عرض مشاركة واحدة
قديم 01-18-2012, 12:25 AM
المشاركة 211
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
مصر

يقول وليد في سيرته الذاتية: «كانت أيام إعلامي بالالتحاق بكلية الزراعة كمستودع تتجمع فيه أحلام وخيالات حول مصر التي درس فيها والدي منذ زمن، وهي البلد الذي يعيش فيه طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ. مصر وطن أم كلثوم وليلى مراد ونجيب الريحاني وبيرم التونسي. بلد السينما والمسرح والموالد الشعبية. ومصر كانت بالنسبة لنا وطن الثورة التي أطاحت بفساد النظام الملكي وصدرت حرارتها إلى أرجاء الوطن العربي. وكانت صورة مصر لشاب مثلي أفضل من فرنسا التي كانت الدراسة فيها تمثل حلماً لأجيال، فالأفلام المصرية والمجلات التي قدمت لنا عالم مصر الجميل ببساطة أهله وتدفق مياه نيله وشموخ أهرامه، فبدا ذلك العالم أمنية في زيارة، فكيف بسنوات دراسة تعيشها. وابتدأت الطائرة رحلتها مع شمس الخريف في حلب، لتحط في مطار الإسكندرية الغارقة أرضه بمياه الأمطار. وكان المساء الذي تلمع الأضواء فيه يخفف من وطأة الاستقبال الذي لم يكن متوقعاً. وحملني التاكسي إلى عنوان أخي عبر شوارع مازالت تستقبل الأمطار، فكان وصولي إليه يترافق مع لحظة توقف السماء عن غضبها. وأنساني استقبال أخي كل ما واجهته من انغلاق المدينة.
في اليوم التالي، كانت الإسكندرية مشرقة بشمسها ودفئها وكأنها لم تشهد في ليلتها السابقة إجهاض الغيوم. وقادني أخي إلى مبنى كلية الزراعة ليضع مدخلها بين يدي قائلاً: "هنا ستمضي أيام دراستك"، وانفلت عائداً إلى كليته. واعتبرت أن السماء الصافية وهي ترسل بأشعة الشمس الذهبية هي مراسم الاستقبال الرسمية للوافد من حلب».
موجز سريع لحياته بعد إنهائه دراسته في كلية الزراعة


أنهى دراسته الجامعية بكلية الزراعة في جامعة الإسكندرية بمصر، وحصل على البكالوريوس عام 1958، ودبلوم الدراسات العليا عام 1960. ثم عمل في مؤسسة حلج وتسويق الأقطان بحلب حتى سنة 1999. وكان محاضراً في كلية الزراعة بجامعة حلب (1960 – 1971)، اُنتُخِبَ نقيباً للمهندسين الزراعيين ثم عضواً في مجلس الشعب (1999 – 2002). كما اُنتُخِبَ في مجلس اتحاد الكتاب العرب بدمشق، وكان رئيساً لفرعه بحلب، أسهم في تأسيس مسرح الشعب والمسرح القومي والنادي السينمائي بحلب، وشارك في هيئة تحرير مجلة «الحياة المسرحية» الدمشقية.
نظرة في بدايات حياته الإبداعية


يذكر الكاتب خليل صويلح عن بدايات أديبنا الكبير وليد: «مجلة الاعتصام التي أسّسها والده في عشرينيات القرن المنصرم، قادت خطواته الأولى إلى الكتابة. قرر بدوره أن ينشئ مجلة، لكن أحلامه أُجهِضَت بسبب شروط قانون المطبوعات التي لا تتيح لفتى صغير إصدار مطبوعة. لاحقاً سيكتب قصيدة ضد "مشروع إيزنهاور"، ويوجهها إلى الرئيس الأميركي. قرّر يومذاك أن يذهب إلى بيروت، لمقابلة رضوان الشهال صاحب مجلة "الثقافة الوطنية"، طالباً نشرها في المجلة، فتسلل عبر الحدود، لأنه لا يحمل بطاقة هوية. لكن الشهال نصحه بألا يقلد أسلوب أحد: "كنت أقلّد قصيدة كتبها عبد الرحمن الشرقاوي ووجهها إلى الرئيس الأميركي". تلك النصيحة علمته أن يكون مجدِّدَاً ومبتكِراً في كتاباته، ما قاده مبكراً إلى دروب التجريب، سواء في الرواية أو في المسرح. هكذا جائت روايته الأولى "شتاء البحر اليابس" (1965)، بمثابة تمرّد على السرد التقليدي في الرواية السورية».
وضعه العائلي


