عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-2010, 10:33 PM
المشاركة 2
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
رواية "لم تقرع الأجراس" (1940)‏

كتبها في هافانا عاصمة كوبا بعد انتهاء الحرب الأهلية في إسبانيا وبعد بدء الحرب العالمية الثانية. تدور أحداث الرواية عن الحرب الأهلية الإسبانية وتصور الرواية حرباً جرت بين الجمهوريين من جهة وبين أنصار الفاشية من جهة أخرى, خسرت إسبانيا في هذه الحرب قرابة مليون إنسان, بالإضافة إلى الخسائر المادية الهائلة.‏

بطل الرواية متطوع أمريكي, وهو خبير بنسف الجسور, اسمه روبرت جوردان, يعمل خلف خطوط الفاشيين لصالح الجمهوريين, ويتقن روبرت اللغة الإسبانية إتقاناً تاماً, ولذلك يحبه الأسبان لأنهم يحبون الأجنبي الذي يتقن لغتهم, وشارك في الحرب المذكورة مؤلف الرواية نفسه همنغواي إلى جانب الجمهوريين ضد الفاشين.‏

تبدأ الرواية بلقاء بين روبرت جوردان وبين أنسيلمو, ومعهما متفجرات بهدف نسف الجسر, لكي يمنعوا وصول الإمدادات إلى الفاشيين, ويجب أن يبدؤوا بنسف الجسر بعد بدء غارات الطيران الصديق, ويجب ألا يتم تدمير الجسر إلا بعد بدء الهجوم لكي لا يتسنى للعدو القيام بإصلاحه.‏

ويتعرف روبرت جوردان على فتاة إسبانية اسمها ماريا, ووجد بينه وبينها قاسماً مشتركاً, فوالده كان من أنصار الجمهورية, وكذلك جده, ومات والده منتحراً بسلاحه, ليتجنب التعذيب.‏

وتجيبه ماريا بأن والدها لم يستطع الحصول على سلاح ينتحر به, ليتجنب التعذيب: "وقالت ماريا.. إذن نحن متشابهان..."(1). وقالت ماريا للأمريكي روبرت جوردان: "إنني أحبك, إنني أحبك! آه, أحبك ضع يدك على رأسي... وضع يده على رأسها, وأخذ يربت عليه بحنان... وفجأة قذفت بنفسها بين أحضانه, وأخذت تشد بنفسها عليه..."(2). وأصبحت ماريا عشيقة الأمريكي روبرت وحدثته عن سيرة حياتها, وصرحت لـه بأنها اُغتصبت من قبل عدد كبير من الفاشيين, وشعرت بحب كبير تجاهه, وكذلك بادلها روبرت جوردان الشعور ذاته, وكان ينوي أخذ ماريا معه إلى الولايات المتحدة الأمريكية, علماً بأنه كان لـه علاقات مع أكثر من امرأة إسبانية قبل ماريا, وتحدثه ماريا عن أسرتها, فتقول لـه عن والدها: "لقد كان والدي رئيس بلدية القرية, وكان محترماً, وكانت أمي سيدة فاضلة مؤمنة وتقية, ولكنهم قتلوها مع أبي لأسباب سياسية, فهو كان جمهورياً. وقد رأيتهما يقتلان معاً, وسمعت والدي يهتف... تحيا الجمهورية,... وهم يطلقون عليه النار بعد أن أوقفوه على جدار مسلخ القرية"(3).‏

وقتلوا والدتها على الرغم من أنها لم تكن من أنصار الجمهورية, لمكنها زوجة شخص من أنصار الجمهورية, فقتلت وهي تصرخ‏

يحيا زوجي.‏

أما ماريا فأخذت مع غيرها من الفتيات اللواتي فقدن آباءهن, وحلق شعرها في صالون الحلاق, وأخذ أحدهم يضربها بجدائلها المجزوزة, ووضع شعرها في فمها, وكاد أن يخنقها بجدولتها, ورأى الجمهور فعلته, فقهقه وجرح أذنها وقتلوا الحلاق, وبعد ذلك أخذوها إلى مكتب والدها, أي إلى مكتب رئيس البلدية واغتصبوها في مكتبه. وكانت ماريا لهذه الأسباب تكره الفاشيين, وتتمنى الانتقام. وقالت ماريا لروبرت: إن الفاشيين أساؤوا إليها كثيراً, فقد لا تستطيع الإنجاب, ومع هذا فإن روبرت يحبها ويعدها بالزواج, وبذلك فلقد قام الفاشيون بأعمال إجرامية كثيرة.‏

