عرض مشاركة واحدة
قديم 10-29-2010, 04:16 AM
المشاركة 4
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ثانيا

فلسفة وتاريخ الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة


الإعجاز العلمى للقرآن
معناه ما احتواه القرآن الكريم من سبل الإثبات لظواهر و نظريات علمية لم تثبت من قبل نزوله ومن هنا يأت الإعجاز والمطابقة ويُعد الإعجاز العلمى واحدا من فرائد الإعجاز الشامل فى القرآن الكريم لشتى صنوف المعرفة بلا استثناء والمتميز بالإستمرار المطلق بحيث تنكشف أسراره من بداية نزوله إلى حين انتهاء الحياة مع احتفاظه فى نفس الوقت بإعجازية مغلقة دون الكشف
بسم الله الرحمن الرحيم " ما فرطنا فى الكتاب من شيئ " صدق الله العظيم
وتلك إشارة إلى أن القرآن يحتوى عناوين المعارف الهادية ومفاتيح كل علم وكل بصيرة وليس كما أُشير أنه معجزة خاصة بالعرب وحدهم ولا تتعدى الإعجاز الأدبي وعلوم الفقه
يقول تعالى
﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾
فهو إعجاز بكل أنواع المعارف والعلوم ما عرفنا وما لم نعرف بعد ..
إعجاز علمى ولغوى وأدبي وتاريخى وتشريعى وفنى وعموميته شاملة كطبيعة الدين الذى نزل به الكتاب وهو الإسلام .. فليس الإسلام تلك الدعوة الأخيرة فى مقاييس الهداية الربانية بمسموح أن تنزل بمعجزة فى فئة معينة أو بزمن معين ونشاط معين كما فى سابقها من رسالات بل كان لازما أن تنزل بمعجزة كاملة وتامة من عدة جوانب ..

كاملة فى استمراريتها نتيجة لأنها آخر الرسالات .. وكاملة فى إعجازها أى تشمل بالإعجاز وأنواعه كل فئة بكل أرض بكل نوع ولون من ألوان التفوق المتعدد بتعدد كافة الأمم والجماعات .. وكاملة تامة حتى فى مستقبلها على مر الزمان أى أن معجزة القرآن ستظل محتفظة بإعجازها المتنوع تخاطب بالقدرة كل فئة من الناس تُـظهر تفوقا فى أى مجال بمجالات الحياة عمليا أو نظريا من ساعة نزوله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ..
ومسألة أن القرآن نزل مخاطبا العرب بصناعة اللغة التى برعوا فيها ولم يتقنوا سواها ولم يغرموا سوى بها حتى أقاموا لها أسواق الشعر والخطابة .. هو أمر قاصر فى الإدراك عند من يقول هذا ويصمت .. فالقرآن ـ بالفعل ـ نزل بلغة العرب الفصيحة المبينة ونزل بموسيقا معجزة لهم لم تألفها آذانهم فى شعر أو نثر ولكن هذا الإبداع اللغوى كان واحدا من فرائد بقية الإعجاز العام الشامل بالقرآن وكانت أسبقية ظهوره والتركيز عليه مرهونة فقط بأنه نزل على أهل لغة فالتمسوا فيه ما فهموه وقدروه ..
وهذا القرآن العزيز بذاته لو نزل على العرب وهم أهل طب لنبغ فيهم ولو كانوا أهل فلك لبرز فيهم فكل تلك المجالات موجود بالقرآن الكريم من مبدء النزول ومرهونة بقدرة أى فئة تستطيع طرق باب تتقنه من مجالات الحياة .. ولهذا رأينا بتتابع الزمن اكتشاف شيئ من كنه القرآن فى العلوم والمجالات المختلفة بطرق الإسلام لدور لم يطرقها من قبل
ولتقريب الأمر بمثال ..
فلو وقعت إحدى لوحات العبقري الإيطالى الأشهر ليوناردو دافنشي ــ ولنقل مثلا أنها لوحته الأشهر " الموناليزا "ـ فى يد ثلاثة أشخاص فيلسوف ورسام ورجل أعمال .. كل منهم سيتشبث باللوحة لغرض مختلف عن الآخر ويتهم رفيقيه بالحماقة ..
فالفنان سيري فيها معجزة فنية لابتسامتها الساحرة والتى من المستحيل تقريبا تحديد نوعها إن كانت ابتسامة شجن أم سعادة وسيبذل جهده للإحتفاظ بها .. بينما الفيلسوف سيتشبث باللوحة متهما رفيقيه بالسطحية لعدم قدرتهم على تقدير الفلسفة الكامنة فى أعماق نظرتها للحياة والكم الذى تحمله الصورة من التعبير وسيقاتل فى سبيل عرضها .. بينما رجل الأعمال سيبرز قوته فى سبيل أخذ اللوحة متهما رفيقيه بالجنون المطبق نظرا لقيمة اللوحة ماديا والتى يمكنها نقل إنسان من قاع الفقر لقمة الثراء فى لحظة واحدة ..
وستجد طرفا رابعا ليس له فى أى مجال من الثلاثة السابقين لا يقتنع بما شرحه له هؤلاء المدركين ومن ثم لا يري باللوحة أية قيمة .. وربما لو تمكن منها لأخذ القماش المرسومة عليه ووضعه كأحد مفارش منزله وأخذ الإطار الخشبي فتدفأ به من ليالى الشتاء !
وهكذا تباينت وجهات النظر وتشبث كل طرف برؤية جانب واحد فى تفوق اللوحة وهو الجانب الذى يمكنه فهمه وتقديره .. فما بالنا بالقرآن الكريم معجزة الخالق فى الدين الحق آخر الرسالات على الأرض .. بالطبع لابد وأن يكون معجزة لكل أصناف البشر بشتى أنواعهم وما كانت أهمية الإعجاز اللغوى إلا لتمثل اللغة معجزة لمن يقدرها وتكون فى ذات الوقت طريقا لكافة البشر ـ كلٌ فى مجاله ـ لفهم ما يحتوى القرآن من آيات يراها فى جماعته وعالمه وزمنه
إضافة إلى أن إعجازه متجدد ومجالات أخرى لن نطرقها أبدا " الغيبيات فى القرآن الكريم " وستظل الحقائق تكتشف فى هذا الصدد الى أن تقوم الساعة لأنه القرآن كلام الله المنزل بآيات محكمات وليس كتابا يحتوى نظرية تسقط بسقوط عهدها
وما يثير الحيرة إلى درجة الاشفاق على منكرى إعجازية القرآن الشاملة والعلمية خاصة .. أنهم يعلنون ليل نهار انتمائهم للإسلام وعقيدته
وإيمانهم بثوابته وأنهم مقرون بالوحدانية لله تعالى مؤمنون بقدرته .. فإن كان الأمركذلك فلماذا ينكرون على القرآن عصمته الكاملة إيمانا بقوله تعالى

لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ
وهو تعميم كامل بغياب أى نوع من أنواع النقص والتناقض بين القرآن وبين ما تقرره العلوم البشرية أو المظاهر الكونية فى مطلق الزمن فكيف يمكن تصور مجئ العلم فى زمن ما بكشف للقصور الذى ينادون ويحذروننا منه ؟! ..
لأن تلك العلوم تظل رهنا بالمعرفة العلمية للبشر وهى قاصرة ومتناقضة بطبيعة الحال فضلا على كونها معروفة مسبقا للخالق سبحانه بحكم علمه المطلق ..
فهل سيعجز خالق الإنسان أن يدرك مدى وحدود عقل مخلوقه ويتوقعه بالشكل الذى لا يسمح لعقل هذا المخلوق باستخراج عيب واحد فى معجزته الرئيسية بالإسلام .. الدين الخاتم ؟!
لهذا تأخذنا الحيرة الشديدة من إعلان الناقدين لإعجاز القرآن أنهم مسلمون لله وجوههم وهم يقولون بما يعنى صراحة قصورا فى علم الخالق نفسه جل سبحانه .. أو أنهم تصوروا الإسلام كدين لا وظيفة له إلا مجال محدد على سبيل الحصر وبعد ذلك فالإنسان له حريته وله منجزاته وله علمه الحر الخارج عن إرادة خالقه .. وهو مبدؤهم الرئيسي تبعا لصنوف العلمانية المختلفة التى قامت فى أوربا كرد فعل ضد السيطرة الكنسية المهولة فى عصور الظلام وبدأت رياح التغيير ـ أول ما بدأت ـ بالثورة الفرنسية ..
وانطلقت تلك المذاهب تنتج الحركات الشاذة المختلفة فى كافة الميادين واتخذت الدين هدفا رئيسيا فى تجنيبه وأراد ـ ولا زال ـ العلمانيون العرب تطبيق تلك النظريات ونجدها فاعلة فيهم كلما كتب واحد منهم والدين والفكر الإسلامى هدف قلمه فى كافة نقده وكأنى بهم غابوا عن آية الله العزيز الكريم التى تقول
" أيحسب الانسان أن يترك سدى "
والآية صريحة فى إنكار تلك النظرة العلمانية الشاذة والمتناقضة والتى سمحت لهم بتصور قبول الخالق سبحانه لأن يصبح عبيده رهنا فى طاعته بوقت ومكان وزمان وعمل يحددونه حصرا .. مع أنهم عبيد ومخلوقون لأجل ذلك فقط ؟!
" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "
والإسلام يشمل تحت مفهوم العبادة كافة نشاط البشر كما شرحه رسول الله عليه الصلاة والسلام وقال فى أحاديثه
" بنى الاسلام على خمس ... " بمعنى أن أركان الإسلام هى أساسه فقط ويظل المبنى فى أشياء أخرى تختص بسائر الحياة حيث تتوالى الأحاديث وأقوال الفقهاء بعد ذلك شارحة لآيات الفكر والتدبر فى القرآن الكريم مع الأحاديث الموضحة .." الدين النصيحة " و " العمل عبادة ... " و ...... " طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة "
وبما أن الدين والعقيدة هى عنوان الإعتراف لله بالفضل والإقرار له بالربوبية فمن المنطق القطعى أن تكون العقيدة فاعلة فى كل وقت وزمان ومكان وعمل يمارسه العبد المسلم لربه بالوحدانية ولولا هذا لانتهى منطق وجود علماء الفقه لأن هؤلاء وظيفتهم الرئيسية الإفتاء بحكم الدين فيما يستجد فى أمور فلو كان الأمر فى الدين حصرا فى نطاق عبادة فما الداعى لعلماء الفقه من الأصل وهم أعلى العلماء مرتبة عند الله بما ثبت من نصوص التنزيل والسنة المطهرة .. أفلم يكن من الأجدى أن تستخرج العبادات المحددة بكتب يحتفظ بها الإنسان لمجال الدين ووقته وعليه فإفتاء العلماء غير وارد بالمنطق البسيط طالما أن الدين شيئ .. وتجدد الحياة وطرقها شيئ آخر !
