عرض مشاركة واحدة
قديم 01-31-2016, 02:18 AM
المشاركة 35
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

5 أعوام على 25 يناير: غاب الثوار وحضر العسكر وخميرة لثورة قادمة تكتمل
إبراهيم درويش
january 30, 2016


بعد خمسة أعوام على مرور الثورة المصرية في 25 يناير تحولت مصر في يوم الذكرى إلى ثكنة عسكرية، وعاد ميدان التحرير الذي انطلقت منه شعلة الثورة إلى «دوار» لمرور السيارات، ولم يعد المكان الذي التقى فيه الثوريون قبل خمسة أعوام وهتفوا «خبز، حرية وعدالة اجتماعية»، صلوا وغنوا وحلموا بغد أفضل ومستقبل جميل لأطفالهم. في يوم الإثنين الأسبوع الماضي بقي الثوار في بيوتهم وتركوا الميدان لهتاف جديد باسم طاغية أو فرعون جديد من فراعنة مصر الذين يتحكمون بمصيرها منذ عقود. وكعادة الفراعنة تصرف النظام بعصبية مبالغ فيها كما لاحظت مجلة «إيكونوميست» (23/1/2016) وقالت إن الحكومة الحالية التي يقودها عبد الفتاح السيسي حاولت منع مخاطر تكرار السيناريو نفسه الذي أطاح بحسني مبارك في عام2011.
ومن أجل نسيان الذكرى «المزعجة» عبأت الحكومة رجال الدين وقادة العمال ومقدمي البرامج التلفزيونية في محاولة لمنع الناس من الخروج إلى الشوارع. وأظهرت الحكومة «حماسا منقطع النظير» وشنت حملة اعتقالات لأشخاص ورمتهم في السجون إلى جانب عشرات الألوف من المعتقلين السياسيين الذين يقبعون فيها. وطال القمع أيضا الصحافيين ومدراء صفحات فيسبوك بل وداهمت الشرطة مسارح وغاليرهات للفنون في وسط القاهرة. وتقترح الممارسات التي قام بها النظام أن الدائرة قد اكتملت، فقد تم تناسي ذكرى الثورة عندما أكدت الدولة على الإحتفال بـ «يوم الشرطة» وهو اليوم الذي اندلعت فيه ثورة 25 يناير. فالدولة المخيفة باتت تحكم عبر الخوف وتبني شرعيتها من خلال العنف وتعامل بوحشية حتى نقادها اللطيفين. فالعنف حسب صحيفة «الغارديان» أصبح عادة يمارسها النظام للتشويش على حياة الناس الناقدين له مع أنهم لا يمثلون تهديدا حقيقيا. وترى الصحيفة أن منظومة العنف هي جزء من تبرير دعاية الحكومة واسطورة محاربة الإرهابيين والتي تقول يجب الإنتصار عليهم بأي ثمن. ولهذا فهي تبرر عبر هذه الإسطورة كل أنواع الإجراءات القاسية. ولا يعني التقليل من شأن التحدي الإرهابي في مصر خاصة ما يجري في سيناء لكن سياسات الحكومة تزيد من خطرها. فسياسة الأرض المحروقة التي تمارسها في سيناء تنفر الناس منها وتجعل المنطقة حضنا لكل المتمردين عليها.
عليه أن يخاف من الشعب
وتعتقد «الغارديان» أن تحدي الإرهاب هو جزء من مشاكل دولة ما بعد انقلاب تموز/يوليو 2013 إلا أن التحدي الحقيقي يظل هو قدرة النظام السيطرة على مجتمع غيرته وبعمق تجربة وثورة عام 2011 لدرجة أنه لم يعد يتقبل بحكم نخبة صغيرة من العسكر والبيروقراطيين ورجال الأعمال المتحالفين معهم. ومن هنا ترى الصحيفة أننا إن نظرنا للثورة من هذه الزاوية فالنظام يواجه معضلة كبيرة. فالمجتمع الذي يحكمه السيسي وإن لم يتغير على مستوى النخبة لكنه تحول على مستوى القاعدة، وهي التي رفضت الخروج للتصويت بالانتخابات البرلمانية في الخريف. وكما يقول جاك شينكرفي كتابه «المصريون: قصة راديكالية» الذي صدر يوم الخميس فمن يغير مسار مصر اليوم ليس السيسي ونخبته ولكنهم المزارعون المتمردون والعمال والمغنون الشعبيون والناشطون والناشطات النسويات الذين يقومون بخلق سياستهم من القاع. من الباكر الحكم على الثورة المصرية، فلم تنته قصتها ولا الثورة المضادة.
