عرض مشاركة واحدة
قديم 09-11-2014, 04:04 PM
المشاركة 2
عبد اللطيف السباعي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
س11– ماذا تقصد بالملكة الشعرية؟ هل هي موهبة؟ أم هي أمر موروث؟ أم هي تعويض كما يقول ادلر صاحب نظرية التعويض؟ أم هي تعبير عن مكبوتات وعلى رأسها المكبوت الجنسي كما يقول فرويد؟ أم أنها تعبير عن قلق وجودي كما يقول أصحاب الفلسفة الوجودية؟ وهل يمكن ان تكون دماغ يعمل بوتير عالية كنتيجة لتجارب ومآسي مر بها الكاتب؟ انم انك ترى بأنها ما تزل امر غامض؟

- هذا سؤال محير حقا.. لا لأنني لا أملك له جوابا، بل لأنني أزعم أن الملكة الشعرية عندي قد تكون مزيجا من هذه التعريفات كلها. هي موهبة بالدرجة الأولى لأنني اكتشفتُ في نفسي القدرة على نظم الشعر في سن مبكرة بحيث لا يمكنني القول إنها أمر مكتسب لدي.. وهي تعويض إلى حد ما عما ينقصني من رغد العيش والقدرة على تفريغ طاقاتي في الأمور الدنيوية المادية الصرفة.. وهي متنفس آخر للشحنة الجنسية التي قد لا أجد لها منفذا في كل الأوقات – قبل الزواج طبعا -.. وهي وسيلة راقية – في اعتقادي – للتعبير عن تأملاتي الوجودية التي لا أنكر أنني واقع تحت سيطرتها في معظم الأحوال.. وهي ترجمة تعبيرية لتجاربي الحياتية، كما أنها في آخر المطاف أمر لا يخلو من غموض لأنني حين أتجرد للكتابة الشعرية لا أحدد أسباب ذلك بشكل واضح.. يدفعني إلى ذلك شعور غامض لا أجد له تفسيرا في كثير من الأحيان.

س12- تقول انك لا تتخذ قرار مسبق بالكتابة ..بل تجد نفسك مدفوعا إليها..في تقديرك هل هذا يعني أن الشاعر يتلقى الشعر من وحي الشعر؟ من عبقر الشعر؟ من شيطان الشعر؟ أم أن الأمر له بحالة نفسية معينة تسيطر على الشاعر ؟ وهل تتفق مع فرويد في أن الإبداع والجنون ينبعان من نفس المصدر؟

- قولنا إن الشاعر يتلقى الشعر من مصدر ميتافيزيقي لا أعتبره في حقيقة الأمر إلا تعبيرا رمزيا عن غموض الدافع إلى الكتابة الشعرية التي تحدثت عنها آنفا.. هو في اعتقادي دافع ينبع من عوامل نفسية صرفة تجعل الشاعر يبحث عن تفجير مكنونات صدره ونفثها في شكل كلمات وإيقاع.. وعلى الرغم من أنني أجد بعض الغرابة في ما ذهب إليه فرويد من ان الإبداع والجنون ينبعان من ذات المصدر إلا أنني لا أملك إلا أن آخذ هذا المذهب النفسي الفلسفي بعين الاعتبار وأن أحمله على محمل الجد.. فنحن في نهاية المطاف لم نتلق تعليما نفسيا يِؤهلنا لتبيُّن حقيقة الأمر في هذا الصدد.

س13- هل تعمدت حفظ بعض أشعار كبار الشعراء؟ وهل ترى ذلك ضرورة للكتابة الشعرية؟ وكم من الأبيات تحفظ تقريبا؟

- لا بد للشاعر من الاطلاع على تجارب االشعراء الآخرين حتى يقدر على تأهيل نفسه شعريا إن صح التعبير.. قراءة أشعار الآخرين إذن أمر لا مندوحة عنه لأنه يفتح للشاعر آفاق البحث عن الذات الشعرية.. فالموهبة وحدها لا تكفي إذا لم تقترن برصيد معرفي شعري يحدد للشاعر طبيعة الخط الشعري الذي يريد أن ينتهجه أو الذي من شأنه أن يعبر عن ذاته الشعرية بالنظر إلى ميولاته الفكرية والعاطفية والفلسفية.. وهذا كله قد مر بذهني أول الأمر وقد قلت في إحدى المرات إنني كنت شديد الاطلاع على الشعر العربي بمختلف عصوره من جاهلي إلى إسلامي إلى أموي إلى عباسي.. قرأتُ للكثير من عمالقة الشعر العربي من أمثال متنبي والبحتري والمعري وأبي نواس وجرير والأخطل وغيرهم.. ولكنني لا أستطيع أن أزعم بأنني عمدتُ إلى حفظ أشعارهم.. لم أكن أحفظ إلا اليسير من القصائد للمتنبي خاصة.. غير أن القراءات الشعرية في حد ذاتها هي التي ساعدت في صقل موهبتي الشعرية إن كانت كذلك حقا.