وعلام اُعتبر الفقه فى الدين هو الخير المؤكد كما نص الحديث المشرف قاطعا أن من أراد الله به خيرا يفقهه فى الدين .. فتبعا للنظرة المحدودة للعقيدة يصبح الدين كتابا للأخلاق يوازى كتاب أرسطو الشهير من الممكن حصر فهمه لآحاد الناس .. فعلام كان كل هذا التكريم ؟!
والثبوت المطلق للقرآن المنزل من حكيم حميد كما تنص الآية الكريمة .. وحكمة الله المطلقة أنىَ لها أن تخضع لتقدير بشري يري أو لا يري فيها ثبوتا ويقرنها مع المساواة بما يصل إليه عقله ويرهن الإعتراف بإعجازية كلام الله تعالى بما تظهره نتيجة المقارنة
إضافة إلى افتقاد هذا الزعم العلمانى لأدنى منطق .. فما دمت قد سلمت لله بالوحدانية والقدرة فكيف تنكر أن يأتى القرآن ـ وهو كلامه المنزل المحفوظ والمعجز بنصه ـ منزها عن القصور .. ؟!
وبالتأمل والتدبر فى كافة أشكال الخلق .. هل يمكن لبشري أن يستخرج عيبا واحدا شيئ أبدعه الله عز وجل .. ؟!
النظام المفرط الدقة للسموات والأرض من سحيق السنوات حتى نهاية الحياة فيه .. هل يمكننا القول بقصور مسه مجرد مس ؟!
والخلية البشرية التى لا تتعدى 3% من المليمتر بنظامها البالغ التعقيد هل تمكن الإنسان من استخراج شبهة قصور فى نظامها .. والأهم من ذلك أن ذات الخلية بحجمها البالغ الصغر خُـلقت بقدرة إنتاج مائتى ألف نوع من البروتينيات يعجز الإنسان عن إنتاجها فى أكبر وأعقد المصانع ..
والتفرد النوعى الذى يحكم كل نوع من المخلوقات بل يحكم كل جنس فى نفس الفصيلة فلا يمكننا أن نجد بشريا يماثل آخر حتى فى التوائم السيامية المتطابقة .. يظل لكل بشري شخصيته المنفرده خلقا وخليقة وهو ما كشفته العلوم الحديثة من انفراد كل بشري بعدد هائل من البصمات الشخصية .. بصمة للإصبع وبصمة للكف وأخرى للأذن وبصمة للصوت وبصمة جينية وأخرى وراثية وبصمة للقزحية بالعين وبصمة للشفتين .. وهلم جرا
يقول تعالى ..
" هذا صنع الله فأرونى ماذا خلق الذين من دونه "
تحد مطلق فى إحكام الخلق واستحالة محاكاته وكشف سره على مدى الزمن ..
إضافة إلى ما توصل إليه العلماء فى نهاية القرن العشرين وأعلنه رئيس الولايات المتحدة السابق بيل كلينتون على العالم عندما اكتشف العلماء " الجينيوم البشري " الذى أكد على خصوصية كل بشري فى المطلق وهو كما شرحه كلينتون وتحدث عنه الدكتور مصطفي محمود فوصفه
بأنه ( هذا ( الجينيوم ) الذي يتألف من ثلاثة مليارات حرف كيميائي و هو ما يملأ خمسة ملايين صفحة مدونة و كل هذا في حيز صغير متناهي الصغر في نواة الخلية ( بضعة أجزاء من المللي ) تحتوي على مقدرات هذا المخلوق الإنساني و صفاته البدنية و حظه من الصحة و المرض و القوة و الضعف و مواهبه و ملكاته و ما سيجري عليه من أحوال.. و كل هذا مدون بالتفصيل في مخطوطة شاملة لا تكاد ترى إلا بميكرسكوب إلكتروني.. معلومات تملأ خمسة ملايين صفحة في حيز متناه في الدقة لا يُرى )
كل هذا فى كمال مطلق بديع متفرد بالرغم من اتفاق كل المخلوقات فى نظم الحياة وأجهزتها !
حتى يخرس من قالوا عن تفسير آية الأرحام " ويعلم ما في الأرحام " أنها أضحت غير مطابقة بعد أن تمكنت الأشعة من كشف جنس الوليد قبل ولادته بخمسة أشهر .. فأين هم من معرفة تلك المعلومات الخرافية المدونة بشفرتها الخاصة بأعماق كل بشري ؟!
فإن كان هذا ما أقررتم به ليل نهار وكشفته علومكم واعترفتم أن الخلق فى نظامه وتكوينه ليس به أدنى شبهة من قصور
فلماذا تستثنون القرآن من صفة الكمال المطلق ما دمتم مؤمنين بأنه كلام الله عز وجل ؟!

