب إلى العزلة؛ ومن روائعه القصائد الخمس: "الفكر المسيطر"، "حب وموت"، "إلى ذاتِه"، "كونسالفو"، و"أسباسيا"، التي كُتبت بين عامَي 1831 و1835. آخر مؤلفاته: "غروب القمر ونبتة الوزَّال". توفي في نابولي سنة 1837.

==
جياكومو ليوباردي: فقدان الأمل واليأس التام
/ د. غالب سمعان/ دمشق - سورية
انطوت حياة الشاعر والفيلسوف الإيطالي جياكومو ليوباردي (1837-1798) على معاناة أليمة، وبالرغم من الآلام النفسية والجسدية التي تعرض لها، فإنه تمكن من اكتساب معرفة واسعة، ومن إتقان لغات عديدة، والتضلع في اللغة اليونانية، تضلعا يبعث على الدهشة، وإن إنتاجه الأدبي والفكري، لدليل على تمكنه كمفكر وشاعر، وإلى ذلك فإنه العبقري الذي اكتسب معارفه، وأبدع ما أبدع من كتابات رفيعة الشأن، دون أن يكون له أساتذة، يدين لهم بالولاء والعرفان بالجميل، ودون أن يحصل على التشجيع والعون من عائلته، أو من البيئة التي نشأ فيها، والتي آذت روحه، بأكثر مما وفرت له الأجواء الباعثة على الارتياح، واللازمة من أجل تنمية مواهبه، والتعبير عن ملكاته، دون عقبات ومشقات، على أنه امتلك عزيمة لا يمكن النيل من مضائها، بالإضافة إلى عقل على قدر عظيم من الذكاء. وإن أهم ما اتصفت به طبائعه هو النزاهة والأمانة والشرف والصدق، وما كان في مقدوره أن يتجاوز هذه الخلال الدالة على تفوق سيكولوجي أخلاقي، انقلب على ذاته، انقلابا حادا، وبدت تجلياته في مواقفه وأفكاره وآرائه، المتشائمة، والرائية في الحياة البشرية وكافة مضامينها، بؤسا وشقاء وأوهاما وزيفا، دون أن يكون هناك أي أمل في نيل الخلاص أو بلوغه.

وجياكومو ليوباردي الذي عاش في فترة ازدهار الحركة الرومانتيكية في أرجاء أوروبة، افترق عن الرومانتيكيين، واستقل بذاته وبفكره عن طروحاتهم وتنظيراتهم، ولربما أمكن إدراجه في عداد الكلاسيكيين المتأخرين، وهذه الميزة ليست ضده بأي حال من الأحوال، وإنها لتدل على تمكنه من عدة جوانب، وهو الأمر الذي أشار إليه الناقد الإنكليزي الكبير ماثيو أرنولد (1888-1822)، فلقد أقر بأن الشاعر الإيطالي أقدر من الشاعرين الرومانتيكيين جورج جوردون بايرون (1824-1788) ووليم وردث ورث (1850-1770)، ومما ارتآه الناقد الإنكليزي أن الشاعر الإيطالي أقدر من الناحية الأسلوبية والفكرية، فالبناء الأسلوبي في إنتاجه الأدبي، يتصف بالفخامة والقوة، وأفكاره تدل على اتساع مداركه وآفاقه، اتساعا لا يرقى إليه الشاعران الإنكليزيان، ثم إنه أعظم منهما في الميدان الفني، الذي يتوقع المرء أن تكون الأفضلية والغلبة لهما، عندما ينصرف البحث إليه، كجانب إبداعي لا يمكن تجاهله، والواقع أن طبائع الشاعر الإيطالي، وآفاقه الفكرية، وقدراته الفنية، تذكر المرء بالشاعر العربي الكبير أبي العلاء المعري (1058-973)، الذي تمكن من إبداع روائع شعرية وفكرية، تنطوي على الفخامة والمتانة، وعلى أفكار وأراء، أكثر اتساعا من الرؤى الرومانتيكية المعروفة، بالإضافة إلى اللوحات الفنية البديعة، التي سيكون بإمكان القارئ العثور عليها في إبداعه الشعري والنثري.
