عرض مشاركة واحدة
قديم 10-28-2016, 01:51 AM
المشاركة 27
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
الانتخابات الأمريكية والحراك الداخلي في الحزبين الكبيرين
عن القدس العربي
[1]
لم يبق على حسم الانتخابات الأمريكية إلا عدة أيام. وتكاد تجمع استطلاعات الرأي على فوز مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون أمام منافسها عن الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، لتكون بذلك أول سيدة تصل سدة الرئاسة في البلد الأقوى في العالم.
وبانتخاب سيدة للبيت الأبيض يكون الشعب الأمريكي قد تجاوز الحاجز الأخير من الحواجز الثلاثة التي كانت تعتبر من المسلمات في مواصفات رئيس البلاد وهو حاجز الجنس. فقد تجاوزالشعب الأمريكي الحاجز الديني عندما انتخب عام 1962 جون كيندي الكاثوليكي رئيسا لبلد غالبيته من البروتستانت وتجاوز حاجز اللون عندما انتخب باراك أوباما عام 2008. لكن حملة الانتخابات الحالية بين مرشحي الرئاسة المتنافسين للوصول إلى البيت الأبيض تختلف عما سبقتها كثيرا وستبقى في ذهن الأجيال التي عاشتها سابقة لم تشهد هذه البلاد مثيلا لها منذ أن إستقر نظامها الجمهوري قبل قرنين ونيف من الزمان، بل وستحفر في الذاكرة الجمعية للشعب الأمريكي بأنها الحملة الانتخابية الأسوأ والأكثر قبحا وفظاظة وسوقية وردحا وشتائم. ولا تكاد تجد أحدا من الناس راضيا تماما عن المرشحين بل أن الغالبية الساحقة يقولون إن الاختيار في هذه الانتخابات هو بين الرمضاء والنار. فكثير ممن سيصوتون لكلينتون يؤكدون أنها شخصية غير محبوبة ولا تدخل المزاج وتكذب وانتهازية وغير مبدئية ومستعدة أن تغير جلدها من أجل أن تحقق هدفها. ويضيف هؤلاء أن عدم التصويت لها يعني ببساطة مساهمة في نجاح ترامب الأهوج والعنصري والسطحي والذكوري المتعصب وصاحب اللسان الذرب والملياردير النصاب الذي لم يدفع فلسا واحدا للضرائب منذ عام 1995 وصاحب النظرة الاستعلائية على كل من هو غير أمريكي أبيض غني ومؤيد له حصريا.
إذن نحن أمام منافسة لا تثير حماس أحد أو قناعة أحد بمقدار ما يراها الناس ضرورة بسبب استحقاق العملية الديمقراطية التي لا بد أن تصل إلى نهايتها بانتخاب رئيس جديد بعد نهاية الولاية الثانية للرئيس الحالي والتي بانتهائها يغلق الباب أمامه للترشح من جديد.
الحراك الداخلي في صفوف الحزبين
إن التنافس الذي حسم لصالح اثنين غير محبوبين يدل على أن هناك أزمة حزبية متفجرة داخل الحزبين الكبيرين. فالحراك الكبير الذي نضج داخل الحزب الديمقراطي جسده بيرني ساندرز بامتياز والذي خلخل قواعد الحزب المستقرة ليجمع حوله الملايين من الشباب والعمال والطلاب والأقليات، خاصة العرب والمسلمين. لكن قيادات الحزب الكلاسيكية استطاعت أن تحتويه مقابل تقديم بعض التنازلات التي أضيفت إلى برنامج هيلاري الانتخابي. وقد يكون الرجل قد وعد بمنصب مهم في أول وزارة تشكلها هيلاري في حال فوزها.
