عرض مشاركة واحدة
قديم 05-17-2012, 10:20 AM
المشاركة 43
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
  • غير موجود
افتراضي
[tabletext="width:100%;background-image:url('http://www.7ozn.com/files52/17_05_2012_14f313372346581.jpg');"]
قراءة في الفلكلور العراقي المحكي

يعد الفلكلور تسجيلاً أ ميناً للبيئة التي أنتجته وعليه ترتسم أكثر خصائصه أصالة وعمقاً وتمثيلاً لمواصفات تلك البيئة ويعد الاهتمام به إهتماماً بعلم متكامل مبني على أسس علمية وواقع إجتماعي ملموس متأت من الأيمان بأن الشعب هو صانع التأريخ وواضع الأسس الحضارية للمجتمع الذي يعيش فيه. ولهذا يعد تخلفه أو انسحابه نحو الذات دالاً على تخلف المجتمع وانطوائه وسلبيته بالمساهمة في انتاج واعادة انتاج انماط السلوك التي تطمئن الفرد والمجتمع بتكييف البيئة ، أو تكيفه معها ليؤدي دوره الاجتماعي والحضاري . لأن الفلكلور يعبر عن فعل أكثر منه قولاً ويكون معاشاً قبل أن يفكر فيه لذا يعد أساساً للتماسك الاجتماعي ، وينقسم على قسمين ، الأول روحي أو شفاهي وهو وإن كان معاشاً ـ كما أسلفنا ـ إلا أن الذي يصاغ بالقول منه ينتج مما لا يستطاع التعبير عنه فعلاً أو واقعاً لسبب أو لآخر فتكون معايشته نفسية وواقعه واقع نفسي .
ن التعبير الفلكلوري يُعبر عن أحاسيس وأماني وحاجات الجماهير.ولهذا يكون ألصق بالذات الفردية أو الاجتماعية التي يعبر عنها أحياناً بالخصوصية وهذا القسم هو الذي يعنينا في هذا المبحث . أما القسم الثاني : فهو الفلكلور المادي المتمثل في المعتقدات والعادات وانماط السلوك والملابس وغيرها مما يسمح بالتعبير عنه وتجسيده مادياً ، ويكشف عن مضمونه على نحو مباشر

وهنا لا بد أن نتكلم عن معنى الذاتية لنكون على بينة بما نعنيه بذاتية الفرد والمجتمع في إطار الفلكلور تمييزاً عن ذاتية الفرد والمجتمع في الإنتاج الحضاري الراقي . فالفرد بوصفه كائناً إجتماعياً لا بد له أن يسهم بنصيب في الحياة المشتركة للجماعة بسبب تشابه حاجاته ورغباته وأمنياته مع الآخرين تلك التي تعد بالضرورة سابقة في الترتيب الزمني على التباين في النظام الاجتماعي