مع أنكم فى إطار المعارف البشرية تنكرون بشدة على أى عاِلم أن يصدر كتابا به خطأ علمى فى تخصصه باعتبار أن درجة تخصصه أكبر من هذا الخطأ .. نفس الأمر تعيبون به على أى مبدع فى أى مجال من مجالات الإبداع إذا قدم عملا لا يتناسب مع مستواه الثابت ويقل عنه .. فيكون الإنكار الطبيعى أنه من غير المقبول أن يكون هذا العمل الضحل من مبدع محترف !
فإن كان هذا بمقاييس البشر .. فكيف بربهم إذا ؟! ..
هل يُعقل أن يكون كلامه الموصوف بالكمال والإعجازية التامة به تناقضات واختلافات مع نص القرآن الصريح
(وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)
وهى آية كاشفة عن مضمون تماسك البناء القرآنى من أول آياته لآخرها فى تنسيق بديع كشفته العلوم التى تأملت فى الآيات وغابت عن مغيبي الإدراك بالإضافة إلى أن القرآن نزل متحديا من عند الله بحقائق ستكتشف مستقبلا بالتتابع إلى يوم الدين وإلا لما أشارت الآية إلى أن القرآن لو كان من غير الله لظهر الإختلاف الكبير على مر الزمن بظهور التناقضات التى ستكتشفها العلوم بالتطور
ولذا فمن المستحيل أن يكون القرآن بكل اكتماله نازلا من غير الله لأنه لا طاقة لمخلوق أن يتحدى فى مجمل الزمن القادم منذ أربعة عشر قرنا وحتى يوم القيامة بثبات الآيات وتوقعها لكل ما سيجينيه البشر وما يزيد إضافة إلى الجزم بعدم القدرة على محاكاته فى الشكل والإحكام فكيف يمكن القول بالتحدى من رب العزة لجميع مخلوقاته متعلقٌ فقط بالإعجاز البلاغى الذى تحاولون حصر القرآن فى حدوده .. بينما إقراركم نفسه بأن القرآن الكريم معجز بلاغيا يقف عائقا أمام إنكاركم لبقية صنوف إعجازه !
يقول تعالى
( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ) .....
لأن الإعجاز البلاغى لا يعنى براعة التعبير اللفظى فقط بل يعنى أولا الدقة المطلقة فى التعبير ومطابقته لواقع ما يقول به .. وإلا لما استقام التحدى بالإتيان بمجرد آية منفردة .. فلمَ يقول الله تعالى أنه نزل الكتاب بلا عوج وهو مؤد لمعنى لا يستقيم مع الواقع ؟!
وكيف تتحقق تلك الدقة ما دام القرآن مناقضا لحقائق تظنونها ثبتت فى مواجهة القرآن ؟! وكيف يستقيم الإيمان بتلك الدقة البالغة مع وجود الآيات الصريحة التى تتحدث عن شمول الإعجاز القرآنى وتعبر عنه .. وتقطع بأن القرآن الكريم لا ريب فيه