يذكر الكاتبان نبيل سليمان وبو علي ياسين في كتابهما «أيديولوجيا الأدب في سوريا في نهاية الستينات وبداية السبعينات» أن أديبنا وليد إخلاصي في تلك الفترة كان متزوجاً ولديه ولدان.
أزمة قلبية


يذكر الكاتب خليل صويلح: «المهندس الزراعي الذي عمل سنوات طويلة خبيراً للأقطان، يكتفي اليوم بمراجعة مسودات رواياته ومسرحياته، بعدما توقف عن الكتابة للصحافة. فالأزمة القلبية التي ألمّت به قبل سنوات، اضطرته للتوقف عن تدخين الغليون»، ويعني بقوله «منذ سنوات» بدايات سنوات الألفين.
الوظائف التي شغلها


اُنتُخِبَ في مجلس اتحاد الكتاب العرب بدمشق، وكان رئيساً لفرعه بحلب، وشارك في هيئة تحرير مجلة «الحياة المسرحية» الدمشقية. وهو عضو هيئة تحرير مجلة «الحياة المسرحية» التي تصدرها وزارة الثقافة.
عالميته


قدمت الفرق المسرحية عدداً كبيراً من أعماله الدرامية في سورية، مصر، الكويت، الإمارات العربية، لبنان، تونس، قطر، البحرين، المغرب، العراق، وليبيا. وقد تُرجِمَت نماذج من أعماله إلى أكثر من لغة عالمية منها الإنكليزية، والفرنسية، والروسية، والألمانية.
الجوائز التي نالها


1) الجائزة التقديرية لاتحاد الكتاب العرب 1989.
2) جائزة ملتقى القاهرة الأول للقصة القصيرة 1991.
3) وسام التكريم في مهرجان القاهرة المسرحي التجريبي 1992.
4) جائزة بلدية حلب 1996.
5) جائزة سلطان العويس في دورتها الخامسة للثقافة والرواية والمسرحية 1997.
6) وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة 2005.
أعماله

في القصة


1) قصص التاريخ.
2) دماء في الصبح الأغبر، مجموعة قصص، حلب، مكتبة الشهباء، 1968.
3) الطين، بيروت، منشورات عويدات، 1971.
4) الدهشة في العيون القاسية، مجموعة قصص، وزارة الثقافة، 1972.
5) التقرير، دمشق، اتحاد كتاب العرب، 1974.
6) زمن الهجرات القصيرة، قصص للثورة الفلسطينية المنتصرة، 1975.
7) موت الحلزون، دمشق، اتحاد الكتاب العرب، 1978.
8) الأعشاب السوداء.
9) يا شجرة يا..، طرابلس، ليبيا، المنشأة الشعبية، 1981.
10) خان الورد، دمشق، اتحاد الكتاب العرب، 1983.
11) ما حدث لعنترة، دمشق، وزارة الثقافة، 1993.
12) الحياة والغربة وما إليها، دمشق، وزراة الثقافة، 1998.
13) حلب بورتريه بألوان معتقة (حكايات)، دار نون، 2006.
في الرواية


1) شتاء البحر اليابس، 1965.
2) أحضان السيدة الجميلة، دمشق، دار الأجيال، 1968.
3) أحزان الرماد، بيروت، دار المسيرة، 1979.
4) الحنظل الأليف، دمشق، دار الكرمل، 1980.
5) زهرة الصندل، دمشق، دار الكرمل، 1981.
6) بيت الخلد، دمشق، اتحاد الكتاب العرب، 1982.
7) حكايات الهدهد، بيروت، مؤسسة فكر للأبحاث، 1984.
8) باب الجمر، دمشق، اتحاد الكتاب العرب، 1984.
9) دار المتعة، لندن، رياض الريس للكتب، 1991.
10) ملحمة القتل الصغرى، دمشق، دار كنعان، 1993.
11) الفتوحات، رواية عربية، دمشق، وزارة الثقافة، 2001.
12) سمعت صوتاً هاتفاً، دمشق، دار كنعان، 2003.
13) الحروف التائهة.
14) رحلة السفرجل، بيروت، رياض الريس للكتاب، 2008.
دراسات ومقالات