شكل ساندرز الاشتراكي وعضو مجلس الشيوخ المعروف تيارا عارما يقف مع الفقراء وضد الحروب ويطالب بتحديد قيمة تبرع الشركات للمترشحين ومعاقبة الشركات التي تلوث البيئة. وهو أول مرشح رئاسي يدعو إلى جعل التعليم الجامعي الأول مجانيا في كليات وجامعات الولاية وهذا الإعفاء تصل تكاليفه 70 مليار دولار سنويا. هذا الموقف لم يكسبه تأييد الطلاب وحدهم بل وأهاليهم والفقراء من الذين لا يستطيعيون دفع الرسوم الجامعية. وينادي ساندرز أيضا بثورة في موضوع التأمين الصحي وجعله شاملا ومن مسؤولية الحكومة الفيدرالية، مع العلم أن تكاليف التأمين الشامل ستصل في العشر السنوات المقبلة إلى 13.8 ألف مليار دولار يتحملها ذوو الدخل المرتفع والشركات الكبرى. بالنسبة للعمال فقد وعد في حال انتخابه، أن يجعل وفورا الحد الأدنى للأجور يصل إلى 15 دولارا. وقد تلقف ملايين العمال هذه المبادرة فأيدوه بقوة. كما أنه دعا إلى وضع قيود عديدة على اقتناء السلاح الفردي ووقف ترحيل المهاجرين المخالفين وتسهيل حصولهم على الإقامات الشرعية. وساندرز من الشجعان القلائل الذي انتقد الممارسات الإسرائيلية والاحتلال وطالب بإنشاء دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، كما أنه أيد الاتفاق مع إيران حول منشآتها النووية وانتقد خطاب نتنياهو في الكونغرس للتحريض ضد الاتفاق مع إيران. كل هذه الآراء الجريئة أربكت المؤسسة التقليدية، خاصة أن شعبية ساندرز بدأت تطغى حتى أن الحزب بدأ يضع الخطط لمواجهة شعبيته الطاغية لإنهاكه وبعثرة حملته الانتخابية وتعزيز حملة هيلاري.
لقد وجد العديد من الأجيال الشابة الذين التفوا حول ساندرز أنهم خارج ألاعيب الانتخابات وعزفوا عن اندفاعتهم الأولى بعد ترشيح مؤتمر الحزب لكلينتون وقرر البعض ألا يصوت لها لأنها لا تمثل طموحهم. كان هذا التيار في الحزب الديمقراطي يحاول أن يدفع بالحزب أو يجره إلى اليسار أو يسار الوسط لكنه فشل هذه المرة.
يبدو أن هذا الجيل الجديد هادئ الآن لكن الحراك النشيط والطاقة الكبرى التي بثها ساندرز في صفوف الشباب والعمال والأقليات والمهاجرين لن ينتهي مع انتهاء الانتخابات، بل سيعود ليعبر عن نفسه بطريقة أو بأخرى بعد الانتخابات استعدادا لتشكيل تيار عريض يدفع بالحزب نحو تبني آراء ليبرالية أكثر أو اشتراكية.
أما التمرد أو قل التفتت والتشرذم داخل الحزب الجمهوري فقد استفحل بحيث لم يعد الحزب قادرا على أن يلتف حول مرشح قوي، فأرغم على قبول ترشيح شخص من خارج الحزب أصلا وبلع الهزيمة مضطرا. ومع أن مؤتمر الحزب في النهاية اتفق على ترشيح ترامب للانتخابات، على طريقة «مكره أخاك لا بطل» إلا أن التمرد ما زال قائما حيث قاطع العديد من قيادات الحزب التقليدية حملة ترامب الانتخابية، بل أعلن بعضهم، مثل جورج بوش الأب وكولن باول وزير الخارجية الأسبق وميت رامني المرشح الرئاسي السابق وبوب دول المرشح الرئاسي الذي نافس كلينتون وغيرهم كثيرون، أنهم سيعطون أصواتهم إما لهيلاري كلينتون أو يمتنعون عن التصويت.
أزمة الحزب الجمهوري أكبر من تلك الموجودة في منافسه الديمقراطي. فالحزب لم يستطع أن يستقطب الأقليات ولا السود ولا جيل الشباب ولا المثليين ولا الفقراء والعمال. فما زال تيار قوي في الحزب يؤمن أن أمريكا من حق الرجل الأبيض الغني المتحدر من أصول أنغلو ساكسونية وذي عيون زرقاء وشعر أشقر ورقبة حمراء. جماعة في الحزب لا تحب الأجانب ولا المهاجرين ولا الأقليات. يعتقدون أن أمريكا مهددة من الأقليات والمهاجرين ولذلك عليهم مسؤولية إنقاذها. لكن القيادات الشابة في الحزب تريد له أن ينزل إلى الجماهير ويتعلم من أخطائه ويضع في حساباته مسألة استقطاب الأقليات والمهاجرين والسود والنساء. ولم يكن هناك من يمثل هذه التيارات بشدة فاختلف المرشحون وتنافسوا على التطرف مثل ماركو روبيو وتيد كروز وجون كاسيتش وصولا إلى ترامب الذي بدأ حملته الانتخابية بنوع من الديماغوغية والشعارات المستفزة لجميع الناس من حوله أولا ثم بدأ يحاول، وبصعوبة، ترشيد خطاب انتخابي عقلاني إلا أنه ظل يعود إلى ديماغوجيته رغم محاولاته البائسة فقد كشفت المناظرات الثلاث مع هيلاري سذاجة طرحه وتقلب مواقفه وصعوبة تحقيق آرائه غير الواقعية التي تستثير الاستهجان حتى من الأمريكيين أنفسهم، خاصة عندما أشار إلى أنه قد لا يقبل أن يلتزم نتائج العملية الانتخابية وكأنه يشكك في النظام الديمقراطي برمته.