ومن الأفكار الهامة التي يعرضها جياكومو ليوباردي في مؤلفاته، عرضا مستفيضا، اعتقاده بأن السعادة وهم، ولا يمكن الوصول إليها أو إدراكها على الإطلاق، وما من وجود في العالم لغير الشقاء والبؤس، وهذه الفكرة كافية كي يتم وصفه بالمتشائم الصرف، ووصف مذهبه الفكري الفلسفي بأنه مذهب اليأس الشامل The doctrine of Despair، وفي هذا السياق نراه رافضا للرؤية الفكرية الأخلاقية، التي توحد بين السعادة والفضائل والعقل الأخلاقي، أي أن الرؤية التي يطرحها فيلسوف أخلاقي كاليوناني سقراط (399-469) ق. م. لن يكون لها أن تحوز على أي نوع من القبول لدى الشاعر الإيطالي، وأكثر من هذا فإن الرؤية الفكرية السوفسطائية التي تقرن السعادة إلى الدوافع السيكولوجية الأنانية، ولا تفرق بينها وبين المتع الحياتية، لن يكون لها هي الأخرى، أن تلقى قبولا منه، ومع ذلك فإن الاتفاق قائم، على أن الهدف الذي يحاول البشر بلوغه إنما هو السعادة، ولقد أكد الشاعر الإنكليزي هنري ووتون (1639-1568) في قصيدته (الحياة السعيدة The Happy Life)، أن السعادة لا تتأتى إلا للذين يعتقدون بالفضائل الأخلاقية، ويتمكنون من التوحد معها، والانطواء عليها، انطواء قلبيا خالصا. وفي قصيدته التي حملت عنوان (العنقاء)، يؤكد الشاعر العربي اللبناني إيليا أبو ماضي (1957-1889)، أن السعادة حلم بعيد المنال، وأن كافة المجهودات التي يبذلها المرء من أجل بلوغها، تنتهي دون أن يتم القبض عليها، بوصفها ذات طبيعة عنقائية أسطورية، وما المجهودات التي يبذلها المرء قصد استحضار السعادة من خارج الذات، بأكثر من مجهودات ضائعة، وهو يندفع وراء الأوهام، بأكثر من اندفاعه وراء السعادة، ولن يكون له أن يلتقي في طريقه بغير الأوهام، فالسعادة لا وجود لها إلا داخل الذات البشرية، والشاعر الإيطالي يفترق عند هذه النقطة، عن الشاعر اللبناني، فما من وجود للسعادة خارج الذات أو داخلها، وما من وجود لغير الأوهام الباطلة.www.tartoos.com
وفي كتابه الأهم (المحاورات Dialogues and Thoughts)، يؤكد جياكومو ليوباردي خلو الحياة من السعادة، وافتقارها إلى غير الشقاء والبؤس، وفي المحاورة التي حملت عنوان (بين بائع التقاويم وعابر السبيل)، ثمة تأكيد على أن البشر لا يودون أن يحيوا أعوام حياتهم السابقة، بما تتضمنه من خير وشر، وأنهم يفضلون حياة متروكة للصدف، ولذلك فإن ترحابهم بالعام الجديد، إنما هو ترحابهم بالحياة التي يأملونها، لكن توالي الأيام يكشف أن ما في حوزتهم لم يكن أكثر من أوهام واهم، ومع ذلك فإن الحياة تظل مشتهاة، وأطايبها تظل مطلوبة ومرغوبا فيها. وفي المحاورة الأخرى التي حملت عنوان (بين مالامبرونو وفارفاريللو)، يحاول مالامبرونو عبثا، القبض على السعادة، واستشعارها استشعارا حقيقيا، إلا أنه يفشل فشلا ذريعا، ولا يعثر لها على أثر في الجاه والمال، وفي كل المتع والمسرات، فالإحساس بالشقاء هو الإحساس الرازح، الذي لا يمكن زحزحته، أو إقصاؤه بعيدا عن الذات البشرية، ومالامبرونو يطلب من القوى الشيطانية، التي يمثلها فارفاريللو، أن تجعله سعيدا ولو للحظة واحدة، إلا أن السعادة لا وجود لها في العالم، ولن يكون بالإمكان التمتع بها أبدا، والشقاء له حضوره اليقيني، حتى في أثناء الانصراف إلى حياة المتع والمسرات، ومن الطبيعي أن تستوقف المرء هذه الفكرة، لما تنطوي عليه من حقائق واقعة، فالنماذج البشرية التي اندفعت وراء المتع والمسرات، لم يكن بمقدورها التوقف عن اندفاعها، أو الاندفاع على أي مسار سيكولوجي ذاتي آخر.