1) المتعة الأخيرة: اعترافات شخصية في الأدب، دمشق، دار طلاس، 1986.
2) السيف والترس: حوار عربي عن الثقافة، دمشق، دار الذاكرة، 1994.
3) لوحة المسرح الناقصة، دمشق، وزارة الثقافة، 1997.
4) في الثقافة والحداثة، دمشق، دار الفاضل، 2002.
5) من الإسكندرونة إلى الإسكندرية محطات في السيرة الذاتية، القسم الأول، 2008.
6) الوسواس الخفي، محكيات، حلب، نون للنشر.
في المسرح


1) العالم من قبل ومن بعد، مسرحيتان، دمشق، الفن الحديث العالمي، 1965.
2) الصراط، دمشق، اتحاد الكتاب العرب، 1976.
3) سهرة ديمقراطية على الخشبة: كوميديا عابسة، دمشق، اتحاد الكتاب العرب، 1979.
4) هذا النهر المجنون، بغداد، الأقلام، 1976.
5) مسرحيتان عن قتل العصافير، دمشق، اتحاد الكتاب العرب، 1981.
6) أوديب: مأساة عصرية، طرابلس، ليبيا، المنشأة الشعبية، 1981.
7) أغنيات للممثل الوحيد، أربع مسرحيات، دمشق، وزارة الثقافة، 1984.
8) أنشودة الحديقة، مأساة، طرابلس، ليبيا، المنشأة العامة، 1984.
9) من يقتل الأرملة، خمس مسرحيات، دمشق، وزارة الثقافة، 1986.
10) مسرحيتان للفرجة، دمشق، وزارة الثقافة، 1988.
11) رسالة التحقيق والتحقق، ثلاث مسرحيات، دمشق، اتحاد الكتاب العرب، 1989.
12) لعبة القدر والخطيئة، مسرحيتان، دمشق، وزارة الثقافة، 1994.
13) العشاء الأخير: مجهولان في المعادلة، مسرحيتان، دمشق، وزارة الثقافة، 2005.
14) الليلة نلعب، ثلاث مسرحيات، دمشق، الهيئة العامة السورية للكتاب، 2009.
دراسات حول أدبه


1) أطروحة ماجستير في الدراسات الأدبية للباحثة علياء الداية، بعنوان: «في التجربة المسرحية عند وليد إخلاصي».
2) رسالة الدكتوراه للباحث إدمير كورية في أميركا بعنوان: «الشكل والمبنى في مسرح وليد إخلاصي».
وليد إخلاصي والمسرح[2]

تُستخدَم كلمة الدراما والدرامي لتدل على الدراسات في مجال فن المسرح، و«الدراما» كلمة يونانية الأصل، ومعناها الحرفي هو «يفعل» أو «عمل يُقَام به»، ثم انتقلَت الكلمة من اللغة اللاتينية المتأخرة «drama» إلى معظم لغات أوروبا الحديثة. ولأن الكلمة شائعة في محيطنا المسرحي، فيمكن التعامل معها على أساس التعريب، فنقول عمل درامي، حركة درامية. وفي مجال النقد الحديث، قد تشير الكلمة إلى المسرحيات الجدية التي لا تميزها خصائص المأساة.

أ) أنواع المسرح:
لقد تغيّر المسرح وتطوّر عبر الأزمنة المتعاقبة، فتنوّعَت أشكال المسرحية، فثمة المسرحية الكلاسيكية والرومانسية والواقعية والطبيعية، وكذلك الاتجاه الرمزي والتعبيري وصولاً إلى مسرح العَبَث واللامعقول، اللذين يعكسان الحيرة والتعقيد في الحياة المعاصرة. وتظهر إلى جانب هذه الأشكال ظاهرة التجريب في المسرح، في سعيها إلى التخلّص من التقاليد. غير أن أنماط المسرحية بقيت منتظَمَة ضمن إطار الأنواع الكبرى المسيطرة: التراجيديا، التي تركز على شخصية بعينها تواجه مصيراً مؤلماً لا تملك دفعه، والكوميديا، التي تستقطِب أحداثها الاهتمام، وتسهِم مجموعة من الشخصيات في بلْوَرَة فكرتها الأساسية، وكل من الميلودراما، والمهزَلَة، والتراجيكوميديا.

