عرض مشاركة واحدة
قديم 06-20-2011, 11:40 AM
المشاركة 4
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ماهي العبقرية؟
من كتاب خوارق اللاشعور للدكتور علي الوردي ص 68 - 71.

انثلاثة من كبار الفلاسفة المحدثين بحثوا في العبقرية ووصلوا فيها الى نتيجة تكادتكون متشابهة - وهي أن العبقرية خروج عن الذات وانغمار في عالم أسمىوأوسع.

وهؤلاءالثلاثة هم (شوبنهور) الألماني و(برجسون) الفرنسي و(توينبي) الانكليزي.

أما (شوبنهور) فيعتقد بأن العبقري يختلف عن الفرد العادي بشيء واحد هو قلة التقيد بمايتقيد به عامة الناس من اندفاع في سبيل الحياة وتنازع على البقاء. ان ارادة الحياةفي نظر (شوبنهور) هي الدافع الرئيس الذي يدفع الفرد العادي نحو أعماله وأفكارهالمتنوعة. ولذلك فهو لا ينظر في الأمور الا من خلال هذه الارادة. أما العبقري فهويسمو عن ذلك ويحاول أن يفهم الحياة على اساس موضوعيبحت.

يقول (شوبنهور): العبقرية هي الموضوعية الخالصة في الفكر. فهي تلك القوة التي تجعلصاحبها يهمل مصالحه ورغباته وأهدافه.. وينبذ شخصيته لمدة معينة بحيث يكون فيها اداةخالصة للمعرفة والنظر في الكون نظرا نقيا. ان المعرفة عند عامة الناس خاضعة لارادةالحياة وهي مسيّرة عادة في سبيل المصالح الشخصية والمنافع الخاصة. أما عند العبقريفالمعرفة هي التي تسيّر الحياة. (1)

ويرى (شوبنهور) أن هذا هو السبب الذي جعل الناس لا يفهمون العبقري، وهو لا يفهمهم. فهويمشي نحو السماء فيقع في البئر. وكلما كان الانسان أكثر اجتماعية كان في رأي (شوبنهور) أقل عبقرية واكثرابتذالا.

ويقول (شوبنهور) أيضا: ان تراجم الرجال العظام تشير الى ترابط الجنون والعبقرية، وهو قددرس كثيرا من الحالات الفردية من مستشفيات المجانين فوجد أمارات العبقرية واضحةفيها...

والمرأة في نظر (شوبنهور) قد تملك أحيانا مقدرة فائقة ولكنها لنتستطيع أن تكون عبقرية لأنها لا تقدر على الخروج من ذاتها، فهي ميالة الى النظر فيالأمور من خلال عواطفها ورغباتها الشخصية. (2)

و (برجسون) يميل في تفسير العبقرية الى ما يقرب تفسير (شوبنهور). فهويقول:

انالانسان ميال بطبيعته الى موافقة الجماعة التي ينتمي اليها. اما العبقري فيشعر أنهينتمي الى البشرية جمعاء ولذا فهو يخترق حدود الجماعة التي نشأ فيها ويثور علىالعرف الذي يدعم كيانها. انه يخاطب الانسانية كلها بلغة الحب، وكأنه انسان من نوعجديد. (3)

ويعتقد (برجسون) بان العبقري فيه نزعة من التصوف،ذلك أنه حين ينغمرفي ساعة الابداع يغيب عن وعيه ويدخل في ما يشبه الوجد الصوفي أو الغيبوبة. انه عندذلك يتحد مع الدفقة الحيوية الكبرى التي تسيّر الكون، ويستشف من الحقيقة المطلقة مالا يستطيع أن يستشفه المنغمسون في همومهم الضيقةالمحدودة.

ويأتي (توينبي) فيوافق (برجسون) على ما يقوله موافقة تامة، وهو يرى أن العبقرية هي سببالتطور في المدنيات البشرية. فالفرد العادي في نظر (توينبي) محافظ جامد يميل الىالتمسك بالعادات الموروثة، أما العبقري فهو على النقيض من ذلك يحب الابتداع والثورةعلى التقاليد. ان العبقري يشعر بأنه كلف برسالة وكثيرا ما يحب الفناء في هذهالرسالة بحيث يصبح كالعاشق الولهان لا يعرف من الدنيا الا اياها، فهو مقلق للنظامالاجتماعي مهدد لكيانه اذ هو يبغي أن يحوله من حال الى حال ولا يبالي أن ينال فيسبيل ذلك ما ينال.

ويعتقد (توينبي) أن العامة من الناس متماثلون في المزاج ونمط التفكيرأينما وليت وجهك - سواء في ذلك المتمدنون منهم وغير المتمدنين. ومعنى ذلك: ان رجلالشارع في أوروبا مثلا لا يختلف في طبيعة تفكيره عن رجل الشارع في أفريقيا أوآسيا.(4)كلاهما بليد يميل الى الخرافة وسرعة التصديق. انالفارق الذي يميز المدنية عن الحياة البدائية هو كثرة ظهور العباقرة في الاولىوقلته في الثانية. فالمدنية تفسح المجال للعبقري أن يقول ما يشاء أو يبدع ما يهوى. أما بين البدائيين والمتأخرين فالمجدد ممقوت وكل من يبتدع شيئا لم يعهدوه من قبلقابلوه بالانكار أو الاستهزاء أو الأذى، ولا ينجح بينهم الا الجامدون المتزمتونالذين يتنافسون ويتفاخرون على مبلغ ما يتفوق به احدهم في تمسكه بالعادات الموروثةوالقيم الاجتماعية.

ففي رأي (توينبي) أن المتمدنين يتجهون في اعجابهم وتقديرهم نحوالمبتكرين والمخترعين والعباقرة، بينما المتأخرون نحو المحافظين والمقلدين. انه فرقفي اتجاه التقدير لا في نوعه. وهذا الاختلاف في اتجاه التقدير هو الذي يؤدي الى ذلكالاختلاف العظيم في مظهر الحضارة. (5)

المصدر: الانترنت