علامات تصدع
ولنبدأ بالثورة المضادة، فقد أقام السيسي شعبيته على تصديه للإخوان واستخدامه شماعة الترهيب منهم لتعزيز أعمدة حكمه. ومن هنا أعاد استنساخ «الدولة العميقة» في عهد مبارك والتي تتكون من زمرة أصحاب المصالح والرساميل ومؤسسات الدولة مثل الجيش وقوات الأمن والإعلام والقضاء والقبائل المؤثرة في منطقتي الدلتا والصعيد. ولا يزال السيسي يتمتع بشعبية بين الناس، لكنها ليست كما في السابق والسبب متعلق بالحالة الاقتصادية وتراجع العملة الصعبة رغم الإعلان عن المشاريع الضخمة وافتتاحها بهالة من العظمة والأبهة فالحالة الاقتصادية لم تتغير ولم يحضر المستثمرون بعد، مع أن النظام نجح في مؤتمر شرم الشيخ في أذار/مارس 2015 بالحصول على تعهدات بالمليارات من الدولارات. والمسألة كما لاحظ إريك تريغر في مقال نشرته مجلة «فورين بوليسي» (22/1/2016) ونقل عن رجل أعمال مصري قوله «إن كانت شعبيته عندما وصل الحكم هي 93٪ فقد أصبحت الآن 60٪ . مشيرا إلى انتهاء «شهر العسل» للسيسي. وقال تريغر أن مخاوف السيسي من أن يكرر التاريخ نفسه وينتفض الشعب ضده مبررة. لكن الخوف ليس نابعا من هذا الجانب. ففي ضوء ما يجري في دول الربيع العربي من فوضى وحروب ودمار لا أحد من المصريين يرغب الدخول بالمتاهة نفسها. ورأى تريغر أن خوف السيسي يجب أن يكون من «الدولة العميقة» التي وحدتها كراهية الإخوان وتفرقها دائما المصالح. والآن تم تدمير الإخوان وسجن قادتهم وشردوا فلم يعودوا يهددون النخبة الحاكمة، وظهرت ملامح من التوتر بين الرئيس ورجال الأعمال والشرطة والجيش والإستخبارات، ضرب تريغر أمثلة عن المخاوف التي تعتري النخبة ضد بعضها البعض مثل اعتقال رجل الأعمال صالح دياب ونجله في عملية قام بها «زوار الفجر»، وهجوم السيسي على نخبة أصحاب المصالح في كلمة له ببور سعيد. ومنها سماح المخابرات لشلة الإعلام بنقد السيسي كما فعلت لميس الحديدي وزوجها عمرو أديب. و بالسياق نفسه اتهم توفيق عكاشة المخابرات باستخدامه للهجوم على الإخوان. وقال في مقابلة مع يوسف الحسيني «أخذوا ما يريدون ثم أصبح عكاشة مشكلة». ومن مظاهر التوتر داخل الجيش الذي ينحدر منه السيسي سجل الكاتب مستوى من عدم الثقة نابع كما قال تريغر من حالة عدم ثقة وحسد بين قيادات الجيش البارزين. وأخبر مسؤول الكاتب «يقول الجنرالات إن السيسي معزول وأحاط نفسه بمجموعة من الرجال الذين لا يملكون أجوبة». و «بدأوا يطرحون أسئلة، لماذا تغرف الإسكندرية ولماذا قتل السياح المكسيكيون، هذا أمر مثير للخجل». وتظل مؤسسة الجيش هي المؤسسة التي استفادت من التغيير. فشعور السيسي بالامتنان لها جعله يغدق عليها من العطايا والعقود مما وسع امبراطورية الجيش الاقتصادية.
لعبة الجيش
ولا بد من الإشارة إلى حسابات الجيش في الثورة ضد مبارك ومن ثم انقلابه عليها. ويعتقد كل من ناثان براون وياسر الشمي بمقال نشرته دورية «فورين أفيرز» (25/1/2016) أن الجيش تعامل مع الثورة كلحظة تهدد البلاد بالفوضى والإطاحة بالنظام السياسي والاجتماعي. فرغم دعم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعض مطالب المتظاهرين خاصة أنه كان ضد توريث مبارك الرئاسة لابنه جمال وكان غير راض عن تنامي سلطات وزارة الداخلية في النظام السياسي إلا أنه تحرك عندما استجمعت الثورة زخما وقام بخلع مبارك الذي كان أحد جنرالات القوات الجوية. وجاء تحرك الجيش ضمن ما يراه دورا تاريخيا لحماية الشعب والتخلص من الشخصيات الحكومية التي فقدت شرعيتها. ويقترح الكاتبان أن الجيش استطاع تحقيق المهمة نظرا لقربه من السياسة منذ ثورة عام 1952. ويناقش الكاتبان أن الجيش حاول عبر ثورة 2011 لعب دور الوصي على البلاد وإصدار المراسيم والإعلانات الدستورية من جهة واحدة مع الحفاظ على حكومة مدنية تتمتع باستقلالية ذاتية