إن وليد إخلاصي، يسعى إلى التجديد والابتكار والتجريب في المسرح، وينتمي إلى الجيل المعاصِر من الكتّاب المسرحيين في سورية، ففي مسرحه نجد أنه تشرّب القديم في حزمه ووضوح رسالته، ونحا إلى الجديد مستفيداً من مراحل تطور المسرح كلها، وصولاً إلى البراعَة في الابتكار وطرق أبواب التجديد، والتفاوت في تقنيات الكتابة وتنوّع أساليبها الفنية، مما يجعل محاولة تصنيف إبداعه المسرحي أمراً صعباً ومهمة شاقة قد تختلف فيها آراء النقاد أو تتشعّب.

ففي كتاب «الأدب المسرحي في سورية – نشأته وتطوره» يتركز رأي الناقِد الدكتور نديم معلاّ محمد حول وليد إخلاصي في أن أهم ما يميزه هو «غزارة إنتاجه»، وتنقّلِه بين الأجناس الأدبية المختلِفَة، من قصة ومسرحية ورواية، عبر أشكال مختلِفَة ومتباينة إلى حد كبير. ويؤكد أن ما يلفت النظر في أعمال إخلاصي المسرحية هو اعتماده على التجريب والأشكال المسرحية الجديدة، واهتمامه بقضايا الإنسان في مواجهة الواقع المحيط بما فيه من ظلم واستغلال.

إن الرمز عند إخلاصي هو «حل وسط بين الواقعية والعبث»، كما أن التجريب يتيح له تجاوز الدراما التقليدية تارة بالخروج عليها أو المحافَظَة على بعض منها داخل العمل الواحد. إنه كثيراً «ما يتمسك بالعقل والتجارب الصادرة عنه» بدلاً من العاطفة والانفعال السطحي، ويبرز ذلك في المعالَجَة العقلية الهادئة، كما في تناوله للقضية الفلسطينية على سبيل المثال.

أما الناقِد فرحان بلبل فهو يقسِّم مسرح إخلاصي إلى ثلاثة أقسام تتداخل الحدود فيما بينها:

أولاً: المرحلة الواقعية وتتركز حول الصراع في قضية فلسطين ضد العدو الصهيوني، ومعالَجَة بعض الأمور الاجتماعية والمشكلات كالجريمة في المجتمع، والانتهازية، والظلم، والفقر، والمال، وكذلك مشكلات فساد الفن والمسرح التجاري وطغيانه. إن حلول هذه المشاكل كثيراً ما تبدَّت بمظهر أخلاقي مثالي هارب من المواجهة غارِق في العموميات مما جعل «الدعوة إلى الحرية شعاراً عاماً نبيلاً وضائع الملامح».

ثانياً: مرحلة الاتجاه نحو الرمز حيث الرمز أساسي في مسرحه وقد يتكون من الأشخاص أو حتى الأشياء وقطع الديكور وأحياناً تصبح «المسرحية كلها رمزاً لفكرة». كما يتداخل الرمز واللامعقول فيلعب القدر الأعمى دوراً بارزاً عندما تنهار بسببه الأحلام التي تريد القضاء على الأمراض الاجتماعية والمآسي الإنسانية، كالشر والفساد، مما يؤدي إلى استسلام العواطِف الإنسانية كالحب والصداقة مقابل الفساد الاجتماعي والظلم.

ثالثاً: مرحلة التأثر باللامعقول وتتمثل في الجو العام للمسرحيات بإحكام الشقاء قبضته على الإنسان المنسحِق، في حركة دائرية مفرغة في المكان، فعلى الرغم من الأمل بالتخلص من العجز واليأس يلعَب التجريب دوره في إظهار «العالَم المسحوق تحت وطأة التقدم العلمي الذي يتحول إلى دمار»، فنجد الأمل والفرحة أحياناً، واستمرار المخاوف أحياناً أخرى.

