عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
2

المشاهدات
2968
 
سيف الدين الشرقاوي
من آل منابر ثقافية

سيف الدين الشرقاوي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
17

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Aug 2011

الاقامة

رقم العضوية
10275
08-04-2011, 08:31 PM
المشاركة 1
08-04-2011, 08:31 PM
المشاركة 1
Lightbulb قصًة قصيرة من أدب السجون ــ الأطياف الثلاثة ــ
قصًة قصيرة من أدب السجون

الأطياف الثلاثة







1




سفر الرؤيا





حلم الأمس يعود دوما....


إنَه في أغوار نفسي... وكلَما أوغلت في النسيان.. يطفو الطيف ليذكرني ما دفنت من أسفار الماضي...لقد فشلت في نسيان الماضي الذي دفنته إنَه ينتفض من الأجداث سراعا ويعود بالأطياف من جديد


يرفرف طيف الحزن فوق سماء أحزاني المتلبدة.. يثقل كاهلي ويخنقني حتى يأخد مني الجهد... ترى هل سيطاردني ذلك الطيف إلى آخر نفس في الجسد العليل المكدود....؟...أم أنه سيختفي و إلى الأبد....


أوَاه كم يجدد الطيف العابر ...ـ على نفسي ـ من مرارات الأسى وحزن الماضي بكل تلاوين الأحزان الجارفة والجارحة... إنه ينكش في ذاكرتي عميقا فيبدو الجرح المتدفق بالدم والصديد...


كأنَه وليد اليوم......


الطيف العابر كنقار الخشب يدق طبول الأسى والذكريات في أعماقي.. وينقر فوق رأسي... لقد تحوَل الطيف إلى هاجس داخلي أصيل..


إنني في دوَامة تتقاذفني من زمن بعيد....


أحس بطيفها وهو ماثل أمامي لا مفر منه مرَات تزورني كل يوم باسمة وعابسة


مقبلة ومدبرة فرحة مستبشرة وحزينة منكسرة شاحبة كأوراق الخريف او مزهرة كريحانة من جنائن الورد.......


ولكنني كلما طالعت ذلك الطيف ... أقف مشدودا مبعثر الأفكار فارغ الفؤاد إلا منه ... إنه يظللني كالشجرة الوارفة... وألوذ إليه ككهف عميق غابر ... ولكنني في كل الأحوال لا أحسَ بالانقباض أو الامتعاض... عندما أراها في أحلامي ورآي...


ولكنه طيف موجع ينكَأ الجرح الدامي .... ذلك الطيف الذي أراه من المكان القصي يحمل لون الأسف والندم والأسى والحسرة والأنين.


خذلني الطيف عندما رفرف فوق رأسي بجناحي طائر ثم اختفى في غمار السماء.... خذلني الحلم البعيد ... تبدد كفقاعات الهواء الزائغة.. تحول إلى أضغاث أحلام وكوابيس مزعجة تخزني بأشواكها في كل مكان من جسدي وتصيح بالذكريات في وجهي تنكش في العمق والأوجاع.


خذلني القيد الذي في يدي والزنزانة التي تعتصرني....


خذلني الصوت المبحوح في أعماقي وأخاديد ذاكرتي ووجداني...






سفر السجن والحرية





لا أدري منذ متى وأنا جالس هنا تحت سقف الزنزانة أحلق في سماء أحزاني وتأملاتي الصامتة والمكتومة والمتأوَهة الخفيضة ..


يصبح الصمت داخل القبو طقسا إعتياديا.. يكاد لساني أن يصاب بالصدأ وأنا أبتلعه طيلة سحابة اليوم لا أستعمله في الليل والنهار ....


المنفردة تعني العزلة ... إنها رحم يحمل جنين المعاناة والقهر وديعة ... ويمتد الألم لشهور أو سنوات قبل أن يكون المخاض بالحرية المستحيلة


السجين السياسي لا يغادر العتمة إلا في حالة واحدة .... الموت


أنا هنا..... في القبو منذ سبع سنوات...


الحرية كلمة نسيتها ... إنني أعيش السجن ولا شيء غير السجن.. اصبحت مخدرا بالسجون ...تسكنني كما أسكنها.... ترى كم أحتاج من الزمن لأعبر إلى عالم الأحياء ... عالم الأسماء والطرقات والحياة .


هنا لاشيء سوى الأرقام والزنازين والوجوه الكالحة والأقبية والظلمة المهيمنة مع عتمة شديدة مملوءة بالكآبة والترهل...


إنفجر في رأسي شيء مخيف .. مرعب ومقزَز أشعرني برغبة جارفة في القيء والغثيان .. إنها لحظات مقرفة جداااا...إنه شيء مخيف تذكرته فجأة .. أحسست بالإنقباض و الإختناق الذي يجثم على صدري يزداد في قوة نبضاته وخفقاته..... كانوا أمامي يزيدون على الأربعة وجوههم كأديم الأرض ... صفحات مقت وغضب ولعنة ... وقفوا ينتظرون كبيرهم كان قصير القامة بعيني فأر ... رمقني بعين تطفح غلاً... وأعطى أوامره للجلاوزة... إندفعوا صوبي دفعة واحدة وهم يصيحون في صوت واحد أجش....


ــ إخلع السروال........


ياللهول... تفصَد جبيني بحبات من العرق زادتني الخرقة السوداء التي وضعوها على وجهي إحساسا بالإختناق لكنني كنت أختلس وأتلصص من الشيفون ملامحهم وحركاتهم البهلوانية... كان ذلك الثقب بوابتي لمعانقة الصورة ..


أي هول هذا الذي أراه في الوجوه وأسمعه من جلبة المكان...


وقفت جامدا متخشبا جردوني من ثيابي أصبحت خزيانا.... إنه الخزي الذي جللني..... لاول مرة في حياتي... أجبر على نزع ملابسي.....


الآن بدأت القيــــــــــــــــــــــــامة ... إنهم يجردونني من المخيط والمحيط ويتأهبون للعذاب.......


قال أحدهم بعنجهية


ــ قرفـــــــــــــــص


جلست القرفصاء والجلبة حوالي تزداد... الصراخ والحركة والأصوات....


عاد الحاج كبير الجلاوزة صاحب العينين المميزتين بالخبث والحيلة والمكر .. أشار إليهم بيده إشارات .. ثم مضى كالطيف.. بعدها أقبل الجلاوزة نحوي وأنا لا أزال مقرفصا ... قال أحدهم آمرا


ــ أكْحُبْ


كان جوابي الصمت والدهشة إنني لا أفهم ماذا تعني أكْحُب ...؟


صاح الآخر وهو يقهقه


ـ أكــــْ حُ ـــــــــــب يعني فاعمل هكذا ..يا خرا .. ثم افتعل السعال بقوة كأنه نهيق حمار... عرفت حينها أنني سأكْحُبُ على طريقة الجلاوزة كحبْتُ لأوَل مرَة كان سعالا هو مزيجٌ من الأسى والحرقة والحسْرة... كلَما سعلتُ بقوة كان الجلاوزة يضربونني على ظهري بعنف...لهم فيها مآرب أخرى......


قال الحاج الكبير...


ــ خـذ وه فغلَوه ثم إلى الزنزانة 72 أدخلوه...


مضوا بي في موكب جنائزي صامت ... إلى العتمة الباهرة....





ــــــــــــــــــــــــ


يتبع.........



التعديل الأخير تم بواسطة أحمد فؤاد صوفي ; 08-08-2011 الساعة 09:06 PM سبب آخر: تضبيط