ولن يكون بالإمكان وفق الرؤية السابقة، أمام شاعر كأبي نواس (813-762)، غير الانغماس في حياة المتع والملذات، وهو الانغماس الهادف إلى اقتناص السعادة اقتناصا، غير أن الخلفية التي يرتكز عليها السلوك ذاته، إنما هي الشقاء الرازح والأليم، ولن يكون في مقدور السعادات التي يتم اقتناصها، إقصاء الشقاء القائم في الذات، على نحو قبلي. وبالمثل فإن اندفاع الكاتب الإيرلندي أوسكار وايلد (1900-1854) وراء المتع والمسرات، إنما هو اندفاعه الإجباري وراء السعادة، التي سيكون بإمكانها التخفيف من وطأة الشقاء القبلي جزئيا، وإن النفور العميق من الشقاء دال على أن الاندفاع وراء المتع والمسرات، اندفاع ارتكاسي، وليس اندفاعا مفصولا عن الشقاء، ومستقلا عنه. وفي سيرة حياته، ينتهي الأمر بأوسكار وايلد إلى حال شقية وبائسة، على نحو جلي وواضح، فكأن الأحداث المتوالية قد أدت إلى كشف الحقيقة التي يمثلها، والتي لن يكون بالإمكان إخفاؤها، أكثر من إخفاء ظاهري ومؤقت. وفي روايته الهامة (صورة دوريان غراي The Picture of Dorian Gray)، ينفر اللورد هنري ووتون نفورا حادا من الشقاء، ويدعو إلى الحياة اللاهية، التي لا تتضمن غير المتع والمسرات، وإن اندفاع تلميذه دوريان غراي وراءها، يضاعف رغباته أكثر فأكثر، ويؤدي به إلى الإحساس بالشقاء إحساسا فاجعا، في نهاية المطاف، مما يدفعه دفعا إجباريا إلى الانتحار، والقضاء على أناه الشقية.
وليست السعادة وحدها وهما Illusion، في عرف المفكر الإيطالي جياكومو ليوباردي، بل أن كل ما في الحياة ليس أكثر من أوهام واهم، فالفضائل والإنجازات الحضارية أوهام هي الأخرى، والطبيعة البشرية شريرة وغير قابلة للإصلاح، ولا يمكن لها أن تكون خيرة أبدا، والإنسان مخلوق غير مدني، بل هو متوحش وفظيع وهدام، ولا يميل إلى الاجتماع، وما يحركه هو غريزة المحافظة على الذات، وتأكيدها في مواجهة الآخرين، والأثرة Egoism ميزته الأولى.
وجياكومو ليوباردي لا يدعو بالطبع، إلى تبني هذه الحقائق مبدئيا، وما هدفه غير إقرارها، بوصفها الحقائق الواقعة، التي سيكون لها دورها الحاسم في نفوره من الحياة، وابتعاده التام عن متعها ومسراتها، وإن الحضارة ذاتها، تؤدي إلى زيادة رغبات الإنسان، واحتداد الأثرة والتنافس والصراع، وما من سبيل أمامه غير الموت، إن هو أراد التخلص من المعاناة المرافقة للحياة البشرية. والذي يستحق التوقف عنده، هو الرؤية الفكرية التي يطرحها المفكر الإيطالي، بالرغم من أنه يحيا في قلب الواقع، وفي إطار الحياة الاجتماعية، فالاعتقاد القائل بأن الحياة البشرية، ما قبل ظهور التنظيمات الاجتماعية، هي حياة فوضوية وحشية، ما هو غير افتراض، دافع عنه الفيلسوف الإنكليزي توماس هوبز (1679-1588)، دفاعا يرتكز إلى رؤى فكرية، يؤمن بها تماما، على أنه الفيلسوف الذي أقر بأن العقد الاجتماعي The Social Contract، يستهدف تحويل حياة الحرب والإيذاء الذي لا يتوقف، إلى حياة السلم والأمن، وهو ما يتطلب تنازل البشر عن حرياتهم البدائية، التي تمثلها دوافعهم السيكولوجية الآبدة، إلى اللواياتان Leviathan أو الحاكم المطلق، الذي تتركز القوة فيه، وهي القوة الجبارة القادرة على صون الحياة الاجتماعية الآمنة، ومنعها من الارتداد إلى حياة الغاب، التي تتصف بالتناحر والتنازع المرير. وتوماس هوبز يقرر كالمفكر الإيطالي، أن هدف الكائن البشري الأولي هو السعادة، وأنها لا تتحقق واقعيا، إلا في ظل الحياة الاجتماعية الآمنة، لكن المفكر الإيطالي لا يرى، في ظل الاجتماع والعمران البشريين، غير الطبائع البشرية الآبدة، وهو الأمر اللافت في موقفه، والسعادة تظل وفق رؤياه الفكرية، وهما غير قابل للتحقق، فالحياة البشرية الاجتماعية تسيرها الضغائن والطبائع الشريرة، وفي السياق الاجتماعي، لن تكون هناك فائدة للمشروع الأخلاقي، الهادف إلى تهذيب الأخلاق، على ما هو عليه الحال لدى الفيلسوف ابن مسكويه (1030-945).