س14- هل إتقان الإيقاع أمر مولود مع الشاعر أم يمكن تطويره ذاتيا وكيف؟

- إن أهم ما يتميز به القول الشعري هو مسألة الإيقاع هذه.. وقد نصنف الإيقاع في الشعر إلى صنفين هامين ضرورين في اعتقادي لنجاح أي نص شعري على الأقل من حيث موسيقاه الشعرية.. كل نص شعري ينبغي أن يتوفر على إيقاع خارجي يحققه الالتزام بالقيود العروضية والتفعيلية الضرورية التي اصطلح عليها الشعراء منذ القدم، وإيقاع داخلي لا يتحقق إلا بحسن اختيار المفردات الشعرية بحيث يكون هناك تجانس لفظي ومعنوي داخل مكونات النص الشعري ليس فقط في مجمله بل حتى حين نعتبر وحداته وأجزاءه.. لا أعرف إن كان يمكن أن يُطوَّر الإيقاع الشعري لكنني على يقين بأن حسن الإيقاع أمر مرتبط بقوة الموهبة الشعرية بالدرجة الأولى.. هناك شعراء بالفطرة حين تقرأ نصوصهم لا تملك إلا أن تطرب وتأخذك النشوة ليس فقط لحسن معاني هذه النصوص بل أيضا لما يكتنفهامن موسيقى جميلة وإيقاع آسر..

س15- هل كان من السهل عليك في بداياتك فهم أشعار المتنبي والشعراء الجاهليين أم انك لجأت لوسائل تساعد على فهم هذه الأشعار وما هي هذه الوسائل؟

-في البدء لم يكن فهم أشعار الفحول أمرا هينا بالنسبة لي نظرا لحداثة سني ولذلك كنت أكتفي بما تخلفه هذه النصوص في نفسي من طرب ونشوة غامضة لم أكن أعرف كنهها.. ولم أكن مع ذلك أعمد إلى الاستعانة بالقواميس إلا فيما ندر.. كنت أكتفي بالتذييلات اللغوية التي تكون على هوامش النصوص إذا توفرت.. ومع مرور الزمن كان فهمي واستيعابي لهذه النصوص يزدادان لأنني كنت أعكف على قراءة النص الواحد مرات عديدة دون كلل..

س16- تقول انك تكتب لأنك إن لم تكتب فسوف تغص بما لديك من تأملات عاطفية وفكرية.. وان الكتابة هي المتنفس الوحيد لديك ..هل هذا يعني انك تتفق مع من يقول بأن الكتابة تحقق نوع من التوازن ..وان كانت كذلك فهل هي إذا نتاج حالة نفسية قد تصبح مرضية في حالة غياب الكتابة عند الشخص الذي يمتلك مثل هذه التأملات؟

- أجَل.. الكتابة عندي هي أفضل ما يمكن أن يحقق التوازن النفسي العاطفي والفكري للكاتب.. إنني أشعر أنها سلاح قوي في ملكيتي أستطيع أن أخرجه من غمده في أي وقت لمجابهة كل ما يعتمل في داخلي من هواجس فكرية أو عاطفية.. ولكنني لا أستطيع القول إنني أشعر بالنقص إن مرت علي فترة طويلة دون أن أكتب شيئا.. فهي إذن ليست مرضا أعاني منه.. بل هو نزوع ذاتي إلى التعبير عما يشغلني وأحيانا أحقق به ترفا من نوع خاص لا أجده في الحياة بمفهومها المادي الصرف.