بينما كان التمرد داخل الحزب الجمهوري على المؤسسة التقليدية التي تحاول أن تجر الحزب أو تدفع به إلى التطرف اليميني العنصري وعندما لم تجد من يمثل هذا التيار المتنامي بعد تفكك ما سمي بحزب الشاي التفت هذه المجموعات حول شخص من خارج الحزب وأنزلته بالمظلة من أبراجه العاجية ليقود ما تبقى من الحزب في حملة انتخابية هي الأسوأ في تاريخه. وبعد الفشل الذي نتوقعه مدويا يوم الثامن من نوفمبر لن يبقى الحزب الجمهوري كما هو بل نتوقع قيام الحزبين بمراجعة عميقة للإطار الأيديولوجي الذي ينطلقان منه والذي لم يعد متماسكا وينذر بالتصدع أو التفكك أو الانهيار.
أمريكا اليوم
تغيرت أمريكا كثيرا وكأن بها شعبين في دولة واحدة وكل من الشعبين يرى أمريكا من منظاره. الغالبية الساحقة من الشعب الأمريكي من الطبقة الوسطى والفقراء والطلاب والعمال والأقليات والسود والمهاجرين خاصة من أمريكا اللاتينية الذين يحتلون المرتبة الأولى ويصل عددهم إلى أربعين مليونا يليهم السود والمثليون والأقليات الأخرى. كما أن هناك جيلا من صغار السن دون الثلاثين لا يعنيهم كثيرا اللون أو الدين أو الجنس أو الانتماء العقائدي أو العرقي. أضف إلى ذلك نضوج التمكين النسائي في الولايات المتحدة حيث بلغت النساء مستوى عاليا من التحرر والمساواة بحيث لا يستطيع أحد أن يفلت من المساءلة القانونية إذا ما حاول الحط من قيمة إمرأة أو ميز ضدها أو حاول التحرش بها. هذه الشرائح الواسعة هي التي تشكل القاعدة القوية للحزب الديمقراطي الذي سيوصل أول سيدة إلى البيت الأبيض.
تلك الشرائح التي سماها جيسي جاكسون، قوس قزح، واستفاد من هذه التسمية أوباما عندما اصطفت تلك المجموعات خلفه، هي التي ستشكل أمريكا الغد وسيكون انتخاب هيلاري أول الغيث. بعد الانتخابات نتوقع أن يجري الحزب مراجعة شاملة لظاهرة ساندرز وكيفية الاستفادة منها وهضمها داخل صفوف الحزب وذلك بتبني بعض أفكارها ذات الشعبية العارمة مثل الحد الأدنى للأجور والإعفاء من الرسوم الجامعية الأولى.
انتخاب هيلاري وتعزيز دور المرأة
على المقاس العالمي تحتل الولايات المتحدة الموقع 28 (2015) في سلم المساواة بين الجنسين، بينما تحتل نيكاراغوا الموقع 12 وجنوب أفريقيا الموقع 17. لقد كانت المرأة الأمريكية لغاية وقت قريب عازفة عن ميدان السياسة، ولا تجد في مجلس الشيوخ إلا عددا قليلا جدا من النساء، وأكثر قليلا في مجلس النواب (20 الآن)، في الوقت الذي خبرت معظم أرجاء أوروبا تقريبا وبعض الدول الآسيوية قيادة المرأة للبلاد. ومع وصول أول سيدة للبيت الأبيض ستبدأ صفحة جديدة من التاريخ وسنرى كم ستساهم السيدة كلينتون في تعزيز مكانة المرأة وتحسين أوضاعها السياسية والاجتماعية لتلحق بمثيلاتها من دول أوروبا الغربية والشمالية والتي سبقت الولايات المتحدة في تمكين المرأة وتضييق الفجوة بينها وبين الرجل في كافة المجالات خاصة أن فضل انتخابها يعود للملايين من النساء والشباب والأقليات الذين اصطفوا خلفها خوفا من وصول ذلك الرجل الأهوج إلى موقع القرار.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي

ï»؟
د. عبد الحميد صيام