عرض مشاركة واحدة
قديم 03-17-2013, 09:04 PM
المشاركة 948
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع العناصر التي شكلت الروعة في روايةرقم 18-لا أحد ينام في الإسكندريةإبراهيم عبد المجيدمصر


- وبين مشهد سلطة عالمية في اتخاذ قرار الحرب، متمثلة في هتلر، ومشهد سلطة أخرى في قرية صغيرة، لأخذ القرار في مواجهة هدوء الحياة وراحة البال، تعرض الرواية لتجربة المرارة المرافقة للوجود البشري مع الحروب، وكيف لا يلتفت القائمون على شؤون السياسة إلى ذلك، بل يذهبون يروجون للحرب بدعائية فجة اعتماداً على ما يوهمون به شعوبهم من تحقيق مصلحة قريبة أو بعيدة المدى، دون النظر إلى ما تخلفه تلك الحروب من هلاك ودمار على المستويين: الإنساني والحضاري، إلا أن الإنسان في مستواه الاجتماعي العادي لا يقل فيما يصنع عن السياسيين المحبين للحروب، فهو يصنع العداوات ويشعل الثارات وينتظر فرصة لالتقاط الخلاف مع غيره ليعيش في عداوة مع هذا وفي صراع مع ذاك.

- وعندما يتناول إبراهيم عبد المجيد هذه الحقيقة في نصه الروائي "لا أحد ينام في الإسكندرية" فإنه يعرض الأثر التدميري للحروب على المستوى الإنساني المتمثل في شخصيات الرواية، مرتكزاً على الفردي والخاص للانطلاق إلى الجمعي والعام، يرصد الكاتب ذلك من خلال مفارقة قصصية قائمة على أن مجد الدين المحب للسلام والذي ترك قريته وأهله هرباً من الحرب الثأرية بين عائلته والعائلة الأخرى، بل ويتركها مطروداً من شيخ البلد، فيذهب إلى الإسكندرية ليعاني ويلات الحرب العالمية التي "لا ناقة له فيها ولا جمل"، وهي العبارة التي كانت متداولة وقتها للتعبير عن حالة الدول التي اكتوت بنار الحرب العالمية، ودفعت ثمنها باهظاً من أرواح أبنائها وتدمير لمظاهر حياتها، وكان الأثر الأول لهذه الحرب على حياته هو سعيه الدؤوب لكي يجد عملاً يسد به رمقه ويعول به أسرته الصغيرة التي تعاني معه شظف العيش، ويبقى على هذه الحال عدة أيام دون عمل يسد رمقه ويفي بمتطلبات أسرته الصغيرة المكونة من زوجته وابنته.

- نجد في الرواية السرد الروائي المبتعد عن الرواية التاريخية، بل هو سرد روائي اجتماعيإنساني يرصد مجمل المتغيرات والتحولات الإنسانية في لحظة تاريخية معينة.

- فالرواية إذن تلتقط الدائم والمستمر وتترك الزائل والمتحول، لا تتركه بمعنى الإهمال، بل تلتقطه وتمنعه من الانفلات لترصد أثره على الثابت وهو الإنسان، أما المتغير فهو الحروب وما تجلبه للإنسان الضعيف من ويلات، هذا الإنسان الذي يخرجها من عقالها، ولا يعرف كيف يعيدها إلى علبتها السحرية كما يحدث في قصة الجنيّ الواردة في ألف ليلة وليلة والقصص القديم.

- لكن إبراهيم عبد المجيد يصنع للقارئ أرضية من المعايشة من خلال تقنية "التوثيق" التي اعتمد فيها على ما كان يُنشر في الجرائد والمجلات في تلك الفترة من فعاليات حياتية مختلفة، سواء في الفن أو الحرب أو حوادث القتل الفردية وجرائم الشرف، وغيرها من الاهتمامات الإعلامية التي تجعل القارئ يعايش الفترة الزمنية التي يقرأ عنها بطريقة تصنع "الجو الروائي" الذي تدور فيه الأحداث، كما يصدر بعض الفصول بمقدمات معلوماتية عن مدينة الإسكندرية ومناطقها المختلفة، عن جزيرة فاروس (الأنفوشي حالياً) وجزيرة راقودة (كرموز حالياً)، وعامود السواري، وغيرها من المناطق.

- ومن الأجزاء "التوثيقية" التي نجح الكاتب في صياغتها قوله: "وعُيـِّن الأميرلاي علي الشريف بك مديراً عاماً لمصلحة الحدود، وزار المرشال جورنج قائد الجو النازي الشهير إيطاليا فحبس العالم أنفاسه من نتائج الزيارة وخطب عصمت إينونو رئيس جمهورية تركيا طالباً حياد بلاده وتركها بعيداً عن الحرب، وصدر قرار بعدم استقدام فرق التمثيل الأجنبية توفيراً للنفقات، وتقديراً لفرق التمثيل المصرية، وعلق أحد الخبثاء بأن طرق المواصلات العالمية مقطوعة بالأصل، وأعاد "سيرج بوجولوسكي" وهو فنان أجنبي مقيم في باريس لوحة "المستهتر" التي كان سرقها من اللوفر في يونيو الماضي.

- نجحت هذه "الحيلة التوثيقية" في تخلص الكاتب من عبء تقديم الجو الروائي من خلال الشخصيات والأحداث التي من الممكن أن تستغرق الكثير من الصفحات بطريقة السرد التقليدي دون أن تقدم ما أراد تقديمة في التوثيق السردي المركز في صفحات محدودة، فالبناء الروائي يتحمل، في الأساس، ثلاثية روائية أو حتى رباعية، لكن رغبة الكاتب في جعلها رواية واحدة (مكونة من 432 صفحة) جعل تلك الحيلة الفنية ناجعة في تقديم الجو الروائي الذي أراده الكاتب لتلك الفترة التاريخية.

- تأتي شخصية البهي (أخو مجد الدين) لتكون الشخصية الأكثر تعبيراً عن رغبة الكاتب في تقديم "جرعة" من التشويق الروائي للقارئ المتأسس على الغرائبية المحببة في القص الشعبي، فهو إنسان تنطوي حياته على الكثير من الأمور الغريبة، منذ بدايات حياته الأولى، فمنذ مولده قيل إنه ولد في ليلة القدر، وأن طاقة من النور خرجت معه، وأن القابلة أخبرت أمه أنه ولد مختوناً، وهو من المنذورين لخير عميم، ولكن الكاتب رغم ما كان يمني به القارئ في تلك الحوادث التمهيدية لتصوير حياة البهي إذا به يفاجئ توقع القارئ نحو أنه كان سبباً لإشعال نيران القتال بين العائلتين؛ بسبب نزواته المنفلتة.