(ألم .. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين )
فلا معنى للإعجاز اللغوى فى التعبير الدقيق إذا ؟! .. ما دام مخالفا للواقع العملى إلا لو ظننتم أن القرآن معجز لغويا فى موسيقاه وكلماته وتعاملتم معه باعتباره عملا فنيا للمتعة والتأمل فقط ؟!
يقول تعالى
( صُنع الله الذي أتقن كل شيء )
فهل استثنى القرآن ـ وهو عنوان ومرجع حكمته فى الخلق ـ من الإتقان المطلق الذى انصرف إلى سائر آياته وخلقه سبحانه وتعالى ؟!
هل يمكن للمنكرين أن يقبلوا بهذا المنطق مع علماء البشر .. هل يمكن اعتبار كتب العلماء والمفكرين ـ وهى مراجع علمهم ووسيلتها فى الوصول للناس ـ كتب قاصرة عن تأديه فكر وعبقرية من سجلوا هم بأنفسهم عبقرياتهم بها ؟!
هل يمكن أن تحكموا لمؤلف أو عالم بالعبقرية فى عقله وتنكرون العبقرية فى سجله المكتوب والذى يعد الدليل والنافذة لتلك العبقرية ؟!
وفى شأن الزعم بأن القرآن الكريم نزل دالا على الأخلاق و المبادئ والعبادات فقط ..
فما هو مغزى التحدى به أمام البشر والجن والخلائق جميعا ما دام كتابا مقننا لأخلاق ومبادئ كشفها المفسرون فى وقتها .. ما المغزى خلف قوله تعالى
( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا )
هل سيعجز الإنس والجن مع اجتماعهم وتظاهرهم وتعاونهم عن محاكاة كتاب للأخلاق والعبادات والمثل ؟!
وقوله
( فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ )
هل يستقيم التحدى السافر بهذا الشكل من رب العزة فى معرض كتاب غير معجز بكل صنوف الإعجاز ..
إن القائل بهذا لم يفتح سورة من القرآن الكريم فى مطلق عمره بدون شك .. وإلا فكيف غفل عن الآيات الكونية والعلمية والغيبية فى القرآن الكريم وهى ملئ السمع والبصر ومنها كأمثلة بسيطة

( ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ
عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ )................

( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ) .......

(وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ)

فما علاقة تلك الآيات الكريمات وما يماثلها فى القرآن الكريم بالأخلاق والعبادات والأوامر والنواهى .. ؟!
وما الهدف من وجود عشرات الآيات الداعية إلى التفكر والتدبر فى معانيه ـ وبمعانى الفعل المضارع والأمر الدال على المستقبل ـ ما دامت الأخلاق والمبادئ كُشفت من قديم .. !
" أفلا يتدبرون القرآن .. أم على قلوب أقفالها "
لا أخالكم تظنون التدبر هنا دعوة لإبتكار أخلاق جديدة ومبادئ تتنوع بتنوع الفصول !
بَـيْد أنه من المستحيل على مغلقي العقول والقلوب ـ كما أفادت الآية ـ إدراك ذلك لأن آيات الله عز وجل لا تُـكشف لأحد ـ للإطمئنان ـ إلا بشرط الإيمان والإقرار المسبق لله عز وجل وبيقين لا يختل كما سنرى