في الصحة والتعليم والبنية التحتية. والأكثر طموحا هو أن المجلس سعى لإجراء انتخابات حرة والسماح للأحزاب الإسلامية بالمشاركة ويبدو أن الفكرة كانت تهدف لخلق نظام «استبداد تنافسي». ولو نجح هذا المجهود لأعاد الجيش فرض سلطته ولكن كوصي على نظام شبه ديمقراطي مستقر داخليا ومقبول دوليا. ولكن الجنرالات لم يتمكنوا من السيطرة على النتائج وفشلت استراتيجيتهم. فقد أنتجت الانتخابات البرلمانية عام 2011-2012 برلمانا بأغلبية إسلامية حيث حصل حزب «الحرية والعدالة» المنبثق عن الإخوان المسلمين على نصيب الأسد وتبعهم السلفيون الأكثر تطرفا. وتبخرت الآمال بأن يكون الرئيس عسكريا عندما فاز مرشح الإخوان الثاني محمد مرسي على الجنرال المتقاعد أحمد شفيق. وتحرك مرسي بسحب السطلة التشريعية من المجلس العسكري ثم عين مدير المخابرات العسكرية عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع مكان المشير محمد حسين طنطاوي. ويرى الكاتبان أنه لم يحدث أي تعاون بين الإخوان والمجلس العسكري، بل قام الإخوان المسلمون بحملة تدجين فاشلة للجنرالات. ومع أن التنافس عام 2012 لم يظهر واضحا (وتصرف الإخوان المسلمون وكأن عندهم متسعا من الوقت لإدارة العلاقة) إلا أن الجنرالات كانوا يستعدون لتأكيد صدارتهم. وأثبتت الوقائع أن الجيش تحرك للحد من سلطات البرلمان وتقييد حركة الرئيس الدستورية. وعندما اتضح للجيش أن الإخوان المسلمين يسعون لفرض سيطرة مدنية على القوات المسلحة قامت الأجهزة الأمنية بتشجيع المظاهرات وأطيح بالرئيس. ولا يعفي الكاتبان الإخوان من المسؤولية ويميلان إلى أن الجيش تدخل لإنقاذ البلاد من الانهيار الكارثي وفرض النظام مهما كلف الأمر.
هل أنقذ السيسي البلاد؟
ولكن النظام الذي أنتجه الإنقلاب كان أسوأ من حكم الفرد الواحد الذي كان في عهد مبارك. وقد يكون هناك تقارب من ناحية القمع بين نظام السيسي والفترة الناصرية (1956- 1970) لكن السيسي لا يملك عقيدة ولا حزبا وكل ما لديه هو شعارات قومية باهتة. وهنا يمكن مقارنة نظامه بالأنظمة الاستبدادية التي ظهرت في جنوب أوروبا وأمريكا اللاتينية منتصف القرن العشرين. وفي هذا النظام لا يمارس من السياسة إلا القليل وفي حدود ضيقة. وتترك فيه القرارات المهمة لمؤسسات الدولة المتخصصة (والتي لا تخضع للمساءلة). ويتفاخر جيش مصر أنه أنقذ البلاد من مصير ليبيا وسوريا واليمن. وهو إن كان إنجازا يحسب له لكن حركته لم تقض على الظروف التي قادت للثورة الأولى. فكما تناقش إميلي كرين لين بـ «فورين بوليسي»(27/1/2016) فعلاقة السيسي بالجيش تظل رهنا بقدرته على توفير المشاريع والأموال له. وعندما تنضب الأموال الخليجية سيواجه امتحانا حقيقيا. وفي اندفاعته القصرة الأمد ومشاريعه الضخمة نسي الرئيس المصري الناس العاديين وهم الذين كانوا وقود الثورة. وفي هذا السياق حذرت صحيفة «واشنطن بوست» (25/1/2016) من تفكك النظام المصري الذي تجاهلته إدارة الرئيس باراك أوباما وأستأنفت المساعدات السنوية له بقيمة 1.5 مليار دولار تحت ذريعة أن دعم الأنظمة الديكتاتورية سيقود للإستقرار. وعلقت قائلة «على الإدارة أن تعرف الآن أن مراهنتها كانت سيئة. وفي حالة عدم حدوث تغيرات واسعة في سياسات النظام فمن المتوقع أن تتجه أكبر دولة عربية تعدادا للسكان نحو الإنهيار». وختمت بالقول «لا تستطيع الولايات المتحدة بالضرورة وقف الدمار الذاتي الذي يمارسه السيسي. ويمكنها تعبيد الطريق لمستقبل أفضل من خلال حث النظام على وقف محاكمة المعارضين السلميين بمن فيهم القادة العلمانيون والليبراليون الذين شاركوا في ثورة 2011 ومعظهم إما في السجن أو اختاروا المنفى. وعلى الولايات المتحدة ربط المساعدة بحرية الإعلام وإلغاء القوانين القمعية مثل قانون منع التظاهر». وإن غدا لناظره قريب.
إبراهيم درويش