أما إدمير كورية، فيشير في رسالة الدكتوراه التي أعدّها عن مسرح وليد إخلاصي إلى أن مسرحياته تتميز بتنوع التعابير والأدوات الفنية من خلال الشخصيات المتعددة في اهتماماتها وصفاتها النفسية وآمالها. وهذا كله يعكس الواقع المحيط بأبعاده في مزج متقَنٍ بين الأشكال الدرامية المحلية والغربية بما يشكل تفاعلاً كبيراً بين كل من الدراما الغربية والمسرح العربي الحديث. «لقد بات المسرح ساحة لتجريب البحث عن الذات»، «المسرح فن شعبي يهدف إلى الوصول باللعبة إلى قمة التعبير عن أهداف البشر والمجتمعات»، «المسرح شكل من أشكال الحداثة، وظاهرة تدل على تفاعل الرغبة بالتجديد داخل البنية الثقافية المعاصِرَة»، «الفن لقاح ضد الموت»، «الواقع كرة ذات سطوح متكسّرَة تمنح وجه الكرة تعددية مرهونة بعدد تلك السطوح التي يراها كل كاتب على هواه»، «المرأة تُعتبَر مقياساً صادِقاً لأحوال المجتمع». من خلال العبارات السابقة التي تلقي بعضاً من الضوء على وليد إخلاصي في نظرته إلى الحياة والإبداع والمسرح، نجد آراءه تتمحور حول أن التجريب يتضمن الاجتهاد والابتعاد عن التقليد، إنه أشبه بالعمل الذي له طابِع العلم، يستخدم العقل من أجل الخروج على القاعدة والمألوف، ويعتمد على تفاعل الأدوات المسرحية للوصول إلى الجوهر الدرامي الأصيل للنص. يدعو إخلاصي إلى أن يصبح المسرح العربي طقساً يعتاده الناس، لا مجرد تظاهرة طارئة بين حين وآخر، فالمسرح مدعو إلى القيام بوظيفته في التوصيل الكامل للأفكار، من خلال جانبيّ النص المسرحي بما فيه من قواعد تستوعِب التحولات التاريخية في مسيرة البشرية، والعرض المسرحي الذي يكوّن المتعة الروحية والعقلية ويخلق الروابط مع الجمهور. ولابد للمسرح من ركائز أساسية أهمها المثاقفة مع المسرح العالمي متضافرة مع قواعد أربع أساسية، هي: العمل، والإتقان، والإبداع، والتوصيل. بما يعطي الفرصة للتعامل الدقيق مع الاحتفالية المحلية في تجلٍّ للصراع والعلاقة المتغيِّرَة مع كل من المكان والزمان الذي فيه النظرة إلى مستقبل أفضل للإنسان.

الزمن سبب عند إخلاصي للقلق والحيرة والخوف، لذلك يلجأ إلى المكان، حيث يتجسّد الصراع الذي أصبح البطل المعاصِر فيه إنساناً عادياً يقاوِم ظلم الحياة بالإرادة والحب. كما أن المرأة رمز للعطاء، وحريتها قضية ملحّة على المجتمع ولها حضور قوي في مسرحياته كلها إلى جانب تركيزه على حق الإنسان في قيَم الحياة الكريمة.

يلجأ إخلاصي إلى التجريب على الرغم من اعتقاده بأنه قد يعيق معرفة المتلقين أسلوبه وهويته. ولكن، مع ذلك، فإن الرؤى الناظِمَة لمجمل التجربة المسرحية لدى وليد إخلاصي تعبِّر عن النمط الدرامي لديه، الذي أضحى بتنوّعه متجانساً في تنقّله بين الأدوات الفنية المختلفة المنسجمة جميعها في إطار من فهم الواقع بما يترك جزءاً كبيراً من مساحة النص للمتلقي قارئاً ومشاهداً.

ب) الرموز الأسطورية في مسرح وليد إخلاصي:
إن الرموز المدروسة مرتبطة في مسرحيات إخلاصي بمحدودية المكان، ولكنها تتنوع، فبعضها مكانيّ بحت، كالكهف وتفرعاته في فصل «المعذّب» والآخر نباتي ثابت مكانياً كالحديقة في فصل «الجميل»، والشجرة في ملحق «الجليل»، والغابة في فصل «القبيح»، في حين أن الرمزين المتحركين اللذين ينتميان إلى فئة الحيوانات هما الطائر في فصل «الجميل» والأفعى في فصل «القبيح».

ومع التتبع المتسلسِل لورود هذه الرموز في البحث، نجد الطائر مرتبطاً بالحياة من جهة تحقيقه المثل الأعلى لدى الشخصيات في الحياة والتغلب على نُذُر الموت ومؤشراته، حيث الشخصية داخل المسرحية تواجه حرباً إما خارجية ضد مجموعة من الخصوم، أو داخلية مع صراعات النفس وتضارب رغباتها وأهدافها في الحياة، وذلك من خلال اختلاف الرمز إلى الطائر بين كونه كائناً حياً، وكونه آلة مصنوعة هي الطائرة التي تهوي ومعها أحلام الشخصيات وطموحاتها. كما أن ارتباط الطائر، من جهة أخرى، بقيمة الحرية، عن طريق الطيران الذي لا يحدّه حاجز، يجعله حلماً يراود شخصيات المسرحيات، ويثير تساؤلاتها حول تفسير قيمة الحرية، ومدى تحققها على أرض الواقع. أما القيمة الجميلة الثالثة ذات العلاقة بالطيور فهي الحب الذي تثور حوله صراعات كثيرة في المسرحيات، ويتداخل مع قيمة الحرية في بيان موقع الشخصية المحبّة من المجتمع حولها.