وبصرف النظر عن المبادئ الفكرية التي يعتقد بها هذا المفكر أو ذاك، فإن جيوكومو ليوباردي الرائي في الموت خلاصا من الحياة ومفاسدها، يقترب اقترابا كبيرا من الرؤية الفكرية التي للفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور (1860-1788)، على أنه لم يكن يعتقد بإمكانية إلغاء الأنا، وشطبها تماما، فالأثرة تحرك الكائن البشري، وتدفعه إلى القيام بأعماله، ولن يكون بالإمكان القضاء عليها أبدا، وهذا الموقف يترافق مع الإصرار على العطف والود، بوصفهما عاطفتين قادرتين على تخفيف المعاناة البشرية، إلى حد ما. وكمثله فإن المفكر السويسري هنري فريدريك أميل (1882-1821)، يؤكد على هذه العواطف، ويطالب بضرورة أن لا يتم التخلي عنها أبدا، وفي سياق اعتراضه على مواقف آرثر شوبنهاور، الهادفة إلى وأد الأنا تماما، يقرر أنها مواقفه الدالة على أثرة حقيقية، لأنها تتخطى العواطف الودية، وتتنكر لها، ونحن أمام مشروع سيكولوجي أخلاقي، لا يقتصر على آرثر شوبنهاور وحده، بل يضم طائفة الرواقيين والبوذيين أيضا، ودائما تتم الإشارة إلى البلادة واللامبالاة، اللتين ترافقان الإلغاء التام للأنا، وهما الخلتان اللتان لا يتم التفريق بينهما وبين الأثرة، غير أن الكائن البشري الشوبنهاوري أو الرواقي أو البوذي، هو أبعد ما يكون عن الأثرة، وفق الرؤية الفكرية التي يؤمن بها، والميزة الموجودة لدى جياكومو ليوباردي وهنري فريدريك أميل، لا تعتقد بإمكانية إلغاء الأنا، وهي تتوقف في مرحلة العطف والود، وتعتبر الانزلاق أو الانجراف إلى ما ورائها، أثرة حقيقية. والواقع أن مشروع إلغاء الأنا يظل مشروعا مشكوكا في إمكانية تحققه، وأسطورة بوذا، وارتداده إلى العطف والود، يؤكدان هذه الحقيقة، ومن ناحية ثانية، فإن أكثر ما يتم تبجيله لدى الفيلسوف الرواقي ماركوس أوريليوس (180-121)، هو إبقاؤه على العطف الود، باعتبارهما آخر ما تبقى من الأنا، وإن إصرار جياكومو ليوباردي وهنري فريدريك أميل عليها، دال على أخلاقية أصيلة لا أثر للزيف فيها.
ومما يدل على تمكن جياكومو ليوباردي من الناحية السيكولوجية، قدرته على الاستخفاف بالدنيا، استخفافا دالا على اتساع آفاقه، اتساعا هائلا، وغير دال بالطبع على الكراهية والمقت، والموقف الذي يقدمه لنا في محاورة (بين هرقل وأطلس)، يعني انطواءه بطريقة أو بأخرى، على الروح السوبرمانية، وبالمثل فإن قصائد أبي العلاء المعري الفخرية، دالة على اتساع آفاقه السيكولوجية الأخلاقية، وعلى تعاليه الذاتي، والقارئ لهذه القصائد الفخرية، يعثر على توصيف للذات التي تعالت وتسامت، وتموضعت في آفاق بعيدة المنال، وهو التموضع الذي يترافق بالتحدي، دون أن يتخلى عن العواطف الودية، بوصفها تلك العواطف السوبرمانية، التي تعني وجود قدرة على العطاء، ووجود رغبة في العطاء، دون الأخذ. ولعل الأمر الأكثر أهمية لدى المفكر الإيطالي، من الناحية السيكولوجية الأخلاقية، هو انطواؤه على الميزات الأخلاقية النبيلة، مما يجعله يتبوأ مكانة متعالية ومتسامية، على نحو قبلي، وهناك من يؤكد أن أخلاقه إنما هي أخلاق ملك هبط من السماء، والناقد الإيطالي فرانشسكو دي سانكتيز Francisco de Sanctis يتحدث بحماس، عن روحه المهذبة والنقية والبريئة، فكأن مشروعه الفكري، هو انهياره كأسطورة، على المستوى السيكولوجي، مثلما يمكن النظر إلى رذائل طاغية كماكبث، في مسرحية (ماكبث)، للكاتب الإنكليزي وليم شكسبير، على أنها انهيار للمشروع الأخلاقي الطوباوي الفاضل.
