عرض مشاركة واحدة
قديم 08-27-2010, 03:50 PM
المشاركة 13
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بِِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

[ المصـحف ]
-------------------
1 ـ في اللّغة :
( الصحيفة : التي يُكتَب فيها ، والجمع صحائف وصُحُف وصُحْف ، والمُصْحف والمِصْحف : الجامع للصحف بين الدفّتين ) .
وقالوا في تفسير الدفّتين ، الدفّة : الجنب من كلّ شي وصفحته ، ودفّتا الطبل : الجلدتان اللتان تكتنفانه ، ويضرب عليهما ، ومنه دفّتا المصحف ، يقال : حفظ ما بين الدفّتين ـ أي حفظ الكتاب من الجلد إلى الجلد .
وبناء على ما ذكرنا ، فإنّ المصحف : اسم للكتاب المجلّد ، وذلك لانّه إذا كانت الصحيفة هي ما يُكتَب فيها وجمعها الصحف ، والمصحف :
هو الجامع للصحف بين الدفّتين ، والدفّتان ـ هما جلدتا الكتاب ـ فالمصحف في كلامهم بمعنى الكتاب المجلّد في كلامنا .
وبناء على ما ذكرنا ، إنّ المصحف :
اسم لكلّ كتاب مجلد قرآنا كان أم غير قرآن .

2 ـ في مصطلح الصحابة :
استعمل المصحف بالمعنى اللّغوي الذي ذكرناه في روايات ( جمع القرآن ) حتى عهد عثمان .
فقد روى البخاري عن الصحابي زيد بن ثابت ما ملخّصه :
أن الخليفة أبا بكر أمره بجمع القرآن . قال : (( فتتبّعتُ القرآن أجمعه ، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفّاه اللّه، ثمّ عند عمر في حياته ، ثمّ عند حفصة بنت عمر (رض) .
وروى بعدها عن أنس ما ملخّصه :
( أنّ عثمان عندما أراد أن يجمع القرآن أرسله إلى حفصة : أن ارسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثمّ نردّها إليك... ) الخبر .
ومن الواضح أنّ الصحف والمصاحف ذكرا في الخبرين المذكورين آنفا بنفس المعنى اللّغوي : (الكتاب المجلد) .
وأكثر تصريحاً ممّا جاء عند البخاري ، ما جاء عند ابن أبي داود السجستاني في باب : جمع القرآن في المصحف من كتابه :
( المصاحف ) ، فقد روى فيه :
أ ـ عن محمّد بن سيرين ، قال :
(( لمّا توفِّي النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم ) أقسم عليُّ أن لايرتدي الرداء إلاّ لجمعة ، حتّى يجمع القرآن في مصحف )).
ب ـ عن أبي العالية :
( أنّهم جمعوا القرآن في مصحف في خلافة أبي بكر ) .
ج ـ عن الحسين :
(أنّ عمر بن الخطاب أمر بالقرآن ، وكان أوّل من جمعه في المصحف ) .
استشهدنا بهذه الروايات الثلاث لانّها تدلّ على أنّ في عصر روايتها كان المصحف في كلامهم أعمّ من القرآن ، فقد جاء فيها على حسب التسلسل :
أ ـ ( حتى يجمع القرآن في مصحف ) .
ب ـ ( جمعوا القرآن في مصحف ) .
ج ـ ( وأمر بالقرآن فجمع ، وكان أوّل من جمعه في المصحف ) .
ولو كان المصحف لديهم هو القرآن لكان تفسير الروايات كالاتي :
أ ـ حتى يجمع القرآن في القرآن .
ب ـ جمعوا القرآن في القرآن .
ج ـ وكان أوّل من جمع القرآن في القرآن .
وبناء على ما ذكرنا ثبت أن المصحف كان يستعمل في كلام الصحابة والتابعين والرواة ويراد به الكتاب المجلّد ، أي : أنّ المصحف استعمل في محاوراتهم في عصر الاسلام الاوّل في معناه اللّغوي واشتهر بعد ذلك في تسمية القرآن المدوّن والمخطوط بين الدفّتين بـ ( المصحف ) .

