الموضوع: كشكول منابر
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-03-2021, 11:39 PM
المشاركة 3246
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: كشكول منابر
كتب: الدكتور.يوسف بكار

في الشّعر العربيّ القديم والمعاصر أبيات مشهورة معروفة لها حقائقها ومناسباتها الخاصة يُستشهد بأكثرها كثيراً هذه الأيام بنحوٍ ما دون معرفة قائليها، في الغالب، ومناسباتها، وقراءتها قراءة صحيحة دقيقة واستهجان بعضها قديماً؛ في حين أن الحقيقة غير هذا؛ وهو ما حفزني على أن أقف عندها وأذكر قائليها وأنبّه على حقيقة كلٍّ منها ومناسبته وأفسّر ما قد يحتاج إلى تفسير درءاً للأوهام والظنون وشطط الاستشهاد والتفسير.

في الشعر المعاصر
(1)
قَتْل امرئٍ في غابة جريمةٌ لا تُغْتَفرْ
وقَتْل شعبٍ آمــــــنٍ مسألةٌ فيها نظرْ!
البيتان للأديب السّوري أديب إسحق (1856-1885). أشهر ما عُرف به اشتغاله بالصّحافة عملاً وتأسيسَ صحف ومشاركةً في بعضها في بيروت والإسكندرية والقاهرة وباريس. من أشهر أعماله كتاب «الدّرر» الذي جمع فيه مقالاته ومنظوماته الشعريّة (1).

(2)
طرقتُ الباب حتّى كلّ متني
فلمّا كلّ متني.. كلّمتنـــــــي
فقلت لها: يا أسما عِيلَ صبري
فقالت لي: يا إسماعِيل صبري
ولهذا البيت رواية أُخرى، هي:
فقالت: يا إسماعيلُ صبراً
فقلت لها: يا أسما عيلَ صَبْري!
بداية، البيت الأول (طرقت ...) من بحر الوافر وقافية «النون»، والبيت الآخِر في الرّوايتين على رويّ / قافية «الرّاء»، لكنّه مكسور فلا هو من الوافر كالأوّل ولا من أيّ بحر آخر. يجب، لكي يكون كالبيت الأول وزناً في الرواية الأولى هكذا:
فقلت لها: أيا أسما عِيلَ صبري
فقالت لي: أيا إسماعيلُ صبري
وفي الرواية الأُخرى:
فقالت لي: أيا اسماعيلُ صبراً
فقلت لها: أيا اسما عِيلَ صبري
هذان البيتان يُستشهد بهما كثيراً في كتب البلاغة العربيّة الحديثة على «الجناس التّام» في «كلّ متني» (تعبت) و»كلّمتني» (حدّثتني) في الأول، وفي «أسما عيل صبري» (نفد صبري يا أسما) و»إسماعيل صبري» (اسم الشّاعر). لكنّهما كانا يذكران دون اسم الشّاعر صراحة ودون مناسبتهما.
الظنّ السّائد، فضلاً عن الشّاهد البلاغي، أنّهما في «الغَزَل» لذكر «أسماء» فيهما، حتّى إن كثيرين كانوا يقرأون، لتأكيد هذا، لفظة «كلّمتني» في البيت الأول «كَلَمَتْني» أي «جرحتني» دون اهتمام أو مراعاة لانكسار الوزن!
البيتان للشّاعر الإحيائي إسماعيل صبري باشا (1854-1923). وقد سمّاه عامر بحيري «إسماعيل صبري الكبير» منعاً لالتباسه بشاعر آخر اسمه «إسماعيل صبري» (1886-1953) وصفه بـِ «الصّغير» في مقدمته على ديوانه الذي حقّقه هو والدكتور محمد القصّاص والدكتور أحمد كمال زكي ونشروه بعنوان «ديوان إسماعيل صبري»(2) ووضعوا تحته «أبو أُميمة» تأكيداً لمنع اللّبس.
الغريب أن البيتين ليسا في ديوان «إسماعيل صبري باشا»(3) (الكبير)، ولا عجب لأنّ الشّاعر لم يجمع شعره وينشره في حياته، بل جمعه بعد مماته حسن رفعت (بك)، وصحّحه وضبطه وشرحه أحمد الزّين.
فأمّا رواية البيتين الأولى، ويبدو أنّهما من شعر البدايات، فجاءت في كتاب «الشّاعر إسماعيل صبري» للدكتور عبده بدوي في كلامه على إكثار الشاعر من فنون علم البديع حيث يقول(4): «وقد أكثر في أوّل عمره من البديع وتعسّف في هذا تعسُّفاً كبيراً...، واستعمل ما يمكن أن يسمّى (اللّعب اللّغوي) حين يستعمل نوعاً من الجناس المتداخل بحيث تلتبس الكلمات عند السّامع، ولا يساعد السّياق على الفصل الواجب في أمثالها».
أمّا الرّواية الأخرى والأهم فأوردتها مجلة «العربيّ»(5) الكويتية في زاوية «طرائف عربيّة»، وأماطت اللّثام عن مناسبة البتين، فقالت «كان للشّاعر إسماعيل صبري أُخت اسمها (أسماء). ويُحكى أنّه رجع ذات مساء إلى المنزل بينما هي مشغولة في المطبخ. وظلّ إسماعيل يطرق باب المنزل طويلاً دون أن تجيبه؛ فنادى إسماعيل على أُخته من وراء الباب: ... (البيتان)».