تظهر الحديقة أشبه بعالَمٍ سحري، فالشخصيات يسكن خيالَها تصوّر الجنّة حيث النعيم الأبدي، وهي في الوقت ذاته، مَثَل أعلى في الجمال، تحاول الشخصيات المسرحية إيجاده في الواقع، فتارةً تتمثله في الماضي حيث التخفف من مسؤوليات الحاضر، وتارة تصارع التناقضات المتمحوِرَة حول مشكلة الفقر وضرورة الحصول على المال، وما يستتبع ذلك من أسئلة حول قيمة السعادة في حياة الإنسان. كما يكون اختلاف وجهات النظر حول الحياة بين كل من الرجل والمرأة، والشباب والكهول، سبباً في زيادة المعاناة من هموم الحياة، ويبدو التطلّع إلى حياة خالية من المتاعِب ضرباً من الخيال. وفي مسرحيتين لإخلاصي يظهر أن الحديقة التي تُطرَد منها إحدى الشخصيات، هي الجنة نفسها التي تستعد لاستقبال شخصيات جديدة في مسرحية أخرى، ولكنها تبقى عالَماً تكمن الجدوى منه في المسافة الفاصِلَة بين الطرد والدخول، أي في الحياة نفسها، فهي القيمة الجميلة لا الحديقة بحد ذاتها.

تندرج الشجرة ضمن مكوّنات الحديقة نظرياً، لكنها تحمل خاصية الجلال في الوعي الجماعي الإنساني، فهي مركز العالَم الذي يوحي بالسيطرة، ومن هذا المنطلَق تكون مصدراً للقوة، مرتبطة بمفاهيم الإنسان الخاصّة بالعائلة التي تشبه الشجرة، أو هي شجرة فعلاً بترابطها ونشوئها من مصدر واحد، وكذلك بالمفاهيم الخاصة حول أشجار معمِّرَة لها سطوة بكونها تشهد زمناً متطاوِلاً، كما هي شجرة الزيتون، أو أشجار ضخمة تفرش ظلها على مساحة كبيرة كشجرة السنديان القوية. وهي تعطي إحساساً للشخصيات (منشؤه اللاوعي الجمعي) بالقوة والتصميم على مواجَهَة مصاعبِ الحياة كالحروب، أو الخلافات مع الآخرين، من منطلق ظلم الحياة وغياب العدالة فيها. وهذا ما يتجلى أيضاً عند استعراض الشجرة بوصفها محوراً للزمن، حيث تكون الشجرة محوراً للمسرحية التي تضع شخصياتها أمام خيارات طريقة التعامل مع الحياة انهزاماً أو تحدياً.

مثال: مسر حية «نادي المتعة 21» (1965):
نجد القادِم الذي يُنذِر أعضاء النادي باقتراب الكارثة ويشكو حزنه العميق وألمه لفراق محبوبته بسبب حلول الكارثة وانتشار الموت الذي خطف الحبيبة منه تحت شجرة الجوز. إن اللقاء عند الشجرة لم يثمِر الحياة وإنما اختطف أحد الطرفين في توكيد لسطوة الموت، وطرح إمكانية الهرب من أجل الحياة عند الطرف الآخر، وحتى يُحذر الآخرين من هذه المصيبة. لقد أدى تسرب جزء من أبخرة الأنابيب إلى تسمم الهواء، وبات الجميع ينشدون الهرب.

تظهر الشجرة بقوة لتشير إلى جلال الزمن وسطوة الموت على كل شيء وكأنه الخالِد الوحيد. غير أن المرأة تطلِق سراح العملاق بعيداً عن عوالِم الموت. إنها تكتشف الجانب الآخر للجلال، فللأشجار مهمة مختلفة عن مجرد احتضان الموت، وبإمكان المرء أن يكون نفسه شجرة كما قالت المرأة في أثناء حوارها مع أعضاء نادي المتعة 21 «سأواجهه هكذا، قوية، كسنديانة الغابات الوحشية».