ولكن الجمهوريين قاموا بأعمال إجرامية لا تقل بشاعتها عن بشاعة جرائم الفاشين. إذ نجد في الرواية الحادثة التالية, نقرؤها على لسان بيلار زوجة بابلو, فتقول إن زوجها بابلو في إحدى المعارك قتل الجرحى من الفاشيين, وبعد ذلك أجبر الأسرى على الركوع وأطلق عليهم النار, أما بقية الفاشيين فلم يقتلوا بالرصاص وإنما ضربوا بالمدقات حتى الموت, وألقيت جثثهم إلى النهر.‏

ولجأ بابلو إلى هذه الطريقة لكي يوفر العيارات النارية من جهة ولكي يشترك الجميع في الجريمة من جهة أخرى, وضربوا حتى الموت بعد أن اعترفوا بخطاياهم للكاهن, حسب الطقس المسيحي, وأطالوا الاعتراف لكي يكسبوا بضع دقائق, لكي يطيلوا حياتهم بضع دقائق, وكان رئيس البلدية أول من ضربوا حتى الموت, الذي مشى بين حاملي المدقات دون أن يمسه أحد, مع أن أحد الأسرى صرخ بهم لكي يضربوه, فبدأ أحد الرجال بضربه لأن رئيس البلدية كان قد انتزع منه أرضاً قريبة من النهر وأعطاها لغيره.‏

وضرب حتى الموت صاحب المطحنة ومخزن الأطعمة, وضرب وهو يرفع يديه إلى السماء, وأخذ الفاشيون الآخرون يصلون ويتضرعون إلى الله, ومات الثالث وهو يبصق ويقول إنه لا يخاف الموت, ولكنه يستصعبه بأيدي هؤلاء الأوغاد, على حد تعبيره وهناك مشاهد تعبر عن قسوة الإنسان بوجه عام, وكان أحد الذين قتلهم الجماهير تاجر حنطة ومرابياً.‏

وتروي بيلار بشاعة المعركة وقذارتها, وهي الآن تقود معركة الجسر ضد الفاشيين, ولكن البلدة التي سقطت بأيدي الجمهوريين بقيادة بابلو عادت بعد ثلاث أيام وسقطت بأيدي الفاشيين, وبذلك فإن الحرب عبثية وقذرة, وهي حرب أهلية ولكن تدخلت فيها قوى أجنبية كبرى, فلقد حارب الروس مع الجمهوريين ضد الفاشيين, حاربوا بخبرائهم وطائراتهم ولكن بشكل سري, وحارب الألمان إلى جانب الفاشيين بكل قواهم أيضاً بما في ذلك الطيران الحربي, وكانت قوى أنصار الجمهورية تضم الشيوعيين والجمهوريين والعلمانيين, وكل طرف من هذه الأطراف يكره الأطراف الأخرى, وجمعتهم كراهيتهم للفاشية, ولكن أنصار الجمهورية يخسرون الحرب, والرواية موجهة ضد الحرب بوجه عام, لأن أجراس النصر لن تقرع لأحد, لأن البلاد خاسرة, لم يبق فيها من يفرح للنصر.‏

يقتل في نهاية الرواية أنسيلمو العجوز وعمره ثمانية وستون عاماً, وتبتر ساق روبرت جوردان في معركة نسف الجسر, ويطلب روبرت من ماريا الهرب, وتهرب لكي لا تقع ثانية في أيدي الفاشيين. وهي بالصدفة كانت قد تخلصت من الفاشيين, إذ استطاع أنصار الجمهورية تدمير بعض عربات القطار الذي كان الفاشيون ينقلونها فيه من مكان لآخر, واستغلت الفرصة واستطاعت الهرب مع أنصار الجمهورية والتحقت بهم, وأحبت روبرت الذي كاد في ساعة من ساعات الغضب أن يقتل بابلو لأنه كان متردداً في الإقدام على الجريمة, بعد أن غنم في المعارك مجموعة من الخيول, وأصبح ثرياً. ولكن زوجته بيلار تنتزع منه قيادة المجموعة, وأصبحت بيلار قائدة للمجموعة بدلاً من زوجها بابلو.‏