إن انتماء كهذا لا يلغي الفردية ، وبالتالي لا يلغي طرائق التعبير عن الذات للافراد الذين يبدون استعداداً للتفرد في التعبير عن ذواتهم . ومن هنا يمكن أن نقسم وسائل التعبير عن الذات على قسمين : الأول : وسائل التعبير المتحضرة في أشكال خصوصية تنجم عن بسط المحتوى في مفهوم المثال لا بوصفه معطىً خارجياً ، وانما من حيث تعيناته المختلفة الأكثر تفصيلاً والأكثر دقة وفيها عبر الإنسان المتحضر عن ذاته تعبيراً راقياً على مستوى إنتاج العقل والوجدان المباشر وغير المباشر .
فقد أنتج العقل الفكر الفلسفي والتأمل لمعرفة الذات ، وقد أنتج الوجدان تعبيرات غير مباشرة ظهرت فيما يسمى بالفنون المدركة بصرياً ( التشكيلية ) كالرسم والزخرفة والنحت ، والمدركة بالسمع ( الموسيقى ) لخلخلة الضغط النفسي عليه دون مراعاة نقل إحساساته الحقيقية الى غيره بالمستوى الذي تقدمه الفنون التي اتخذت اللغة وسيلة للتعبير ، أو مادة أولية (خام ) تنظم على وفق غرض خاص يعمق فهمنا للحياة الداخلية والخارجية ( الفكر والشعور ) فيزجنا في ميدان الروح بسبب إثارة عواطفنا إثارة غير عادية . وهنا يكون دور اللغة في الفن دوراً مزدوجاً ، فهي تعبر عن ذاتية الفرد وذاتية المجتمع في آن واحد لأنها جهاز اجتماعي لا يتم استعماله إلا بوجود الآخر الذي تنتقل إليه في كثير من الأحوال الاحساسات الحقيقية للفنان . لكن الانتقال يتم من الفرد المتميز الى المجتمع في التعبير الراقي وكأنه يتم من فوق الى تحت ، وفي كثير من الأحيان تقتصر رسالة خطاب من هذا النوع الجماهيري ، وإن وصف هذا التعبير بأنه تعبير راق فأن هذا الوصف لا يشفع له عند المجتمع بأكمله ، أو لا يحظى بالترحاب والقبول لدى الجماعة المحلية . وأذا أريد لهذا الإنتاج أن يتسع نطاقه فأنه يفرض فرضاً عن طريق التربية والتعليم بخطط مدروسة واستعدادات مجتمعية شاقة ومكلفة وطويلة الأمد .

والمهم في الأمر أن هذا النوع لا يكون أكثر دلالة على ذاتية الجماعة ولا أشد اتصالاً بحركة الواقع كما هو في القسم الثاني الأكثر والأشد دلالة واتصالاًً بحركة الواقع ، ذلك هو التعبير العام المتسرب الى كل الأفراد بما فيهم أفراد القسم الأول إذ يقوم باستقطاب أفراد المجتمع وجعلهم يحيون وجودهم حياة كاملة فيتعمقون الحياة في شريحة منها ، أو قطاع ثم يستخلصون لأنفسهم أحكاماً عامة تتغير وتتبلور داخل المجتمع حتى تأتي على لسانه في الحكم الشعبية التي تتردد في الأمثال أو تنتفض في كيانه على هيأة قصص رمزية وأساطير ، أو يتغنى بها وجدانه فيما يعرف بالتراث الشعبي أو الفلكلور الذي لا يقتضي تخصص الفرد لإتقان صناعة التعبير أو الرهبنة في معبد ، بل يأتي نتيجة لاحتكاك دائم مع عجلة الحياة فيولد برقاً خاطفاً يومض في الذهن ثم يتجسد في القول الدارج فيصح من تراث الجماعة دون أن يعرف قائله .

وهذا لا يعني عدم وجود المؤلف الفرد أو إنكار للذات الفردية بمقدار ما يعني تحقيقها في ضمن هوية الجماعة التي ينتمي إليها المؤلف الأول انتماءً صميمياً سواء كانت الجماعة صغيرة أم كبيرة ابتداءً من الأسرة حتى تبلغ من الحجم الذي يجعل منها شعباً أو أمة وربما وسعت العالم على حد قول علماء الاجتماع لأن التوسع لا يمنع من وجود وضرورة الجماعات الصغيرة ذاك بأن كلتاهما متلازمتان لعملية اطرد الحياة الكاملة . فالجماعة الكبيرة تمدنا بالفرص والاستقرار وتنظيم اقتصادنا وتزودنا بثقافة أغنى وأكثر تنوعاً وتمدنا بالطمأنينة والحماية وفكرة الوطنية … الخ وكذلك للجماعة الصغيرة أكثر من قيمة إذ نجد فيها لذاتنا الخاصة الشديدة القرب إلينا ، ففي حدودها نجد الأصدقاء ونستمتع بصداقتهم ، وننعم بأحاديث القيل والقال والمنافسات الصريحة بين الأفراد والتباهي بالانتساب الى المكان والبيئة المحلية
[/tabletext]