الأفعى في عرف الأساطير نقيض للطائر، فهي تلازِم الأرض، في حين أن الطائر ينطلق في السماء، وهكذا ما عزّز تناول البحث لها باعتبار أن القبيح يتجلّى من خلالها، كما تجلّى الجميل في الطائر في الفصل الأول من البحث. والأفعى بأنواعها الثلاثة: الراهنة، والحياة المتجددة، والقاتلَة، تعيش من خلال الخروج من تجربة الموت. وهذه هي التجربة التي تصورها المسرحيات في مواقفها المتباينة، فالأفعى الحاضِرَة هي كائن حي موجود فيزيائياً يثير الرعب في الشخصيات، لكن الشخصية تتمسّك بقيَمِها الجميلة في مواجهة القبيح، بما يوضح الحد الفاصل بين هاتين القيمتين. كما أنها حين تمثل الحياة المتجددة تتقنع بنموذج من الشخصيات التي ترمز إلى الأفعى، ومن خلال تبلور مواقف الصراع بين الشخصيات الشريرة كشر الأفعى، والأخرى الطيبة، يتضح صراع الجميل والقبيح، المستنِد إلى اختلاف مفاهيم قِيَم الحياة بين الانتهازية والتمسّك بقِيَم الخير والصالِح العام. أما الأفعى القاتلة، فتصور حالة يائسة من الحياة، تظهر فيها الشخصية ضحية معذّبة لظروف الحياة، بما يرينا الجانب القبيح الأكثر قتامة في الحياة.

ما يجعل البحث يصنِّف الغابة ضمن فصل القبيح هو دورها في إحباط الشخصيات وتثبيط هممها، مما يترك أثراً في المسرحيات من منطلق أن الغابة مكان واسِع يحجب الشمس ويؤدي المسير فيه على غير هدى إلى الضياع بين الأشجار، فهي ملمَح من الحياة التي تصوّرها بعض مسرحيات وليد إخلاصي، لاسيما حين تكون الحياة أشبه بوحشية الغابة بانتشار الجرائم فيها، وضياع القيَم الجميلة. كما أن ما يُسَمّى بقانون الغابة في انتصار القوي على الضعيف، واستغلال القوة لمآرِب فيها تعدٍّ على الآخرين، وتحقيق مصلحة طرف دون آخر، يؤدي غالباً إلى تحويل الحياة إلى مكان قبيح، ينفّر من العيش فيه، فيصبح مكاناً طارداً لأسباب الحياة، جاذباً للموت الذي يحمل الدمار والفناء، وكذلك هو الاغتراب النفسي للشخصية، طريق قريب إلى الموت يمر عبر مفاهيم قسوة الغابة.

الكهف بوصفه رمزاً أسطورياً يشير إلى الولادة والانبعاث مجدداً للانطلاق برؤية جديدة إلى الحياة، يحمل قيمة إيجابية، ولكنه من حيث احتواؤه الشخصية المسرحية ضمن فترة التحول، يميل إلى قيمة المعذّب. ففي أنواع الكهف الخمسة: القبر، الملجأ، غرفة الذكريات، غرفة المنزل، والسجن، تعاني الشخصية ساكِنَة الكهف أو المكان المغلَق من العزلة عن العالم، وتمر بفترات من اليأس والقنوط من الحياة، بما يجعلها شخصية سلبية تثير مشاعر مضطرِبَة عند المتلقي، وعند باقي الشخصيات في المسرحية، تتراوَح بين النفور والتعاطف. إن المسرحيات المدروسة التي يمثل القبر محوراً مكانياً أساسياً فيها، تنتهي نهاية إيجابية بالتغلب على قيمة المعذّب، لتنبثِق منها قيمة الجميل التي تترك أثرها في المجتمع المحيط وفي المتلقين. أما الملجأ، فهو مرتبط بعمليات المطاردَة، ولكن قِيَم الخير هي التي تنتصِر في النهاية، ليقوم كل من الشخصيات بصياغة مفهومه عن الجميل. إن غرفة الذكريات تذكي الماضي الجميل في مواجهَة الحاضِر الذي خلا من مفاهيم الجمال، لذا فإن انهيار هذه الغرفة معنوياً، هو الحدَث الأبرَز الذي يقلب أدوار الأزمنة ليسائل المستقبل عن ماهيته. وعلى نحو مشابه تسير التفاصيل في غرفة المنزل، لكنها تبلور صراعاً أكبر بين مجموعات من الشخصيات التي يريد كل منها السيطرَة على الآخَر بالقوة، ويكون الانتصار في النهاية رهناً بمدى وعي الطرف المنتصِر لقِيَم الحياة وأسرار اللعب مع الزمن فيها.

