عرض مشاركة واحدة
قديم 08-17-2011, 12:21 AM
المشاركة 33
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قراءة نقدية معمقة لقصة " المهلهل" لكاتبها القاص مبارك الحمود:

اقتباس من قصة المهلهل :
لم يكن أبي الوحيد الذي كان يعاملني هكذا, فهناك الكثير من الناس, أقارب وأغراب, ومازلت أتذكر تهكم مدير المدرسة وقوله لي يوما -وهو يقرب شفاهه الثخينة اللزجة من ميكرفون الإذاعة- قبل قراءتي لفقرتي: يجب أن تغير ثوبك المهلهل القذر هذا, النظافة من الإيمان أليس كذلك يا أبنائي الصغار؟, لينظر لي بعدها مبتسما بأسنانه الصفراء المبقعة التي يغطيها العفن.
لم أجبه, فلم أعرف معنى مهلهل, ولكني ضحكت كثيرا على ذلك التعبير, وكان ضحكي يتردد صداه في مكبرات الصوت, فقد تخيلت نفسي ألبس ثوبا من الهللات الحديدية.. أمشي به بثقل وجسدي الضامر يبدو من خلال شقوق التقاء الهللات, سآخذ في كل يوم أجوع به بعضا منها حتى تكتمل الصورة بفقدها من على جسمي جميعا, ضحكت على تلك الكلمة, وتركت المدير جامدا بابتسامته تلك التي استمر عصب فمه مشدودا بها طوال اليوم.

في هذا الجزء من القصة يبدو أن القاص مبارك الحمود يؤكد على الأحداث التي صبغت وشكلت حياة الطفل الراوي في القصة، والتي جاءت في مجملها مسيئة له، فلم يقتصر الأمر على والد بطل القصة، وإنما امتد سوء المعاملة ليشمل أقارب وإغراب.
وهنا نجد مبارك الحمود يستثمر التضاد والذي له اثر كبير على عقل المتلقي. ومن بين الأمور التي شكلت وصاغت شخصية بطل القصة، وكان لها تأثير كبير عليه وعلى تركيبته النفسية اللاحقة، ذلك الموقف الذي تهكم فيه مدير المدرسة على الطفل (المهلهل) وإحراجه أمام أقرانه من الطلاب بطلبه منه ضرورة تغير ثوبه المهلهل، والقذر.
ونجد في هذا الفقرة استثارة لحاستي الذوق والسمع، وذلك من خلال ذكر ( شفاهه وميكرفون وقراءة )، ثم نجد تسخير للتضاد من جديد بذكر (القذر والنظافة)، ثم نجد ذكر للون الأصفر، ومرة أخرى تذكير بالشفاه والأسنان وحاسة الذوق.
ثم من جديد في السطر التالي تسخير للتضاد ( الضحك والصدى) واستثارة لحاسة السمع من خلال ذكر مكبرات الصوت من جديد، واستثارة للمخيلة ( تخيلت )، ثم نجد ذكر للحركة (امشي)، ونجد هنا تصوير جميل وكأن القاص يرسم ذلك الطفل بحاله البائس وثوبه القذر والذي تخيله مكسو بهلالات حديدية، يبدأ في تناولها بدل الأكل أذا ما جاع، لحين أن تنتهي فتكتمل الصورة، وهو حتما وصف مؤثر للغاية تمكن القاص من خلاله من أن ينقل إلينا حالة البؤس والجوع التي كان يعاني منها الطفل والتي أحسن القاص تصويرها.
والضحك والابتسامة والفم كلها تذكر بحاسة التذوق، وهنا ما يشير إلى نقيض الحركة ( جامدا ) وكل ذلك يجعل هذه الفقرة تنبض بالحياة.
وهذه الفقرة هي مؤشر آخر أن القاص مبارك الحمود على دراية حتما بنظرية فرويد والتي تنص أن أحداث الطفولة المبكرة هي التي تصنع شخصية الطفل، ونجد أن مصير هذا الطفل (بطل القصة) قد رسم وحسم من خلال مجموع هذه المآسي التي أصابته منذ يوم مولده.

يتبع،،