الرواية بمجملها هي صرخة ضد الحرب, وعنوانها يشير إلى ذلك "لمن تقرع الأجراس؟" أجراس النصر, لم ينتصر أحد, لأن الحرب تعني الخراب والتدمير والقتل. قامت الأطراف كلها بأعمال إجرامية, كل من شارك في الحرب قام بأعمال تقشعر لها الأبدان, أعمال قذرة وغير إنسانية, آلاف النساء ثكلت, وتيتم آلاف الأطفال, وما هي نتائج الحرب؟ دمرت آلاف المنازل والمصانع والمشافي... ونسفت الجسور. وهذه الرواية بكاملها تدور حول تدمير جسر, إنها تنديد بالحرب الأهلية الإسبانية, وبالتالي فهي رواية تاريخية إلى حد ما, تصف مرحلة حاسمة في تاريخ إسبانيا, في العقد الثالث من القرن العشرين, وهي بذلك تشبه رواية "الحرب والسلام" (1863 ـ 1869) للروائي الروسي تولستوي (1828 ـ 1910) التي تندد بويلات الحرب. وبهذه المناسبة نذكر آراء الأديب العربي من لبنان ميخائيل نعيمة (1889 ـ 1988) حول الحرب فهو شارك في الحرب العالمية الأولى جندياً في الجيش الأمريكي وحارب على الأرض الفرنسية ضد ألمانيا, وكتب كثيراً مندداً بويلات الحرب, ولاسيما في سيرته الذاتية بعنوان "سبعون" (1959).‏

لمن تقرع الأجراس؟" رواية كتبها روائي أمريكي, وبطلها أمريكي, مات والده منتحراً مثل والد المؤلف نفسه, أي أنها رواية كتبها مؤلف أجنبي عن بلد آخر, وهي بذلك تشبه رواية "قصة مدينتين" (1859) للروائي الإنكليزي تشارلز ديكنز (1812 ـ 1870) إذ أن الرواية المذكورة عن الثورة الفرنسية وعن الفرنسيين وجاءت بقلم كاتب إنكليزي وليس بقلم فرنسي.‏

شارك في الحرب الأهلية الإسبانية الروس والأسبان والألمان والأمريكيون والغجر والعرب من المغرب العربي, وكأنها حرب عالمية, جرت على أرضٍ إسبانية, شارك فيها النساء والرجال, الكبار والصغار. هناك شخصية المتطوع الروسي كاشكين, الذي انتحر حين قبض عليه الأعداء مخافة التعذيب.‏

يصور همنغواي شخصيات أنصار الجمهورية, على أنهم أناس اعتادوا على تعاطي الخمر, كلهم يتعاطون بكثرة شرب الخمر, ولهم أمزجة مختلفة, وتوجهات مختلفة, بابلو مثلاً يجب الحصول على الثروة, في حين أن الغجري يكفيه التمتع بنور القمر والنظر إلى السماء والنجوم.‏

زمن الرواية أربعة أيام "إنها أربعة أيام غير كاملة... وهذا ما يجعلها ثلاثة أيام بلياليها"(4) ويختتم الروائي همنغواي روايته بتأملات روبرت جوردان بعد أن فقد ساقه في انفجار الجسر, ويفكر بالانتحار الذي سبقه إليه والده, والذي على ما يبدو كان يفكر فيه المؤلف نفسه, ولكنه مع ذلك يفكر قبل الموت بقتل أكبر عدد ممكن من الأعداء, ولكنه ينتظر اقترابهم منه, مع أنه أخذ يفقد وعيه شيئاً فشيئاً, بسبب تورم ساقه, والآلام التي سببتها لـه.‏

يقول ألفرد كازن عن الرواية المذكورة في كتابه "تطور الفكر الأدبي الأمريكي في القرن العشرين "فأصبحت دراسته للأمة الإسبانية دراسة رومانتكية, فيها تعمق وتجاوب مع المثل العليا... فيها وَصَفَ عشق روبرت جوردان وصفاً رومانسياً صافياً, ويبدو أن همنغواي وهو يكتب هذه الرواية قد اكتسب احتراماً جديداً للإنسانية"(5).‏

وبالتالي تنتهي الرواية بوصف الخراب الذي ألحقته الحرب بكل بيت من بيوت الأسبان, وهي حرب عبثية, أمضى أبطالها أيامهم الثلاثة في الكهف, فكأنهم خارج التاريخ. اُغتصبت في هذه الحرب مئات النساء وشردت آلاف الأسر. إن الحرب نزعة متوحشة, تقضي على الأخضر واليابس, وتدمر كل ما بناه الإنسان خلال أجيال وأجيال, وأهم من ذلك كله إنها تدمر الضمير الإنساني.‏

وإذا كانت هذه الحرب تجسد صراعاً بين مجموعتين من الناس, فإن رواية "الشيخ والبحر" (1952) تمثل صراعاً بين شيخ عجوزٍ وبين البحر الذي يرمز إلى الحياة كلها