مثال: مسرحية «أنشودة الحديقة»:
إن الفكرة الأساسية في المسرحية وُلِدَت في الكهف، وهو هنا كهف حقيقي، على الرغم من مشاهِد المقدمة الطويلة التي تشرح كيف وصل مختار إلى الكهف. إن الكهف هو نقطة تعرَّف مختار من خلالها على العالم الفعلي بعيداً عن العالم التخييلي حيث كان يقيم مع والده وإخوته، ومع ذلك فإن العالَم التخييلي حيث حديقة الأب الواسِعَة وقصره المنيف، يبدو هو والعالَم الفعلي حيث تشكل المنازل البسيطة والفقر والحاجة إلى العمل عالَمَيْن متقابِلَيْن يشكّلان وحدة مقابل الكهف الذي سكنه مختار.
إننا نرى مختاراً، طوال المسرحية، معذّباً نفسياً بانقسامه بين اتجاهين يحكمهما المكان: الأول هو الحديقة حيث رغبته في نيل رضا الوالد الذي يسيطر عليها، والثاني هو الحي والأراضي المحيطة التي يسعى مختار إلى نيل نصيب وافر فيها، وهو يرى نفسه مقيّداً: «كان الاختيار قاسياً جائعاً أم سارِقاً، قاتلاً أم قتيلاً». وبين الخيارين يقف الكهف الذي كان نقطة التحول في وعي مختار ذاته، هذا الوعي الذي تشكّل ببطء لكنه أسفر عن انبعاثه من جديد، فبعد أن صار قوياً، حصل على ما يريد وأصبح مكتفياً بذاته، له أملاك واسِعَة ومكانة بين أهل الحي.

بقي في مختار – رغم ذلك – حنين إلى الحديقة حيث نشأ، وهو راغِب في العودَة إلى حيث كان كل شيء مطلقاً ومتاحاً بلا عناء، لكن الأب الذي يقبل أخيراً التحدث إليه يواجهه بالحقائق «الإنسان مسؤول عما فعل، وأنت اخترت دنياك، فابنِ حيث اخترت، لست بحاجة إلي».

لقد تسبَّبَت زوجته حياة في اقتياده إلى عالَم العذاب والمصاعِب، كما جذبَت المرأة أنكيدو في ملحمة كلكامش إلى عالَم البشَر. لقد فقدَ مختار نعيم الحديقة، كما فقد أنكيدو صحبة الحيوانات بعد لقائه المرأة، لكنه – بفضلها – وعى ضرورة استقلاله بنفسه وتحمَّل نتائج خياراته، فكان إدراكه جوهر الحياة القائم على جدلية العذاب والجمال، فالعالَم متحرك ومختار ثابت في كهفه، الحديقة ثابتة أيضاً، وهو مضطر إلى الاختيار من بينهما.

وأخيراً، تأتي آخر صورة للكهف في مسرحيات إخلاصي وهو السجن، فهو فرصة لمناقشة الشخصيات خياراتها في الحياة، وهي في هذا المكان المنعزِل موضع اتهام، وتتمكّن من مجابهة المخاطر والتصدي المنطقي لها، في الحصول على حريتها والتغلّب على عذاباتها.
قراءة في مسرحية «الليلة نلعب»


يبدو التجديد في هذه المسرحية من عدة جوانب. من ذلك أن تسعة ممثلين فقط – رجل وامرأة وسبعة وجوه – يقومون بجميع أدوار المسرحية، بحيث أن الوجه الواحد يؤدي أكثر من دور، كما تتخذ المسرحية شكل «المسرح ضمن المسرح».

يريد وليد إخلاصي أن نتعلم من تاريخ الإنسان، فانطلق من أسطورة آدم وحواء وابنهما قابيل وهابيل، فجعل بذلك تاريخ البشرية يقوم على الخطيئة والجريمة.

ويتبين من خلال عمله هذا أن الكاتب لم يتبع نظرة معينة إلى الإنسان والعالَم والتطور، فهو انتقائي: أحياناً يأخذ من الماركسية، أخرى من الوجودية، أحياناً ينظر بعين المادي، وأخرى بعين المثالي، وهناك التأثير الديني إلى جانب التأثير العلماني، الاشتراكي إلى جانب البورجوازي.