(3)
دبِّرها يا (مستر دِلْ)
بلكي على إيدك بتْحِلْ
لفت مقال الكاتب عودة عودة «دبّرها يا مستر كيرى»(6) انتباهي إلى هذا البيت الشّعري الشعبي الذي يعرفه كثيرون من أجدادنا وآبائنا ومعمّرينا، لكنه لم يذكر اسم قائله.
قائل البيت هو نوح إبراهيم(7) (1913-1938) الشاعر الفلسطيني الشهيد شاعر ثورة 1936. وُلد في مدينة حيفا وتّلقى فيها دراسته الابتدائيّة، بيد أنّه ترك الدراسة لحاجة أسرته واشتغل عاملاً في إحدى المطابع. شارك في الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة تلميذاً صغيراً، وساهم -بعد عمله في المطبعة- في إخراج الكلمة الحرّة المطبوعة إلى الجماهير. تفتّحت فيه روح الشّاعر الشعبيّ، وهو في تلك السّنّ المبكّرة فأصبح الروح الوطنيّة العامّة الحيّة في فلسطين والأقطار العربيّة المجاورة.
ارتبط بالشيخ عزّ الدّين القسّام وحركته الثوريّة، فأُطلق عليه لقب «تلميذ القسّام»، وحين استشهد القسّام رثاه بقصيدة طويلها منها:
عزّ الدين يا خسارتك رحت فدا لأمتك
مين بينكر شهامتك يا شهيد فلسطين
أمّا «مستر دل» فهو «جنرال» إنجليزي عيّنته بريطانيا قائداً عامّاً لجيشها في فلسطين لقمع الثورة، فنظم نوح قصيدة شعبيّة أصبحت أغنيّة يخاطبه فيها ساخراً:
يا حضرة القائد (دِلْ) لا تظن الأُمة بتحِلْ
لكن إنت سايرها بلكي على إيدك بتحِلْ
فهِّمْ لندن باللّي صار واللّي بعده ما راح يصير
العرب اُمّة إصرار صداقتها لازمتكو كثير
دبّرها يا (مستر دل) بلكي على إيدك بتحِلْ
وحين انتشرت الأغنيّة اعتقلته سلطات الانتداب البريطاني، ثم أطلقت سراحه؛ لكنّ مراقب المطبوعات حظر توزيع مجموعة أشعاره «مجموعة أناشيد نوح إبراهيم في فلسطين» التي طُبعت خارج فلسطين، في فلسطين وأمر بمصادرة نسخها.
لم يكتفِ الشاعر بذلك، إنّما ندّد بالمندوب السامي البريطاني (واكهلوب) وتآمره مع الحركة الصهيونيّة واغتصاب الحقوق الفلسطينيّة في أثناء عمله، وتهكّم عليه في قصيدة شعبيّة طويلة منها:
في مدة هالخمس سنين فوّضوك ع فلسطين
طيّرت حقوق العرب وقوّيت الصهيونيين
انفتحت أبواب الهجرة حتّى صرنا مهدّدين
وحين وصلت لجنة التحقيق الملكيّة البريطانيّة إلى فلسطين، خاطبها بقوله:
فلسطين قضيتها زي الشّمس مفهومهْ
الصهيونيّة اغتصبتها وبدها تعمل حكومهْ
والعرب بدها حقوقها ومطالبها المهضومهْ
زجّت سلطات الاحتلال به في شباط 1937 في سجن المزرعة، ثم في سجن عكا. ولما أُطلق سراحه التحق بصفوف الثّوار وشارك في معاركهم واستُشهد في إحداها في تشرين الثاني 1938.