وفي محاورة (بين الطبيعة وإحدى النفوس)، تتضح حقيقة المسار السيكولوجي، الذي يود جياكومو ليوباردي أن يعبره إلى خواتيمه، وهو الذي يتصف بأخلاقية نبيلة، غير قابلة للانهيار، أو للتحول إلى نقيضها. واللافت هنا أن الأخلاق الفاضلة لا يطرأ عليها أي تعديل، ولا تنقلب إلى رذائل على الإطلاق، وفي هذه المحاورة يقرر أن الشقاء يرافق النفوس الكبيرة، في رحلة الحياة، وأن الحياة العبقرية حياة شقية بالضرورة، والفكرة ذاتها يؤكدها آرثر شوبنهاور في دراسته عن العبقرية The Genius، بالرغم من أن المهمة الملقاة على عاتق العقل تقضي بعرقلة الإرادة وكبحها. وفي المحاورة تأكيد آخر على أن الرغبة الأهم في حياة البشر، هي الحصول على السعادة، لكن النفوس الكبيرة تعجز لفرط عظمة ملكاتها، عن مقاربة العيش الهانئ والتمتع به، وإلى ذلك فإنها تعجز عن القيام بالأعمال الحياتية العادية، ولسوف يكون مقدرا عليها أن تعاني من الإهمال والاستخفاف والإقصاء، لكن المجد سيكون من نصيبها. والنفس العظيمة التي يصفها جياكومو ليوباردي، ترفض المجد، وتطالب الطبيعة بأن تجعلها تسكن في أحط المخلوقات، وأقلها إدراكا، كي لا تشقى شقاءها الأليم، وأكثر من ذلك فإنها تطالب الطبيعة بإماتتها، أي أنها تتخلى عن كل مكتسباتها، بوصفها نفسا كبيرة وعظيمة.
وعلى خلاف هذه المنوالية المتشائمة، فإن جبران خليل جبران (1931-1883) يتحدث في خاطرته التي حملت عنوان (البنفسجة الطموح)، والتي أوردها في كتابه (العواصف)، عن تلك البنفسجة الصغيرة المختبئة بين الصخور، والطامحة إلى تجاوز المحسوس إلى المعقول، والطبيعة التي تحقق لها أروع أمانيها، تحذرها مما قد يحل بها من معاناة أليمة، وبالفعل فإن العاصفة تقتلعها، وتأتي على حياتها، وطائفة البنفسج تستخف بطموحها المقدس، لكن البنفسجة الطموح تؤكد أنها تمكنت من معاينة الله، وأن اندفاعها باتجاه التعالي الذاتي، قد تمكن من بلوغ الهدف الغائي الأقصى، ويبدو أن جبران خليل جبران ذاته، ينطوي على خبرة التعالي الذاتي، التي أبدع في توصيفها، توصيفا رمزيا، ومن الناحية الواقعية، فان المنوالية السيكولوجية، التي انطوت عليها القديسة جان دارك (1431-1412)، وأحداث حياتها، لا تختلف في شيء، عن المنوالية الموصوفة، وعلى خلافها، فإن جياكومو ليوباردي الذي هو أخلاقية نبيلة، ينحدر سيكولوجيا، وليس أخلاقيا، باتجاه معاكس، يود له أن ينتهي بموته، وباندثار ذكراه تماما.
www.tartoos.com
'So my mind sinks in this immensity: and foundering is sweet in such a sea'. Revisited and reorganized over his lifetime, this extraordinary work was described by Leopardi as a 'reliquary' for his ideas, feelings and deepest preoccupations. It encompasses drastic shifts in tone and material, and includes early personal elegies and idylls; radical public poems on history and politics; philosophical satires; his great, dark, despairing odes such as "To Silvia"; and, later masterworks such as "The Setting of the Moon", written not long before Leopardi's death. Infused with classical allusion and nostalgia, yet disarmingly modern in their spare, meditative style and their sense of alienation and scepticism, the Canti influenced the following two centuries of Western lyric poetry, and inspired thinkers and writers from Schopenhauer and Nietzsche to Beckett and Lowell. Jonathan Galassi's direct new translation sensitively responds to the musicality of the Canti, while his introduction discusses the paradoxes of Leopardi's life and work