عرض مشاركة واحدة
قديم 01-25-2021, 10:20 AM
المشاركة 12
عبد الرزاق مربح
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي رد: قصة قصيرة : المرآة
مرحبا بالنقد البناء فكلنا نحتاج لمن ينبهنا ويسلط الضوء على جوانب النقص في ابداعاتنا. ولك مني كل التحية والشكر على اهتمامك بقصتي وعلى ملاحظتك القيمة.


فقط، و للتوضيح، خيبات البطل كثيرة، ويمكن اكتشافها بين السطور القليلة: الفقر - اليتم - الفشل العاطفي - البطالة - واليأس.
مودتي صديقي



بخصوص التفاصيل و التركيز...قصة مقتل طفل...لا اقول ببساطة احدهم قتل طفلا...يجب ان تعيش اللحظة مع البطل و يجب ان تتعاطف معه...

القصة...

-عمران أنقذني... أنقذني منهم أرجوك.

كان قد تفرق قطيع الماعز وتلاشى في الظلام وربما قد أصبح وجبة دسمة للذئاب في تلك الغابة
الموحشة التي لم يعد يسمع فيها إلا عواء الشياطين بعدما طردت كل العصافير المغردة.

يصرخ طارق الطفل صاحب الاثني عشر ربيعا بأعلى صوته ويستغيث لعل معرفته بعمران زميلهم تشفع
له عندهم. يصرخ ويترجى أن يأتي فارس خلاصه الأبيض ينتشله من عذابه الأسود ليخلصه من
قبضتهم ومن مصيره المحتوم.

يصرخ وهو مقيد الأطراف وجسمه النحيل ممدد على صخرة كبيرة بعدما
اسندوا رأسه إلى جذع شجرة الزيتون العجوز التي شقت طريقها ونمت بين الصخور.

كان الطفل الصغير يعرفهم فقد كان يصادفهم أثناء رعيه الماعز وعبوره لتلك الغابة الكثيفة الأشجار
والتي اتخذوها وكرا لهم بعد فرارهم من غاراتهم التي لا تنتهي فقد طردتهم قوات الجيش من البحر و
ها هم ينتقمون على طريقتهم. اما عن طارق فلم يكن يبالي بهم شأنه شأن أخيه علي فهم لديهم حياة
يعيشونها و لا دخل لهم في أولئك الخارجين على القانون .

كانوا يفرون إلى جحورهم بعدما يدكوا مواطن الشر بسهام الموت الغادر و رذاذ الدماء التي تطايرت من
ضحاياهم قد لونت ملابسهم باللون الأحمر يأمرهم أميرهم القرصان بغسلها فورا فهو لا يريد أن تلطخ
تلك الدماء النتنة ثيابهم الطاهرة.

في ذلك اليوم دبت الشكوك في نفس أميرهم وأوحى له حدسه اللعين بأن الذي وشى بهم في المرة
السابقة وتكبدوا جراءها خسارة فادحة ما هو سوى الراعي الصغير فهو الذي أخبر العسكر بمكان
لقاءهم المعتاد بحكم رعيه في المنطقة واطلاعه على كل تحركاتهم فرابضت قوات الجيش هناك حتى
أتت على اغلبهم.

كان سهلا عليهم ان يقبضوا على الطفل ويستخرجوا منه ما يعرف وما لا يعرف كانت تكفيهم صفعة
واحدة على وجهه البائس الذي ينطق بالأسى فلم تعد تعنيه نفحة البراءة التي تتخلل وجوه الصغار
عادة. نعم لقد سرقها جنون الحرب التي لا ترحم.
أنكر وأنكر لكنهم أبوا أن يصدقوه.

يأمرهم اميرهم القرصان بكل حزم:

-هيا آتوني ببعض الحطب وأضرموا نارا كبيرة عند زاوية تلك الصخرة. هرول أفراد جماعته في كل
اتجاه يجمعون من حطب الغابة ما استطاعوا إليه سبيلا حتى ينالوا رضى قائدهم المغوار وخوفا من
بطشه الذي قد يطالهم إن هم عصوا له أمرا.

لا يزال الطفل يصرخ بكل ما أوتي من قوة وبصوته المتحشرج يملؤه الرعب مما هو آت.. عمران.
عمران..

كان يظن أن عمران رجل طيب ولن يسمح أن يلحق به أي مكروه لأنه ابن قريته وكان في السابق
صديق أبيه و لا يعقل بأي حال من الأحوال أن يتركه هكذا فريسة لهؤلاء الهمج المهووسون باللون
الأحمر.