(4)
يا أُختَ وادٍ قد «دعوتكِ باسمه»
وله نسبتُ تبرُّكاً ديواني
البيت لشاعرنا مصطفى وهبي التّل «عِرار» من قصيدة في ثلاثة وعشرين بيتاً عنوانها «عشيّات وادي اليابس» وتحته مباشرة هذا الإهداء: «تقدمة احترام إلى فتاة وادي اليابس»(8).
لا بدّ من التّذكير أوّلاً أنّ اسم «وادي اليابس» غُيّر إلى «وادي الريّان». وقد شاع واستطار أن عنوان ديوان الشّاعر منسوب إلى اسم الوادي القديم. لكنّ القراءة المتأنيّة للبيت أعلاه لا سيّما «دعوتك باسمه» تشي أنّ اسم أُخت الوادي «هو «عشيّات» التي أضافها إلى «وادي اليابس»، فأصبحت «عشيّات وادي اليابس» الذي غدا عنواناً للدّيوان كلّه تبركاً بها أو تقدمة احترام كما في إهداء القصيدة.
يؤيد هذا أن «النَّوَر» يسمّون مثل هذا الاسم، كعطيّات وعنايات ونعمات ربما، وهم جوّالة لا يستقرون في مكان واحد، تقليداً للأسماء المصريّة والتركيّة من هذا القبيل. ويؤكده رواية روكس بن زائد العُزيزي، وهو مَن هو في الدراسات الأردنيّة، عن صديقه «زعل القسوس»، أنّ «عشيّات» ليست جمع «عشيّة»، بل هي فتاة اسمها «عشيّات» عرفها من كثب (من قرب)، لأنّه كان يذهب مع عِرار إلى «وادي اليابس» آنذاك حيث كانت مضارب «إخوان سلمى»(9) (النّور).
أروع ما في هذه القصيدة الأبيات الآتية التي تمزج الاجتماعي بالسّياسي الوطنيّ:
قوْمي وقومك في الصَّغار وجهلِهم
معنى الحميّة كفّتا ميزانِ
يا (أُخت سلمى) في غِناك عذوبة
تُبكي ويُغْرق دمعُها أحزاني
وعَرْفتُ فيما أنت فيه من الأذى
ومن الصّغارة والهوانِ هواني
أهلوكِ قد جعلوا جمالك سَلْعةً
تُشْرى وباع بنو أبي أوطاني!
وذووك قد منعوكِ كلّ كرامةٍ
وأنا كذلك حارسي سجّاني!

(5)
رُلى عرب قصورهم الخِيامُ
ومنزلهم حَماةٌ والشآمُ
إذا ضاقت بهم أرجاء أرضٍ
يطيبُ لغيرهم فيها المقام
البيتان مطلع قصيدة عنوانها «عليا وعصام» للشاعر اللبناني المهجري قيصر معلوف (1874-1961) الذي هاجر إلى البرازيل عام 1895 وأصدر صحيفة «البرازيل»، فكانت أوّل الصّحف العربيّة في المهجر الجنوبي. عاد إلى لبنان عام 1906(10).
وآخر القصيدة:
وأغمدت الحسام بها وقالت:
«على الدّنيا ومن فيها السّلام»