عرض مشاركة واحدة
قديم 03-17-2013, 09:02 PM
المشاركة 947
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع العناصر التي شكلت الروعة في روايةرقم 18-لا أحد ينام في الإسكندريةإبراهيم عبد المجيدمصر

- كما استطاع الكاتب أن يعرض لمعضلات إنسانية كبرى مثل الحياة والحرب والحب في مستوى تحقق هذه المفاهيم الكبرى في حياة الإنسان البسيط، فبطل الرواية، مجد الدين الذي أتى من قريته هرباً من عمدة القرية الذي حكم بنفيه من القرية، فهرب مجد الدين من قريته مهاجراً إلى الإسكنرية بحثاً عن الحياة له ولأسرته الصغيرة، لكن تفاعلات الحرب العالمية على أرض الإسكندرية كشفت عن الجانب الآخر من جوانب تنوع الحياة فيها، وهو التأثر بمجريات الحرب وويلاتها المتعددة.

- تفرعت خطوط الدراما السردية في قصص الحب المختلفة، في صور من الحب المستحيل، على الرغم من الحياة في مدينة تعرف الحب وتعيش به، فنجد قصة الحب بين البهي وبهية المتزوجة، وبين رشدي وكاميليا لاختلاف الديانة، وبين دميان وبريكة لاختلاف المذهب، إضافة لقصة حمزة المأساوية في خطوطها المختلفة، حيث عاش الحياة لا يعلم شيئاً عن تفاصيلها، ووصل إلى أيدي القوات المتحاربة دون أن تكون له أية علاقة بأي شيء.

- لم تنجح غير قصة حب مجد الدين لزوجته زهرة، إن صح أن نسميها قصة حب، فقد كشفت المواقف القصصية عن تآلف وتماسك قوي بينهما، وقد فرضت العوامل الخارجية: عداء العمدة لهما، صعوبة الحصول على لقمة العيش، الهجرة إلى بلد غريب، هذه العوامل الخارجية فرضت عليهما نوعاً من التماسك الداخلي الذي أكسبهما قدرة واسعة على مواجهة تلك الأخطار، ومن ثم صبغت العلاقة بينهما بنوع من الحب الإيجابي الذي تبادلا فيه العطاء وأنجبا من خلاله ابنهما شوقي وابنتهما شوقية، ولا يخفى على القارئ دلالة الاسمين المعبرين عن استمرار الشوق وتبادله بينهما، عند محطات الفراق المتكررة في رحلة بحثه (مجد الدين) عن لقمة العيش.

- وفي إطار سردي متشعب استطاع أن يصنع الكاتب بنية روائية متعددة المستويات والدوائر، يروي لنا الكاتب الروائي إبراهيم عبد المجيد جحيم الحرب العالمية الثانية من خلالها، وكيف استطاعت تلك الحرب بمقدرة كبيرة، أو بمقدرة القائمين عليها أن تُذبل زهرة الحياة في مدينة تعشق الحياة بقدر ما بها من عشاق للحياة على اختلاف ألوانهم وأجناسهم.

- فيحاول الكاتب أن يرصد تبعات هذا الجحيم البشري/ الحرب خلال سنوات ثلاث وصلت فيها إلى تلك المدينة الوادعة فأصبحت مدينة لا أحد ينام فيها، كما حملت الدلالة المعنوية لعنوانها، ففي مشاهد روائية تضج بالحيوية وتدب في أوصالها الحركة يبدأ الكاتب بمشهد تأسيسي غاية في الدلالة والقدرة على النطق بجوهر الحروب، حيث يبدأ الكاتب بـ هتلر في مبنى المستشارية في برلين: "عاقداً يديه خلف ظهره، محنياً قليلاً إلى الأمام، في حالة من التأمل العميق، لكنه أيضاً زم شفتيه مما أبرز شاربه محدباً قليلاً، وفتح عينيه في غضب زاد لمعانها. في الحقيقة كاد صدره ينفجر ورأسه، وهو ذاهل تماماً عن حراس المبنى الواقفين، وحراسه هو الذين يدورون خلفه، كان يفكر لو يستطيع أن يمسك برئيس حكومة بولندا يعصره عصراً".

- استطاع الكاتب ببراعة أن يصور ـ من خلال هذا المشهد ـ الصورة التمهيدية المؤسسة لإطار النص الروائي بكامله لينتقل من خلاله إلى هذا الأثر الذي سوف تقذفه الحرب على آلاف البسطاء في أنحاء المعمورة، سواء أكانوا من أبناء البلاد المحاربة أو من الذين لا شأن لهم بالحرب، ولا يد لهم في صنع أحداثها، ومن ثم يربط الكاتب بين مشهد هتلر الذي يستعد لتصميم آلته الحربية بأقصى وأبشع طرق الإبادة الممكنة ومشهد الشخصية المحورية في الرواية "مجد الدين"، حيث يريد أن تتخلى عائلته عن قتال العائلة الأخرى والتوقف عن تبادل الثأر بين الخلايلة (عائلة مجد الدين) والطوالبة (عائلة صديقه)، وقد كان مجد الدين و"خَـلَف" صديقه يتحايلان على ألا يلتقى أحدهما بالآخر في معارك العائلتين، وهم الذين ظلوا يتبادلون الأخذ بالثأر لمدة استمرت عشر سنوات.

- أما المشهد الروائي المقابل فيصور مجد الدين الذي جاءه "شيخ البلد" يطلب منه ترك البلد في نهاية الأسبوع، بناء على أمر صدر من عمدة القرية، ويبدأ المشهد بوصف ليلته الأخيرة في بلدته التي أشعلها الثأر: "في الليلة الأخيرة لمجد الدين جلس صامتاً وسط أفراد عائلته، راحوا ينظرون إليه غير قادرين على تصديق الأمر كله، لكنه بدا بينهم كمن لم يتغير أبداً. في الأربعين لكنه في صورة ابن العشرين. وجه مستطيل قوي القسمات بارز الوجنتين، ذو عينين خضراوين، شعر الرأس أشقر لولا أنه مغطى دائماً بالطاقية البيضاء. ولا يزال له الجسم القوي نفسه للشاب الصغير. ـ لماذا لا تسمح لنا بالقتال؟.. تساءل أحد أزواج أخواته الثلاث ثم أكمل: نستطيع قتال القرية كلها لو استدعى الأمر، ولا يزال في البيت سلاح قديم، ونحن رجال. لكن مجد الدين طلب من الجميع أن يناموا، الصباح رباح، ويحلها من لا يغفل ولا ينام. كلماته الأثيرة التي يعرفونها عند الضيق، وتعرفها أكثر زوجته الشابة زهرة كلما غشيته الأزمات".