يجمع عمران الحطب غير آبه لتوسلات الولد فالموت هو جزاء الخائن حتى وان كان أقرب الناس. هنا
يتركون ضمائرهم جانبا هنا لا مجال للصفح عن الناس ما كل هذا إلا أضرار جانبية سرعان ما تضمحل
في التاريخ وتلقى ذكراها في بالوعة النسيان.

كان قانونهم واضحا فان لم تكن معي فأنت ضدي لا توجد منطقة وسطى لا يمكن أن تكون محايدا فان لم
تنصر القراصنة في البحر و البر فأنت حتما مع الآخرين تلك كانت فلسفتهم يروعون الآمنين لا يرحمون
صغيرا أو شيخا أو امرأة أو حتى الجنين في بطن أمه.

بدأ صوت الطفل يخبوا شيئا فشيئا بعد أن أيقن أنه قد حانت ساعته ولا مناص من ملاقاة الموت.



كان ينتظر أمر قائدهم بالإجهاز عليه بواسطة الرشاش فهو لا يريد أن يذبح كالشاة كانت أكثر طريقة
يخشاها لا يستطيع حتى تخيلها من فرط الرعب والخوف كانت رشقة رصاص يصوبها الرشاش نحوه
لتبهجه بعد أن رآهم يضرمون تلك النار العظيمة من أجله.
صارت أطرافه ترتجف وأسنانه تصطك
فالموت الأسود يحوم فوق الغابة يصك جناحيه في انتظار الانقضاض على الطفل الصغير.

أخذت دموع الطفل تسيل غزيرة دافئة على خده الذي اصفر لونه لهول ما يمر به وقلبه العليل يخفق
بشدة. متقطعة أنفاسه تخرج بصعوبة بالغة يكاد يختنق حتى أنه ظنها ما يدعونها بالسكرات.

كان القرصان القائد هادئا قابعا في مكانه فوق إحدى الصخور ويرمق من حين لآخر ناره المتقدة
بنظرات خاطفة من بعيد لم يميز الطفل تفاصيل من وجهه إلا عيناه اللتان كانتا تلمعان ومحاطتان بالكثير
من الكحل وعظمتا الوجنتين بارزتان كأنه جمجمة قد نهضت لتوها من القبر.

وبعد مرور ساعة من الزمن بدأت النار تخبوا شيئا فشيئا حتى بقي الجمر وحده متوهجا فوق بساط الصخور البيضاء كقطع
الثلج الناصعة.
لوهلة اعتقد الطفل أن ثورة غضبهم قد زالت لما تلاشى لهيب النار إذ اعتقد أنهم
سيلقونه داخلها. لكنهم لم يفعلوا فربما عدلوا عن قتله ويكفيه ما لقيه من طرفهم وسيتركونه يعود إلى
ماعزه يسوقهم إلى البيت فأمه تنتظره هذا إن لم تكن تفتش عنه في هذه الأثناء.
ينهض القائد من مكانه بخطوات حثيثة صوب كومة الجمر المتوهج ويصيح:

-الآن ناولوني الدلو الحديدي!

قاموا بملئه بالماء وأتوا به إليه حمله ورمى ما به من ماء بعيدا. ظن رفاقه لوهلة بأنه سيغلي الماء
ويعذبه به لكنه لم يفعل بل قام بغرس الدلو في جوف الجمر أتى يحمله حتى وصل عند رأس الصبي اخذ
يرمي فوقه حبيبات الجمر.

يصرخ الطفل بقوة ويئن من شدة الألم وبدأت رائحة الشعر المحترق النفاذة
في الانبعاث من رأسه لتعم الأرجاء وتطرد الروائح العبقة للزهور الزاهية الألوان المحيطة بالمكان
وانفجرت دموعه لتمتزج بدمائه المتدفقة.
بأعلى صوته:تبا لكم...تبا لكم...يا كلاب

يغترف القرصان جمرا بدلوه مرة أخرى ويلقي به فوق بطن الطفل فبدأ يحفر عميقا في بدنه واخذ جلده
الطري في الانسلاخ سريعا حتى بدت أمعاؤه وتدلت وخرج منها بعض من وجبة الغداء التي أعطته إياها
أمه حتى يسد جوعه أثناء قيامه بالرعي. في تلك اللحظة سلم الطفل روحه إلى بارئها.

*********

حصل كل ذلك تحت أنظار أخيه علي الذي يكبره ببضع سنين كان يختبئ بين الأحراش فقد تسلل دون أن
يشعرهم بوجوده جاء يسعى على إثر أعمدة الدخان المتصاعدة من منطقة رعي أخيه فقد أراد معرفة ما
يحدث.

شاخص ببصره الى جثة أخيه الممزقة لم يستطع البكاء فألمه الفظيع قد هد قلبه الصغير. حمل في صدره
بذرة الانتقام وانسل رويدا رويدا من مشهد الدماء المتناثرة.