س17- واضح انك تتفق مع الطرح بأن " المعاناة رافد من روافد الإبداع" فهل هذا يعني انك تتفق معي في طرحي بأن اليتم وكونه أعظم فجيعة يمكن أن تصيب الإنسان وتسبب له أعلى حالة من حالات المعاناة لا بد هو منتج الشعراء الخالدون أمثال المتنبي؟

-لا شك أن المعاناة أول ما يدفع الكاتب بشكل عام إلى الكتابة بغية التخفيف عن نفسه من آثار ما يعانيه.. ونحن حين نعود إلى سِيَر الكثيرين من عباقرة الكتابة نجدهم قد عانوا في حياتهم بشكل أو بآخر.. ومعاناتهم ساهمت في نبوغهم الأدبي والفكري.. انظر مثلا إلى طه حسين ومعاناته مع فقدان البصر منذ ريعان الشباب وكيف ساهمت في خلق أديب عملاق لا يتكرر.. وانظر إلى الشابي كيف ساعدت معاناته على خلق شاعر متميز لا ينتطح بشأن شاعريته عنزان.. والأمثلة كثيرة في هذا الباب.

س18- في تصورك ما هو سر شعورك بتلك الرهبة من الموت؟ وفي أي سن أدركت معنى الموت؟ بمعنى متى واجهت الموت واختبرته عن قرب؟ وهل تعتقد أن غرامك بالطبيعة عبارة عن نوع من الهروب من ذلك القلق الوجودي أم هو افتنان بعناصر الجمال فيها؟

- إن رهبتي من الموت نابعة من حبي للحياة والبهجة التي أشعر بها وأنا أنظر إلى الطبيعة بمختلف مكوناتها وأتفكر في الوجود وأجمل تجلياته.. إن الشاعر يتميز بافتتانه بالجمال أيا كان مصدره لأن الجمال هو ما يدفعه إلى الكتابة في حقيقة الأمر.. ولذلك تجد حتى الشعراء الذين يتعرضون للموت في قصائدهم يحاولون اكتشاف الجانب الإيجابي فيه إذا عنَّ لهم ذلك..

س19- هل تتفا جئ أحيانا عندما تعيد قراءة القصيدة التي تنتهي من كتابتها أو عندما يقدم احدهم شرحا لها فتجد فيها صور وأبعاد ومعاني كأنها كودات لم تقصد تضمينها أصلا، ولم تدرك في البداية وجودها؟ وهل تخطط للقصيدة أم انك تسجل تلك ألدفقه العاطفية ثم تعود لتطوير ما جادت به قريحة الشعر؟

-نعم أشعر بفرحة غامرة عارمة حين أجد مَن يهتم بما أكتب ويحاول شرح ما أرمي إليه في قصائدي للقارئ العادي الذي قد لا يتمكن من سبر أغوارها.. حين أشرع في الكتابة لا أضع أمامي مخططا للقصيدة ولا ما يجب أن أذكره فيها بل أطلق لقلمي العنان فأتركه يدون ما يتبادر إلي من دفقات عاطفية ولمحات فكرية دون أن أحاول توجيه مجرى تلك الدفقات أو وضع تلك اللمحات في إطار معين.. لهذا السبب فانا من الشعراء الذين يكتبون القصيدة لأول وهلة وحين الانتهاء منها لا يعودون إليها بهدف التنقيح إلا في حالات قليلة جدا..

س20- هل تعتقد أن القدرة على كتابة القصيدة العمودية مرتبط بالذائقة وهي مثل الموسيقى تحتاج أن يكون صاحبها صاحب أُذن موسيقية أم أن الأمر له علاقة بقدرة الشاعر نفسه على تطوير تلك الذائقة وهل يمكن تطوير هذه الذائقة وكيف؟

-إن كتابة القصيدة العمودية بما يفرضه ذلك من إتقان للغة والعروض والإيقاع الشعري هي ما يمكن أن يوضع بمثابة معيار لتصنيف الشعراء والتمييز بينهم.. أنا لا أنكر أن قصيدة النثر مثلا قد استطاعت فرض نفسها شكلا شعريا له جمهوره وكتابه، ولكنني لا أنكر أيضا أن الذين يفضلونها على القصيدة العمودية أو التفعيلية إنما يفعلون ذلك للتغطية على قصورهم في التحكم في العروض ولوازمه.. والشاعر في اعتقادي مطالب بأن يخلص لقواعد الكتابة الشعرية حتى لا يصبح الأمر فوضى قد تؤثر على الذائقة الأدبية بشكل عام.. وبالمناسبة فأنا ممن كتبوا قصيدة النثر على سبيل التجريب ولكنني لم أجد في نفسي تلك المتعة التي أجدها وأنا أكتب القصيدة العمودية.. والغريب أن بعض هذه القصائد – النثرية – قد فاز في مسابقات على مستوى الشبكة العنكبوتية..