3- وقد سُمِّي غير القرآن بالمصحف كالاتي :
مصحف خالد بن معدان :
روى كل من ابن أبي داود ( ت : 316 هـ ) وابن عساكر ( ت : 571 هـ ) والمزّي ( ت : 742 هـ ) وابن حجر ( ت : 852 هـ ) بترجمة خالد بن معدان وقالوا :
إنّ خالد بن معدان كان علمه في مصحف له ازرار وعرى .
فمن هو خالد بن معدان صاحب المصحف ؟
كان خالد بن معدان من كبار علماء الشام ومن التابعين ، أدرك سبعين من الصحابة ، ترجم له ابن الاثير ( ت: 630 هـ ) في مادّة الكلاعي ، وقال : توفِّي خالد سنة ثلاث أو أربع أو ثمان ومائة هجريّة .
4 ـ اشتهار المصحف في كل ما كُتِبَ وجُعِلَ بين الدفّتين : الكتاب المجلّد
كان استعمال المصحف في ما كُتِبَ وجُعِلَ بين الدفّتين ، أي الكتاب المجلّد مشهورا ومتداولاً لدى العلماء والباحثين ، وإليكم المثالين الاتيين لذلك :
أ ـ عنوان ابن أبي داود السجستاني من أعلام القرن الثالث الهجري في كتابه المصاحف كالاتي :
1 ـ جمع أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) القرآن في المصاحف بعد رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله وسلم ).
2 ـ جمع عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه ) القرآن في المصحف .
ب ـ ومن المعاصرين قال ناصر الدين الاسد في كتابه مصادر الشعر الجاهلي : وكانوا يطلقون على الكتاب المجموع : لفظ المصحف ، ويقصدون به مطلق الكتاب ، لا القرآن وحده ، فمن ذلك ما ذكره .
ثمّ نقل خبر مصحف خالد بن معـدان من كتاب المصـاحف لابن أبي داود السجستاني .
5 ـ في مصطلح الاُمم السابقة :
تسمية الكتب الدينية للاُمم السابقة بالمصحف :
وكذلك سمّيت الكتب الدينية للاُمم السابقة بالمصحف كما جاء في طبقات ابن سعد بسنده :
عن سهل مولى عُتيبة أنه كان نصرانيا من أهل مريس ، وأنه كان يتيما في حجر أُمِّه وعمِّه ، وأنه كان يقرأ الانجيل ، قال : فأخذتُ مصحفا لعمِّي فقرأته حتى مرّت بي ورقةٌ ، فأنكرت كتابتها حين مرّت بي ومَسِستُها بيدي ، قال : فنظرت فإذا فصولُ الورقة ملصق بغراء ، قال : ففتقتُها فوجدت فيها نعت محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أنه لا قصير ولا طويل ، أبيض ، ذو ضفيرين ، بين كتفيه خاتم ، يكثر الاحتِباء ، ولا يقبل الصّدقة ، ويركب الحمار والبعير ، ويحتلب الشاة ، ويلبس قميصا مرقوعا ، ومن فعل ذلك فقد برئ من الكبر ، وهو يفعل ذلك ، وهو من ذرّيّة إسماعيل اسمه أحمد ، قال سهل : فلما انتهيت إلى هذا من ذكر محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم ) جاء عمِّي ، فلما رأى الورقة ضربني وقال : ما لَك وفتح هذه الورقة وقراءتها ؟ فقلت : فيها نعت النبيّ (صلى الله عليه و آله و سلم ) أحمد ، فقال : إنه لم يأت بعد .

* * *
وهكذا وجدنا المصحف اسما عامّا للصحف بين الدفّتين وإن صحّ ما جاء في رواية المصاحف لابن أبي داود أنّ الخليفة أبا بكر كان قد سمّى القرآن بالمصحف فإنّ هذه التسمية لم تشتهر حتى عصر عثمان ، كما يظهر ذلك من الخبرين اللّذين نقلناهما آنفا من صحيح البخاري ، وإنما اشتهرت تسمية القرآن بالمصحف بعد ذلك ، وعند ذاك أيضا لم تبق هذه التسمية منحصرة بالقرآن ، بل سُمِّيت كتب اُخرى بـ( المصحف ) .
6 ـ مصاحف الصحابة :
كان لكثير من الصحابة مصاحف كتب كل منهم في مصحفه القرآن وما سمعه من رسول اللّه ( صلى الله عليه و آله ) في تفسير بعض آيات القرآن، إذا كان معنى مصاحف الصحابة في عصر الصحابة : القرآن المكتوب مع حديث الرّسول ( صلى الله غليه و سلم ) في تفسير بعض آياته كما هو الحال في تفاسير القرآن بالمأثور مثل الدرّ المنثور في تفسير القرآن بالمأثور للسيوطي .

27 / 8 / 2010